اليوم العالمي لحرية الصحافة : وزير الاتصال يدشن المحطة الأرضية للبث عبر الساتل المخصصة لتوطين القنوات    وزير الاتصال يشرف على إطلاق إسمي صحفيين سابقين على قاعتي الندوات لملعبي نيسلون مانديلا و 5 جويلية    دراجات/ طواف البنين الدولي: الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة الرابعة    الاتحاد الأوروبي سيمول 7 مشاريع للطاقة عبر "بنك الهيدروجين"    الأمم المتحدة : إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 40 مليار دولار    الايطالي جيانلوكا كوستانتيني.. فلسطين في التظاهرات الطلّابية    مراسلون بلا حدود: إسرائيل قتلت أكثر من 100 صحافي فلسطيني    النفط يتأرجح بين توقعات أوبك+ ومخاوف بشأن بالاقتصاد الأميركي    الاهتمام بالتكوين ضروري لتحسين أداء الأفواج الكشفية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : الجائزة الكبرى "الغزالة الذهبية" من نصيب الفيلم الاسباني "ماتريا"    دعا لها مشاركون بندوة علمية بسطيف.. ضرورة بناء وتكوين قدرات فعالة في إدارة المخاطر محافظة على الموروث الثقافي    القضاء على إرهابي والقبض على عنصري دعم للإرهابيين ببرج باجي مختار    عطاف يواصل المشاركة في الندوة الوزارية إفريقيا-دول شمال أوروبا بكوبنهاغن    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية    أولمبياد باريس 2024 : اللجنة الأولمبية تعين برباري رئيسا للوفد الجزائري في الأولمبياد بباريس    العرباوي في غامبيا للمشاركة في أشغال قمة منظمة التعاون الإسلامي    البرلمان العربي: الصحافة العربية لها دور ريادي في كشف جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين    رئيس الجمهورية يبرز أهم مكاسب الاقتصاد الوطني ويجدد تمسكه بالطابع الاجتماعي للدولة    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, وصول أطفال فلسطينيين جرحى إلى الجزائر    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    موريتانيا: افتتاح الطبعة السادسة لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    عطاف يشير إلى عجز المجتمع الدولي عن وضع حد للفظائع المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يشرف على إحتفائية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    قسنطينة: صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    44ألف شهيد في العدوان الصهيوني على غزة    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأليف كتاب «مقاومة الدرقاوي» فتح لي آفاق البحث ونقد المصادر
نشر في الشعب يوم 08 - 08 - 2020

إنشاء قاعدة بيانات تاريخيّة إلكترونيّة تكون بمثابة مكتبة وطنيّة تجمع البحوث
يرى الأستاذ المسعود بن سالم من جامعة الشهيد زيان عاشور بالجلفة، أن البحث في فترة المقاومات الشعبية وإن كانت تعتريه جملة من الصعوبات، إلا أن له متعة وفائدة على صعيد التكوين الشخصي للباحث، مشيرا في تصريح ل «الشعب»، إلى أنّ تأليفه لكتاب «مقاومة الدرقاوي» فتح له آفاق البحث ونقد المصادر، وتنبيه الطلبة إلى طريقة التعامل معها بما يخدم الحقيقة التاريخية، وحسبه فإن المشكل الأساسي ليس في الوصول إلى المراجع والمصادر والأرشيف الفرنسي بل في الحذر من محتواها ومناقشته.
حذّر الأستاذ بن سالم من كتابات تتم أحيانا بطريقة استشرافية أو اختزالية للأحداث، ويضرب هنا مثالا برسالة الجنرال يوسف للمقدم دوموني في 05 أفريل 1846. ففي النسخة الأصلية يخبرنا الجنرال عن ارتكاب قواته لمجزرة ضد قبائل أولاد نايل قرب جبل بوكحيل (200 شهيد)، لنجد صحيفة
«Le Constitutionnel» الفرنسية تنشر الرسالة كاملة بتاريخ 21 أفريل ما عدا السطر الذي يتحدّث عن المجزرة، مبرزا أن البحث التاريخي عن فترة المقاومة الشعبية يفضح الاستشراف والاختزال في بعض الكتابات الفرنسية.
وأضاف الباحث في التاريخ أنه في مارس 2017 صدر أول كتاب جماعي حول سيرة ومقاومة الحاج موسى بن الحسن الدرقاوي، مشيرا إلى أن تجربته في تأليف كتاب «مقاومة الدرقاوي» فتحت له آفاق البحث ونقد المصادر وتنبيه الطلبة إلى طريقة التعامل معها بما يخدم الحقيقة التاريخية، لأن المشكل الأساسي - حسبه - ليس في الوصول إلى المراجع والمصادر والأرشيف الفرنسي بل في الحذر من محتواها ومناقشته.
