رئيس الجمهورية يبرز أهم مكاسب الاقتصاد الوطني ويجدد تمسكه بالطابع الاجتماعي للدولة    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, وصول أطفال فلسطينيين جرحى إلى الجزائر    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    موريتانيا: افتتاح الطبعة السادسة لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    مطار بوفاريك: إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى من القاهرة    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    أكثر من مليون ونصف مترشح لامتحاني شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط دورة يونيو 2024    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    سليمان حاشي : ابراز الجهود المبذولة لتسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    هجرة غير نظامية: مراد يشارك بروما في اجتماع رفيع المستوى يضم الجزائر، إيطاليا، تونس وليبيا    لعقاب : الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة لقطاع الاتصال    الجزائر تؤكد من نيويورك أن الوقت قد حان لرفع الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني    مجمع الحليب "جيبلي": توقيع اتفاقية اطار مع وكالة "عدل"    اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران 2024: الدراج أيوب صحيري يفوز بالمرحلة الأولى    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    قسنطينة..صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    السيد عطاف يجري بكوبنهاغن لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    اليوم العالمي لحرية الصحافة: المشهد الإعلامي الوطني يواكب مسار بناء الجزائر الجديدة    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية "بناء" وحظ الحرفي فيها أكثر من حظ المبدع / الجائزة طُعم.. ليكتب الكاتب ما يريده الآخر منه
"الجلفة انفو" تحاور الناقد والكاتب المبدع الدكتور "حبيب مونسي"
نشر في الجلفة إنفو يوم 29 - 01 - 2014

الدكتور المبدع حبيب مونسي من الأقلام الإبداعية المهمة في الجزائر، ناقد متميز، وكاتب يسعى إلى تفعيل الدور الحقيقي للكتابة بأبعادها المختلفة، هاجس الكتابة لديه يتعاظم كلما تعمق أكثر في عوالم الذات والآخر، وهو روائي يشتغل على إنتاج الجديد ويسعى إلى إبراز رؤية خاصة في معطيات الاشتغال بالنص، هو أستاذ النقد الأدبي بجامعة سيدي بلعباس، لديه إصدارات عديدة، منها "نظرية الكتابة في النقد العربي القديم"، "فلسفة القراءة وإشكاليات المعنى"، "فعل القراءة النشأة والتحول"، "توترات الإبداع الشعري"، "فلسفة المكان في الشعر العربي"، "شعرية المشهد في الإبداع الأدبي"، "الواحد المتعدد.. النص الأدبي بين الترجمة والتعريب"، "نقد النقد.. المنجز العربي في النقد الأدبي"، "نظريات القراءة في النقد المعاصر"، وقد صدر له مؤخرا عن دار ميم رواية بعنوان "جلالته الأب الأعظم" فكانت كما عبّر عن ذلك استثمارا للحديث النبوي الشريف ورؤية لمستقبل قريب تمهد له ثورات الشام التي نشهدها اليوم. ولكي نقترب قليلا من هذه الفضاءات الإبداعية التي يمارس طقوسها الكاتب كان لنا معه هذا اللقاء.
1- اهتماماتك تنوعت بين النقد والإبداع، مما يعني أن الناقد مبدع والعكس صحيح، فهل من الممكن نجاح هذه العلاقات؟
في اعتقادي لن يكون المبدع مبدعا إلا إذا كان فيه جانب من الحرفي الذي يتعلم الصنعة من خلال المشاهدة والمتابعة والتدريب.. وتلك هي المرحلة التي يزاوج فيها المبدع بين محاولاته الإبداعية والتعرف على طبيعة الفن الذي يزاوله، وعلى المعايير التي تحكمه، وعلى أقاويل العلماء والأدباء فيه.. إنها مرحلة التعلم التي ينفصل فيها المبدع عن الناقد تدريجيا.. فإما أن يخلص المتعلم للجانب المعرفي فيرفع من شأنه ويبقي في كيانه جذوة الإبداع متقدة، فيكون ناقدا يسعفه ذلك الميل الفطري فيه إلى الإبداع، يلج من خلاله إلى العوالم النصية التي