هجرة غير نظامية: مراد يشارك بروما في اجتماع رفيع المستوى يضم الجزائر، إيطاليا، تونس وليبيا    لعقاب : الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة لقطاع الاتصال    أكثر من مليون ونصف مترشح لامتحاني شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط دورة يونيو 2024    الجزائر/موريتانيا : افتتاح الطبعة السادسة لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط بمشاركة 183 عارضا    الجزائر تؤكد من نيويورك أن الوقت قد حان لرفع الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    سليمان حاشي : ابراز الجهود المبذولة لتسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران 2024: الدراج أيوب صحيري يفوز بالمرحلة الأولى    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    قسنطينة..صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    مجمع الحليب "جيبلي": توقيع اتفاقية اطار مع وكالة "عدل"    اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    اليوم العالمي لحرية الصحافة: المشهد الإعلامي الوطني يواكب مسار بناء الجزائر الجديدة    معادن نادرة: نتائج البحث عن الليثيوم بتمنراست و إن قزام ايجابية    السيد عطاف يجري بكوبنهاغن لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحفيون الفلسطينيون قدموا مئات الشهداء وهزموا رواية الاحتلال الصهيوني الكاذبة    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و 596 شهيدا    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    المصلحة الجهوية لمكافحة الجريمة المنظمة بقسنطينة: استرجاع أزيد من 543 مليار سنتيم من عائدات تبييض الأموال    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    المجلس الشّعبي الوطني يشارك في الاجتماع الموسّع    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا فشل المسلمون في الحفاظ على مآذنهم بسويسرا؟!!
نشر في الشروق اليومي يوم 10 - 02 - 2010

هبت كل طوائف العالم الإسلامي مؤخرا من أجل إقامة الحدّ على سويسرا بالتعزير والتأديب، ويوجد من دعا إلى قطع رأسها وبترها من الكرة الأرضية أو ربما تقسيمها بين الجيران على حد فتوى سابقة للزعيم الليبي معمر القذافي، والذنب إن كان ذنبا بالفعل أنها استفتت شعبها وفق دستورها وانتخبت الأغلبية لصالح حظر المآذن.
*
القضية أخرجت من سياقها وصارت محاكمة للنوايا فيوجد من بينهم من أكد على أن الاستفتاء القادم سيكون حول المساجد، وآخر ربما يبطن بين جنبيه نبوءة أن الأيام القادمة سيستفتى الأوروبيون حول وجود المسلمين بينهم...
*
هكذا شمّر المتحرشون على سواعدهم وفتحوا مدافع نيرانهم بالنقد اللاذع مرة حقوقيا وأخرى سياسيا ثم اقتصاديا، ووجدت سويسرا نفسها في مواجهة طوفان التحالف العربي والإسلامي على هذا القرار السيادي الذي لم يتخذ في لحظة عربدة من حاكمها ولا أنه لحسابات كان يضمرها نحو طرف عربي أو إسلامي، بل كان عبر استفتاء أسال الحبر الكثير..
*
*
مساجد بلا مآذن وأخرى تنسف بالقنابل
*
*
لقد أراد العرب والمسلمون أن تلغى نتائج هذا الاستفتاء العنصري وغير العادل حسب تبريراتهم، لأنه لو قال الشعب السويسري ما يناقض الحظر لهب هؤلاء يشيدون بالقرار الحكيم الصائب. والمطالبون بذلك لديهم تجارب في الانقلابات على الخيارات الشعبية لأنها حلبت في غير أقداحهم، بل توجد من أسقطت الآلاف من الضحايا الأبرياء. وهنا يريدون من السلطات السويسرية أن تقرر إلغاء النتائج أو جعل شوط إضافي أو ربما سيصلون لضربات الجزاء الترجيحية علهم يحققون مبتغاهم. أما بعض نشطاء حقوق الإنسان فقد برروا احتجاجهم بمختلف الأسباب، واستنكررا ما قد يجعلنا يوما نستفتي الشعوب عن المحظورات كالتعذيب، ويعني في نظرهم أن أصل الاستفتاء باطل ومحرم بالإجماع.
*
الأكيد أن هؤلاء الثوّار لا تهمهم المآذن ولا المساجد التي تعاني الأمرين في بلادنا الإسلامية، ولا تهمهم حرية التدين التي يتشدقون بها الآن. فتركيا طالب رئيس حكومتها رجب أردوغان سويسرا بالتراجع لأن ذلك سيغذي العنصرية في أوروبا، أما وزيره أجامان باغيش فقد طالب بسحب الأموال من خزائنها، والتي تطالب بذلك هي نفسها التي تتحرش بالأكراد لعرقهم وترفض حتى مجرد عتاب عابر. أما السعودية التي أجبرت القضاء البريطاني بإيقاف التحقيق في صفقة اليمامة لما تعلق الأمر بفضائح تلاحق آل سعود، والتي تريد أن لا يقبل الله دينا إلا الذي يخرج من محاريب علمائها، فهي تمنع على الشيعة بناء مساجد يتعبدون فيها لأنهم روافض، ولا أحد منهم تكلم عن حقوق الإنسان أو حرية المعتقد المكفولة في القانون الدولي. وفي المقابل نجد ذلك يحدث في إيران التي تمنع على السنّة حتى التشهير بمعتقداتهم فضلا عن بناء مساجد على أراضيها والسبب أنهم نواصب، وما يحدث للأحواز على يد الحرس الثوري يندى له الجبين ويحتاج لوقفات ووقفات.