وبخصوص الحقائق الجديدة التي حفل بها الكتاب، يقول الأستاذ بن سالم أن هذه التجربة سمحت له بتقديم حقائق تنفي كون مقاومة الزعاطشة مجرد رد فعل محلّي ضد الضرائب أو فرض النظام الفرنسي، بل هي مشروع مقاومة عربية إسلامية تجمع بين مقاومين من المغرب العربي والمشرق العربي، بدليل شهداء مكة وتونس والمغرب ومصر، الذين ذكرهم الجنرال إيربيون
Herbillon في مذكراته، كما أن هناك حقيقة توحيد الطرق الصوفية ضد المحتل.
أما بشأن العوائق التي اعترضت الباحثين - يقول بن سالم - أنها «شكلية تتعلق بكثرة المصادر الأجنبية خلال فترة القرن التاسع عشر لاسيما منها الفرنسية، حيث يصعب الإحاطة بجميع هذه المصادر كالصحافة ومؤلفات المؤرخين ومذكرات العسكريين والأرشيف. أما المحتوى فإن صعوباته مرتبطة بترجمة وضبط المصطلحات العسكرية والإدارية والتوبونيمية وحتى الباترونيمية».
وأبرز الأستاذ الجامعي ضرورة تناول السيرة النضالية لبعض أبطال المقاومة غير المعروفين من بينهم الشهيد المقاوم موسى بن الحسن المدني الدرقاوي، الذي بدأ مشروعه الجهادي ضد المحتل الفرنسي من قصر مسعد ببلاد أولاد نايل سنة 1831 إلى غاية استشهاده في ملحمة الزعاطشة في نوفمبر من سنة 1849، أي طيلة فترة حوالي 19 سنة جاب خلالها شتى أصقاع الجزائر.
في هذا السياق، طالب الباحث في التاريخ بطبع وإصدار مؤلفات خاصة بسير أبطال المقاومة الشعبية الذين تمّ استرجاع رفاتهم، إنشاء جائزة وطنية للبحث التاريخي خاصة بفترة المقاومات الشعبية، وإطلاق مشروع لجمع كل المدونات التي نظّمت بالعامية من أشعار شعبية وألغاز وأهازيج وأناشيد وأغاني تراثية متعلقة بالتاريخ، إنشاء قاعدة بيانات تاريخية إلكترونية تكون بمثابة مكتبة وطنية تاريخية تجمع كل المؤلفات والبحوث والدوريات والوثائق، وكذا تشجيع الإصدارات التاريخية التقنية المتعلقة بالخرائط وتسليح المقاومات وصناعة البارود وشتى المصطلحات العسكرية والإدارية.
قادة المقاومة الشّعبية كانوا أبناء الطّرق الصّوفية
بالمقابل، تطرّق بن سالم إلى استراتيجية مقاومة موسى بن الحسن المدني الدرقاوي 1831 – 1849، التي جعلت منه عدوا لدودا ومطلوبا لدى مختلف الضباط الفرنسيين، حيث صنف هذه الإستراتيجية في خمسة محاور صوفية ودعوية وجهادية ودبلوماسية وجغرافية، مشيرا إلى أن جميع المؤرخين اتّفقوا على أهمية تدوين سيرة الحاج موسى بن الحسن الدرقاوي، فالمؤرخ الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله قال إنّ سيرة الحاج موسى تستحق كتابا لوحده.
«بيربروغر Berbrugger»، مؤسّس «المجلة الإفريقية»، يرى بأن سيرة الحاج موسى تجعلنا نشاهد كيف يبرز ويتطور مثل هؤلاء المتشدّدين الذين يثيرون البلد بصورة دورية، أناس لديهم قدرة على الخداع والإقناع بجرعات متساوية إلى درجة أنّنا لا نعرف كيف نسمّيهم!! بينما نجد النقيب «دوماس Daumas»، الذي صار مديرا لشؤون العرب، يصف الحاج موسى بأنه أحد أهم قادة الدرقاوة جاء ليقود ثورة عامة في عمق التيطري.
أما المترجم العسكري«آرنو Antoine Arnaud» فيقول بأن سيرة الحاج موسى مهمة لفهم تاريخ السنوات الأولى للاحتلال الفرنسي للجزائر، فهو، أي الحاج موسى، قد تمكّن في عدة مرات من أن يهزّ هيبة سادة الجزائر. والمؤرخ «لويس رين» والعقيد «تروملي» والمؤرخ الصحفي «أدريان بيربروغر» في المجلة الإفريقية، دون أن ننسى كتابات المترجم العسكري شارل فيرو.
