بن براهم يدعو من أقبو إلى تعزيز الحركة الجمعوية    بعد إصلاح "الحفرة"..إعادة فتح شطر الطريق الرابط بين الجزائر العاصمة والدار البيضاء    تحت شعار "الكشفية دوما في خدمة الوطن"..الجزائر تحيي اليوم الوطني للكشافة هذا الإثنين    السينما الفلسطينية ضيف الجناح الجزائري.. الجزائر في مهرجان كان السينمائي ببرنامج ثري    أدتها جمعية "نجمة" من البليدة..وصلات غنائية أندلسية راقية في حفل فني بقصر مفدي زكريا    وزارة الصحة : ضرورة تفعيل اليقظة للحفاظ على مكسب القضاء على الملاريا    محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بوقف هجومها على رفح    عماري يهدي الجزائر تاج "جمال بوكرشة"    إتحاد العاصمة- أولمبي الشلف.. مواجهة بست نقاط    رمي الجلة/مونديال كوبي 2024: ميدالية فضية جديدة للجزائر بواسطة زيامني    خلال لقاء تشاوري جمع قادة أربعة أحزاب،عبد الكريم بن مبارك: تحالف سياسي بين تشكيلات سياسية تجمعها قواسم مشتركة    في عملية نوعية : حجز 3 كلغ من الكيف المعالج بحوزة 4 أشخاص بقسنطينة    في مداخلة لممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة،بن جامع: من الضروري إعطاء الأولوية للوقاية من النزاعات في أفريقيا    إثر لقاء الرئيس تبون بالأحزاب الممثلة في المجالس المنتخبة،قوجيل: هذا اللقاء يصب في نفس إطار سياسة اليد الممدودة للرئيس    قوجيل يؤكد على الدور المحوري للمزارع النموذجية في النهوض بقطاع الفلاحة    تلمسان: مغادرة أول فوج من الحجيج الميامين نحو البقاع المقدسة من مطار مصالي الحاج    المنتخب الوطني يتأهل إلى المونديال    قوجيل يوقع على سجل التعازي    تعزيز العلاقات التاريخية والتنمية والسلم والاستقرار    ضبط تدابير مكافحة حرائق الغابات والوقاية منها : والي قسنطينة يأمر بالصرامة في محاربة كل أشكال التعدي على الفضاءات الغابية    يوم دراسي خاص بإحياء اليوم العالمي للتنوع البيولوجي : خبراء يحذرون من خطر "البلاستيك"على الثروة السمكية بالجزائر    سوناطراك..اتّفاقية مبدئية مع الشّركة الأمريكية إكسون موبيل    قسنطينة : أزيد من 33 مليار سنتيم لتدعيم وتعزيز الشبكة الكهربائية خلال الصيف    إيران تنشر نتائج التحقيق الأولي بتحطم مروحية "رئيسي"    ممثلية جبهة البوليساريو بإيطاليا تنظم ندوة حول مناهضة الإستعمار    اعترافات بعباقرة جاءت متأخرة رغم إنجازاتهم    المنتدى الثاني للكتاب: تكريم خمسة عشر مخترعا ومبدعا جزائريا    25 دار نشر تعرض بالصالون الوطني للكتاب ببلعباس    المعرض التكريمي ل "مصطفى سعاجي" يختتم اليوم..    مسابقة "الجينريك الذهبي" تكرم ريم غزالي وطارق عبد العزيز    ملاكمة/أولمبياد 2024: تأهل الملاكم الجزائري أسامة مرجان إلى الدور الثاني    موظفون في الإتحاد الأوروبي ينتقدون "لامبالاة" التكتل إزاء حرب الإبادة الصهيونية في غزة    لا بديل عن استراتيجية تضمن الأمن المائي    توقيف مشعوذ بسطيف    "المينورسو " توثق جرائم الاحتلال المغربي ضد المدنيين    أرقام مذهلة لهدّاف منتخب غينيا تقلق دفاع الخضر..وضع بن سبعيني هذا الموسم يخيف بيتكوفيتش    فولسبورغ يستهدف التعاقد مع عمورة وفريقه يُطالب ب20 مليون يورو    مؤشرات تضع «مبابي الصغير» على أعتاب الجزائر    مستغانم..استثمارات كبيرة ونتائج واعدة    الفلاحون يتجاوبون.. وتفاؤل بالنتائج المتوّقعة    الصهاينة يمنعون قنصلية إسبانيا من تقديم خدمات للفلسطينيين    هذه صفة حجة النبي الكريم    المجال الأمني والعسكري المغربي بات مخترقا    360 مليار دج..النّاتج الوطني الخام ل "الحرف والصّناعات التّقليدية"    النقيب علو يطمئن الحجّاج    آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    القضاء على إرهابيين بجبل تمولقة بولاية الشلف    المنتدى العالمي ال10 للماء: مشاركة فعالة للشباب الجزائري    تمويل أزيد من 140 مشروعا من طرف شركات رأس المال الاستثماري    منشآت طرقية: إيلاء أهمية كبيرة للجنوب الكبير.. والأولوية للصيانة ومد طرق جديدة    صيد بحري: بداني يشرف بتيبازة على انطلاق حملة صيد التونة الحمراء    سوريا وروسيا تنشطان حفل اختتام المهرجان الثقافي الدولي ال13 للموسيقى السيمفونية    ندوة فكرية دينية حول آداب زيارة المدينة المنورة للحجاج الجزائريين    الإخلاص لله والصدق مع الله    الجزائر تمتلك أهم نسيج في الصناعات الصيدلية في إفريقيا    رعاية اليتامى وكفالتهم.. الكنز الكبير    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تكُونُون رجالا

الشيخ عبد الحليم بن سماية (1866 - 1933) هو عَلم من أعلامنا، آتاه الله آياته، وزاده بَسطة في العلم والجسم، وكان ذا لسان فصيح، وبيان مليح، ورأي صحيح، شهد له بذلك فحول العلماء وكبار الحكماء كالإمامين محمد عبده، ومحمد الخضر حسين.
