عطاف يحل بالدوحة للمشاركة في الدورة الثالثة لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان    وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يستقبل مجموعة من ممثلي المنظمات النقابية    عون يؤكد على أهمية الاستثمار في الصناعة التحويلية الغذائية    قسنطينة: إقبال لافت على الصالون الدولي للسياحة و الأسفار "سيرتا سياحة 2024"    الأمم المتحدة : بعثة أممية في غزة لتقييم الدمار اللاحق بمنشآت الأونروا    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    الكيان الصهيوني يكثف غاراته على جنوب لبنان    قال إن المركزية النقابية ستراجع منهجية عملها مستقبلا: تاقجوت يثمّن إجراءات الرئيس تبون لصالح العمال    لرفع العراقيل عن شركات النقل واللوجيستيك: إطلاق منصة رقمية لصندوق ترقية الصادرات اليوم    حملوه نقل تحياتهم إلى رئيس الجمهورية: العرباوي يلتقي الرئيسين الكيني والموريتاني ورئيس الوزراء الإثيوبي    بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية    عرقاب يؤكد من إيطاليا: الجزائر ملتزمة بتعزيز دورها كمزود موثوق به للطاقة    عطاف في مكالمة هاتفية مع نظيرته السنغالية: الجزائر تريد مرحلة جديدة في علاقتها مع السنغال    بعد سقوط الكاف في مستنقع الأخطاء    في انتظار ضبط تاريخ نهائي الكأس: تأخير موعد الجولة 25 لبرمجة مواجهتين مؤجلتين    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    هكذا يُمهّد الصهاينة لاجتياح رفح..    ترقية التعاون بين "كوصوب" وهيئة قطر لأسواق المال    مجلس الأمة يشارك في منتدى حوار الثقافات بأذربيجان    رابح بيطاط.. مسار مجاهد من التحرير إلى البناء    الشروع في تنفيذ غراسة نموذجية لإنتاج شتلات الأرقان    نظام جديد لتشفير بيانات متابعة طلبات الاستيراد    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    أنديتنا أظهرت مستوى رفيعا بالموعد القاري في وهران    منتخبو بلدية المحمدية ينهون حالة الانسداد    مفتشتان من وزارة الريّ بعنابة    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    بن رحمة يُهدي البياسجي اللقب!    لا بديل عن تعزيز الجهود لدعم ومرافقة مشاريع تربية المائيات    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    لا أملك سرا للإبداع    السعي متواصل لاستكمال هويتها الفلسطينية الجزائرية    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    عنابة: حجز قرابة 30 ألف قرص مهلوس    مهرجان عنابة.. فرصة مثالية لاسترجاع جمهور السينما    الوريدة".. تاريخ عريق يفوح بعبق الأصالة "    موعد عائلي وشباني بألوان الربيع    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاجعة في منتصف الحلم...
نشر في الجزائر نيوز يوم 04 - 06 - 2012

..أذكر أنني تعلمت أصول النقد المسرحي في الطابق الأول للمسرح الجهوي عزالدين مجوبي بعنابة، حين كانت تتم مناقشة العروض المسرحية الشرفية في الفترة الصباحية بعد عرضها، وكان هذا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.. لكننا اليوم وبعد نهاية كل عرض ندعى إلى مأدبة بها أصناف عدة من الطعام، تكون المجاملة فيها سيدة الشرف..
قبل أيام من شهر ماي 2012 لم نكن نعلم أين ستقام الطبعة الثامنة للمهرجان الوطني للمسرح الجامعي، ترددت الكثير من الإشاعات، منها أنها ستقام في إحدى مدن الجنوب الجزائري الكبير، وقد غذى هذه الإشاعات تأخر إعلان مكان التظاهرة بسبب الانتخابات التشريعية. كان طلبة جامعة محمد الصديق بن يحيى، جيجل، الذين أشتغل معهم، وأشرف على تكوينهم مسرحيا دائمي السؤال والإلحاح: متى؟ أين؟
وكانت إجابتي صريحة: لا أعلم
وكنت فعلا لا أملك الإجابة...
ذات مساء وبعد العرض الشرفي للمسرحية التي قمت بإخراجها وتحمل عنوان: ''بلاد العجائب'' والتي قدمتها بدار الثقافة عمر أوصديق لمدينة جيجل، وهي مأخوذة عن فكرة للكاتب الإسباني سرفانتس والكاتب الساخر التركي عزيز نسين.