والبارون «دوسانفيتال De Sanvital» فقد كتب بإعجاب عن قدرة الحاج موسى على الحشد والتأثير ليس فقط في أتباع الدرقاوية بل في باقي الطرق الصوفية. واستنادا إلى المصادر سابقة الذكر يكون الحاج موسى بن الحسن قد وُلد بضواحي مدينة «دمياط» المصرية عام 1796، أي أن عمره بلغ 53 سنة عندما استشهد بواحة الزعاطشة، أضاف الباحث.
سبق للحاج موسى أن كان ضمن جيش حاكم مصر «محمد علي» ثم لجأ إلى طرابلس (ليبيا) بعد أحداث حصار الباشا الأرناؤوطي بمصر. كما تذكر المصادر أنه قد مكث مدة 12 سنة في الجندية العثمانية، وما بين هجرته من مصر إلى غاية استشهاده سافر الحاج موسى، وتنقّل بين مصر وتونس وطرابلس وسوريا واسطنبول والمغرب والجزائر التي جال فيها كثيرا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وذريته اليوم منتشرة ما بين ولايتي الجلفة والأغواط.
من الوهلة الأولى للاحتلال الفرنسي، اتّضح أنه ليس استعمارا لنهب خيراتنا فحسب، بل صار يحارب الجزائريين في دينهم ولغتهم وتفريق شملهم وإذكاء العصبية بينهم ومصادرة كل ممتلكاتهم بما فيها الوقفية، وفي هذه النقطة أبرز الأستاذ بن سالم أن الخلفية الصوفية للمقاومات الشعبية بالجزائر كانت بارزة للعيان، ويتضح أن كل قادة المقاومة الشعبية كانوا أبناء الطرق الصوفية مثل القادرية، الرحمانية والشاذلية.
ويُعزى للحاج موسى مشروع توحيد الطرق الصوفية في طريقة واحدة، حسبما وثّقه المترجم العسكري آرنو. وقد تزامن ذلك مع تشديد حملات الفرنسيين ببلاد أولاد نايل مع الجنرالات ماري مونج ويوسف وداربوفيل وغيرهم ابتداءً من سنة 1844، وعن هذا المشروع يقول البارون دوسانفيتال: «دخل الحاج موسى في اتصالات مع الطرق الصوفية انطلاقا من مسعد»، واصفا هذه الوحدة بين الطرق الصوفية بأنها حدث مهم ينبغي الإلتفات إليه.
ولتحقيق هذه الرؤية، شجّع الحاج موسى أتباعه ومريديه على فتح الزوايا والمدارس القرآنية، وهو ما كان في عدة مناطق مثل الأغواط، ومسعد وعين الخضرة (نواحي بلدية الشارف بولاية الجلفة حاليا) ومنطقة رحمان (عين وسارة حاليا)، ومقرأة الحاجب بالهيوهي وزاوية زمورة وزاوية زاوية «تاغمة» في مواطن قبيلة بني يعلى ومتليلي الشعانبة وغيرها.
الحاج موسى نجده بين سنتي 1829 و1831 في قصر الأغواط أسّس زاوية وصار له أتباع، ولكن فشل دعوته الصوفية والجهادية هناك، جعله يتحول إلى بلاد أولاد نايل وينزل في قصر مسعد سنة 1831 ثم يشرع في بناء رباطه العسكري بنواحي قصر الشارف في منطقة سماها «عين الخضرة»، حيث تنقل الحاج موسى إلى الونشريس في زيارة دينية إلى الشيخ العربي بن عطية الدرقاوي، وتراسل معه حول قضية الجهاد. كما حضر اجتماع شيوخ المقاومة بالمتيجة سنة 1833، أين التقى الحاج الصغير بن سيد علي بن المبارك والشيخ البركاني وبن سيدي الكبير بن يوسف الذين حثّوه على إثارة قبائل الصحراء على الجهاد وزيادة أعداد الثوار.
حرص الحاج موسى على تبني إستراتيجية تراوحت أحيانا بين المواجهة المباشرة أو حرب العصابات ويتمثل نجاحها هذه الإستراتيجية في انتشارها الجغرافي، أما على الصعيد العسكري فهي قد حقّقت هدفها في إنهاك العدو وجعله يجيّش الجيوش والحملات في شتى أصقاع الجزائر. ولعل «الرباط العسكري» الذي أنشأه الحاج موسى بعين الخضرة سنة 1832، وانتقل إليه سنة 1834 يمثل أهم مظهر للتخطيط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.