من الفاتح ماي إلى نهاية شهر أكتوبر.. أبناء الجالية لن يخضعوا للتأشيرة    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم خلال أسبوع    توافق التام للرؤى بين البلدين.. جمهورية الكونغو ترغب في إعادة بعث علاقاتها مع الجزائر    منظمات للمتقاعدين تثمن القرار وتؤكد: الزيادات تأكيد على اهتمام رئيس الجمهورية بهذه الفئة    ستستعمل كأداة تعليمية في كليات الطب وملحقاتها..تقديم أول طاولة تشريح افتراضية ابتكارية جزائرية للتدريب على علم التشريح    إحياء ذكرى ماي الأسود: تدشين مرافق صحية وسياحية بقالمة    مع قطع الاحتلال شريان الحياة الوحيد لغزة مع العالم الخارجي    شهدتها شوارع قالمة أمس: مسيرة حاشدة تخليدا لضحايا ماي الأسود    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    مستشفى عنابة: نجاح أول عملية قسطرة لجلطة السكتة الدماغية بالشرق    دفن رفات شهيدين ودعم قطاع الصحة بهياكل: استفادة 166 عائلة في جبال جيجل من الربط بالغاز    وهران..ترحيل 33 عائلة نحو سكنات لائقة    الأسلاك الطبية وشبه الطبية: نقابيون يثمنون المصادقة على القوانين الأساسية    مختصون ينوّهون بالقدرات في مجال إنتاج الأدوية و التوجه للتصدير: الصناعة الصيدلانية تساهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات    مستبعد لحاقه بموقعة ويمبلي: بن سبعيني ثالث جزائري في نهائي رابطة الأبطال    استذكار المحطات التاريخية التي تعبر عن اللحمة الوطنية    النيجيري أوسيمين يرفض عرض باريس سان جرمان من أجل الالتحاق بالبطولة الانجليزية    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    لقاءات بين "ملائكة الأعمال" والطلبة المقاولين في الأفق    أكاديميون ومهنيون يشرحون واقع الصحافة والرقمنة    10 اتفاقيات تعاون بين متعاملين جزائريين وموريتانيين    العدوان الصهيوني على غزة تجاوز كل الحدود ولا يخضع لأي قواعد    شكر الرئيس لموظفي سونالغاز.. تقدير للعمال المثابرين    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    قمة في تيزي وزو واختبار صعب للرائد بخنشلة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    استزراع صغار سمك "الدوراد" بسواحل العاصمة    التزام المتعاملين في السياحة بتقديم أسعار ترويجية    قافلة شبانية لزيارة المجاهدين عبر 19 ولاية    العثور على مقبرة جماعية ثالثة بمجمّع "الشفاء" الطبي    أمن عنابة في المؤسسات التربوية    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم للجماعات الإرهابية    أعربوا عن استعدادهم في إثراء الأنظمة التعويضية للأسلاك الطبية: نقابيون يثمنون مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين الأساسية    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    ورشة حول الفار في الجزائر    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    حصيلة إيجابية للمنتخب الوطني في لواندا    شيفرة لغة السجون    عهد منشود بمكاسب أكبر في جزائر جديدة وقوّية    جزائري في نهائي دوري الأبطال    الحج دون تصريح.. مرفوض بإطلاق    اجتماع لتقييم مستوى التعاون بين جهازي الجمارك للبلدين    وهران: إقبال معتبر على صالون التجارة الإلكترونية والإقتصاد الرقمي    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السنفونية : فنزويلا في أول مشاركة لها والصين ضيف شرف للمرة الثانية    التصفيات الجهوية المؤهلة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم : مشاركة قياسية للفرق المسرحية والتكوين رهان محافظة المهرجان    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: تتويج الفيلم القصير "كود بوس" بجائزة "السنبلة الذهبية"    "راهن الشعر الجزائري" : مهرجان شعري وملتقى دراسي بمناسبة عيد الاستقلال    سكيكدة: تنصيب أحمد ميرش مديرا للمسرح الجهوي    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    صيد يبدع في "طقس هادئ"    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"السلام على الجزائر"

كان إعجاب الأدباء والشعراء العرب بالجزائر كبيرا، فتغنوا بجمالها الساحر، وأشادوا بجهادها العظيم، ومن أولئك الشعراء الشاعر التونسي منوّر صمادح، الذي دبجّ عدة قصائد عن الجزائر، أرضا، وشعبا، وجهادا ثم جمع تلك القصائد في ديوان سماه "السلام على الجزائر" ونشره في عام 1972.