* نص: فاطمة بلفوضيل
* سينوغرافيا: خالد بصير
* موسيقى: سليم سوهالي
* مساعد المخرج: يعقوب بريهوم
وقام بتشخيصها كل من الطلبة:
* فؤاد ناصري (دون كيشوت - الحاكم)
* أنيس عمراني (المخرج لوركا)
* اسماعين عزالدين (الممثل انطونيو- ابن الاخت - وكيل المحكمة)
* عبدالغني رمضاني (سانشو - الحارس الشخصي للحاكم)
* خديجة عبدالعالي (الممثلة يولاندا - الزوجة)
* رضوان شابو (الممثل كاماتشو - الزوج)
* أمينة لعور (الممثلة لولا - المغنية - كاتبة في المحكمة)
* وفاء نوري (الممثلة آنيا - فتاة الحلم - القاضية - زوجة الخال)
* وليد بورزاح (الممثل خوليو - الموسيقي - سي فلان)
* ابتسام حميدوش (بنت الحاكم)
* عفاف مسحول (فتاة الحلم - مديرة تشريفات الحاكم)
* العربي رياش (الممثل خوسيه - الخال)
وقد تابع الإنتاج كل من السيدات: السيدة لامية علال، السيدة آسيا حاجي والسيدة لويزة مجذوب.
وأشرف على تقنيات الصوت والإضاءة كل من عامر بوغدة وإبراهيم بوعجل. هذه التجربة قضيت فيها أكثر من شهرين واعتبرتها ورشة تكوينية حاولت من خلالها مع الطلبة المغامرين القادمين من تخصصات عدة (هندسة معمارية - بيولوجيا - قانون - علوم سياسية - إيكولوجيا - فرنسية - جيولجيا) العمل على تقنية المسرح داخل المسرح، وهي مغامرة صعبة لطلاب هواة، أغلبهم لم يصعد من قبل على خشبة المسرح وأيضا حاولت العمل على تقنية الارتجال وتحفيز خيال الممثلين..
قدمنا العرض الشرفي بنجاح يوم 15 ماي 2012، ومساء ذلك اليوم دعانا مدير الإنتاج وعاشق المسرح الأستاذ عاشور مزعاش، مدير الخدمات الجامعية لولاية جيجل، إلى وجبة عشاء أقيمت على شرف الطلبة بمنطقة ''اندرو'' الساحلية، ببلدية العوانة، وهذا لشكر الطلبة على المجهودات التي قاموا بها خلال ما يقارب ثلاثة أشهر من التمرين رغم أعباء الدراسة وأيضا لإخبارهم أن اللجنة العلمية لمحافظة المهرجان الجامعي قد قبلت العرض للمشاركة في المنافسة الرسمية، ملأ هذا الخبر قلوب الطلبة فرحا، فتعالت الزغاريد والتصفيقات في الحافلة التي يقودها الرائع عميرات رضا الذي سبق أن كان شاهدا على إنتاج عروضي السابقة مع المديرية نفسها منها: ''نساء لوركا'' التي توجت في المنافسة بأحسن إخراج مسرحي خلال دورة تلمسان 2009 و''موت العميد الأخير'' 2011، وبعد ذلك أكد الأستاذ عاشور مزعاش أن المهرجان سيكون بمدينة الشلف في الفترة الممتدة من 24 إلى 31 ماي .2012
هنا واجهت الطلبة مشكلة أخرى هي أجندة الامتحانات التي تصادف هذا التاريخ المعلن، وقد أخبرني الطلبة أن السيد عاشور مزعاش رتب لهم لقاء دافئا مع مدير جامعة جيجل الأستاذ الدكتور لعمارة قدور، وكان متفهما وسعيدا بإنجاز الطلبة المسرحي ومنحهم رخصة للمشاركة في المهرجان...
كنت غادرت جيجل بعد العرض الشرفي مباشرة لارتباطاتي المهنية مع محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، حيث تمت برمجة جلسة عمل أشرف عليها الأستاذ براهيم نوال بصفته نائب محافظ المهرجان تحت رعاية الأستاذ الفاضل أمحمد بن قطاف محافظ المهرجان الوطني للمسرح المحترف...
