تمويل التنمية في افريقيا: السيد اديسينا ينوه بمساهمة الجزائر النشطة    الإصلاحات لن تتوقف.. ولا تراجع عن اجتماعية الدولة    رئيس الجمهورية ينوه بتنفيذ البرنامج التكميلي في ظرف قياسي    مؤشّرات إيجابية للاقتصاد الجزائري    الاستراتيجية الجزائرية.. واقعية وعقلانية    لن نقبل التفاوض في ظل الإبادة المتواصلة لشعبنا    طبي يستقبل فاليري أوبير    نجم بن عكنون يحيي آماله    استدعيتُ اللاعبين الأكثر جاهزية..    كافاني يعلن اعتزاله اللّعب دوليا    ميسي يتصدّر قائمة أفضل الهدّافين    خصم نقطة جديدة من رصيد شباب بن باديس    القطاع حقّق مكاسب كثيرة تبعث على الفخر    تعرّف على مرض الهيموفيليا؟    توقيف عصابة خطيرة بقسنطينة    فتح تحقيق ابتدائي حول أسباب وفاة شخص    المدية: تفكيك جماعتين إجراميتين    تتويج البطحة و حداش حداش    أرضية رقمية للتكفل بحجّاج الجزائر    248 حاجاً يغادرون بشار    السيد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الإيراني المكلف    نحو تطوير العلاقات بين الجزائر ومنظّمة شانغهاي    ثقافة المقاومة في كتابات النخبة الجزائرية بتونس    نحو إعادة الاعتبار ل "قصر ورقلة"    معهد فنون العرض يدرس "تعليمية المسرح"، الثلاثاء المقبل    انتقام ممنهج.. و"احتقار" للقيم الإنسانية    سفارة الجزائر بلبنان تنظم يوما إعلاميا حول تشجيع الاستثمار في الجزائر    تثمين سلالة "الدغمة" لإحداث تنمية اقتصادية    المغرب في صدارة الدول التي تضيّق على أصحاب الرّأي الحر    الشّعب الصحراوي لن يتنازل عن حقّه في تقرير المصير    لا بديل عن التوجّه للاستثمار في الهضاب والجنوب    الزراعات الإستراتيجية.. ركيزة أساسية للتنمية المستدامة    14 ألف هكتار للزراعات الزيتية والشمندر السكّري بالنعامة    الصحراء الغربية: الإبداع الأدبي والفني .. جبهة أخرى للنضال والدفاع عن حق تقرير المصير    شهداء وجرحى جراء قصف الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة لليوم ال 238 على التوالي    الرئاسة الفلسطينية تشيد ببيان الصين والدول العربية المشترك بشأن القضية الفلسطينية    نفط: سعر برنت يقارب 82 دولارا    الجزائر – تونس: التوقيع على اتفاقية إطار بين وكالتي العقار السياحي للبلدين    صورتان جزائريتان ضمن أحسن 10 صور فوتوغرافية في العالم فائزة في مسابقة "صور القمة العالمية لمجتمع المعلومات"    رئيس الجمهورية يعلن عن تخصيص برنامج تكميلي إضافي للتنمية بولاية خنشلة    رئيس الجمهورية يشرف على تدشين ومعاينة عدة مشاريع حيوية بولاية خنشلة    تصفيات مونديال 2026 /الجولة الثالثة/ المجموعة السابعة/: "استدعيت اللاعبين الاحسن جاهزية حاليا"    تصفيات مونديال 2026 (الجولة الثالثة/ المجموعة السابعة) الجزائر : "غينيا منتخب متماسك و منظم جيدا"    افتتاح الطبعة الثانية من الصالون الدولي للصحة والسياحة العلاجية والطبية بالجزائر    شرفي يبرز أهمية التنسيق مع مختلف السلطات العمومية لإنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة    بشار: مغادرة أول فوج من الحجاج نحو البقاع المقدسة    لعقاب: الجزائر بحاجة لإعلام قوي وفعّال    صورية مولوجي تشرف على إطلاق مشروع حاضنة الصناعات الثقافية والإبداعية "مبادرة Art"    حج 2024 ..