*
وعنوان هذا الديوان هو جزء من بيت شعري من قصيدة كتبها الشاعر عن الإمام عبد الحميد بن باديس بمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين لوفاته، ومما جاء في تلك القصيدة قوله:
*
*
عبد الحميد حدا بها فتواكبت
*
ألقى السلام على الجزائر حاملا
*
فيها الأباة من الرّعيل الطيب
*
وحي الرسالة من منارة يثرب
*
*
لقد ورث الشاعر حبّ الجزائر من والده، الذي قضى فترة من حياته في الجزائر، حيث كان معجبا بالحركة الإصلاحية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبقادة تلك الحركة، »ثم دعاه واجب العلم والجوار ليترك أبناءه ووطنه ويوظف علمه في أغراض هذه الجمعية... حيث جاب العديد من المدن الجزائرية، مشاركا في تشييد المدارس والدعوة الى الإصلاح، ونشر الدين الإسلامي واللغة العربية (1)«.
*
وتعمق حبّ الشاعر للجزائر وازداد إكباره لها، وإعجابه بها في سنوات ثورتها الأخيرة ضد العدو الصليبي الفرنسي، خاصة أن هذه الثورة كانت إسلامية الروح والغاية، فهي كما يقول الشاعر صمادح:
*
*
هي ثورة الإيمان باللّه العظيم
*
وبالكتاب، وبالسلام، وبالنبّي
*
*
ومن العبارات التي تبرز حب الشاعر الكبير للجزائر وإعجابه الشديد بجهادها، وإكباره لصمود شعبها، وصفه لها بأنها »مفخرة الأمم« حيث يقول:
*
*
قالوا: هجرت، فقلت: تونس قبلتي
*
قالوا: الجزائر: قلت: مفخرة الأمم
*
*
وعندما أحسّ الشاعر أنه مضايق في تونس وأن المسؤولين غير مرتاحين الى توجهاته، ومنزعجون من آرائه خشي أن يبطشوا به ويؤذوه، فاختار الانتقال الى الجزائر، التي لم يدخلها من مداخلها الرسمية، ولكنه دخلها »عبر البطاح والمسارب والجبال.. فاستقبل استقبالا حفيا من قبل السلطة الرسمية، ومن طرف الأدباء والكتاب، اعترافا من هؤلاء بسابق فضله، وتقديرا لمكانته، وسرعان ما مكنوه من وظيفة بارزة في الإذاعة الجزائرية بنفس الدرجة والامتيازات التي كان يحظى بها في الإذاعة التونسية (2)«.
*
إذا كان الشاعر منوّر صمادح قد قصد بعبارة »السلام على الجزائر«، الإشادة بها والإعجاب بثورتها وجهادها والإكبار لشعبها، فإنني أعني بتلك العبارة رثاء الجزائر، والتألم لحالها بسبب ما فعله فيها أبناؤها، حتى كأن أرضها قد بُدّلت وأن شعبها قد غُيّر...
*
إن الجزائر اليوم، ينطبق عليها قول أحد الشعراء عن وطنه الذي كان حاله كحال الجزائر في هذه المرحلة، وهو:
*
*
وطن أردناه على حب العلى
*
شعب كما شاء التخاذل والهوى
*
فأبى سوى أن يستكين الى الشقا
*
متفرق، ويكاد أن يتمزقا
*
*
إن الذي أوصل شعبنا الى هذه الدركة المنحطة هم أكثر من تصدوا لقيادته وهم لا يملكون أهم عنصرين من عناصر القيادة والمسؤولية وهما: العلم والأخلاق الكريمة.
*
لقد أثّر نقص أحد هذين العنصرين أو كليهما تأثيرا رهيبا على وطننا، فانحدرنا بسرعة كبيرة الى دركة جعلت كثيرا ممن نقرأ لهم يستغربون هذا الانحطاط، وكثيرا أيضا ما عجزنا عن الإجابة عن تساؤلات بعض العلماء والمثقفين عن سبب هذا الانحدار المريع، بالرغم مما تملكه الجزائر من كفاءات عالية وإمكانات مالية وثروات طبيعية.
*
لقد حلّ العلم والأخلاق الفاضلة مقاييس أخرى في إسناد كثير من المسؤوليات، ولهذا كثيرا ما نرى هذا الشخص أو ذاك يريق ماء وجهه، إن كان فيه ماء أصلا، فيطنب، في بلاهة وسفاهة، في مدح من ولاّه تلك المسؤولية، ويسبغ عليه من الأوصاف لا تدل على مروءة المادح ولا على همة الممدوح، كأن الشاعر عناهم بقوله:
*
*
وتعرف الذل منهم
*
ووجوه بلا دم
*
في أنوف بلا شمم
*
وصدور بلا ذمم
*
*
لقد أطلق الأديب الأصيل مصطفى صادق الرافعي على هذا النوع من السياسيين تعبيرا رائعا، حيث سماهم "الذباب السياسي"، فإذا عرفنا ما يلحقه الذباب الحقيقي من أمراض بالأبدان، تصورنا ما يمكن أن يسببه هذا "الذباب السياسي" من كوارث للمجتمع.
