جنوب إفريقيا تستأنف النضال ضد الفصل العنصري.. ولكن هذه المرة من أجل فلسطين    جبل غزة الذي لا ينحني....    طواف الجزائر للدراجات: الجزائريون في مهمة استعادة القميص الأصفر بمناسبة المرحلة الثامنة بمسلك سكيكدة-قسنطينة    نقل بحري: ضرورة إعادة تنظيم شاملة لمنظومة تسيير الموانئ بهدف تحسين مردودها    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الأولى    الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يجتمع بباريس مع رؤساء المراكز القنصلية    بن قرينة يرافع من أجل تعزيز المرجعية الفكرية والدينية و الموروث الثقافي    ربيقة يشرف بالبويرة على فعاليات إحياء الذكرى ال 67 لتدمير الجيش الاستعماري لقرية إيغزر إيوقورن    رئيس الجمهورية يصل الى القطب العلمي والتكنولوجي سيدي عبد الله للإشراف على مراسم الاحتفال بالذكرى ال68 لليوم الوطني للطالب    مشروع "فينيكس بيوتك" لتحويل التمر يكتسي أهمية بالغة للاقتصاد الوطني    مسيرة حاشدة بمدينة "بلباو" شمال إسبانيا تضامنا مع الشعب الصحراوي    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    بلقاسم ساحلي يؤكد: يجب تحسيس المواطنين بضرورة المشاركة في الانتخابات    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الجزائر تضيّع القميص الأصفر    جباليا في مواجهة الصّهاينة    إصدار طابعين عن إحصاء الفلاحة    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    ورشات حول مساهمة الجامعة في النشاط الاقتصادي    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    برج بوعريريج.. ألواح شمسية لتنويع النسيج الغابي    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    نستحق التتويج بالبطولة وأعد الأنصار ب"الدوبلي"    "رباعي" ألمانيا و"سوتشو" الصين يوقعان السهرة الثانية    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    سنوسي يقطف الجائزة الأولى بتلمسان    تراث وإبداع.. سفر في رحاب الكلمة الشاعرة..    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    النيران تلتهم مسكنا بتمالوس    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    أوبرا الجزائر: افتتاح الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيسات إيدير.. مسار ومصير
نشر في الشعب يوم 21 - 02 - 2024

ولد عيسات إيدير في قرية جمعة الصهاريج ببلدية مقلع بولاية تيزي وزو، يوم 11 جوان 1915، عاني أجداده من ويلات السياسة الاستعمارية شأنهم في ذلك شأن كلّ الجزائريين خاصة بعد مقاومة المقراني عام 1871، حيث تم إنشاء نظام الحالة المدنية الذي ساهم في تحطيم البنية الاجتماعية والأسرية للمجتمع الجزائري، ومصادرة أخصب الأراضي بطريقة مقنّنة بإصدار عدّة مراسيم وقوانين.. كان لهذه السياسة انعكاس سلبي على الجزائريين الذين تحوّلوا بين عشية وضحاها إلى عبيد فوق أرضهم. ألزمت كلّ هذه الأوضاع خاله على التوجّه إلى تونس بغرض الاستقرار في رأس بون Cap bon، شأنه في ذلك شأن الآلاف من الجزائريين الذين أجبروا على ترك أراضيهم خاصة خلال فترات الثورات والمقاومات الشعبية، ومن بينها ثورة 1871 التي أدّت إلى مصادرة الأراضي وفرض الغرامات التي أثقلت كاهل الأهالي الذين ضاقت بهم سبل العيش.
ومن الطبيعي أن تكون تونس قد شجّعت هذه الهجرة الجزائرية نحوها بحكم أواصر الأخوة، وقد قال مارسال لارنو: «كان على السكان القبائل التوجّه للعمل في مناجم عمالة قسنطينة وفي تونس، أين كانوا يشتغلون في المزارع أو يتاجرون في المدن أو يشتغلون كعمال يوميين. أما جدّه، فتوجّه إلى تجارة الماشية، وبعد وفاته ورث والد إيدير جزءاً كبيراً من ثروة والده، وحاول الاستقرار في العاصمة أين أنشأ محلاً لبيع الحليب، لكنّه عاد مجدّدا لقريته أين أنشأ مخبزة.
فقد عيسات إيدير والدته عام 1921 وهو في السادسة من عمره، فتأثر بالأمر بالغ التأثر. وقد تكلّم أخوه الأصغر حسن عيسات عن الأمر قائلا: "فقد أخي أمه ولم يكن يتجاوز الست أو السبع سنوات، وقد أحزنه الأمر كثيراً وأصبح أكثر انعزالاً وانزواء وأقلّ لعباً". بعد ذلك تزوّج والده مجدّداً، وأصبح لإيدير ثلاثة إخوة وأختين.