تعرض عليه.. لذلك حينما تقرأ لبعضهم تجد نقادا هم أقرب إلى المبدعين في كتاباتهم، من آخرين يلتزمون حدود النظريات فلا يبرحوها، فتأتي كتاباتهم بكثير من جفاف النظرية والتفكير المجرد.. وهؤلاء تعرفهم من لحن القول ابتداء.. أما النقاد الذين درجوا على المزاوجة بين الإبداع والنقد، فهم أسلس لغة، وألين قيادا،وأقرب إلى قبول شطط الأدباء، والتماس الأعذار لهم.. وهذا هو الفرق بين الكتابة الأكاديمية والكتابة المتحرر من سلطة منهج وهيمنة النظريات والمفاهيم.. إن ما يكتب في الدراسات الجامعية لن يكون له نفع في حقل الإبداع وهو لا يزال في الرفوف يطويه غبار النسيان.. وأعلم كذلك أن المناهج الواصفة من بنيوية وسيميائية وتفكيكية ونظريات التلقي... التي يتعامل بها الدارسون ويجرونها في النصوص الأدبية لا تسمن ولا تغني من جوع
بدأت مشواري الأدبي والفني بين حقلين: حقل الشعر والرسم.. وكان لي حظ في الاثنين معا لقرب سبل التعبير بينهما، فما يمكن رسمه لوحة، يمكن التعبير عنه في قصيدة، المختلف هو الوسيط الذي يستعمله الفنان والشاعر.. ثم جاءت مرحلة التعلم التي فتحت أمامي مغامرات الفكر والفلسفة والنظر في حقيقة الأشياء.. وعززتها مراحل الدراسة ونيل الشهادات. وانتهى بي المطاف إلى رجلين: ألجأ للأديب حينما أضجر من الفذلكات التنظيرية التي أجدها في كتب الحداثة فكرا ونقدا... وأعود للناقد حينما أقرأ لغيري القصة، والرواية، والقصيدة، والمسرحية.. فأجدني أتساءل عن وظيفة الأدب، وعن مسؤولية الأديب؟ وعن الغاية من الكتابة؟ وما ينتظره منا القارئ؟ وهل صحيح أن الرواية هي الفن الذي يستغول على الفنون الأخرى؟ وأنها تقتل التاريخ؟ وأنها لا تهتم إلا بالشاذ من المواقف والشخصيات؟... وهل الشعر نرجسيات، وعواطف، واعترافات؟... هذه الأسئلة التي لا أجد لها في كتب الحداثة إجابة شافية تدفعني إلى التفكير والانخراط في معارك النقد.. التي سريعا ما تنتقل من الأدب إلى قلة الأدب. وأحسب أن ذلك راجع إلى عدم وجود "ثقافة للنقد الأدبي" تجعلنا نقبل الرأي إن قبلناه، أو نرد عليه إن رفضناه .
2- العملية النقدية.. إبداع لزمنية حرفية ماضية وأخرى قادمة.. هل يستشرف النقد الإبداع، أم أنه معطى تبعي على الدوام؟ لو تجرأ ناقد وأبدى رأيا نقديا سلبيا في نص من النصوص لقامت قيامته، وكل ما يُسمح به اليوم، هي الأحكام العامة التي يرددها البعض في الحوارات والملتقيات
من الأكاذيب التي روجت لها الحداثة النقدية،واستطاعت أن تثبتها في أذهان العامة والخاصة.. أن النقد تابع للإبداع، وأنه مثل الأعشاب الطفيلية التي تتسلق على أغصان الإبداع.. وهذه الصورة أخذتها من كلام غالي شكري الناقد المصري الذي أعترض مبكرا على هذه الفكرة.. إن الذين أرادوا تكريس الأسبقية للإبداع، أرادوا أن يظل الإبداع رهين التجريب المستمر، وأن لا يرسو الفن على شاطئ محدد، وأن تظل الأعمال كلها عرضة ما تأتي به رياح التجريب شرقا وغربا،فلا نكاد نعثر على أسلوب حتى تعصف به أساليب أخرى.. ولا نكاد نتحقق من تميز هذا الأسلوب ونجاعته حتى تطويه أساليب أخرى وهكذا.. إنها حالة من البلبلة التي تأتي على الأخضر واليابس.. وكانت التهمة التي قدمتها الحداثة لتأكيد السبق أن لكل فترة أساليبها التي تناسبها، وأن السياقات الثقافية والاجتماعية هي التي تخلق التيارات الفنية.. وفاتها أن التيارات هي الأخرى تخلق سياقاتها الخاصة، وأن الأساليب المستتبة هي التي يتولد عنها تجريب يجددها أو ينوعها.. فالتهمة القائمة على أن النقد تابع لأنه يستخلص من الفن معاييره وأدواته، تهمة فيها كثير من المغالطة وإن بدت جذابة براقة أمام القارئ.. ولكن لك أن تكتب المئات من الروايات.. واحدة منها سيقول عنها النقد أنها كذا وكذا وبقوله ستدخل عالم الإبداع .. سيكون في قوله اعترافا لها بالوجود.. وهذا ما ينتظره الكتاب شرقا وغربا.. إنهم يسارعون إلى من يقول عن أعمالهم كلمة مدح أو ذم.. وهذا حقهم، لأنهم يعلمون أن سلطة النقد تحقق لهم الاعتراف بالتميز والتفرد..