تخصيص 8أطنان من الأدوية للرعاية الصحية بالبقاع المقدسة    بونورة في غرداية : حجز 3240 كبسولة بريغابالين مع توقيف المشتبه فيه    أزمة خطيرة تؤجل ظهور مبابي مع ريال مدريد    لا نكتب من العدم.. الكتابة تراكمات    هذا حُكم الاستدانة لشراء الأضحية    فضل الأضحية وثوابها العظيم    تتويج الشاعر محمد عبو بالجائزة الأولى    جبر الخواطر.. خلق الكرماء    ليشهدوا منافع لهم    رسالة إلى الحجّاج..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الباحث الشيخ علي نعاس: سلسلة "تنبيه الأحفاد" منبر للحديث عن الذاكرة العلمية... وعلى الباحث المتخصص استثمار هذه التجربة في بحوثه القادمة
نشر في الجلفة إنفو يوم 10 - 03 - 2012

على خطى البحث والتنقيب، ومن خصوصيات المدينة الثقافية، وعلى هامش رؤية أخرى في تجسيد المعالم الثقافية، استطاع الباحث الشيخ علي نعاس أن يرسم بريشة الاكتشاف معالم مهمة لشخصيات عبرت المدينة تاركة عبقها يجوب الدروب والتلال، ومن غمار غزو تيار النسيان للذاكرة التحريرية والعلمية والثقافية والدينية في الجزائر وفي منطقة الجلفة بالخصوص، نهضت هذه الهمة تحاول إجلاء ضباب التجاهل واللامبالاة عمن صنعوا لتاريخنا جذورا أضحى من خلالها هذا التاريخ عامرا بالهوية الوطنية والدينية لتكتشف الأجيال ماضيها العلمي والثقافي وتستطيع أن تكتسب معرفة دقيقة بمكسبها الحضاري والفكري وتنفذ إلى فهم مقاومة السلف لكل عداء يستهدف الدين والوطن، ولكي نقترب أكثر من هذه العوالم المتداخلة كان للجلفة أنفو هذا اللقاء مع الباحث الشيخ علي نعاس الذي أصدر مؤخرا تحقيقا في قصائد الشيخ "أحمد بن معطار"، جاء في سلسلة "تنبيه الأحفاد" التي كانت بدايتها مع كتابه "تنبيه الأحفاد بمناقب الأجداد" والذي كان مسترسلا في تجميع علماء التصوف وخص فيه الشيخ بحثه عن مناقب الأجداد أولئك الذين رسموا على ظلال المعرفة ما أيقظ العقول من سبات التخاذل والتشرد الفكري، فقادوا أجيالا مهمة إلى برّ الأمان، وكان مصدرا مهما يستقي منه الباحثون ما يشفي غليلهم من ترجمات.

قبل أن نتكلم عن إصداراتك التي اكتسبتها الذاكرة العربية والجزائرية أود أن تحدثنا عن "علي نعاس" المولد والنشأة؟
♦ في سنة 1951 كان مولدي بالجلفة في حي يقع وسط المدينة ويسمى قديما بحي "المدية". نشأت في جو مفعم بالتعلم والدين، كان والدي –رحمه الله- ممن أراهم يمارسون أعمالهم في انضباط حقيقي، فكان له نظام لا يختل أبدا، ينهض باكرا لصلاة الفجر، ثم يبدأ في تلاوة أوراده، وكنت كثيرا ما أشتغل معه على هذا النظام وأحذو حذوه، على أنني كذلك وبفضله لم أترك "الكتّاب" ولازلت أتذكر معلمي الشيخ خالدي وبعض الزملاء من بينهم المربي الفاضل والذي يقف دائما إلى جانبي ويمد لي يد العون الشيخ عبد القادر الزياني، حيث لا يزال متابعا لمهامه التربوية إلى الآن في مسجد ومقام "الشيخ النعاس" بوسط المدينة.
