زمن «الترانسفير» التهجير القسرى ولّى إلى الأبد جدد سفير دولة فلسطين بالجزائر السيد عيسى لؤي، التأكيد بأن كافة الإتصالات سواء منها الأمنية أو السياسية متوقفة في الوقت الراهن مع إسرائيل ولا توجد في الأفق أي بوادر توحي باستئناف هذا التنسيق، نظرا لإقدام سلطات الاحتلال على غلق المسجد الأقصى والقيام بأعمال قسرية ضد الفلسطينيين. أوضح السفير، أثناء نزوله ضيفا على جريدة «الشعب»، أن ما يجري على الأرض اليوم هو صراع وجود بين مشروعين الأول فلسطيني عازم على استعادة أرضه. والثاني صهيوني مرجعيته القوة في ملاحقة هذا الشعب الصامد. وقرار إسرائيل بإزالة ونزع البوابات الإلكترونية فرضه الفلسطينيون المرابطون هناك، بفضل مواجهتهم للغطرسة الإسرائيلية، وما يقال عن تدخل فلان وعلان إنما مجرد كلام للاستهلاك لا أكثر ولا أقل، مشيرا في هذا الصدد إلى حقيقة مفادها، إنه لا تنتظر أبدا من يمنحك أي شيء بدون أن تكون حاضرا تدافع عن حقوقك بنفسك وتفتكّها بيدك وهذا ما حصل بالضبط في القدس. الفلسطينيون وقفوا كرجل واحد يقاومون جحافل من جنود الاحتلال المدججين بكل أنواع الأسلحة، منذ منتصف شهر جويلية، مما أجبر الإسرائيليين على التراجع والإذعان إلى هذا السيل الجارف من الإرادة الشعبية، بإعادة فتح كل الأبواب وهذا في حد ذاته انتصار للمشروع الفلسطيني وانكسار للهمجية الإسرائيلية التي أرادت أن تضع هذا المعلم التاريخي والحضاري تحت سيطرتها وفشلت في ذلك فشلا ذريعا، مما يؤدي بها لاحقا إلى البحث عن مواقع أخرى تنقدها من هذا الإنهزام، ألا وهي التقرب مهما كان الأمر من القيادة الفلسطينية للتخفيف من وطأة هذه الضربة الموجعة في مفصلها. هذا الإنجاز السياسي والشعبي أحدث انقلابا سريعا في معادلة القدس. والفلسطينيون يدركون جيدا أنها ذلك الخط الأحمر، الذي لا يسمح للإسرائيليين بتجاوزه. ومما زاد في تدعيم هذا الموقف، القيادة برئاسة أبي مازن الذي تفاعل مع شعبه تفاعلا فريدا لربح هذه المعركة تفاجأ له الاسرائيليون عندما أعلن توقيف الاتصالات الأمنية والسياسية مع الاحتلال كتعبير واضح عن رفض ما يتعرض له المسجد الأقصى. وإن كان التنسيق الأمني جانبا تقنيا محضا، إلا أن تداعياته خطيرة جدا لاحقا وهذا بخصوص الضمانات الممنوعة مسبقا لتنقل العربات الإسرائيلية من نقطة معينة إلى أخرى وهذا ما يخيف القيادة العسكرية في إسرائيل يوميا، ويجعلها تستجدي الفلسطينيين قصد إعادة الأمور إلى نصابها. وإن استؤنف هذا التنسيق في غضون الآجال القادمة، نظرا لحساسيته ومقتضياته الآنية، ليكون على مستويات أخرى لتفادي التعقيدات الأخرى الناجمة عن ذلك، غير أن التنسيق السياسي يبقى خيارا معقدا جدا، يتطلب الكثير من الحكمة في التعامل مع الإسرائيليين وهذا بعدم ترك لهم أي فرصة تذكر للاستفادة من هامش المناورة. ففي هذا السياق، خاطب أبو مازن الوفد الأمريكي الذي زاره من أجل الدفاع عن الكيان الصهيوني بكل رزانة، عندما أبلغوه بأن هناك 24 قرارا سيصدر عن الكونغرس الأمريكي ضدكم، قائلا لهم، هل ستعلنون الحرب علينا؟ فيكفي ما ارتكبتموه ضد القضية الفلسطينية، مبديا تأسفه لما صدر عن هؤلاء من كلام غير مسؤول يريد مصلحة إسرائيل فقط. الأوراق السياسية التي بحوزة القيادة الفلسطينية لها أبعاد استراتيجية، منها كل هذا الالتفاف الأممي حول حقوق الشعب الفلسطيني وولوج دولة فلسطين إلى جل المؤسسات الدولية، وجود 6 ملايين فلسطيني في الخارج، و6 ملايين آخر بالداخل، وكل هذا الكم الهائل من أفراد شعبنا، يخوض حربا ضروسا ضد إسرائيل ولا تستطيع فعل أي شيء، كما تقف عاجزة عن مواجهة هؤلاء الأبطال وهذا ما يؤكد أن زمن «الترانسفير»، أي التهجير القسرى، قد ولّى إلى الأبد، ولا يمكن لأحد إحلال شعب آخر محل الشعب الفلسطيني المقاوم، وهذا بمثابة حلقة من حلقات إثبات الذات الفلسطينية على الأرض وإسقاط كل المشاريع الوهمية، التي يراد منها الانتقال من إسرائيل الكبرى إلى إسرائيل العظمى.