من جهتي أريد أن يساير النقد الإبداع وألا تكون فجوة بينهما.. وأن يستمع الأديب للناقد، وأن يراقب الناقد التخوم التي يرودها المبدع، وأن تطرح الأسئلة ويجاب عنها بما يخدم الإبداع لا الأشخاص أو بعض الأعمال.
3- ماذا عن النقد في الجزائر؟
بين يدي الساعة عدد معتبر من النصوص: رواية وشعرا.. وأقرأ بهدوء.. وأعلم أن ما يكتب في الدراسات الجامعية لن يكون له نفع في حقل الإبداع وهو لا يزال في الرفوف يطويه غبار النسيان.. وأعلم كذلك أن المناهج الواصفة من بنيوية وسيميائية وتفكيكية ونظريات التلقي... التي يتعامل بها الدارسون ويجرونها في النصوص الأدبية لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنها وصف يصلح لكل النصوص، يحاول الدارس من خلالها تحاشي ما يقوله النص، إلى كيف يقول النص.. ونحن في الأدب لا يهمنا -إلا بقدر- كيف يقول النص، لأننا مرتبطون برسالة النص. لذلك يكون ما يقوله النص هو الأجدر بالاهتمام، وعليه تؤسس أحكام القيمة التي تقيم النص أخيرا.. وفي المقابل هناك النقد الصحفي.. أو ما نراه في صفحات الجرائد من تقريظ يكتبه البعض حينما يقرأ نصا لصديق أو لكاتب مشهور... وليس لمثل هذه الكتابات من ثقل نقدي غير أنها تشجع الأديب وتطمئنه بوجود متابعة لنصه. وبين الدراستين حائط سميك من التجاهل وكيل التهم. فإذا حاول أحدهم تخطي الحاجز والجمع بين الخصلتين واجهته تهمة النقد الأكاديمي الجاف المسجون في أسر مقولات قديمة مهترئة، أو تلبست به تهمة الانطباع السريع العاجل.. هذا هو واقع النقد في الجزائر لأننا ببساطة قبلنا بأكاذيب من قبيل: "أنا أكتب ولا يهمني ما يقال بعد ذلك" أو "ليس للناقد أن يصدر حكما" أو "من هو هذا الناقد حتى يشرع لغيره معايير الأدب" أو "الناقد مجرد قارئ"... ولو تجرأ ناقد وأبدى رأيا نقديا سلبيا في نص من النصوص لقامت قيامته، وكل ما يُسمح به اليوم، هي الأحكام العامة التي يرددها البعض في الحوارات والملتقيات...أعرف الروائيين الذي يجلسون إلى دفاترهم أو حواسيبهم ويكتبون انطلاقا من أمزجتهم اليومية.. وهذا لا يجوز.. لا يجوز لمزاج الروائي التدخل في الرواية بعد تمام الهندسة.. إنه بناء وحسب.. لا يلوث نصه بما يطرأ عليه من أحوال...
4- كتبت عن الروائيين المعاصرين في الجزائر من خلال تصنيفاتك في مقالات متعددة، وقد أبديت نظرة خاصة جدا، هل تعتبر أن هناك غياب للنص المحترف أم أن هناك غياب للناقد المكتشف؟
متى يكون النص نصا محترفا؟.. قلت وأكرر وأنا على يقين مما أذهب إليه أن الرواية "بناء" وأن حظ الحرفي فيها أكثر من حظ المبدع.. الروائي يبدع الفكرة.. ولكنه يبني القصة بناء محكما.. والبناء يتطلب منه إعداد المواد وتحضير الخطة الهندسية التي يكون على هديها البناء. وحينما يطمئن إلى أن كل شيء حاضر بين يديه يبدأ في التشييد، تتحرك المواد بين يديه لتجسيد فكرته مادة وجمالا.. وأثناء عملية البناء يتدخل المبدع لعطي للمادة مرادها الجمالي والتعبيري... إن النص الذي يكتب بهذه الكيفية غير موجود.. لأنني أعرف الروائيين الذي يجلسون إلى دفاترهم أو حواسيبهم ويكتبون انطلاقا من أمزجتهم اليومية.. وهذا لا يجوز.. لا يجوز لمزاج الروائي التدخل في الرواية بعد تمام الهندسة.. إنه بناء وحسب.. لا يلوث نصه بما يطرأ عليه من أحوال...