*
السعودية أيضا تبيد الحوثيين وتدمر مساجدهم بالطائرات الحربية المحملة بأطنان من القنابل وتمزق جثث الأطفال الرضع بالفسفور الأبيض، وطبعا لسبب ديني طائفي محض، وهو الذي لم يتحدث عنه العلماء ولا اهتز له جفن الدول العربية والإسلامية بالرغم من أنه تمييز عنصري وجرائم حرب، ولا جرائدهم تحدثت عن الإبادة الجماعية بصعدة في حين تصف نتائج الاستفتاء السويسري بالخطوة التي تذكي الكراهية. وأين علماؤها من أمثال التركي والمطبقاني والحسن الذين دعوا إلى سحب الأموال المودعة في البنوك السويسرية والمقاطعة اقتصاديا وماليا، من تلك الأموال التي يكتنزها وينهبها الأمراء لينشروا بها الرذيلة عبر روتانا وأخواتها؟!!
*
*
وجود بطعم الشاورما والفلافل والفول المدمّس
*
*
لقد أدخلت قضية المآذن في ما يعرف الإسلاموفوبيا وربطت مباشرة بقضايا الحجاب والجلباب والصور المسيئة للرسول الكريم وربما قريبا سترتبط بقضايا أخرى، وإن في الخفاء وعلى هامش هذه الضجات المتوالية والمتناثرة يتم التسويق لأشياء غير التي نرى، فقد وقع جدل حول النقاب وهب الكثيرون يتحدثون عن عدم مشروعيته حفاظا على الخيط الرفيع مع مؤسسات الغرب، وفي تلك الأثناء كانت كل الإدارات تجبر المسلمات على نزع الخمار ومنع استخراج وثائق رسمية به.
*
الحرب المعلنة الآن على سويسرا هي التي ستغذي الكراهية والتعصب ليس في ديار الغرب فقط بل حتى في الشرق نفسه. والغريب أن كل هذه الجهات جعلت واقع المسلمين في سويسرا وأوروبا يقتصر على المآذن والنقاب، وهي قضايا دينية يختلف المسلمون حولها، ولا يوجد نص صريح الدلالة يوجب ذلك. فلو منعت أوروبا النقاب بناء على فتاوى دينية قادمة من الأزهر أو حظرت المآذن بناء على فتاوى حجازية ترى هذه المآذن مستحبة وترتبط أساسا بسببية إعلام الناس بدور العبادة، وكان ذلك لما كانت الدنيا عبارة عن براري وصحاري والتنقل على ظهور البعير، ولكن اليوم تحولت الكرة الأرضية إلى مجرد زر يضغط عليه في الهاتف المحمول ومنه تستطيع أن تتجول في أكبر العواصم وترى محلاتها وشوارعها. وبين يديك خرائط صنعها الغرب سواء في شبكة المواصلات من ميترو إلى باصات وتجد عليها إشارات لدور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس أو معابد يهودية. لو فعلت ذلك لربما تحقق بعض الرضا إن لم يطالبوها بالأدلة الشرعية والمذهب الذي تدين به، ولكن لما أنزل الأمر للشعب وهو الذي قرر، فهنا يجب أن نعاتب المسلمين على أنهم برغم تواجدهم ومنذ عهد طويل، لم يتمكنوا بأخلاقهم ولا بجمعياتهم صناعة لوبي يستطيع أن يؤثر على الرأي العام.
*
الأموال التي نراها تصرف في كباريهات لندن وباريس وواشنطن من قبل الأمراء والأثرياء كانت كافية أن تصنع فضائيات بلغات مختلفة وصحف محلية في كل البلاد الأوروبية تعمل بموضوعية وولاء للدولة التي يعيشون فيها من أجل صناعة موقع قدم داخل المجتمع الأوروبي، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكالية وضع العرب والمسلمين في الغرب الذي ظل عبارة عن أناس غرباء لا هدف لهم سوى العمل والأموال التي تحول كل صيف إلى البلد الأصلي وتستثمر هناك. في حين تجاهلوا أن ولاء الشعوب الأوروبية لدولهم التي يعيشون فيها هو مقياس الإندماج المطلوب الذي تنشده بغض النظر عن الجوانب الأخرى من الذوبان الذي نعيبه.