وكان من المفترض أن أغادر بعدها العاصمة مباشرة إلى الشلف رفقة أستاذي براهيم نوال، لكن ارتباطاته بالتحضير للذكرى الخمسينية جعله يتأخر إلى ما بعد الافتتاح الرسمي، وبدعوة صادقة من الأمين العام لمحافظة المهرجان الأستاذ اسماعيل انزارن انتقلت إلى مقر المديرية العامة للخدمات الجامعية ببن عكنون حيث ستكون هناك نقطة انطلاق جميع الضيوف..
وفور وصولي التقيت الفنانة الدؤوبة سميرة صحراوي والباحثة مليكة بلقاسمي والمخرجة حميدة آيت الحاج ومحافظ المهرجان جمال زلاقي الذي استقبلنا بفرح كبير ومنحنا الكثير من الحلوى والاهتمام رغم ضغط العمل والتحضير لحفل الافتتاح رفقة الأستاذ اسماعيل انزارن..
فتح الحديث الودي بيننا نافذة كبيرة على التحضيرات وبرنامج المهرجان خلال هذه الطبعة الثامنة، انطلاقا من أهداف المهرجان المحددة التي يمكن حوصلتها كما يلي:
* التطهير النفسي على جميع مستويات الممثلين والطلبة والجمهور.
* السلامة الصحية والروحية والسلوكية من كل أنواع وأشكال التوترات والعوائق المترسبة جراء التربية العائلية والاجتماعية التي تظهر في شكل خوف أو تردد أو توتر قد ينعكس سلبا على مردودية ورغبة الطالب في الكلام والسلوك اليومي له.
* إكتساب معارف جديدة ورؤى متجددة للحياة المستقبلية وتجارب عن الكاتب المسرحي والمخرج الفنان حتى يتسنى لهاوي المسرح الأكاديمي أن يندمج في الاحتراف المسرحي.
* إدراك أهمية التعاون والصداقة في إنجاز عمل إبداعي بين المخرج والطلبة والعناية به بعيدا عن الانعزال والانطوائية ومخاطر الأمراض النفسية.
* إكتساب قواعد سلوكية وصفات وأخلاق أكثر تهذيبا وإبرام علاقات صداقة تقوم على الصدق والنقاء.
* القدرة على التفكير الجماعي الحكيم فيما بين الطلبة الممثلين والمؤطرين للنشاط المسرحي بحكمة اجتماعية وفلسفية رصينة قد تصل المتلقين عبر العمل الإبداعي الفني المعروض.
* تعمل ممارسة الطالب للنشاط المسرحي الأكاديمي في جميع أطواره على تعميق الثقة بالنفس لديه، كما أنها تعزز دور الكاتب والناقد والباحث في النهضة العملية الثقافية.
في المساء انتقلت رفقة اسماعيل انزارن إلى مدينة الشلف عبر سيارته الخاصة البيضاء التي مازلت تحمل ترقيم مدينة باتنة .05
وطول الرحلة التي استمرت حوالي ساعتين إلى عاصمة الونشريس كانت التوجيهات العملية تتم عبر الهاتف مع اسماعيل وفريق عمله المكلف بتنظيم التظاهرة هناك وخاصة المشرف على الاستقبال السيد بن شهيدة، وكان التواصل حارا مع عزيز العامري ''هذا الشاب العاشق للمسرح الذي التقيت به ذات صيف حار في مدينة عين الدفلى سنة 1998 حين كانت طريق وادي جر أشبه بكابوس عظيم، حيث كان هناك الموت دائما يبتسم للجميع، وكنت في هذه الولاية في إطار مهمة عمل كلفني بها الرجل الصادق والمخلص براهيم مراد، والي الولاية، وهي للتحضير لملتقى الشهيد سي محمد بوقرة وأيضا وضع تصور واستراتيجية ثقافية لهذه الولاية، حيث فاجأني هذا الشاب بنص مسرحي مازلت أحتفظ به في أرشيفي الشخصي وأيضا بعمل مسرحي قدمه لي في إحدى المدارس بمدينة العطاف'' هذا الشاب وذات صباح التقيته مجددا لكن في التلفزيون دائما ببسمته التي تسبق كلماته وهو يقدم فقراته في برنامج صباح الخير.. تلك هي حكايتي مع عزيز العامري الذي كان يدعى ''عزرين''.
