مر يوم الجمعة 19 سبتمبر نصف قرن بالتمام والكمال على تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة السيد فرحات عباس، والاعلان عنها بصفة رسمية من القاهرة، التي سجلت بها شهادة ميلاد الحكومة في وقت كانت فيه الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي على اوجها بكامل التراب الوطني. تشكيل الحكومة التى اريد لها اعطاء دفع قوي للكفاح المسلح واعلاء صوت الجزائر في المحافل الدولية، كان تنفيذا لقرارات المجلس الوطني للثورة في اجتماعه المنعقد شهر أوت بالقاهرة.وكان من البديهي ان تعارض فرنسا الاستعمارية والديغولية تشكيل حكومة تحمل اسم الجمهورية الجزائرية وتتحدث باسم الجزائر، لأن ذلك يعد بمثابة ضربة قاسية وجهت الى الجنرال شارل ديغول بعد اقل من اربعة اشهر من عودته الى سدة الحكم في فرنسا، وعليه فقد عمل كل ما في وسعه لاجهاض هذه الحكومة في المهد، وأعلن جهارا بأن فرنسا ستقطع علاقاتها مع اي دولة تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.. لكن ذلك التهديد والوعيد لم يجديا نفعا، بحيث سارع ما لا يقل عن اربعة بلدان وهي العراق، المغرب، تونس وليبيا الى الاعتراف بها بصفة رسمية لتتولى تباعا سلسلة الاعترافات بها وبأحقية الشعب الجزائري في تقرير مصيره.ولم تكن الدول العربية الشقيقة السباقة لوحدها في الاعتراف بالحكومة المؤقتة، بحيث انضمت اليها جمهورية الصين الشعبية بعد اربعة ايام من تشكيلها، ثم اندونيسيا يوم 27 / 09 / ,1958 يوغسلافيا 12 جوان 1959 الاتحاد السوفياتي 3 أكتوبر 1960 تشيكوسلوفاكيا 25 مارس 1961 بلغاريا في التاسع والعشرين من نفس الشهر.واعتراف هذه الدول وخصوصا الصين بما تمثله من ثقل وحجم كان له تأثيرا ايجابيا على القضية الجزائرية ككل، وكانت بكين قد استقبلت بدعوة رسمية من الحكومة الصينية التي كان يترأسها شوان لاي تحت زعامة ماوتيس تونغ في اكتوبر 1960 فرحات عباس الذي سمع من الرجل الثاني في القيادة الصينية لدى استقباله بالمطار كلاما يؤكد فيه دعم بلاده المطلق للثورة الجزائرية بقوله: إن الثورة الجزائرية وراءها 650 مليون صيني يساندون كفاحها التحرري العادل.الأكيد أن الاعتراف بالحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية من طرف دول شقيقة وصديقة كان له دورا بارزا في تدعيم القضية الجزائرية ومساندتها من جميع النواحي، غير أن هذه الحكومة لم تكتف بما حققته من نصر على الساحة الدولية من حيث التأييد والمساندة للقضية الجزائرية، فراحت تنتقل من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم من خلال ديبلوماسيتها النشيطة، حيث كان لها ممثلون في عدة عواصم عربية وغير عربية (اندونيسيا والهند) ناهيك عن بعثات في كل من لندن، بون، روما واستوكهولم.ولعبت بعض الدول الافريقية دورا لايستهان به في دعم القضية الجزائرية وقادت غينيا كوناكري في عهد الرئيس الراحل أحمد سيكوتوري قافلة الدول الافريقية المستقلة آنذاك للاعتراف بالحكومة الجزائرية.وقد فرضت وجودها كطرف نزاع في الحرب ضد فرنسا باعتبارها الممثل الرسمي للشعب الجزائري وفي المفاوضات التي قاداتها مع الفرنسيين الى غاية التوقيع على اتفاقيات وقف اطلاق النار في 19 مارس 1962 .تجدر الاشارة في الأخير أن الحكومة المؤقتة تغيرت ثلاث مرات في الفترة مابين 1958 و 1962 واحتفظ فرحات عباس برئاسته في التشكيلة الثانية، قبل أن يخلفه بن يوسف بن خدة في التشكيلة. ------------------------------------------------------------------------ م. نجيب بوكردوس