تابع عيسات إيدير المسار التعليمي الذي تابعه شباب الأرياف في تلك الفترة، إذ تلقى الدروس القرآنية في المساجد، وحفظ في المسجد القريب من المنزل العائلي السور القرآنية الضرورية لأداء الصلاة، بالإضافة إلى تعلّم اللّغة العربية. التحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية، ثم تحصل على منحة الالتحاق بالمدرسة الابتدائية العليا بتيزي وزو عام 1930.
لم يستفد إيدير في هذه المدرسة من النظام الداخلي، ممّا أجبره على طلب المساعدة من البعثة التبشيرية البروتستانتية التي كان يقودها الفريد رولان، قال زميله مزيان مولود عن البعثة: «لم نتمكّن من الحصول على مكان في الداخلية.. لذلك مكثنا في مقر البعثة بين عامي 1930 و1934 بشرط العمل بجدية والتصرف بطريقة لائقة، كما كان علينا أن نتابع النشاطات الكشفية التي كان يقودها رولان، ولم نكن مرغمين على إتباع الدين المسيحي».
كان عيسات إيدير يلقّب بإيدير العاقل من قبل زملائه، لأنه لم يكن يصدر منه أيّ تصرف عنيف، وكان متمكّنا في الرياضيات وممتازا في الفرنسية، ولم يكن أحد يشك لحظة واحدة في إمكانية نجاح عيسات إيدير ودخوله إلى المدرسة العادية للمعلّمين، لكن شاء القدر أن يعاقب في المسابقة على إثر تقديمه لورقة المحاولات لزميل له في مادة الرياضيات، ولذلك لم يتمكّن من متابعة الدراسة في بوزريعة.
وقد تحمّل عيسات إيدير الإقصاء، كما تحمّل غضب والده بصبر كبير. وقرر بعد ذلك الالتحاق بخاله في تونس أين تابع دراسته في المحاسبة، وتلقى معارف في القانون والعلوم الاقتصادية، وبعدها عاد إلى الجزائر حاملاً شهادة جامعية.
تم توظيفه في ورشات الصناعة الجوية بالدار البيضاء كمحاسب بداية من 28 أوت 1939، ثم جنّد خلال الحرب العالمية الثانية وأرسل إلى تونس أين بقي إلى غاية جوان 1940، ليعود مرة أخرى إلى منصبه. كان عيسات إيدير خلال العشر سنوات التي قضاها في الورشات محلّ تقدير كبير من قبل الإدارة والمواطنين، ومنحته الإدارة العامة شهادة شرفية عام 1949 بمناسبة الذكرى العاشرة لإنشاء الورشات. كما قام عيسات إيدير بتقديم عدّة خدمات لشباب منطقته عن طريق مساعدتهم في الحصول على وظيفة في الورشات. لكن بعد اكتشاف أمر المنظمة السرية في 18 مارس 1950 عقب أحداث تبسة، قامت مصالح الأمن بعمليات بحث عن المناضلين الوطنيين أسفرت عن اعتقال كثير منهم، إذ تمكّنت إلى غاية 31 مارس 1950 من توقيف 155 شخصاً، في حين أكّدت جريدة (الجزائر الحرة) Algerie Libre الصادرة بتاريخ 15 ماي 1950 وصول العدد إلى أكثر من 500 شخص موقوف.
وقد طالت عملية التوقيف عمال الورشات، ومن بينهم عيسات إيدير. لكن هناك من قال إنّ: توقيف عيسات إيدير رفقة أخيه حسان مع عدد من النقابيين الآخرين كان على إثر الإضراب الطويل الذي قاموا به سنة 1951، وتم الإفراج عنه بعد مضيّ 10 أيام، لكن بعد ذلك تم تسريح قادة الإضراب بسبب التواجد غير الملائم في مؤسّسة عاملة في مجال الدفاع. وفي النهاية، تم قبول عيسات إيدير رفقة بعض زملائه للعمل في صندوق التعويض للبناء والأشغال العمومية.
في 28 ماي 1940، أصدرت حكومة المارشال بيتان مرسوم قانون لإقالة منتخبي حزب الشعب الجزائري، وسجنت الزعماء السياسيين أمثال مصالي الحاج ومحمد خيضر وخليفة عمار، لذلك أخذ الشباب المشعل لأنّهم كانوا مجهولين لدى الإدارة الفرنسية ومنهم طالب محمد في القصبة ومحمد بلوزداد في بلكور وعيسات إيدير الذي شارك في لجان شباب بلوزداد رفقة أحمد مهساس ومحمد أعراب ومحمد بلوزداد وآخرين.
