والي أم البواقي يكشف: مساع للتكفل بالمستثمرين عبر 17 منطقة نشاط    طرحوا جملة من الانشغالات في لقاء بالتكنوبول: مديرية الضرائب تؤكد تقديم تسهيلات لأصحاب المؤسسات الناشئة    عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية    ميلة: بعثة من مجلس الأمة تعاين مرافق واستثمارات    مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة: تطوير شرائح حيوية تعتبر الأولى من نوعها في العالم    أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنساني    الوزير الاول يلتقي عضو المجلس الرئاسي الليبي: الكوني يدعو الرئيس تبون لمواصلة المساعي لتجنيب ليبيا التدخلات الخارجية    يُبرز التطور الذي عرفه قطاع البناء في الجزائر: 900 مشارك في الطبعة 26 لصالون باتيماتيك    وزير الداخلية إبراهيم مراد يشرف على تمرين مشترك ويؤكد: يجب تجسيد التعاون بين الحماية المدنية في الجزائر و تونس    دعا الدول الاسلامية إلى اتخاذ قرارات تعبر عن تطلعات شعوبها: الرئيس تبون يشدّد على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    مساع لتجهيز بشيري: الهلال يرفض الاستسلام    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    رئيس الاتحادية للدراجات برباري يصرح: الطبعة 24 من طواف الجزائر ستكون الأنجح    مديرية الاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة المراسل الصحفي عبد الحليم عتيق    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    وزيرة الثقافة زارتها بعد إعلان مرضها    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    خارطة طريق لضمان التأطير الأمثل للحجاج    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    24 ألف مستثمرة فلاحية معنية بالإحصاء الفلاحيّ    3 شروط من أجل اتفاق شامل ومترابط المراحل    مضاعفة الجهود من أجل وقف العدوان الصهيوني على غزة    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    توقُّع نجاح 60 ٪ من المترشحين ل"البيام" و"الباك"    على هامش أشغال مؤتمر القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يجري محادثات مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي    الفلاحة.. طريق مفتوح نحو الاكتفاء الذاتي    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    برنامج الجزائر الجديدة في حاجة إلى المؤمنين بالمشروع الوطني    موقع إلكتروني لجامع الجزائر    طريق السلام يمرّ عبر تطبيق الشرعية الدولية    إقبال واسع على معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    غرق طفل بشاطئ النورس    انتشال جثة شاب من داخل بئر    خلاطة إسمنت تقتل عاملا    من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الأنترنت الدرك الوطني يحذّر..    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    نجوم جزائرية وعالمية تتلألأ في سماء عاصمة الهضاب    الدكتور جليد: التاريخ يحتاج لأسئلة معرفية جديدة    ثلاث ملاحم خالدة في الذّاكرة الوطنية    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاءً    دراجون من أربع قارات حاضرون في "طواف الجزائر"    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    غيريرو يغيب عن إيّاب رابطة أبطال أوروبا    بموجب مرسوم تنفيذي : إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: 21 فيلما قصيرا يتنافس على جائزة "السنبلة الذهبية"    "معركة الجزائر" تشحذ همم الطلبة الأمريكيين للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«قراءات في مختلف الخطابات» للدكتورة الناقدة راوية يحياوي
نشر في الشعب يوم 14 - 12 - 2022

يأتي كتاب «من قضايا الأدب الجزائري المعاصر- قراءات في مختلف الخطابات» للأستاذة الدكتورة راوية يحياوي كمحاولة لاستنطاق المدونة الأدبية الجزائرية في الألفية الثالثة، حيث قسمت الناقدة كتابها إلى خمسة فصول، بلورت من خلالها الحس النقدي والخلفيات الابستيمولوجية التي رسمت مسارها خلال تتبّعها لسيرورات الأدب الجزائري المعاصر.