*
امتاز الإمام ابن سماية - إضافة إلى غزارة علمه، وانفساح ذرعه، وسعة عقله - بقوة شخصيته، وسمو همّته، وكمال مروءته، وعُرف بشجاعته في الصدع بما يراه حقا، ولو أغضب خلقا، لا تأخذه في ذلك الصدع لومة لائم، ولا تُرهبه سطوة حاكم.
*
وقد اشتهر الشيخ بكرهه الشديد للفرنسيين، الذين كانوا وباء علينا، بعد ما اغتصبوا أرضنا، ودنّسوا عِرضنا. وقد عبّر الشيخ عن ذلك الكره بما تسمح به ظروف ذلك العهد، ومن ذلك أنه كان يتنقّل في مدينة الجزائر وما حولها على حصيان أصيل، رمزا للفروسية، وتذكيرا للشاهدين بأمجاد السابقين، وكان كثيرا ما يتقلّد سيفه، تعبيرا عن إبائه، وكان شديد الاحتقار لأولئك "الجزائريين" الذين فضلوا أن يكونوا خداما لفرنسا على أن يكونوا أسيادا، فكان يسميهم "الخشب المسنّدة"، ومن ذلك أيضا أنه رفض تلبية دعوة لحضور مأدبة دعا إليها سلطان المغرب، عبد العزيز، الذي زار الجزائر في سنة 1902، معلّلا رفضه بأن زيارة السلطان المغربي إلى الجزائر لم تكن تلبية لدعوة من أبنائها؛ ولكنها كانت بدعوة من عدوّها وهو فرنسا، ومن ذلك إصداره - في سنة 1911- فتوى دينية جريئة تقضي بتحريم تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي بعد ما عزمت فرنسا إصدار قانون التجنيد الإجباري للجزائريين في جيشها، لأنهم - كما قال - "إذا أدوا الخدمة العسكرية للدولة الفرنسية لا يكونون مسلمين بجميع معاني الكلمة (1)"، "لأن الأطفال الذين يؤدون الخدمة العسكرية تنطبع في أعماق قلوبهم انطباعات أجنبية فاسدة، وأخلاق خبيثة، فيخرجون وهم يزدرون بعقائد آبائهم، ويسخرون من طبائعهم، ويبُثّون في قومية الأمة وديانتها جراثيم الضعف والانحلال، حتى يؤول أمرها إلى التلاشي والاضمحلال (2)".
*
هذا الشيخ الجليل جاءه شخص ممن تخنّثت طباعُهم، وتأنثت ذكورهم، وقال له: هل صحيح - يا شيخ - أن الذهب حرام على الرجال؟ فأجابه الشيخ بقوله: عندما تكونون رجالا، يحرم عليكم الذهب.
*
إن المتأمل في حال أمتنا الإسلامية الممتدة عبر ثلاثة محيطات يجزم أنها خالية من الرجال، باستثناء ثلة من الأشخاص، لايغيرون من واقعها شيئا. ولو كان فينا - حكاما ومحكومين - رجولة لما تردّت أمتنا هذا التردي الفظيع في جميع الميادين، وصارت - بحكامها ومحكوميها - أهون شيء في أعين الآخرين.
*
أنا لا ألوم - ولم ألم يوما - هؤلاء الصهاينة القساة القلوب، عديمي الإنسانية على ما فعلوه، وما يفعلونه من جرائم تُنطق الرّضع في المهود والموتى في اللحود، ولو لُمتهم لكنت أحمق الحمقى، إذ لا يمكن لمن عنده مثقال حبة من خردل من عقل أن يلوم الحيوان الضاري على ضراوته، وأن يعتب على الوحش لوحشيّته، فتلك جبلّته التي جبل عليها، وتلك غريزته المركوزة فيه، فلا سبيل إلى خلاصه أو تخليصه منها.