دخلنا مدينة الشلف - وهي زيارتي الأولى لها - التي لديّ بعض المعارف هناك في حقل الفنون المسرحية منهم الأستاذ الرائع الفنان زعفون قدور والأستاذ المخرج ميسوم لعروسي، وأعرف أيضا الشاعر والكاتب عيسى نكاف والقاصة رشيدة براهيمي، كما كنت أعرف اللاعب الجاد مغاريا فوضيل الذي أحتفظ له بصورة رائعة في ألبومي خلال انتقاله إلى اللعب في تونس مع صديقي الصحفي عبدالناصر بن عيسى..
الشلف.. هو ذاك الدمار الذي مازال مرتسما في ذاكرتي وذاكرة كل جزائرية وجزائري حين زلزت الأصنام وزلزل معها الإنسان... كم بكينا يا الأصنام! .. كم بكينا !!
الشلف في ذاكرتي.. هي مدينة تنس البحرية التي كان يراسلني منها ابن خالتي مسعود غميط حين كان يؤدي واجب خدمته الوطنية خلال نهاية السبعينيات وأنا طفل في مرحلة الابتدائية بمدرسة غربي عيسى بمدينة عنابة، ومازلت أحتفظ بتلك البطاقات البريدية الرائعة لساحل ساحر ومدهش..
الشلف.. هي المسرحية التي فازت بأحسن إخراج مسرحي في المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية خلال دورة ,.2011
الشلف.. أخيرا هي عاصمة المهرجان الوطني للمسرح الجامعي 2012 برعاية الديوان الوطني للخدمات الجامعية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
أول المظاهر التي شاهدتها في هذه المدينة هي ملصقات الحملة الانتخابية، حيث بقيت بعض الملصقات التي يظهر فيها رئيس كرة القدم إتحاد الشلف أحمد مدوار، الفائز بأحد مقاعد البرلمان وملصقات المسرح الجامعي المعلنة للفرح الكبير الذي سيجعل من هذه المدينة فضاء للعرس والفرجة والتعارف والتنافس.
كانت الوجهة إلى فندق الونشريس، لي ابن يسمى ونشريس وابنة تسمى أوراس... لقد أردنا أنا وزوجتي الأستاذة فاطمة بلفوضيل أن يحمل أبناؤنا جزءا من التاريخ العظيم لهذا الوطن.
وجدنا الفندق في حالة ترميم، حيث استقبلنا هناك كل من عزيز العامري، والسيد بن شهيدة، وزميلي الناقد المشاكس عبدالحليم بوشراكي المدعو منذ أيام الدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية ببرج الكيفان ب ''الخميني'' نظرا لمشاكساته الكبيرة وآرائه النقدية المتطرفة والسيد شتوان مدير الخدمات الجامعية لولاية الشلف الذي كان في قمة البساطة والتواضع، وقد أبهرني تواضعه الشديد الذي يجعل منذ اللقاء الأول جسرا قويا للمحبة والتعارف، توجهنا بعدها إلى غرفنا في الجهة المقابلة بعيدا عن الفندق الرئيسي، كانت غرفتي تحمل رقم 303 وكانت في غاية التنظيم والنظافة رغم أن المظهر الخارجي للفندق نظرا للأشغال لايوحي بذلك الجمال ويظهر بائسا..
بعد راحة أكثر من ساعة تمت دعوتنا للعشاء حيث التقينا بضيوف المهرجان منهم المكرمين وأعضاء لجنة التحكيم والأساتذة المتدخلين، وبعض أعضاء لجنة التنظيم منهما الآنستين صابرينة العطوي وسارة صحراوي.
في الصباح كانت الوجهة إلى قاعة العربي التبسي، حيث ستقام الفعاليات...
حين نزلنا من السيارات كان الاستقبال مدهشا من طرف الطلبة خاصة لبعض عمالقة المسرح والتلفزيون أمثال فتيحة بربار، محمد آدار، فتيحة سلطان، سميرة صحراوي، سعيد حلمي، العمري كعوان وتونس آيت علي...