استهلت الناقدة «راوية يحياوي» كتابها بتقديم كان بمثابة النافذة التي يستبصر من خلالها القارئ مختلف القضايا الشعرية والأدبية الجزائرية وفق مقاربات ما بعد حداثية شكّلت رؤيتها النقدية الوارفة لمجموع نصوص كانت عبارة عن محطات متنوّعة أثارت مجموعة من القضايا لعلّ أبرزها إلحاح الناقدة على اختلاف الخطابات / شعر/ رواية / مسرح لتتعداها إلى المدونة النقدية الجزائرية، ليتبع اختلاف الخطابات اختلاف لمنتجي تلك الخطابات بين الرجالي والنسائي وبين الجيل الأدبي الراهن والجيل الذي سبقه، لتكون بذلك قراءتها قراءة شاملة للمدونة الأدبية / النقدية الجزائرية.
جاء الفصل الأول موسوما ب: «قراءات في الخطاب الشعري الجزائري»، وهو أكبر فصول الكتاب وأكثرها خصوبة من حيث تنوّع النصوص الشعرية واختلاف المقاربات النقدية.
افتتحت الناقدة فصلها الأول بمقال - تمثل الذات في النصوص المشاركة في عكاظية الجزائر للشعر العربي» الذي يمكن أن نصنّفه في مصاف الدراسات الما بينية التي جمعت الشعري بالفلسفي فالنقدي، وهو ما تحيل إليه عبارات العنوان التي تعكس اهتمام الباحثة في بحثها عن علاقة النصوص ببيئات منتجيها، حيث اعتبرت «الشعراء الجزائريين المعاصرين من فئة المثقفين، في مناخ التنوّع المعرفي والتعدّد الفكري، مراعين في هذا كل ما حدث للقصيدة الجزائرية من تحولات..» ص15، وهذا ما اقتفته الناقدة من خلال تتبعها لقصائد شعراء صنعوا المشهد الشعري الجزائري على اختلاف تياراتهم وقناعاتهم الفكرية كالشاعر عيسى لحيلح الذي ربطت شعره راوية يحياوي بشعر الالتزام/ المقاومة/الأنا الجمعية والذي شكل حسبها اشكالا نقديا يتمحور في سؤال جوهري طرحته الناقدة والمتمثل في أين نصنف القصيدة العمودية الحديثة؟ وما وموقها من الحداثة العربية؟
كما تطرّقت الباحثة في خضم حديثها عن الذات إلى ثنائية المرأة/ الأنثى، وعلاقتها بالآخر المذكر/ الرجل، وهذا حين تناولها أسماء نسائية كالشاعرة زهرة بلعالية والشاعرة نصيرة محمدي والشاعرة عفاف فنوح، وغيرهن من الشاعرات اللواتي حاولن - حسب الناقدة راوية يحياوي - تفكيك السلطة الذكورية، فالقصائد حسبها شحنت بحمولاتها الدلالية، وطالبت بتحقيق وجود الذات الأنثوية وعلاقتها بالوجود والآخر الذكوري.
جاء المقال الثاني بعنوان: الرؤى المتعدّدة في النصوص المشاركة في عكاظية الجزائر للشعر العربي، حيث تطرّقت الدكتورة راوية يحياوي إلى قضية تصنيف الشعر الجزائري بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة التي جاءت مع حركة التجديد منذ أربعينيات القرن الماضي، لتجد الناقدة أن التجديد لا يقتصر على شكل القصيدة إنما يقتصر على إبداع الشاعر لأشائه بطريقة جديدة وتجريد تلك الأشياء من هويتها المعتادة في الحياة اليومية ليمنحها دلالة أخرى تتأتى قراءتها من العالم الداخلي للقصيدة وهذا ما أبرزته الناقدة من خلال تناولها لأسماء شعرية مختلفة الرؤى كالشاعر ابي القاسم خمار وحنين عمر وعبد الرزاق بوكبة وعاشور فني وغيرهم.