حينما أقرأ رواية أبحث عن الحرفي فيها.. عن مقدار الجهد الذي بُذل في إعدادها.. وغالبا لا أجد أثرا لذلك.. أجد فصولا تتكدس إلى جوار بعضها بعض، يمكن تقديم وتأخير بعضها دون أن يحدث شيء في الرواية.. أجد عددا من القصص الجانبي تبدأ وتنتهي في قليل من الصفحات دون أن يكون لها صلة بالفكرة العامة للرواية.. أجد شخصيات بدأت سمراء وانتهت شقراء.. وأخرى بدأت مريضة وانتهت بصحة جيدة.. أجد أثرا للنسيان في النسيج القصصي.. أجد رواية أرادت أن تمتد على فسحة قرون متطاولة.. وأخرى اختصرت في لحظات...
الناقد المكتشف هو الذي يقف أمام هذا المعمار المحكم يتفرس فيه ليكتشف مقدار العناء الذي كابده الكاتب من أجد تأسيس فكرته، واللبوس السردي الذي ألبسه خطابه، والرسالة التي تسعى الرواية إلى تبليغها للقارئ حينما يطوي آخر صفحة.. وقد أنفق ماله وجهده.. ساعة أسأل نفسي وقد ألقيت بالرواية جانبا.. ما حصاد قراءتي؟ قصة بسيطة يمكن العثور عليها في صفحة الأحداث اليومية في أي جريدة من الجرائد.. في جلسات المحاكم.. في النكت المرة والحلوة.. في شريط الأخبار السريعة على هامش شاشة من الشاشات.. ثم ماذا؟ لغة أراد لها صاحبها أن تكون متعددة الأصوات فخلط فيها اللسان العامي بالفصيح بالأسلوب الصحفي ببعض التقعرات اللغوية ببعض الاقتباسات والتناصات.. ثم ماذا؟ شخصيات لا يتجاوز همها البطن وما تحت البطن.. لا تعرف حلالا ولا حراما.. لا تكترث للشر الذي تزرعه يمينا ويسارا.. مسحوقة.. محقورة.. معربدة .. سكيرة.. وقحة.. نعم هذا حقها في الوجود الذي اختارته، فهل كذلك من حقها أن تكون نماذج للأدب؟ فأين السؤال الإنساني الكبير الذي يتصل بوجودها؟ أين البحث عن البديل الذي يؤرقها؟ أين التسامي؟
لن يقدم الأدب مادة للاكتشاف إن هو لم يتجاوز عتبات التقرير اليومي.. عليه أن يتحول إلى فلسفة رأت أن تطرح إشكالاتها في ثوب سردي... هنا يحتم النص على الناقد مهمة الاكتشاف.
5- لماذا الجائزة هي دائما التي تصنع الكاتب؟ هناك كتابات نالت جوائز لكن القارئ المحترف لم يرض عنها؟ هل هناك خلل في الانتقاء؟ أم ماذا؟
الجائزة طُعم.. ليكتب الكاتب ما يريده الآخر منه.. يعلم كثير من الروائيين اليوم أنه إذا أردت أن تقترب رواتك من الجائزة أن تكتب في حقل معين، وبأسلوب معين، وأن تردد الأفكار المعينة... الكل يعلم ما يريده الآخر من الروائي.. وهذا المنزلق سيجر الأدب إلى كارثة وسيكون طَعم الجائزة مرا كلما تطاول العمر بصاحبها إن كان له ضمير.