كانت الفرقة النحاسية تعزف إيقاعات فلكلورية رائعة جعلت من الساحة فضاء للفرجة والفرح... وجدت طلابي الممثلين في قمة الأناقة يرتدون أقمصة باللونين الأزرق والأبيض إشارة إلى مدينة جيجل الساحلية، مكتوبة عليها مديرية الخدمات الجامعية لولاية جيجل ويصرخون مبتهجين برؤيتي: بحرية.. بحرية.. بحرية.. بعد دخول الوفد الرسمي.. بدأ استعراض الفرق المشاركة التي كان عددها 13 فرقة داخل المنافسة و4 فرق خارج المنافسة وأخذت مكاني بين طلبتي ودخلنا القاعة بالزغاريد والأهازيج.
في البداية تم الاستماع إلى النشيد الوطني الجزائري عزفته الفرقة النحاسية وكان الكل في القاعة يردد النشيد معتزا بالانتماء إلى جزائر الشهداء.. بعدها تناول الكلمة المنشط والمقدم التلفزيوني عزيز العامري، حيث قدم الفرق المشاركة فرقة، فرقة، وبعدها تم تكريم شخصيات المهرجان وهم الفنان القدير آدار محمد، الفنانة فتيحة سلطان، الفنانة الكبيرة دوجة العشعاشي، الفنان عمي سعيد حلمي، الأستاذ المخرج ابن مدينة الشلف ميسوم لعروسي، وتم الاحتفاء بأصدقاء المهرجان منهم الفنانة الكبيرة فتيحة بربار، والأستاذة الباحثة مليكة بلقاسمي، ثم انتقل إلى كلمات الترحيب، حيث تناول محافظ المهرجان الأستاذ جمال زلاقي كلمته الترحيبية بكل طيبة، وبعدها السيد مدير ديوان الوالي الذي تحدث بعفوية، حيث قال إنه لأول مرة يحضر تظاهرة مسرحية بهذا الحجم ويلتقي بأسماء كبيرة كان يشاهدها في التلفزيون، وقد صرح أن الفنانة فتيحة سلطان ذكرته بمدينته قسنطينة..
جاءت كلمة الافتتاح التي قدمها المدير العام للخدمات الجامعية الأستاذ الهادي مباركي، بعيدة عن البروتوكولات والكلمات الجافة، حيث خاطب فيها الطلبة بأبوية مطلقة جعلته يحظى بتصفيقات حارة منهم، حيث تحدث عن دور المديرية العامة في ترسيخ هذا المهرجان وأيضا عمل الوصاية المدعمة له.
بعد الإعلان الرسمي عن انطلاق المهرجان تم تقديم لجنة التحكيم وشملت كل من:
* الدكتور نورالدين عمرون (رئيسا).
* الدكتور أحمد طالب (عضوا).
* الأستاذة والمخرجة حميدة آيت الحاج (عضوة).
* الأستاذ والمخرج قدور زعفون (عضوا).
* الفنانة والممثلة سميرة صحراوي (عضوة).
أما الأسماء التي ستقوم بتنشيط الشق العلمي للمهرجان شملت كل من:
* الدكتور حبيب بوخليفة.
* الأستاذ عبدالحليم بوشراكي.
* الأستاذة مليكة بلقاسمي.
* الأستاذ براهيم نوال.
* الدكتور صالح لمباركية.
* الأستاذ عبدالناصر خلاف.
بعد ذلك أهدت محافظة المهرجان للحضور والضيوف والطلبة على شكل تحية مسرحية، لوحات مونودرامية أعدها وقدمها وأخرجها بروحه الفنية العالية وبحضوره المتأنق وباحتفالية مسرحية مشهود له المسرحي العمري كعوان الذي صرح في البداية أنه على تلك المنصة تحصل على جائزة أحسن عمل مسرحي خلال المهرجان الوطني للمونودرام والفكاهة..
