يُبرز الدكتور "حسين رايس" مؤسس معهد الغزالي لمسجد باريس الكبير، حرص هذا المَعلم على إنتاج جيل فاعل لخدمة الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويشير الأكاديمي الجزائري المغترب إلى مواظبة المعهد إياه منذ أزيد من ثلاثة عقود على تكوين كوادر للعمل في المساجد والمدارس، وكذا كمرشدين في المستشفيات والسجون والجيش الفرنسي أيضا بحكم وجود المسلمين. في حوار خصّ به "الشروق أون لاين"، ركّز الأستاذ المحاضر في العلوم الشرعية والحضارة الإسلامية والآداب العربية بمعهد الغزالي، على بلورة مفهوم التعليم العالي للإسلام، ومنح طلبة المعهد تعليما متكاملا يتجاوزه ما سماه "التلفيق والعموميات". ويحيل المدير السابق للشؤون الثقافية بالمعهد الإسلامي لمسجد باريس الكبير، على ضمّ المعاهد لنخبة من الأساتذة، علما إنّ د/رايس يحوز شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية، وكذا شهادة دكتوراه في العلوم الإنسانية من جامعة السوربون. تابعوا النص الكامل للحوار: مضى 93 عاما على إنشاء مسجد باريس الكبير و32 عاما على تأسيس معهد الغزالي، ماذا عن المُنجز والراهن؟ يعتبر مسجد باريس الكبير الأكبر والأقدم في أوروبا، جرى تأسيسه كمعهد جمع بين الثقافة والدين من طرف الدولة الفرنسية، وذلك في 19 أكتوبر 1922، علما إنّ الفكرة ظهرت سنة 1849، بناء على توصيات قدمها دهاة الدولة الفرنسية، ليقدم الماريشال "هوبير ليوطي" المقيم الفرنسي العام آنذاك في المغرب الأقصى، بإعطاء إشارة انطلاق الأشغال. وأتى تأسيس مسجد باريس على خلفية النظرة الاستعمارية القديمة التي فشلت في تطويع المستعمرات، وبخاصة الشعب الجزائري الأصيل العنيد، وظلّ هذا المسجد يحتل بؤرة الحضور الإسلامي في فرنسا. ماذا عن حقيقة تسيير هذا الصرح منذ زمن "قدور بن غبريط" (1922 – 1954)، وكذا تفعيل معهد "الغزالي"؟ بقي مسجد باريس منذ إنشاءه مسيّرا من طرف أبناء الجزائريين، وذلك اعتبارا من المؤسس "قدور بن غبريط" مدير المعهد، إلى أحمد بن غبريط، وصولا إلى "حمزة بوبكر"، "عباس بن الشيخ"، الدكتور "تيجاني هدّام"، وحاليا الدكتور "دليل بوبكر". أشير هنا إلى أنّ هذا المعلم الثقافي الديني ذي البعد الاجتماعي والسياسي، مثّل ولا يزال نقطة تجاذب بين أبناء الجالية المتعددة الأصول والتطلعات والأهداف من ناحية، وبين الدولة الفرنسية الراعية عن كثب لهذه المؤسسة التي جمعت بين الدين، البحث والثقافة، فسمته "المعهد الإسلامي لمسجد باريس"، لأنه كمعهد يعني الثقافة ويبرّر تقديم فرنسا دعما بسيطا لهذه المؤسسة، طالما إنّ فرنسا واعتبارا لكونها دولة علمانية لا تساعد الديانات. وفي هذا المعلم الثقافي الحضاري الهام يوجد ما يُعرف بالتعليم، وإن كان تعليما بسيطا يسوده التلفيق والعموميات، لذا فما إن وطئت أقدامنا هذه المؤسسة عام 1983، إبّان تسيير "عباس بن الشيخ"، انتظمت شخصيا في سلك العاملين بها، وقدّمت مقترحات للراحل، تضمنت تنظيم العملية التعليمية، فبذلت ما استطعت بالتعاون مع العميد الدكتور "دليل بوبكر"، وجرى التوافق مع من كان يعمل في هذه المؤسسة على إنشاء معهد الغزالي عام 1993، فكان عميده عميد المسجد ومديره مدير الشؤون الثقافية وهو المتحدث. قلتم إنّ التعليم الذي كان سائدا طغى عليه التلفيق والعموميات، كيف تجاوزتم هذا المحذور، وعلى ماذا تعتمدون في المقررات؟ شرعنا في عمل معمّق، محاولة منا أن نبلور مفهوم التعليم العالي للإسلام، فتقاطر علينا الراغبون في التعلم من كل صوب وحدب وزمن، وقدم كثيرون من أصول مختلفة، وبخاصة من أبناء شمال إفريقيا، غالبيتهم من المغتربين ذكورا وإناثا، وهم يتجاوزن المائة دوريا، والعدد يتزايد حسب طاقة المعهد. ونعتمد في مقرراتنا ومناهجنا، على جامعات المشرق والمغرب وبخاصة على كلية الشريعة بالجزائر، حيث أخذنا من برامجها نموذجا تقريبيا، لكن ظروف البيئة الاجتماعية والثقافية، جعلتنا نكيّف البرامج وفق ما هو بالإمكان ووفق ما يتطلبه الواقع الاجتماعي والبيئي. كما اعتمدنا على تدريس القرآن الكريم تحفيظا وتلقيا وتفسيرا، فضلا عن تلقين الشريعة الإسلامية أصولا ومقاصد ومذاهب ومعاملات، ويتسلم المتخرجون شهادة "الليسانس"، علما أننا بدأنا في محاولة تكوين طلبة الماجستير منذ سنتين. وهناك شهادة أخرى يحصل عليها الطلبة بعد سنتين من الدراسة تخوّلهم العمل كمرشدين في المستشفيات والسجون وفي الجيش أيضا بحكم كثافة وجود المسلمين على مستوى الهياكل المذكورة في فرنسا. ويقوم بالتأطير، نحو 15 أستاذا غالبيتهم جزائريون أتوا من الجزائر، ويحصل هذا المعهد على دعم بسيط يساعده على السير في طريقة التعليم بالجزائر بشكل ما، وهذا الدعم يأتي من المركز الثقافي الجزائري من جهة، وكذا مسجد باريس. ماذا عن التنافس الحاصل بين المعاهد الإسلامية في فرنسا؟ بالفعل، هناك سباق حامي الوطيس بين هذه المعاهد المتشابهة في أنحاء التراب الفرنس، وبخاصة معهد "شاطو شي نو" الذي تموّله وتوجهه دول الخليج، بطريق غير مباشر. ومع وجود عدة معاهد أخرى شبيهة، فإنّ حضور معهدنا كان ولا يزال ضروريا، واتخاذه منبرا لتكوين جيل جديد يمكن أن يكون جيلا فاعلا لخدمة الإسلام والمسلمين في هذه البلد، وبخاصة جاليتنا الجزائرية التي يتجاوز عددها الأربعة ملايين. وبناءً على التنافس المتصاعد في المجتمع العربي والفرنسي، خاصة بين المؤسسات ومراكز التكوين الإسلامي في باريس وضواحيها، وفي ستراسبورغ، ليون، فإننا جادون في إنجاح هذه العملية الضرورية التي تروم خدمة أبناء الجالية.