المجلس الأعلى للشباب: انطلاق تسجيلات المخيم الربيعي الشبابي المتخصص للنوادي الجامعية    السيد بوغالي يتوجه إلى القاهرة للمشاركة في أشغال المؤتمر ال6 للبرلمان العربي    المغرب: موظفو القطاع العمومي يرفضون "مقايضة" الزيادة في الأجور ب "تقيد" الحق في الإضراب    المغرب: أساتذة متعاقدون يحتجون تزامنا مع عرض زملائهم الموقوفين على المجالس التأديبية    المغرب: حقوقيون يطالبون بوقف التضييق على الحريات ومتابعة النشطاء والمدونين والإفراج عن معتقلي الرأي    جبهة البوليساريو تحمل مجلس الأمن الدولي مسؤولية تطبيق اتفاق عام 1991    البطولة الافريقية للجيدو فردي- اكابر: تتويج الجزائريين دريس مسعود وأمينة بلقاضي بالذهب    الرابطة الأولى: وفاق سطيف يتعثر في بسكرة وفوز ثمين للبيض وعريض للساورة    "اتصالات الجزائر" الراعي الرسمي لدورة المبارزة المؤهلة للألعاب الأولمبية 2024 بباريس    رياضة: مهرجان الجزائر للرياضات، فرصة لاكتشاف منتزه منبع المياه    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    المؤتمر ال9 للجمعية الجزائرية لتقويم الأسنان: إعطاء الأولوية للتكوين المستمر    "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"، موضوع ندوة في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    تكثيف التبادلات الثنائية لتعزيز الروابط بين البلدين    نتائج مشجعة في الخدمات المالية والتغطية البنكية    التحضير لنصوص قانونية لدعم تشغيل الطلبة ما بعد الدكتوراه    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    اللقاء الثلاثي المغاربي كان ناجحا    استنكار تنصل المجتمع الدولي من مسؤوليته    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إطلاق عملية تجديد مسح الأراضي    4 أندية أوروبية مهتمة بالتعاقد مع عمورة    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    اتحاد العاصمة:"الكاف لم يستند للقانون وموعدنا المحكمة الرياضية"    بن سماعين يطالب بالتفكير في مباريات البطولة قبل نهائي الكأس    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    الإطاحة بسارقي مبلغ مالي وكمية من الحلي    حجز 27 ألف قرص "إكستازي"    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    قصص إنسانية ملهمة    الجمهور.. النجم الأكبر    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    الشباب يبلغ نهائي الكأس    توقيف 48 شخصا كانوا محل أوامر بالقبض    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف سنعيش في أفق عام 2050؟


السيناريو الثالث: مجتمع الخوارزميات
تشهد الثورة الرقمية مرحلة تسارع بسبب التطورات المهمة التي شهدتها بداية الألفية الثالثة، في قدرات الحوسبة وطرائق تعلّم الآلات (الذكاء الاصطناعي). وتستمر عملية الأتمتة محولة بعمق بعض الأنشطة اليومية (القيادة والعناية بالبيت، وما إلى ذلك)، والمهن (شركات التأمين والمصرفيون والمحامون والمحاسبون وما إلى ذلك. وإذا كانت هذه الأتمتة تؤدّي إلى ظهور «معايير» (Standards) جديدة لتحسين سير الحياة الاجتماعية (خاصة في المدن)، فإنّها تترافق أيضًا بشخصنة متزايدة باستمرار لعروض الخدمات بالنسبة إلى الفاعلين الخواص كما بالنسبة إلى الفاعلين العموميين).
وفي الشركات، تصبح الأتمتة أمرًا شائعا للمهمات المتزايدة التعقيد، بدءًا بدعم اتخاذ القرارات البشرية، قبل أن تحلّ محلّ البشر تدريجيا في اتخاذ القرار، مع تركيز العنصر البشري أكثر على التصديق عليها، وعلى مهمات أخرى ذات قيمة مضافة عالية جدّا.