الخيمة المسرحية
إن ما يميز فعلا، ودون أدنى مجاملة للهيئة المنظمة، هو التقليد الرائع الذي عكفت على ترسيخه محافظة المهرجان منذ الدورات السابقة، وهو ما يطلق عليه ''الخيمة المسرحية''، هذه الخيمة انصبت في أحد الأحياء الجامعية والهدف منها هو مناقشة العروض المقدمة، وهي بمثابة ورشة تكوينية في النقد المسرحي، حيث تتم محاكمة العروض المسرحية بعد تنصيب القاضي والمدعي العام والمحامي. يشرع القاضي في تقديم العمل والفرقة، وبعدها يحيل الكلمة للمدعي العام الذي يحاول قدر الإمكان نقد العمل وذكر بعض السلبيات وحين ينتهي من مرافعته تحوّل الكلمة للمحامي الذي يعمل ما في وسعه لدحض أحكام المدعي العام والدفاع بشراسة عن قيمة وجمالية العرض.
في الأخير، يحيل القاضي الكلمة لطاقم المسرحية من مخرج أو ممثل، ويسمح بتدخل بعض الحضور لإثراء الموضوع، وأخيرا يستمع إلى حكم القاضي الذي عادة ما يقدم في النهاية توجيهات للفرقة وتشجيعات للاستمرار والإبداع.
خلال الجلسة الأولى تم تعييني مدعيا عاما وهذا بعد تنصيب السيد اسماعيل انزارن قاضيا والأستاذ لعروسي ميسوم محاميا، وبعدها عين الأستاذ عبدالحليم بوشراكي محاميا..
وكان النقاش حادا وحارا، وفعلا أحسست بمسؤولية المهمة التي أقوم بها، لأن الكثير من الطلبة رأى أن أحكامي قاسية... وما أسجله في هذا المقام أن هذا التقليد غائب للأسف في المهرجانات المسرحية الجزائرية الهاوية والمحترفة... صحيح أن مهرجان المسرح في الجنوب يعطي مساحة كبيرة لمثل هذه المناقشات، ولكن ليس بالكيفية التي تشرح فيه الأعمال في الخيمة المسرحية، وقد شاركت أيضا في بعض المهرجانات العربية آخرها مهرجان الشارقة المسرحي بالإمارات العربية المتحدة في دورته ال ,22 حيث يفتح دائما النقاش حول كل عرض يقدم أو ما يسمى بالجلسات النقدية، وهذه ظاهرة صحية نفتقدها في الجزائر... أذكر أنني تعلمت أصول النقد المسرحي في الطابق الأول للمسرح الجهوي عزالدين مجوبي بعنابة، حين كانت تتم مناقشة العروض المسرحية الشرفية في الفترة الصباحية بعد عرضها، وكان هذا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.. لكننا اليوم وبعد نهاية كل عرض ندعى إلى مأدبة بها أصناف عدة من الطعام، تكون المجاملة فيها سيدة الشرف.
قبلات وورد وصور وضحكات
ثم نفترق فيما يشبه الضجة
ولا حديث عن العرض سوى ما تكتبه الصحافة في اليوم التالي، أو ما يقال همسا بين الحضور..
لقد أثرت هذا الموضوع مع عدة شخصيات مسرحية جزائرية، لكن اكتشفت أن المحترفين والهواة يرون أن ثمة جرأة زائدة في النقد المسرحي توضع في خانة القذف والشتم، لذا حاول بعض المدراء ومحافظي المهرجانات غلق باب النقاش من منظور المثل الشعبي العامي: ''الباب الذي يجيئك منه الريح أغلقه واسترح''.
طبعا، لا ألوم أحدا في هذا المقام، لأن الخاسر هو المسرح في الجزائر لا غير...
أذكر - بأسف شديد - هذه الحساسية تجاه النقد... ففي دورة المهرجان الوطني للمسرح في الجنوب الذي قدم في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011وأجريت فعالياته بمدينة مغنية، قمت وبقرار من السيد أمحمد بن قطاف رئيس دائرة المسرح بالإشراف على المداخلات ومناقشة العروض المقدمة التي لم تكن تنافسية بل عروضا شرفية، وتألمت كثيرا حين ناقشت عرض بالنابتا لمدينة عين الصفراء- وبكل فرح على أساس تلك العلاقة التي تربطني بالفرقة ومخرجها جناح عبد القادر- لكن لم أتصور مطلقا أن النقاش سيصل إلى درجة الغضب والغليان، لأن المخرج اعتقد أننا نهاجم عرضه وممثليه وتحوّلت القضية من قضية علمية إلى قضية شخصية.. ولقد أهاننا فيها المخرج بمغادرة الجلسة وإثارة الفوضى..