أما المقال الثالث فقد جاء تحت عنوان «شعرية تجاوز العروض في ديوان الجاحظية» حيث قسمت الناقدة عنوان دراستها إلى ثلاث بؤر تحتاج إلى وقفة قراءة وفق رؤى استراتيجية ومغايرة بدءا بمصطلح الشعرية ثم تجاوز العروض ثم ديوان الجاحظية لتدرس الناقدة - مجموعة من القصائد المغاربية وفق منهج واسق استنتجت من خلاله أن معظم القصائد المدرجة ضمن ديوان الجاحظية، قد تحرّرت من عروض الخليل وتنوّعت أوزانها وبحورها الشعرية كما درست راوية يحياوي قضية يمكن أن نصنفها في مصاف قضايا ما بعد الحداثة وهي قضية توزيع البياضات والسوادات كشكل من أشكال التعاضد بين القارئ ومنتج النص.
جاءت بقية المقالات لتتناول قضايا مختلفة، كالاشتغال النصي في عولمة الحب عولمة النار للشاعر عز الدين ميهوبي، حيث درست الناقدة العتبة النصية للديوان نحويا ودلاليا ثم تناولت شعرية الحضور والغياب لتجد أنها محاولة لرغبة الذات في الحضور والاختفاء في الوقت نفسه.
أما مقال «عيوب نسق الفحل العاشق في الخطاب الشعري للشعراء النقاد الجزائريين» فقد حاولت فيه راوية يحياوي أن تبين الخصيصة الشعرية التي ينماز بها شعر الشعراء النقاد وفق دراسة نقدية ثقافية ومركزة وجدت من خلالها أن السرة الشعرية داخل نصوص كل من فريد ثابتي وفيصل الأحمر والأخضر بركة تكمن في ثنائية الظاهري الفحل والمضمر القبيح لتتشكّل مجموع أنساق وجدت الناقدة أنها أنساق مخاتلة.
ويأتي مقال أنفاس الليل لأحمد حيدوش – قراءة في لا وعي النص كمحاولة لاستنطاق المدونة الشعرية للشاعر أحمد حيدوش من خلال استراتيجيات نقدية مستمدة من دراسات «جيرار جينيت» في دراساته للعتبات النصية ودراسات كل من «سيغموند فرويد» و»جاك لاكان» في مجال التحليل النفسي للأدب كما يمكننا أن نصنف هذا المقال وفق الدراسات التي تنصب في ميدان نقد النقد؛ ذلك أن الناقدة استعانت بالآليات النقدية التي استعملها الناقد الشاعر أحمد حيدوش في ديوانه أنفاس الليل والحاحه على آليات التحليل النفسي.
تناولت بقية المقالات المدرجة في الفصل الأول قضايا يمكن أن نشير إليها بصورة موجزة لعلّ أهمها قضية الجنس العابر للأجناس في مقال سردنة الشعر وانفتاح الدلالة في شعر الأخضر بركة.
كما بحثت في المقالات الثلاثة الأخيرة من الفصل الأول والتي جاءت عناوينها كالآتي: العالم الدلالي في الخطاب الشعري للشاعرات الأكاديميات الجزائريات؛ غواية السرد وحكائية الشعر في الخطاب الشعري النسائي الجزائري؛ تماهي الذات الأنثوية مع المدينة في الشعر الجزائري.
لتخلّص في المقالات الثلاثة إلى نتائج مشتركة تمثلت في بحث راوية يحياوي عن الذات الأنثوية داخل المتون الشعرية الجزائرية وأزمة التجنيس والهوية والاستلاب وفاعلية الذات الشاعرة داخل مجتمع بطريركي جعل الأنثى تخرج من ضمير المتكلم المؤنث إلى ضمير المخاطب المؤنث داخل مدن اعتبرتها الناقدة بمثابة العوالم الداخلية التي كانت معاول بنائها تغرف من اللغة والواقع والتاريخ.