وقد شارك عيسات إيدير في هذه اللجان متطوّعا ما بين عامي 1943 و1945، كما شارك بعد ذلك في تحرير عدّة جرائد مثل جريدة الأمة الجزائرية "La Nation Algérienne عام 1946، ثم كلّف بكتابة عمود البروليتاريا الجزائرية في جريدة "الجزائر الحرة" خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1949 و1954.
في سنة 1952، أنشئت لجنة عمالية سميت بلجنة الشؤون النقابية والاجتماعية التابعة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، ووضع عيسات إيدير على رأسها، ولم تكن في منأى عن الأزمة التي عصفت بحركة انتصار الحريات الديمقراطية، إذ انقسم أعضاؤها ما بين مناصر لمصالي ومؤيّد للجنة المركزية، إلا أنّ العلاقات بين الطرفين بقيت ودّية.
وعند اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، تعرّضت هياكل الحركة للزوال بعد سلسلة الاعتقالات وظهور جبهة التحرير الوطني، وقد تم توقيف عيسات إيدير رفقة حسين لحول وبن يوسف بن خدة على أساس أنّه كان عضوا في اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية ومسؤولا عن الجنة النقابية، وتم سجنه ببربروس.
ومنذ أوائل 1955، ومع البدايات الأولى للإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، قام أعضاء لجنة الشؤون النقابية والاجتماعية الموالون لمصالي الحاج بمساعي لدى الأعضاء الموالين للجبهة لإنشاء مركزية نقابية وطنية مستقلة، لكن مناضلي الجبهة كانوا قد تلقوا تعليمات من عبان رمضان ومن بن يوسف بن خدة من أجل "البقاء على اتصال بالمصاليين ومتابعة كلّ خطواتهم بكلّ سرية والعمل على تعطيل تحضيراتهم".
وقد تعدّدت اللقاءات بين مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية ومناضلي جبهة التحرير الوطني إلى غاية اللقاء الأخير الذي وقع في أواخر شهر جانفي من عام 1956، دون أن يحصل أيّ تقدّم في مواقف مناضلي الجبهة.
وفي 16 فيفري 1956 أعلن المصاليون عن إنشاء الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين، شارك فيه عمال القطارات الكهربائية بقوّة أمثال محمد رمضاني كأمين عام وأرزقي جرمان، ممّا جعل عبان رمضان يسارع إلى تكليف عيسات إيدير بالتحضير لتنظيم العمال الجزائريين في إطار مركزية وطنية هي الاتحاد العام للعمال الجزائريين، عقدت أول جمعية تأسيسية لها في 24 فيفري 1956، وقد ارتكز برنامجه على نقطتين أساسيتين هما: أولوية النضال في سبيل الاستقلال الوطني، وكذلك أولوية تنظيم العمال الفلاحيين، ممّا جعله يختلف بصورة عميقة عن الاتحاد العام للنقابات الجزائرية الذي يعتبر امتداداً للكونفدرالية العامة للشغل.
اعتقال عيسات إيدير
تعتبر الفترة الممتدة ما بين شهري فيفري وماي 1956، بمثابة المرحلة الوحيدة التي كان فيها الأمين العام عيسات إيدير يسيّر الحركة النقابية بطريقة مباشرة، إذ لم تكن الحركات النقابية والإضرابات ممنوعة خلال هذه الفترة، وكان عيسات إيدير يسعى دائما لتفادي ردود الفعل الفرنسية العنيفة. لكن رغم ذلك، كان مجرد التأكيد على ضرورة إلغاء النظام الاستعماري يمثل مصدراً للمواجهة، وظهر ذلك جليا في العدد الأول من جريدة "العامل الجزائري" L'Ouvrier Algérien الصادر بتاريخ 06 أفريل 1956، أين تم التأكيد على أنّ الجريدة تعبر عن التطلّعات المشروعة للطبقة العاملة الجزائرية وأنّها تتعهّد بجعل الجريدة سلاحاً قويّاً من أجل انتصار بلادنا، وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. ولقد حظي العدد الأول من الجريدة باستقبال جيد، ممّا كان مصدر قلق للمصالح الاستعمارية. وبأمر من لاكوست Lacoste، تمت مصادرة العدد الثاني والأعداد التي تلته مباشرة من المطبعة، وقد احتجّت إدارة الجريدة في العدد الثالث بشدّة عن الإجراء الذي طالها.
حقّقت الجريدة نجاحا كبيراً منذ البداية، إذ أصبحت تضم عشرات المتعاونين منذ الشهر الأول. كان كلّ شيء يتم بطريقة عادية رغم حالة الحرب من الإعلانات المختلفة والرسائل المفتوحة للوزير لاكوست والحديث عن مختلف الإضرابات وتغطية زيارات المسؤولين النقابيين لمختلف المؤسّسات والمصالح والتعبئة لمظاهرات الفاتح من ماي، ممّا شكّل تحدياً للسلطة العمومية، وجعل لاكوست يأمر الوالي كولا فيري بتوقيف عيسات إيدير و250 مسؤولاً نقابياً آخر في ليلة 23 إلى 24 ماي 1956.