وتلجأ الدولة نفسها إلى آليات الذكاء الاصطناعي الزيادة عقلانية قراراتها ونجاعتها. وفي الواقع هناك عدد متزايد من القرارات المؤطرة للحياة اليومية للأفراد يُعهد بها إلى خوارزميات (في مجال التنقل والنظام الغذائي والصحة). وبالمثل، فإنّ إعداد الخيارات الجماعية الرئيسة (مثل البنى التحتية، وكذلك القوانين الاجتماعية، يتم توليها في المراحل الأولى عن طريق عمليات مهمة للمحاكاة الحاسوبية Simulation) كما تصبح طبيعة الخوارزميات المستخدمة موضوع نقاش سياسي. وبموازاة ذلك، تركّز النقاشات السياسية على نحو متزايد على القضايا الأخلاقية. فقد أصبحت النقاشات حول بداية الحياة ونهايتها على وجه الخصوص مركزية ومؤطرة للانتماءات.
إذا كانت بعض المهن بما في ذلك تلك ذات الكفاءات العالية مهدّدة، فإنّ بعضها الآخر سينشأ (خاصة فيما يتعلّق بالعوالم الافتراضية وتصميم الآلات ... إلخ)، أو يجري تجديدها بتوافق مع روح العصر وللتعويض عن تدمير الوظائف، يمكن إقرار دخل كوني وتمويله بفضل مكاسب التنافسية التي تسمح بها الأتمتة. ولن يزيد دخل جزء من السكان بل حتى إنّه قد ينقص، بيد أنّ هذا الوضع مقبول عمومًا؛ لأنّه يترافق بزيادة وقت الفراغ الذي يُكرّس على نحو أساسي لاستكشاف الأكوان الافتراضية ذات تكلفة الولوج المنخفضة.
وستكون مسألة صياغة قانون خاص بالعالم الافتراضي موضوع مناقشات حية. وتتلاشى الحدود بين العالم الحقيقي والعوالم الافتراضية، وتدمج العلاقات العاطفية، وحتى الرومانسية، على نحو متزايد الآلات البرمجيات والروبوتات، وتتطوّر في عالم حقيقي أو افتراضي أو مختلط وتضاعف مساحات الواقع الافتراضي الأكوان والمساحات الأوقات للترفيه والعمل والصداقة.. إلخ. ويمكن أن يضاعف الأفراد انتماءاتهم في المجتمعات الأهلية الافتراضية وتغييرها بانتظام.
وستصبح الحقيقة المدمجة شائعة في العديد من المدن والمتاحف ومراكز التسوق. بينما تؤدّي زيادة الأتمتة إلى توسع كبير للحياة في العالم الافتراضي، فإنّها تنتج بدورها إعادة تركيز على الأنشطة البشرية على وجه التحديد لا سيما في مجال العلاقات الاجتماعية (الرعاية والصحة ... إلخ).
محرّكات السيناريو
الديناميات الحالية للتقدّم التكنولوجي هي تسريع تقارب حقول التكنولوجيات النانوية والتكنولوجيات الحيوية والمعلوماتية والعلوم الذهنية أو ما يسمى (NBIC)). وستجعل هذه التطوّرات التكنولوجية من الممكن تحسين عمليات الإنتاج، ومن ثم يجري دعمها من الفاعلين الصناعيين.
تؤدّي الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيات إلى تقدّم سريع في استخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، مع تأثيرات سريعة وواضحة في القرارات الفردية والجماعية. فعلى سبيل المثال، يمكن تسجيل تحسّن في الوقاية من الأمراض والكشف عنها من خلال التطبيقات المشخصنة. لكن إن كانت هذه الاستثمارات قد أصبحت اليوم تخصّ القطاع الخاص في معظمها، فإنّها قد تكون مصحوبة باستثمارات وسياسات الدعم الفاعلين العموميين.
العيش في أفق عام 2050 في هذا السيناريو
بعض الأفراد لديهم وظائف، والعمل المأجور أقلّ هيكلة إلى حد بعيد الأنماط الحياة. ويلاحظ تزايد ازدواجية سوق العمل بين الوظائف المؤهّلة تأهيلا عاليا وغير المهدّدة بالأتمتة، والوظائف التي لا يصعب الاستعاضة عنها بالآلية الصناعة التقليدية والخدمات للأشخاص.. إلخ.
يمكن أن يتيح استمرار عملية التشغيل الآلي إرساء دخل عالمي بتمويل من الضريبة على النشاط الآلي.