هل تعلمت في المدارس النظامية آنذاك؟
♦ فعلا دخلتُ وأنا مشبع بالروائح الدينية إلى المدرسة النظامية الفرنسية، وهي مدرسة تقع وسط المدينة، والتي كنا نتعلم في أجوائها كل ما يتصل بالمواد الفرنسية على خلفية الاستعمار، وبالموازاة كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تتابع في حذر تواجد حصصها العربية، فكنا ندرس اللغة العربية ساعة واحدة في المساء (مدرسة الإخلاص) حتى أنني أتذكر جيدا بعض أساتذتي من أمثال الشيخ ملاحي والشيخ مرزوقي من منطقة قسنطينة، وهم على حسب علمي كانوا باديسيين أي تابعين إلى مدرسة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس.. لقد نشأت في بيت متواضع رفقة إخوتي في عائلة مكونة من تسعة أفراد، علّمنا والدنا كل ما يتصل بالتعاون وحب الصبر والمؤاخاة، واجتهدت والدتنا في المحافظة على انتماءاتنا الدينية رغم معاول الهدم التي يلقيها الاستعمار على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا فتفتك بكل ما هو رائع في هويتنا، ومن ثم تأثرت كثيرا بوالدي –رحمه الله- في سلوكه وعباداته وثقافته الدينية فكنت متصلا به أفتر، ولم أره يوما يغضب بشكل جنوني أو يضرب أو يعادي أحدا، بل كان محبا صادقا طيبا ودودا ويشاور ويحاور والدتي حتى في أمور الدين..
بما أنك تحدثت عن شخصية والدكَ، هل كان له اتصال أو عمل خاص مع جيش التحرير؟
♦ بخصوص اتصاله بالجيش فقد كان يساعد المناضلين والمجاهدين في اكتساب الوثائق الإدارية حيث كان يعمل في الإدارة ، وكان من الصعب الحصول على مثل هذه الوثائق بسهولة حتى أنه أُكتشف مرة من طرف المخابرات الفرنسية فاعتقل صباحا بعد عملية تفتيش مريعة في البيت ونقل إلى سجن بارباروس بالعاصمة ..
الأستاذ علي، نعود إلى دراستك، كيف كانت في تلك الأجواء وصفير التصفية الاستعمارية ينفث غضبه؟
♦ لم يكن لنا خيار إلا في متابعة دراستنا بالفرنسية، وكل الأجواء تحمل في ذراتها حقائق المحو، فكانت الهوية الإسلامية مهددة بخطر الزوال وخطط الاستعمار متتالية تتابع الأحداث حتى ولو كانت تافهة، ورغم ذلك فالآباء لم يبخلوا بمساعداتهم في ترسيخ هذه الهوية ومناهضة أعمال الاستعمار ومجابتها بقوة، فقد كان الاستعمار يصارع أي عمل يتصل بهويتنا الثقافية من حصار للمراجع والكتب ودور التربية العربية الدينية ، حتى أن كتب المغرب وتونس ومصر كانت محاصرة بطرائق جد دقيقة وحذرة، وكان أساتذة فرنسا مدربين جيدا ولديهم خبرة واسعة في ترسيخ اللغة والثقافة الفرنسية، وأحمد الله على أنني نشأت عربيا في بيت عربي وأب عربي .. وفعلا تابعت دارستي كما أسلفت، ودخلت إلى المرحلة المتوسطة مع بزوغ فجر الاستقلال سنة 1962، فحظينا بأستاذ مستقل في مادة اللغة العربية أما باقي المواد فكانت طبعا بالفرنسية، لأن للاستعمار بقاياه، وعملية التعريب كانت ستأخذ وقتا طويلا وكانت ستأتي تدريجيا على حسب توقعاتي، ورغم ذلك واصلنا الدراسة، وبعد المتوسط سافرت إلى مدينة "المدية" ودرست بثانوية "فخار"، ثم انتقلت إلى العاصمة ودرست بمعهد الأساتذة ب ( بوزريعة) تخصص أستاذ علوم طبيعية ..