اعتقل عيسات إيدير في أول الأمر بالبرواقية، حيث كان رفقة عدد من المناضلين النقابيين، وكما قال عبد المجيد عزي: "كانت إجراءات الحشد والسجن قد طالت كلّ النقابيين سواء كانوا منتمين إلى الحركة الوطنية الجزائرية أو جبهة التحرير الوطني أو الحزب الشيوعي الجزائري". وقد أرسل هؤلاء النقابيون ومنهم ابن خليل والجيلاني وآخرون برقية احتجاج إلى رئيس الحكومة الفرنسية في باريس نشرت في العدد الثالث من جريدة "العامل الجزائري" بتاريخ 08 جوان 1956 تضمّنت ما يأتي:
نحن المرغمين على الإقامة المحروسة في البرواقية وعددنا يقارب 700 شخص، نلفت نظركم إلى الحالة غير القانونية واللاإنسانية. على خلاف النصوص الرسمية، لا يعتبر هذا إلا إجراء احتشادياً يتمثل في الحجز في معتقل محاط بالأسلاك الشائكة ومحروس من عناصر مسلّحة، معتقلون يتراوح سنّهم ما بين 16 و 80 سنة ومن بينهم كثير من المرضى ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، يعيشون في ظروف نظافة يرثى لها.. اكتظاظ الحجرات ووجود مرضى في وضعية جدّ خطيرة كمرضى السكري والقلب.. قلّة المياه الصالحة للشرب والتجهيزات الصحية. يوجد 08 مراحيض من بينها 04 غير قابلة للاستعمال، وطبيب واحد يقوم بالفحوصات لمدّة 04 ساعات في الأسبوع في حصتين، وعدم كفاية مخزون الأدوية وعدم قدرة بعض المرضى على الحصول على أدويتهم الخاصة ووجبات غذائية غير كافية (140 فرنك في اليوم).. ومنع الصحف والكتب والمجلات والإلغاء الفجائي للزيارات العائلية وإجبار العائلات الآتية من مناطق جدّ بعيدة وبتكاليف باهظة على العودة أدراجها دون التمكّن من رؤية ذويها وعدم صرف أيّ تعويض لعائلات المعتقلين التي أضحى أغلبها بدون أيّ مورد.. نطلب منكم وضع حدّ لكلّ ما ورد في الأعلى.
لكن عكس ما كان متوقّعاً، بقيت الرسالة دون أيّ ردّ، بل ازداد الاضطهاد شدّة في حقّ المعتقلين. انتقل بعد ذلك بين مختلف المعتقلات بداية من معسكر "سانت لو" بإقليم وهران ثم "أركول" ثم "بوسوي" ثم "آفلو" ثم إلى "بوسوي" مرة أخرى في أوت 1958.
في 09 جانفي من عام 1957، تيقّن مركز الاستخبارات العملياتية من أنّ "مقران" الموجود في المجلس الوطني للثورة الجزائرية لا يمكن أن يكون إلا عيسات إيدير، لذلك تم تكليف مديرية الأمن الإقليمي بإنجاز تحقيق تكميلي، وسارعت إلى البحث عن عيسات إيدير بين المعسكرات إلى أن وصلت إلى معسكر "بوسوي" Bossuet. وتم نقل عيسات إيدير إلى وهران لإجراء تحقيق معمّق معه..
نقل بعد ذلك على متن طائرة عسكرية إلى مقر مديرية الأمن الإقليمي في العاصمة، أين تم الاستماع إليه بتاريخ 26 فيفري من قبل ضابط الشرطة سير SIRE، وقد استعملت في عملية الاستنطاق كلّ وسائل التعذيب كالكهرباء ومياه الصابون، دون الحصول على أيّة معلومات منه. ثم حوّل ملفه الثقيل إلى الوزير المقيم من أجل إبداء الرأي، لأنّه وحسب المديرية، كان من الصعب مقاضاة عيسات إيدير بسبب انتمائه إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي أنشئ في أوت من عام 1956، في حين كان عيسات إيدير قد تعرّض لإجراء إداري مانع للحرية منذ شهر ماي 1956.
وتمت بعد ذلك إعادة عيسات إلى معتقل "بوسوي" رفقة كثير من رفقائه أمثال غليسي محمد وبورويبة بوعلام ولاسل مصطفى وقايد طه وبورويبة حسن وعلي يحي عبد المجيد وآخرين دون أن يكون محلاّ لأيّة متابعة.
الحلقة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.