*
إن اللوم - كل اللوم - هو علينا نحن العرب والمسلمين الذين قبلنا أن نكون مطايا ذُللا؛ حكّامنا مطايا أذلة لغيرنا، ونحن الشعوب مطايا لحكامنا، وقبلنا - حكاما ومحكومين - بالذلة والهوان، كأننا لسنا أبناء من قال قائلهم:
*
وتكره نفسي كلّ عبد مذلّل
*
وقد كرهت حتى الطريق المعبّدا
*
ولو طلبت نفسي الغنى عن مهانة
*
لأصبحت في المُثرين أطولهم يدا
*
*
إن الذي جرّأ إسرائيل على أن تفعل أفعالها هو أنها أدركت أن الرجولة في أمتنا قد فقدت، وما أفقدها هذه الرجولة إلا حكامها، الذين يتشبثون بالكراسي ولو بلغوا من الكبر عتيا، وغاض ماء الحياة من أعضائهم، وذهب أطيب ما فيهم، وبقي أسوأ ما فيهم.. وتراهم يكذبون على شعوبهم ويخدعون أنفسهم فيخضبون شعورهم بالسواد، رغم أنه ينطبق عليهم ما قاله أبو العتاهية لأحد المولاة: "نصفك محجوب، ونصفك نائم"، وقد زيّن لهؤلاء الحكام سوء عملهم "بطانة مدّ بها الشيطان أشطانه، وحاشية كالماشية".
*
لو كان حكّامنا متخلقين بخلق الرجولة لما ظنوا أنه ليس في الأمة غيرهم، ولو كان حكامنا متصفين بصفة الرجولة لما قبلوا أن يقول لهم المنافقون المتملقون: إن النساء لم تلد أمثالكم، وأنه لا يوجد مثلكم في البلاد، ولم يخلق مثلكم في العباد.
*
هل يعقل أن يتسمر شخص على كرسي الحكم أربعين سنة؟ يحاكم غيره ولا يحاكم هو، كأنه معصوم، ويا ليت هذه الأربعين سنة كانت سمانا تجعلنا نقبل بشاعة وجهه، ونتذوق رطانة كلامه؛ ولكنها كانت سنوات عجافا، أفقرت البلاد، وأذلت العباد.. ثم لايستحي فيدعي أنه بقي طوال هذه المدة بإرادة شعبية، بالرغم من أنه لم يجر انتخابا واحدا، ولو كان مزورا كانتخابات أمثاله من الحكام العرب... والأعجب هو أن هذا الحاكم بأمره كثير الانتقاد للحكام العرب، ولكنه لا يسمح لمساعديه أن يذكروه بالإسم الذي سماه به أبواه، فضلا عن أن ينصحه ناصحون، أو يعارضه معارضون...
*
إن إسرائيل - أيها الحكام الأشاوس - يحكمها رئيس مستقيل، وقد تخلفه أنثى، وهي تفعل ما تشاء لأن حكامها - السابقين والحاليين - لم يقتلوا الرجولة في شعبهم، أما أنتم فكل واحد منكم لسان حاله كلسان أخيه في الاستعلاء بغير الحق "ما أريكم إلا ما أرى".
*
لقد قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي إن فقر الأمة في الرجال أخطر عليها من الفقر في الأموال، وقد صدّق الله - عز وجل- قوله، فها هي أمتنا من أغنى الأمم في الأموال ولكنها أفقرها في الرجال، وقد شعر الأديب أحمد أمين بفقدان الرجولة في أمتنا فدعا إلى وضع برنامج للرجولة يدرس للتلاميذ في جميع مراحل التعليم، ولأفراد الأمة عن طريق الأدب ووسائل التثقيف العمومي، وأنهى اقتراحه بقوله: "من يبادلني فيأخذ كل برامج التعليم، وكل ميزانية الدولة ويسلمني برنامجا للرجولة، وميزانية لتنفيذه، ليس غير؟(3)".
*
لقد وصل الهوان والذلة بهذه الأمة الإسلامية في عهد انحطاطها أن تولى أمرها شخص كان يلقّب ب "فسوة الكلب"، فخلّده شاعر بقوله:
*
*
أفسوة الكلب جاء يحكمنا
*
فكيف لو كان ضرطة الأسد
*
*
إن الرجال الوحيدين الآن في هذه الأمة هم هؤلاء الصامدون في غزة، الذين يواجهون الطائرات والصواريخ بالعزم الشديد، والصبر الجميل، وهم أشد رهبة في قلوب الطغاة البغاة من كل حكّامنا الذين لا المجد حازوا، ولا بالشرف فازوا.
*
وأما نحن المحكومين فقد مردنا على النفاق، نصيح في وجه حكامنا "بالروح، بالدم، نفديكم"، فإذا خلونا إلى شياطيننا قلنا إنما نحن مستهزئون، ولعنّاهم، ودعونا عليهم. وما أصدق المثل الانجليزي القائل: "إذا لم تستطع أن تكون رجلا فحاول أن تكون نصف رجل".
*
*
-------------------
*
*
1- صالح خرفي: الجزائر والأصالة الثورية ص. 151
*
2- المرجع نفسه ص. 153
*
3- أحمد أمين: فيض الخاطر. ط6 ج1 ص256.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.