من خلال إجابتك هذه يلح عليَّ هذا السؤال: لماذا ظلت بعض العقليات الجزائرية تناهض الكتاب والمقروئية كأنها نتيجة حتمية لتلك العقلية التي حدثتنا عنها، ولماذا لا يوجد أساتذة في الجزائر مثل أساتذة فرنسا المدربين تدريبا جيدا على حد تعبيرك؟ أجد حقيقة أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم فتح منافذ الحوار لكل الطبقة المثقفة والجامعية والباحثة، حتى أن الباحث اليوم أصبح مؤطرا وغير منتجا والدليل ما تنتجه الجامعة من تكرار ممل، ولربما وهذا أكيد أن هناك ممن يعمل بشكل جاد في التدريس وبلغ مراتب مهمة في إبداع طرائق خاصة به لكن عدم الحوار وسماع الآخر أدى إلى انزواء من يملك العقلية المبدعة. إننا نعيش في بلد حر وديمقراطي لكننا في الوقت نفسه لا نملك خيارات كثيرة لأن مساحاتنا ضيقة، وعلى الدولة أن تشرك المثقف في كل شيء حتى في مناهج التدريس فلا ينفرد بها التربويون فقط، لأن الباحث المثقف يستثمر كل وقته في البحث عن الجديد. وعلى العموم وخلافا لما تفضلتَ به فرغم حبك للغة العربية تابعت تخصصا علميا، ما هو هدفك من هذا التغيير؟
♦ لم يكن تغييرا .. فالعلم مطلوب في تلك الظروف، أمام التقدم العلمي والتكنولوجي، كنا في حاجة إلى دراسات علمية عميقة، والعلم كما تعلم مطية لفهم التوحيد، ولأن هناك أمور كثيرة تتطلب الدلائل العلمية ، وفهم بعض العلوم أمر مطلوب بعد الاستعمار، فقد كانت إلى حد تلك الساعة دراستنا لازالت باللغة الفرنسية ورغم ذلك كنا نحافظ على متابعة دراستنا باللغة العربية وقراءة ما نستطيع من كتب ومتون ومذكرات، كنا نتقن اللغة العربية جيدا إلى جانب الفرنسية وحينما اكتمل التعريب إلى حد ما لم نجد صعوبة في عملنا.. ودعني أشاركك الرأي فيما يخص الحوار وسماع الآخر، إن هذه النقطة مهمة جدا في إطار تطوير المجتمع والنهوض به بل ومحاربة التعسف بمختلف مجالاته والذي يجر المجتمع إلى الهاوية، أي إلى جهل وتيه يصعب الرجوع منه. فنود من أصحاب القرار سماع العقول واستثمارها.
أجل أتذكر من جهتي كلمة كتبها أبراهام لنكون في رسالة إلى مدير المدرسة التي يتعلم فيها ابنه الصغير، تتضمن مجموعة من النصائح لا تزال تحتفظ بأهميتها إلى اليوم، ومما قال فيها: "علموه أن يسمع وينصت إلى جميع البشر، ولكن عليه أن يفرز ويستخلص الحقيقة من كل ما يسمعه وأن يأخذ فقط الجيد منه..." فهل نقدر على ذلك نحن؟ أن نتعلم كيف نتحاور ونصل من خلال مبادئنا المؤسسة إلى فهم ضرورات الحوار، وأجد أن حوارك مع الأعلام قد أخذ منحنيات أخرى باعتبار هذه العملية من المهام الشاقة والمتعبة، أود أن تحدثني عن سلسلة كتبك التي أصدرتها ، كيف جاءت هذه الفكرة، وما هي الصعوبات التي تلقيتها ؟
♦ الدافع الحقيقي لإنجاز هذا الكتاب هو تفطني لأهمية هذا التاريخ، ولهؤلاء العلماء والمربين الذين حافظوا على عدم تلف أصالتنا وهويتنا، ولكي لا تمحى آثارهم فكرت أنا وزملاء لي بأن نبحث جاهدين عن مناقبهم، فأنبه بشكل ما أحفادنا إلى مناقب أجدادنا، فهم أهل الفضل وهم منارة ظلت قائمة حتى انتهى عصر الاستبداد الدامي، و قد بدأت السلسلة بكتاب "تنبيه الأحفاد إلى مناقب الأجداد" هذا الكتاب كان خطوة أولى في البحث والاهتمام به أمر ضروري، فالتاريخ جزء لا يتجزأ من ماضي الأمة الواحدة، هذا الكتاب مكون من 180 صفحة "الطبعة الأولى 2004 " وقد حاولتُ فيه رصد أهل العلم والزهد والعبادة وأعلام الزوايا بالجزائر خاصة ممن ذاع صيتهم أثناء الثورة التحريرية المباركة وممن تشرفت الذاكرة العربية بتلاوة أعمالهم، وقد اختص هذا البحث بذكر أوطانهم وأنسابهم ومؤلفاتهم وتتبع مراحل حياتهم ، وهو كتاب يحاول كسر حاجز الفقر في هذا الملف.