يؤدّي انخفاض وقت العمل والاستخدام المعمم للأتمتة إلى زيادة وقت الفراغ. ولكن نظرًا إلى أنّ دخول الأفراد محدود، يمكن قضاء المزيد من الوقت في مجالات افتراضية ومتقنة أكثر فأكثر: «الألعاب الانغماسية والاستشارات المهنية عن بعد، والسياحة الافتراضية، ومؤتمرات العمل مع «التجسيدات الافتراضية (Avatars)، وعوالم خيالية للاسترخاء والاكتشاف.. إلخ.
على اعتبار أنّ التكنولوجيا ستكون متوافرة في جميع المناطق، سيختار بعض الأفراد الاستقرار في المناطق الريفية، حيث تعتبر بيئة الحياة أكثر متعة. لكن الحياة في المدينة في إمكانها أن تستفيد أيضًا من العديد من التكنولوجيات (مثل السيارات من دون سائق). وعلاوة على ذلك، قد يكون للمواقع المادية أهمية أقلّ، ويجري اللجوء إليها أقلّ من المواقع الافتراضية.
يمكن أن تؤدّي هذه الإمكانات الجديدة التي توفرها المجالات الافتراضية إلى سلوك متطرف. فالبعض يتخلى عن العلاقات الإنسانية، ولكن أيضًا عن مظاهرها المادية «الحقيقية»، في حين يختار البعض الآخر بدلا من ذلك تجنّب هذه الفضاءات الافتراضية تماما. ويمكن أن يكون أيضًا للاستخدام الواسع النطاق للآلات اليوم آثار يصعب توقعها بالنسبة إلى القدرات الفكرية للأفراد الحساب والإملاء، والقدرة على معرفة الاتجاهات.. إلخ.
تسمح مراقبة السلوكيات الفردية بفضل الأدوات الرقمية بشخصنة مسارات الحياة (الصحة والتعليم ... إلخ). ومن ثم، يقترح استباق ظهور بعض الاعتلالات وتحسين متابعة العلاجات. وهو ما يمكن استخدامه بالنسبة إلى شركات التأمين وأرباب العمل، وكذلك أنظمة الحماية الاجتماعية. ويستفيد الجميع من متابعة دقيقة لحالتهم الصحية الشخصية بفضل الخوارزميات، ويجب عليهم اتباع التوصيات (النظام الغذائي والتمارين البدنية والاختبارات) تحت طائلة التعرض لخطر الاستبعاد من نظام الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، يمكن أن تظهر اعتلالات جديدة من ناحية بسبب زيادة قلة الحركة (يتم تفويض الأنشطة البدنية للآلات)، ومن ناحية أخرى لأنّ الأمراض العقلية الجديدة يمكن أن تظهر بسبب تزايد مكانة العوالم الافتراضية والآلات. وبالمثل، يمكن بناء مسارات مدرسية بالنسبة إلى كلّ فرد بناءً على خلفيته ونقاط قوته، وضعفه، ورغباته. ونظرًا إلى عدد القرارات التي تتخذها الخوارزميات يمكن أن تظهر أشكال جديدة من اللامساواة أو أن تتعزّز، وفقا لقدرة الأفراد على تلبية معايير الآلات.
تتأثر العلاقات الشخصية على نحو متزايد بالخوارزميات التي تضفي عليها الطابع الشخصي إلى أقصى الحدود، بيد أن ظواهر «فقاعات» المعلومات والانغلاق على الذات تتزايد. إضافة إلى ذلك، يجري تحسين السلوكيات وعقلنتها على نحو متزايد. في حين تصبح العفوية نادرة، ما من شأنه أن يؤدّي أيضًا إلى انخفاض الإبداع.
للفاعلين الخواص الذين يقترحون الآلات ويديرونها ثقل وتأثير متزايد في الشركات ما يثير مسألة تنظيمها أو عدم تنظيمها من قبل السلطات العامة. ويمكن أن تضع الدولة نفسها ضامنا لموثوقية الخوارزميات.
يؤدّي الاستخدام المتزايد للخوارزميات إلى إثارة العديد من النقاشات بشأن مدى القرارات التي ينبغي أو لا ينبغي تكليف الآلات بها وطبيعتها. وتركز المفاوضات وجماعات الضغط في المراحل الأولى على المعايير التي ينبغي أن تأخذها الخوارزميات، وفي المراحل النهائية على تفسير التوصيات التي تقدّمها هذه الأخيرة. وتتضاعف الانتقادات بشأن حدود النمذجة وانحرافاتها.