حين عرضت الموضوع على الأستاذ براهيم نوال أخبرني أنه منذ البداية غير موافق على هذه الجلسات، وهي نفس قناعة الأستاذ بن قطاف، لأن هذه النقاشات كثيرا ما كانت تخرج عن إطارها النقدي (الإفادة والاستفادة) إلى التمزيق والتفريق..
لكن الدرس الذي تعلمته هذه المرة في الخيمة المسرحية هو أن طلبة الجامعات الجزائرية أكثر وعيا وأكثر مسؤولية بل يذهبون إلى المناطق الأكثر خطورة في العرض ويدافعون بشراسة عن أعمالهم وبعد نهاية الجلسات يستمر النقاش في أحاديث جانبية... وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أحيي فرقة جامعة معسكر التي قدمت مسرحية ''اللوحة تشيخ'' لتعاملهم مع انتقاداتنا بروح عالية خاصة مخرج المسرحية... الخيمة المسرحية بيت النقد المسرحي وعلامة مسجلة لمحافظة المهرجان الوطني للمسرح الجامعي في الجزائر...
الفاجعة
إستمرت المنافسة الرسمية بتقديم ثلاثة عروض يومية، وفي اليوم الثاني من المنافسة وخلال العرض الأخير ''الحراير'' الذي كان من إنتاج جامعة سطيف إقامة مريم بعتورة والذي كتب نصه وأخرجه الصديق القاص عبدالوهاب تمهاشت، حدث مشكل تقني حيث توقف القرص المضغوط لمدة خمس دقائق، وقد اعتمد العرض كليا على تقنية ال play back''، وما أثارني فعلا هو دموع الطالبات على الخشبة وهن واقفات، لأنهن كن في موقف صعب، ولا يعرفن كيف يتصرفن إزاء هذا الوضع، حيث تضامنت معهن، لأنني مررت ببعض هذه المواقف المريرة في تجربتي المسرحية، وقد رجوت طلابي الجالسين معي أن يصفقوا لامتصاص تلك اللحظات الصعبة والأصعب من ذلك أن المخرج كان في وسط القاعة منهمكا في تصوير العرض.. ولقد أنقذ الموقف بسرعة كبيرة بعد صعوده إلى الخشبة حيث يعمل فريقه التقني..
كانت تلك اللحظة الدرامية إشارة ما.. ربما لم يتوقعها أبدا فريق مسرحية مريم بوعتورة نهائيا والتي جاءت قبل نهاية العرض بدقائق، وكما يقول الروائي العالمي باولو كويلو في روايته ''الخميائي'' علينا أن نتبع الإشارات.. وكانت تلك فعلا إشارة حقيقية..
في نهاية العرض فهمنا الإشارة حين وصلنا خبر الفاجعة (مأساة الإقامة الجامعية بختي عبد المجيد تلمسان)... كان الموقف صعبا جدا... كانت لحظات تراجيدية بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
ساد صمت رهيب في قاعة العربي التبسي التي ألفت الضجة والتعليقات والزغاريد والصيحات بعد نهاية كل عرض مسرحي، لم نعرف كيف نتصرف وماذا نقول لهول الفاجعة الأليمة سوى الدعاء والصبر... أسماء رحلت في تلك اللحظة المسرحية، وأثناء عرض يمجد دماء الشهداء...
في تلك اللحظة امتزجت دموع طالبات مريم بوعتروة ودماء الشهداء الثورة التحريرية الكبرى بدماء شهداء العلم عباس ميلود، عقون يوسف، بوعمارة أمير، حمدي كمال، قادير نزيم، هجرسي عبدالله، عموش ماسينيسا وخالتي الزهرة..
يالله..
اللهم الهم ذويهم الصبر والسلوان..
سألني طلبتي ما العمل يا أستاذ؟
لم أعلق واكتفيت بانتظار ما ستعلنه محافظة المهرجان بعد عودة طاقمها من تلمسان مباشرة، وهكذا أعلن في اليوم التالي وبالتشاور مع الجميع تأجيل المهرجان الوطني للمسرح الجامعي إلى غاية منصف شهر جوان ,2012 تضامنا مع شهداء العلم..
الكل غادر في صمت..
ليتوقف سحر المسرح
ويؤجل الحلم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.