وربما ومن خلال قراءتي له أن من بين مزايا هذا الكتاب أيضا أنه يمكن المولعين بالتراث والمختصين بالتاريخ الثقافي إيجاد وصلات تدفعهم إلى تثبيت طريقهم للمزيد من البحث والاطلاع، وربما كان من الواجب أن يكون هدف مؤسساتنا العلمية التاريخية الثقافية الاهتمام بهذه الأشكال من البحوث وتكوين الأنماط انطلاقا من مبدأ صناعة المؤرخ الذي يكتسب القدرة على الإدراك والفهم دون أن تبقى وجهتها كما هي الآن تحرث الأرض البور مرارا و تكرارا.
♦ أجل نحن قدمنا المادة العلمية التي لا نقول فيها أنها أحاطت بكل شيء، ولكن كما قلت سابقا هي خطوة أولى في مجال البحث، وعلى الباحث المتخصص استثمار هذه التجربة في بحوثه القادمة. ولعلي أعتقد مجددا أن عملية الفهم الأكاديمي في تطور مستمر وأتمنى أن نواكب بشكل حاضر الأسلوبية الحديثة في البحث، وأن نخرج من آلية الدراسة الملقنة وهذا ما أتمناه أن يكون على أفق المستقبل الأكاديمي بالجزائر.. وقد سألتني في حوار لنا في جريدة الميثاق البحرينية عن دور الجامعة باعتبارها مركزا من مراكز البحث والتنقيب وكنت أتمنى في ذلك الوقت -أي قبل ست سنوات- أن تهتم الجامعة بهذا المنتوج وأن يكون محلّ دراسات نقدية وتفكيكية، لكن كما ترى بعد كل هذه السنين نعود للنقطة التي ابتدأنا منها وكأن شيئا لم يحدث..
في اعتقادي أن الحدث المهم هو الإنتاج في ظل هذا الركود الثقافي المقصود، ولعلي من بين من ناشدوا السلطة في تحريك المشهد الثقافي ولكن أصواتنا ليس لها صدى ولا أثر، وأجد أن الجامعة أضحت بعيدة كل البعد عن هذا الطرح لأنها فقدت مهمتها التثقيفية وارتكزت على مهمة تلقينية مؤطرة، فقد كنت أتمنى أن نخرج من إيديولوجيات دراسة المناهج نظريا إلى تطبيق المناهج عمليا وتوخي الحذر والتمنع باكتساب الموضوعية والفهم الدقيق والتزود بالوسائل والأدوات والآليات اللازمة لتجاوز عقبات الدوائر الفارغة التي تترصد أجيالنا من الباحثين. لكن أرى أننا لم نكتشف حتى ضرورة الجامعة كمركز بحث في حياتنا، وتحولت الجامعة إلى مرصد للشهادات أضحت هي الأمل وهي المبتغى. ولكن أؤكد لك سيدي الفاضل أننا تعلمنا من هذا الكتاب الكثير وتعرفنا على أكثر من 50 علما بين زاهد وعابد وعالم وفقيه ولغوي وولي صالح. وهذا ما يهمنا. ولأنك لم تشتغل برد الفعل أصدرت كتابا آخر يتمثل في تحقيقك لقصائد الشيخ "أحمد بن معطار"..