6- كتبت "نقد النقد".. كتاب يحتوي الكثير من خلال عنوانه.. ما هي اكبر إشكالية تطرح في الإبداع الجزائري على مستوى النقد؟
الكتاب يتناول المناهج النقدية السياقية التي اتخذت النص الأدبي وثقة لإجراء فحوصاتها وتجريب أدواتها.. كالمنهج الاجتماعي والتاريخي والنفسي... صحيح أن النص الأدبي هو الحوض الذي تتجمع فيه مياه المعارف الاجتماعية.. ولكن ليس لإحداها أن تتفرد بحق النظر فيه دون غيرها.. ومن ثم يطرح الكتاب إمكانية الاستفادة من الأدوات التي تجريها هذه المعارف في حقولها المعرفية لتشكيل منهجا خاصا بالأدب.. ومعنى ذلك أن النص الأدبي إذا احتاج إلى أداة من علم النفس استقدمها لفك مستغلق نصي فيه وإذا احتاج بعدها إلى أداة من التاريخ وظفها وهكذا.. ولا يفهم من ذلك أننا ندعو إلى المنهج التكاملي فذلك خرافة أخرى وإنما نقصد إلى أن الناقد إزاء نص معين يحدد جملة من الأدوات تستدعيها قراءاته المتكررة للنص يصوغ منها منهجا يناسب ذلك النص فقط..
وهي المشكلة الكبرى التي تطرح على النقد الجزائري اليوم... بأي منهج نقرأ؟ والجواب في رأيي المتواضع بسيط.. نقرأ النص أولا قراءة استئناس خالية من القبليات.. ونحسن الاستماع للنص.. نرقب حفيف كلماته، وحشرجة معانيه، ونداءات الخافتة الآتية من طبقاته النصية.. إلى حين تتكشف أمامنا مداخله... فقد يكون المدخل إلى هذا النص مدخلا صوتيا؟ وقد يكون مدخل ذلك أسلوبيا من خلال ظاهرة لغوية فيه.. وقد يكون لثالث مدخل فلسفي من خلال سؤال محرج فيه... وهكذا... هذه المداخل هي التي تحدد الأدوات وهي التي تصوغ منهج القراءة المناسب.. ولا يسمى في النهاية منهجا بنيويا أو سيميائيا.. وإنما هذه المعارف تمد الناقد بأدواتها ومفاهيمها وإجراءاتها.. وله الحرية أن يبدع في كل صياغة منهجية يراها مناسبة لنداءات النص ومطالبه.
7- هناك مشكل كبير فيما يخص المصطلح النقدي، هل من الممكن أن يتوحد المصطلح في ظل إنشاء مؤسسة خاصة به؟
المشكلة أساسا مع الترجمة.. وعدم وجود تناسق بين المرجم والناقد، ساعتها ينشأ التنافر بين المصطلحات المستعملة ونجد أنفسنا أمام عدد من المصطلحات لمفهوم واحد.. لربما تساعد المعاجم المختصة على توحيد المصطلح وتعمل الجامعات على إلزام الدارسين باستعمالها.
8-عن دار ميم للنشر صدرت لك رواية علمية.. أرى أن هناك تميز في اختراق هذه العوالم الإبداعية خاصة في الجزائر، حدثنا عن هذه التجربة؟
أشكر دار ميم على نشرها لروايتي "جلالته الأب الأعظم" ... الغرب يخاف من المستقبل لذلك يجند طاقاته الإبداعية والعلمية لكتابة سيناريوهات الاحتمالات التي يمكن أن يدفع بها المسقبل إلى حاضرهم.. لذلك تجد عددا من الأفلام التي نالت من الشهرة والرواج ما تقدم المستقبل في صورة العدائي الذي يتربص بالإنسانية.. وقد فقسمت العدائية إلى ثلاثة حقول: الخطر الآتي من أعماق الكون، والخطر الناتج عن الكوكب نفسه كالزلازل والبراكين والنيازك والكوارث والفيروسات والآلة وغيرها.. وغزو الفضاء من طرف الانسان.. وعلى هذه المحاور توزع المخيال الغربي لرسم صور العدائية والصراع.. أما نحن فلم نكلف أنفسنا عناء التفكير في المستقبل.. مع أننا نمتلك نصوصا يقينية تتحدث عن المستقبل القريب والبعيد.. لنا في صحيح البخاري كتاب كامل يسمى "كتاب الفتن" وفيه نصوص تصف أحداث الزمان الآتي لم نفكر أبدا في قراءتها باعتبارها صورا لمستقبل سيحل بنا قريبا يجب التأهب له وأخذ الحيطة... وكانت لي مع شخصية المسيح الدجال جولات جعلتني أنسج شخصية جلالته الأب الأعظم منها..وأن ما يحدث في أيامه الأربعين هو تحول على مستوى الكون والتاريخ والبشرية... وأنه سيؤسس لنظام عالمي قهري جديد... فكانت الرواية من هذه الخلفية استثمارا للحديث النبوي الشريف ورؤية لمستقبل قريب تمهد له ثورات الشام التي نشهدها اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.