برزت الدول الهشة بإفريقيا منذ العقود الأولى لاستعادة الاستقلال والسيادة، وشكلت دائما مصدر اختلال للاستقرار والأمن الجوار الإقليمي، ملموس في الميدان، ويستلزم التعامل معها بخطط واستراتيجيات مضبوطة وناجعة لحماية الأمن ومساعدة الدول المعنية على إعادة بناء ذاتها وتجاوز المراحل الانتقالية التي تقع فيها جراء محاولات التغيير غير المحسوبة هذه آراء واضعي الاستراتيجية ومحللي السياسة. تعرضت دول افريقية عديدة إلى هزات عنيفة، ضربت استقرارها الاقتصادي والاجتماعي في العمق، وهشمت أركان وهياكلها الرئيسية وحلت محلها الفوضى والخراب والأزمات الأمنية والمالية الحادة، وفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر، وبات يطلق على هذه النماذج مصطلح «الدول الفاشلة» من قبل وسائل الإعلام، وتعني تلك الدول المهمشة التي لا تستطيع تنفيذ المهام التي ينجزها سواها على مساحتها الجغرافية، كما تعني عجز مؤسسات الدولة على الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تهاوت لعدة عوامل ناتجة عن سياسيات معينة أو صراعات أو رغبة في تغيير واقع دون إدراك مخاطر التوجه نحو واقع جديد. وكلما وصلت دولة ما، إلى حالة متردية ينخفض فيها المستوى المعيشي إلى درجات سلفى، ويزداد شعور الناس بالخطر على حياتهم وممتلكاتهم، بسبب نشوب أزمات شائكة ومعقدة، كلما تراجعت بخطوات عمالقة إلى الوراء ودمرت ما بني خلال سنوات في ظرف وجيز يعاد تشييده بعد جهود مضنية. وكثيرة البلدان الإفريقية التي مرت بوضعيات مشابهة ولازالت بادية للعيان فالصومال مثلا لم ينعم بالاستقرار والأمن منذ استقلاله وظل سكانه يقبعون تحت خط الفقر، يتساقط أطفاله ونساؤه وشيوخه تباعا تحت سياط المجاعة والجفاف، وتسييره حكومة غير قادرة على التعامل مع المعضلات الشائكة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب الذي يهدد الأمن ويعيق تقدم الدولة ويعرقل حتى المساعدات الأممية للمتضررين، وعرفت السودان وضعا مشابهاتقريباحيث صنفت في السنوات القليلة الماضية قبل بروز دولة الجنوب ضمن الدول الأربع الهشة في إفريقيا إلى جانب التشاد وإفريقيا الوسطى والصومال. فانتشار الأسلحة على نطاق واسع، وما يخلفه من تساقط مئات القتلى يوميا بينهم عشرات الأطفال الذين يجندون ويوضعون في الصفوف الأمامية، مؤشر على غياب أية مظاهر للدولة الحديثة. ومن عوامل هشاشة الدول محاولات تغيير الأنظمة السياسية، خاصة إذا تم ذلك عن طريق الدبابة والسلاح بالانقلابات العسكرية، أو عبر تنصيب حكومة جديدة من قبل القوى الأجنبية كالولايات المتحدة وفرنسا، حيث يستبدل النظام الديكتاتوري القائم بآخر تكون النزعة الانتقامية برنامج حكم، ما يزيد من تأجج الأحقاد والكراهية وتتم تغيير الدول حسب اجندات قوى خارجية ومصالحها. ويعتبر ضعف البنية الاقتصادية وتصدع النسيج الاجتماعي والتبعية المطلقة للخارج، عناصر مساعدة على انهيار الدولة الهشة، تكون نتيجة لاستفراد حاكم بالقرار وعدم تفكيره في بناء دولة مؤسسات تكون ركائز للبلاد وتقيها من جميع الهزات. وتكمن خطورة الدول التي تعرف هشاشة على جميع الأصعدة، في انعكاساتها على دول الجوار، بحيث تصبح معبرا لكل أشكال الجريمة المنظمة والإتجار بالأسلحة تتناقلها المنظمات الإرهابية الناشطة بين حدود الدول، وتكون مصدر تهديد من الدرجة الأولى للأمن، فانهيار دولة مالي سنة 2012، وسقوط مساحة كبيرة منها في يد الإرهابيين جعل استقرار منطقة الساحل على المحك، وجلب لها التدخل الأجنبي الفرنسي لطرد الجماعات المتطرفة لأن السلطة المركزية عجزت عن الوقوف لحماية وحدتها الترابية. وانتشار السلاح بدول الجوار في الساحل بشكل فوضوي سمح للإرهاب بالاستقواء وتوفير عتاده الحربي لتنفيذ اعتداءات على منشآت حساسة، كماحدث في تقنتورين العام الماضي، حينما تصدى الجيش الجزائري للاعتداء الارهابي الذي استهدف قاعدة الحياة بولاية إليزي، ونجح باحترافية عالية في إجهاضه. وعليه فإن التهديد الأمني الذي تمثله هده الدول الهشة، يحمل أخطارا كبرى على دول الجوار وترسم شريطا حدوديا ناريا وحزاما ناسفا يستدعي مواجهة جماعية مثلما تشدد عليه الجزائر.