♦ أجل كان هدفي هو متابعة سلسلة "تنبيه الأحفاد"، لأني أرى الأحفاد قد ابتعدوا عن سيرة آبائهم، فأذكرهم بها لعل منهم من يستثمر سيرتهم في سيرته، ولذلك تتبعت قصائد الشيخ أحمد بن معطار وأخرجتها محققة في كتاب مستقل، وقد اشتهر الشيخ أحمد بن معطار المولود في بادية زاغز بلدية الزعفران بولاية الجلفة بقصائده المميزة في التوحيد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض المشايخ منهم شيخه المختار والشيخ محمد بن أبي القاسم، وقد حصر قصائده ب 114 قصيدة تيمنا ببركة سور القرآن الكريم. وقد ذكره الشيخ محمد الصغير نجل الشيخ المختار في جملة من تتلمذوا على يد الشيخ المختار في كتابه "تعطير الأكوان"، كما حفظ اللقرآن الكريم ودرس مبادئ العلوم الإسلامية في زاوية علي بن عمر بطولقة ولاية بسكرة، وانتقل بعدها إلى زاوية الشيخ المختار بأولاد جلال ووسّع من معارفه في العلوم الإسلامية، وأخذ عن الشيخ المختار الطريقة الرحمانية وأجازه فيها رفقة الشيخ عبد الرحمان بن سليمان والشيخ الشريف بن الأحرش والشيخ محمد بن أبي القاسم، وقد شرع بعد تخرجه في التدريس، كما عينه (كرها) حاكم مدينة الجلفة بعد أن ذاع صيته قاضيا على المدينة إلا أنه لم يدم طويلا، حيث طلب إعفاءه من هذا المنصب، فتفرغ للعلم والعبادة، وأسس زاوية بعين حواس تقع بالقرب من المدينة، وشرع في التدريس ونشر العلم والمعرفة الإسلامية، إلى أن وافته المنية سنة 1873م. فمن المهم جدا أن نتعلم كيف نكتسب من أمثال هؤلاء صلاحهم لنوظفه في سيرتنا، ومن المهم أن نسلط الضوء على تاريخنا الذي يحمل الكثير ويدون بعيدا عن الأحاديث المتداولة هنا وهناك حتى ليصيبها الزيف أحيانا، فبالأمس القريب كنت في مدينة بسكرة إذ يناولني أحدهم كتابا مهما عن حياة وقصائد الشيخ "بن حرمة" فتأكدت بأن هناك من لا تفتر همته ولا ينقطع أمله في مواصلة البحث والتقصي، أما بالنسبة للصعوبات فقد كانت كثيرة، سواء بالنسبة للتحقيق أو فيما يخص كتاب الأعلام، فتجد مثلا اختلاط الأسماء بعض الأحيان يربك بشكل مباشر عملية التدقيق، وضياع بعض المؤلفات، واختزان أخرى قد يجعل الأمر أحيانا كالمستحيل، وبالرغم من هذه العراقيل استطعنا أن نكتب عن أكثر من 50 علما، ولدينا قائمة طويلة ..
في لقاء لي مع بعض مثقفي مدينة الجلفة، وفي إطار سبر بعض الآراء نتيجة الوضع الانتقالي الذي تشهده الجزائر، هذا الوضع الذي ستشارك فيه جميع القوى السياسية والمجتمع المدني، رسم بعض المثقفين الجلفاويين مشهدا كاريكاتوريا لحالة الثقافة بالمدينة، حيث أكدوا على أن مدينة الجلفة أكبر من هذا المشهد الثقافي البطيء الذي يجوب أجواء المدينة الثقافية والتي حققت فرديا منجزات مهمة سواء من ناحية طبع أعمال جديدة أو من ناحية الحصول على جوائز مهمة في الجزائر والعالم العربي وحتى منجزات عالمية، لكن في ظل الإقصاء والتهميش أصبح الأمر ثقيلا على من أصابه الخذلان المتتالي..
♦ لست أنكر أن الخذلان مفروض، لكن دائما أقول أن دوام الحال من المحال وعلى الكاتب أو المبدع العمل على تطوير نفسه حتى إذا ما واتته الفرصة يجد نفسه حاملا لأدواته متمكنا من تصورات جديدة، وإذا كانت مصالح الثقافة لا تسعى إلى المثقف اليوم فستسعى له غدا لأن خياراتها ستنعدم.
أشكرك سيدي الكريم على رحابة صدرك وعلى اهتمامك بالجوانب العلمية وتسخير وقتك للبحث والاطلاع في ظل تسييس العقلية الباحثة وركنها في صراعات هامشية ومصالح معطلة وتهميش متعمد، ولا شك أن لنا مستقبلا لقاء معك حول إصدارات قادمة على الطريق، حيث سمعت أنك تنوي طبع كتاب جديد
♦ لا شكر على واجب، وأنا فعلا أشكركم على هذا اللقاء وعلى حديثكم عن كتابي حول "الشيخ أحمد بن معطار" وقراءتكم المهمة له، كما أنني فعلا قد دفعت للطبع كتابا جديدا سيصدر قريبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.