السيناريو الرابع: مجتمع الأرخبيل
تتضاعف الجماعات الأهلية حول قيم أو عوامل محدّدة، وتقدم عناصر من إعادة التأمين المعنوية والمادية لأعضائها. وهي تتطوّر أساسا على المستوى المحلي، لكنّها يمكن أن تندرج في إطار حركات وطنية أو حتى دولية. ويمكن بلورة هذه الجماعات الأهلية أو القبائل، وفقا لتعبير ميشيل ما فيسولي، من خلال لحمة هوياتية قوية (ثقافية، أو روحية، أو عائلية ... إلخ)، أو عن طريق السعي لتحقيق هدف مشترك الجماعات الأهلية القائمة على المصالح المشتركة، أو على العمل المشترك، وما إلى ذلك، أو أن تتسم بانغلاق ونبذ للآخرين، أو أن تتشكل حول رؤى مشرقة للإنسانية ولمستقبلها وغالبا ما تقترح أساسًا للمبادئ المؤطّرة لتوجيه السلوك.
تظهر هذه الجماعات الأهلية أو تتقوى استجابة لتراجع المؤسّسات السياسية والاجتماعية، والافتقار إلى مشاريع موحّدة من شأنها أن تمنح معنى للجماعات الأهلية التقليدية، ولا سيما للجماعات الأهلية الوطنية.
ويمكن أن يتعزّز هذا التطوّر للجماعات الأهلية بسبب صعوبة توفير أنظمة الحماية الاجتماعية الدعم المادي الكافي للساكنة الأكثر هشاشة. وبالمثل، فإنّ ازدياد وقت الفراغ يشجّع على إعادة تنظيم المجتمع والروابط الاجتماعية. فأنشطة الإنتاج الذاتي والتقاسم، والتبادل تنمو على نطاق واسع، وتؤطّر على نحو متزايد الحياة الاجتماعية حول الجماعات الأهلية، التي يمكن أن تشمل الأصدقاء، والجيران، وأيضًا الأفراد الذين يتشاركون في شغف مشترك، أو احتياجات، أو قيم. ويصبح التضامن والمساعدة المتبادلة والتقاسم قيما مركزية لدى هذه المجموعات.
تزداد الفوارق بين هذه المجموعات. ومن الواضح أنّ البعض منها يطالب بالاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة، ويختار الخروج من النظم الجماعية الضرائب، والحماية الاجتماعية، ويمتلك عملات خاصة به، ونظم أمن خاصة، أو نظام عدالة ونظامًا صحيا خاصا. في حين أنّ البعض الآخر أكثر انفتاحًا، وأقلّ اعتمادًا على تفسيرات كلية، ولا يمنع إشراك الأفراد في العديد من الجماعات الأهلية.
تصبح بعض هذه الجماعات الأهلية حركات ذات نطاق وطني، أو أحزابا سياسية تسعى للدفاع عن قيمها من خلال وسائل مختلفة.. الانتخابات والجماعات الأهلية على الإنترنت والعرائض والمظاهرات ... إلخ، ويمكنها التنافس مع بعضها من أجل تخصيص الإعانات العامة، والوصول إلى المعدات، أو لجذب أعضاء جدد.
النظام السياسي هو الحكم الرسمي لمجموعات المصالح المختلفة هذه، فهو يضمن ظروف الوجود السلمي لجميع الأفراد وجميع القضايا، من دون السعي إلى الانحياز. وينبغي أن تظلّ المؤسّسات والمرافق العامة محايدة، ومتسامحة مع تنوّع القيم والمصالح المعبر عنها. وبوجه عام، تتحمل الدولة والسلطات العامة قيما ومشاريع سياسية أقلّ في المجتمع. وتعدّ إدارة الجماعات الأهلية الأكثر تطرفا تحدّيا دائماً على المستويات الدولية والوطنية والمحلية.
محرّكات السيناريو
تتميز المجتمعات الأوروبية بالشعور بفقدان المرجعية بالنسبة إلى الأفراد. فالعولمة تولد تداخلا للثقافات والممارسات ولم يعد الاستهلاك المفرط يبدو مثاليا، وأصبح الخيال عن المستقبل يفقد زخمه. تجري مساءلة وزن الفاعلين الرئيسين في الاقتصاد الرقمي والحياة اليومية بفعل الحوادث و /أو الفضائح التي تدفع الأفراد إلى الابتعاد عنها لحماية بياناتهم (الفردية والمصرفية).