يأتي الفصل الثاني بعنوان قراءة في الأناشيد الوطنية ليميط اللثام عن بعض إشكالات النقد الثقافي، كثنائية الأنا والآخر والهوية والتاريخ في مجموع أبيات جاءت لتستنطق الأنساق التي تحكّمت في الأناشيد الوطنية الجزائرية التي كتبت في الفترة الكلونيالية وعبرت عن الهوية الجمعية التي تمثلها كل من الشاعر مفدي زكريا وعبد الحميد بن باديس ومحمد العيد آل خليفة ومحمد الشبوكي من خلال ترسيخهم لقيم التضحية والفداء والدين والانتماء للأرض عن طريق استنطاق الأماكن والبحث عن الأنساق التي تحكمت في بناء المدونة الشعرية الثورية الجزائرية وهذا ما سعت الناقدة إلى استجلائه عن طريق تفكيك بنيات بعض الأناشيد فداء الجزائر، شعب الجزائر مسلم، جزائرنا..- ومحاولة استخراج المضمر فيها.
في الفصل الثالث تحدثت الناقدة «راوية يحياوي» عن «الأنساق المضمرة في الرواية النسائية» مستشهدة بمجموعة من الروايات النسائية كرواية «مزاج مراهقة» و»تاء الخجل» و»اكتشاف الشهوة» للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق التي عرَّت بعض الظواهر التي كانت تعتبر من المسكوت عنه في الرواية الجزائرية، كما أشارت «راوية يحياوي» إلى قضية الفحولة والأنوثة وظاهرة الجسد وتوظيفه في الكتابة النسوية الجزائرية ممثلة في شخوص الروايات وطريقة تحرك السرد الذي تتبعته الناقدة بتؤدة استخرجت من خلالها أهم الميزات التي حدَّت روايات فضيلة الفاروق.
أما الفصل الرابع فخصته الناقدة لدراسة مسرحيات «التاعس والناعس» للكاتب عز الدين جلاوجي الذي حاولت فيه أن تستثمر مجموعة من الاستراتيجيات التي كان لها الدور الفعال في بلورة مسرحيات عز الدين جلاوجي التي عادت الى التراث واستلهمت من الباروديا لتشكل نسيجا نصيا/رمزيا فريدا من نوعه.
كان الفصل الأخير تطبيقا للحجاج التداولي ومقصدية الخطاب في رسالة الجاحظيين للكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار واشكالية تجنيس هذه الرسالة نظرا لتداخل عديد الأنساق.
وظفت راوية يحياوي آليات التداولية كالاستراتيجية التضامنية والتوجيهية والتلميحية واستراتيجية الاقناع، لتخلص الناقدة إلى أن استثمار التداولية جاء لمعرفة مدى الفائدة التي تحققها في هكذا نوع من الخطابات كما جاء لمسائلة خطاب لغوي جزائري ومدى قدرة الطاهر وطار على توظيف الآليات الحجاجية كغاية وتحقيق عملية الاقناع.
أرادت الناقدة راوية يحياوي في متابعاتها أن تستثمر نقد النقد بقراءتها لكتاب خطاب الأنساق للناقدة الجزائرية آمنة بلعلى وتبيان أهم القضايا التي تطرّقت إليها ثم عرّجت على مهرجان الشعر النسوي في دوراته المختلفة والجوائز الأدبية التي حظيت بها الشاعرات المشاركات كما تطرّقت إلى بعض الندوات العلمية المقامة على هامش مهرجان الشعر النسوي لتختم كتابها بدراسة احصائية أبرزت من خلالها أسماء الشعراء الجزائريين المذكورين في الموسوعة الكبرى للشعر العربي للباحثة فاطمة بوهراكة.
في الأخير لا يسعنا إلا أن نقول أن كتاب «من قضايا الأدب الجزائري المعاصر قراءات في مختلف الخطابات» للناقدة الدكتورة «راوية يحياوي» هو عبارة عن رحلة نقدية امتدت على مدار سنوات استطاعت من خلالها أن تبرز أهم المسارات والسيرورات التي مرت عليها مختلف الأجناس الأدبية الجزائرية بصورة قد تلخص سنوات طويلة في صفحات تنير دروب الباحثين والدارسين للأدب الجزائري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.