يتقاسم كل من هواري ولهاصي واناس هبري وهواري صابر، هاجس مستقبل أدائهم في مجال الأغنية الوهرانية، وهم يدفعون ضريبة تمسكهم بخيار البقاء ملتزمين بطابع موسيقي وغنائي، لا ينهل من السوق التجارية، خاصة هناك بوهران مرتع أغنية الراي وعوالمها. عندما تستمع إلى أصوات عذبة مثل الثلاثي ولهاصي وصابر واناس، ينتابك شعور غريب تجاه هؤلاء الشباب، الذين يقفون على المسرح، ويرددون أغانٍ أصبحت في نظر البعض في حكم “القديم". إلا يمكنك منع نفسك من الاستمتاع بلحظة جميلة، يكون فيها الفنان واقفا أمام جوق كامل، تتبادل فيه الالات الموسيقية لحظة العزف، وفق سلم موسيقي جميل، يغسل الأذن من الأصوات النشاز التي باتت تطلقها الأغاني السريعة في أيامنا هذه. كانت مناسبة تكريم الفنان طيب طيبي، فرصة ل “الجزائر نيوز" للالتقاء بنماذج فنية شابة، تعتبر في نظر العارفين من الأصوات الصاعدة التي يمكن أن تكون خير خلف لخير سلف. في حناجرهم أشياء ممزوجة من الاصالة والحداثة، صورتهم تحيلك إلى الزمن الجميل، أيام أحمد وهبي وبلاوي الهواري، ولكنها تخبئ وراء “اضطرارها" لإعادة أعمال الآخرين، حماسا واستعجالا لرؤية ساعة الحسم، تحين، لتفتح لهم أبواب القاعات، وتضاء لهم خصيصا، وليس ليكونوا “دوبلاج" أو “أشباح" حية تجدد اللقاء مع الماضي، وتحرمهم من السعي في الحاضر. هواري ولهاصي: “صوتي لا أسهم له في سوق الراي بوهران" يعد ولهاصي 17 عاما من مسيرته الفنية، أي منذ تخرجه من برنامج ألحان وشباب سنة 1996، لفت انتباه الاساتذة إليه، وعلى رأسهم الراحل محمد بوليفة، يوم غنى بصوت رخيم أعاد إلى الاذهان حلاوة صوت المرحوم أحمد وهبي. ومن يومها يستدعى هواري ولهاصي إلى المنصة، ليكون صوتا بديلا عن الراحلين أو المتعبين: “لم أغب يوما عن الساحة الفنية، لكني قيد الدعوات التي تصلني من حين لآخر، وهي قليلة للأسف"، يقول الفنان الشاب، الذي اقترن اسمه بالتكريمات وإعادة الأغاني، يوضح بهذا الشأن: “استدعى في المناسبات والتكريمات فاضطر لإعادة أغاني الآخرين، مع أني أملك نصوصي الخاصة، وأتمنى أن تفتح لي الأبواب وأحيي حفلا خاصا بإبداعاتي وأظهر للجمهور ما أنا قادر عليه". في جعبة ولهاصي أزيد من عشرة أغاني يسعى لتسجيل بعضها في قرص مضغوط، “في وقت أعجز فيه عن تسجيل ألبوم كامل"، يردف متأسفا. عن أسباب الظهور المحتشم، يشرح المتحدث ذلك بالقول: “المنتجون في وهران يفضلون العمل مع الصوت الذي يدر الأموال، أما صوت ولهاصي فليس من الأصوات التي تحرك السوق التجارية، أنا لا أغني من أجل المال، لي وظيفتي، ولا أحيي الأعراس أيضا، إلا أن موجة الراي الكبيرة غطت وما تزال علينا جميعا ولم نقو عليها لحد الآن". وعن إمكانية تجريبه لطابع الراي يؤكد: “لا أقدر عليه لا من حيث الكلمات ولا السلوك فأنا ملتزم بطبعي". إناس هبري: “لن أكون الشابة إناس لأرضي المنتجين" وصلت إناس لعالم الغناء في العام 2000، وقبلها هي سلسلة عائلة فنية بامتياز، على رأسها والدها علي هبري. رغم مشاركاتها الوطنية والجهوية، وفي البرامج التلفزيوينة والإذاعية، إلا أنها تشعر أن تتويجها بالمرتبة الأولى في البرنامج الجهوي ألحان وشباب في 2005، لم يمدها بشيء بتاتا. وعن ذات الشعور، تقول: “أشعر أن الفنان عموما مهمش في ولاية وهران، حاله حال كل البلاد، وفيما يخصنا لا يوجد دعم". فإناس واحدة من الذين التفت إليهم بوليفة، وفقه قوة صوتهم، فلحن لها أغنية للشاعر سليمان جوادي في 2009، كما تعتمد على خبرة والدها علي والملحن باي بكاي. صوتها الهادئ فيه شيء من أصالة نصري، وتأثيرات مشرقية واضحة، تؤكد ميول المغنية إلى الطرب الشرقي. خيار طبيعي فرضه تكوينها القاعدي، على يد كبار الأصوات الطربية العربية. إلا أن هدوءها لا يليق بعالم الغناء السائد في الجزائر، تقول: “لو كنت الشابة إناس، لكنت على حال آخر اليوم، إلا أن تمسكي بكوني “الفنانة اناس" ورفض كل الاغراءات التي وصلتني منذ بداياتي، ورفض التنازل عن اختياري للفن الراقي، يجعلني في هذا الوضع، حاليا.. علما أنني لست ضد الراي، لكن لا أرى نفسي فيه، لا مؤدية له ولا حاملة لرسالته". وعن مبررات “بارونات" سوق الغناء التي تفرض طابعا معينا، تجيب الشابة: “استغرب عندما يقولون إن الجمهور يطلب الراي فقط، ومتأكدة أن المنتجين هم الذين يفرضون نوع على حساب آخر، بينما الناس تبحث عن ألحان متنوعة وجميلة". هواري صابر: يستعملون صوتي لملء الفراغ؟ رغم صوته المنطلق، إلا أن غصة تأسر حنجرته، عندما يهم بالحديث عن تجربته في مجال الأغنية الوهرانية، التي أوصلته إلى تأدية الأغاني الشرقية: “خرجت بالمرتبة الثالثة من برنامج ألحان وشباب في 99، سريعا رحت أبحث عن أفق غنائي في المشرق العربي، سافرت إلى سوريا ثم لبنان، حيث خضت مغامرة فنية طويلة، تميزت بمشاركتي في برنامج سوبر ستار، وكنت الجزائري الوحيد، كما تعلمت على يد فنانين سوريين كانوا في النقابة أصول الطرب العربي، انجزت ألبومي (طريق الغرام) في 2007... لكن تدهور الأوضاع هناك أرغمني على العودة الى الجزائر". يعيش، حاليا، صابر هواري، حالة خيبة كبيرة، بعد أن بدأ مشوارا يرى أنه لا يقل أهمية على أقرانه مثل رويدا عطية وملحم زين وديانا كرزون: “أنا في حالة تجاهل تام من قبل القائمين على الثقافة، رغم تجربتي العربية، لا أشعر بالتقدير والاهتمام، وعندما تدعوني جهة لإعادة بعض الأغاني، أشعر أنني هنا لملء فراغ ما"، يردف صابر الذي يجزم أن حقوقه “مهضومة".