في البلدان الأوروبية، لا تنشئ الشركات وظائف كافية لاستيعاب السكان العاملين وتمويل أنظمة الحماية الاجتماعية.
قد يكون الأفراد أكثر تشكّكا وخيبة أمل إزاء الإجراءات التي تتخذها السلطات العامة، والتي يعدونها غير قادرة على التعامل مع الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية.
العيش في أفق عام 2050 في هذا السيناريو
ستترجم الحياة في هذا السيناريو على نحو مختلف وفقا لنوع الجماعة الأهلية المهيمنة بالنسبة إلى الأفراد. وقد يُتاح للبعض الفرصة لمضاعفة الانتماء إلى جماعات أهلية ذات درجة إدماج ضعيفة والانفصال عنها كما يحلو لهم، كما هو الحال في السيناريو الأول. وفي الوقت ذاته، قد يفضّل أشخاص آخرون، أو يجدون أنفسهم مضطرّين إلى الانضمام إلى جماعات أهلية حصرية جدّا، أو حتى ملزمة من حيث القيم والسلوكيات.
يمكن، إذا، أن تتعزّز اللامساواة بين الأفراد وفقًا لقدرتهم على الالتحاق، أو الانفصال عن جماعة وبالنسبة إلى البعض قد يتم فرض الجماعة أهلية أو أكثر؛ ما سيمكّنهم من تلبية احتياجاتهم.
يمكن أن تندلع النزاعات بين الجماعات الأهلية على نحو مموضع ومحدّد، أو على نحو مهيكل بالنسبة إلى المجتمع.
تصبح الدول الضامن للتعايش السلمي بين الجماعات الأهلية. وتعيد التركيز على وظائف معينة، ولا سيما الأمن. لكن درجة قبول هذه الجماعات الأهلية المستقلة يمكن أن تختلف اختلافا كبيرا بحسب كلّ بلد (على سبيل المثال، تكون أقلّ في الصين منها في بريطانيا).
يمكن أن يُسائل هذا التنظيم الاجتماعي الجديد طريقة اشتغال الديمقراطيات. ففي بعض البلدان، لم يكن في إمكان البرلمان أن يكون مشكّلا من نواب عن المواطنين، بل من نواب عن الجماعات الأهلية، التي تتجمع في عائلات كبيرة، وفق عدد يتناسب مع أعضائها.
يمكن أن تدعم مجموعات إقليمية مختلفة الجماعات الأهلية، وأن تضمن ظروفا معيشية مرضية لها. كما يمكن أن تطالب بعض المناطق باستقلالها. وفي الوقت نفسه تفلت المدن الكبرى المعولمة التي تجمع ساكنات ذات أصول متنوّعة جدا، جزئيا من منطق الجماعات الأهلية. كما يمكن أن تعاني بعض المناطق هيمنة جماعة أهلية معينة ستفرض قواعدها وشكلا من أشكال الحمائية، مع عواقب جسيمة فيما يتعلق بنوعية الحياة والحالة الصحية..إلخ.
خاتمة
توضح السيناريوهات المقدّمة حدّة منطق تطوّر العلاقات بين الأفراد والمجتمع عمومًا؛ أيّ في مجالات الحرية الفردية وأشكال القيود الجماعية. وعلى نحو تبسيطي جدّا، يقترح السيناريوهان الأول والرابع مجتمعات مستقبل منظمة إلى حدّ بعيد، من خلال حركة نزع المؤسّسات عن المجتمع والشخصنة، وهو أمر مرجح في السيناريو الرابع بفعل سيطرة الجماعات الأهلية، ويسلّط السيناريوهان الثاني والثالث الضوء على التنظيمات الاجتماعية الجديدة المتوافق عليها بحرية إلى حدّ ما، والتي قد تبدو ضرورية للاستجابة للتغيرات الإيكولوجية والاقتصادية الرئيسة التي نواجهها.
ليست هذه السيناريوهات متضاربة تماما فيما بينها، وفي الإمكان إيجاد صيغ توافقية بينها. وهي تطمح إلى تحفيز التفكير بشأن الخيارات الكبرى المتاحة أمامنا، وتغذية النقاشات بشأن تفضيلاتنا الفردية أو الجماعية، وبشأن وسائل تحقيق ذلك.
الحلقة الثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.