*
لقد انتقل الفساد الأخلاقي من "النخبة" الى الطبقات الشعبية، التي لم تجد الأسوة الحسنة في هذه "النخبة"، فراج فينا الكذب والنفاق والتملق، والتزلف والغش والجهوية والرشوة والكيد، وصرنا كما قال الشاعر:
*
*
يكفيك شرا من الدنيا ومنقصة
*
أن لا يبين لك الهادي من الهاذي
*
*
إن كل من وصل الى أية مسؤولية بوسائل غير شريفة، وبطرائق غير عفيفة، فلا تنتظر منه خيرا، ولا تتوقع منه حسنا، ولو أعجبك جسمه وشكله وقوله، وقد جاء في القرآن الكريم عن هؤلاء الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم قوله تعالى: »ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام، وإذا تولىّ سعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل...«
*
وصف الأديب أحمد حسن الزيات، مصطفى كمال أتاتورك بأنه »أحيا دولة، وأمات أمة« ويبدو لي أن »قادتنا« لم يقيموا دولة بأتم ما في كلمة دولة من معنى ، وأماتوا أمة، حيث كان الجزائريون، في العهد الفرنسي، يشعرون أنهم جسد واحد، ولهم مرجعية دينية تتمثل في العلماء العاملين، ومرجعية سياسية تتجسد في الحركة الوطنية، ومرجعية مدنية تتمثل في تلك الجمعيات الإجتماعية والأدبية... فأين نحن اليوم من ذلك كله؟
*
إن المتأمل في حالنا الحاضرة والملاحظ لأوضاعنا السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماية والثقافية يقسم بأغلظ الأيمان وأوكدها أننا في غيبوبة عميقة، كأننا نحن الأمة التي قال فيها القائل:
*
*
إذا رأيت الهوى في أمة حكما
*
فاحكم هنالك أن العقل قد ذهبا
*
*
لا ينكر أحد أن نسبة المتعلمين في مجتمعنا قد ارتفعت، ولكن هذا العلم الذي نشرناه، خاصة في العشرية الأخيرة، هو العلم الذي سماه بعض الحكماء »العلم الجاهل«، لأنه يهتم بالمعلومات ويهمل التربية، ولا تربية حقيقية ولا أخلاق مثمرة، إلا التربية الإسلامية والأخلاق الإسلامية..
*
لو كانت الأخلاق الإسلامية هي السائدة في مجتمعا وتلفزتنا، ومدارسنا، ومعاهدنا، وجامعاتنا ومساجدنا وزوايانا، وجمعياتنا، ووزاراتنا، ومؤسساتنا الإدارية، وأحزابنا وبنوكنا، وو.. و... لما تردّينا الى هذه الدركة من الانحطاط التي لم يرها »كبراؤنا" وهم يخوضون فيما نعلم جميعا....
*
هل كان في الإمكان تصوّر أن يطعن "طالب" في جامعة أستاذه عشرين طعنة، ويرديه قتيلا، ثم يتوقح أشخاص فيدعون الى إلغاء عقوبة الإعدام؟
*
هل كان في الإمكان تصوّر أن يتورط مدير المدرسة العليا للشرطة في فضيحة لا مثيل لها، حيث منحت علامات جيدة لمتسابقين كانت أوراقهم بيضاء، لأن نتائج المسابقة حددت بناء على المبالغ المالية المقدمة...؟ (أنظر جريدة الخبر بتاريخ 21/10/2008 ص 2)
*
هل كان يمكن تصور فصل أبناء عرشين في خنشلة وتخصيص ثانوية لأبناء كل عرش؟ وهل... وهل..
*
لا أجد ما أختم به هذه الكلمة التي سطرتها وقلبي يعتصر ألما لما آل إليه وطني، حتى تجرّأ الأراذل والأسافل على وحدته وقيمه وأمجاده، لا أجد إلا ما قاله شاعر عن وطنه، وهو:
*
*
شيئان في وطني
*
الصدق في القول
*
قد خيّبا أملي
*
والإخلاص في العمل
*
*
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه، اللهم ولّ أمورنا خيارنا، ولا تولّها شرارنا، وخذ بنواصينا الى الخير والحق، ولا تجعلنا من القانطين من رحمتك، و»السلام على الجزائر«.
*
*
الهوامش:
*
*
1) محمد صالح الجابري: التواصل الثقافي بين الجزائر وتونس ص 221
*
2) المرجع نفسه ص 242، 243


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.