*
فالمسلم في الغرب إن أراد أن يندمج فهو ينسلخ تماما عن قيمه ومبادئه، أما الآخر الذي يرفض الاندماج فهو يعيش على وتر رحالة ينتظر الوقت المناسب ليجمع حقائبه ويولي وجهه شطر بلده الأصلي حيث بنى بيتا فاخرا وربما جمع أموالا تكفيه ما تبقى أيامه، وخاصة أن أغلبهم لا يعودون إلا في أرذل العمر، وهكذا مضت الدائرة تتواصل حلقاتها ولا أحد غير هذه المفاهيم أو عمل من أجل تغيير معادلات الوجود الإسلامي في الغرب، فكيف يمكن أن نؤثر ونستطيع أن نخلق بينهم لوبيّا يتعاطف مع قضايانا المصيرية ما دمنا قد عجزنا أن نكسب تعاطفهم مع أبنائنا الذين يحملون جنسيتهم؟ وهل بمحلات الشاورما والفلافل والفول المدمس يمكن التأثير على الغرب وتغيير آليات تفكيره؟!!
*
بل أكثر من ذلك أن المسلمين في الغرب أعطوا نموذجا سيئا، حيث نضرب مثلا بالسجون حيث أغلب النزلاء فيها من المسلمين والعرب، ونعطي أمثلة على سبيل الاستدلال حيث سجلت أن نسبة 80٪ من مساجين فرنسا مسلمون حسبما رواه الواعظ الديني نسانغو، وإحصائية أخرى تقول إنه من جملة (60.775) سجينا فرنسيا هناك حوالي 70٪ من المسلمين. وفي الولايات المتحدة نجد نسبة المسجونين المسلمين في السجون الفيدرالية قد بلغت 6٪ من إجمالي 150 ألف سجين، على الرغم من أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز 5.2٪ من إجمالي عدد السكان. وحسب تقرير أصدرته لجنة الشؤون الدينية بوزارة العدل الإسبانية عام 2004، فإن عدد المساجين المسلمين في إسبانيا نحو 8000 سجين، أي بنسبة 70٪ من المجموع العام للسجناء الأجانب في إسبانيا، وعدد المسلمين يتراوح ما بين 600 ألف إلى قرابة المليون شخص. وطبعا لا يمكن أن نتجاهل الإقصاء والوضع الاجتماعي المتردي الذي يعانون منه لأسباب نبسطها في حينها.
*
وذكرت "مؤسسة المبادرات والدراسات حول الإثنيات المتعددة" الإيطالية وهي مؤسسة غير حكومية وتعرف اختصارا ب "إزمو" 14/12/2009أن عدد المغاربة بداية 2009 المعتقلين بالسجون الإيطالية بلغ 4714 سجين بنسبة 20٪ من مجموع 23696 أجنبي معتقل بإيطاليا، محتلين بذلك المرتبة الأولى بين مختلف الجاليات الأجنبية الأخرى.
*
لقد رأيت الأوروبيين في الغرب يخرجون في مسيرات منددة بالعدوان على غزة، وعندما تتواصل معهم تجدهم يبررون خروجهم بالجرائم التي تقترف في حق الإنسانية وليس لودّ أو تأثير من المحيط الإسلامي عندهم. في حين نجد اللوبي اليهودي استطاع أن يسيطر على كل شيء من خلال الإعلام الذي صنع فضائيات عملاقة تهتم بشؤون الأوروبيين والأمريكيين وليس بفضائح أو معارضة أنظمة البلد الأصلي. فهل توجد للعرب والمسلمين قناة فضائية في الغرب تهتم بشؤون البلاد التي يعيشون فيها ويدافعون عن قضاياهم المحلية؟ طبعا الإجابة لا، في حين توجد امبراطوريات إعلامية للجنس والدعارة وبأموال خليجية بالملايير من الدولارات، ويكفي أنه سبق أن كشفت مجلة therun الإسكتلندية في جانفي 2008 عن أكثر من 320 قناة على الأقمار الأوروبية مملوكة لرجال أعمال عرب تفوق تكاليفها 460 مليون أورو، ويوجد من بينها 270 قناة جنسية للأسف الشديد.
*
الذي يطلق قناة فضائية من لندن أو من باريس أو من أي دولة أوروبية كانت فتجدها تختص في معارضة أنظمة الحكم وفق منطق الابتزاز لأجل الكسب والبقاء وليس لأجل التغيير والإصلاح، ولم أر أو أسمع أنه توجد جمعيات إسلامية في الغرب تهتم بشؤونهم الاجتماعية أو أن مؤسسات يملكها المسلمون توفر خدمات اجتماعية لغير المسلمين يمكن أن تجعلهم يحترموننا، بالعكس فقد صاروا في أغلبهم حتى نكون منصفين يرون المسلم في بلادهم عالة عليهم فهو يحاول بقدر الممكن أن يعتاش عن طريق الخدمات الاجتماعية أو على حساب المعونات التي تقدمها الدولة، وإن كان تعميم ذلك خطأ لأنه يوجد الذين قدموا الكثير في عالم البناء والمقاولات والطرقات، ولكن لم يحسنوا تقنينها وفق ما يخدم مصالحهم الدينية أيضا.
*
إن المناضلين المسلمين في الغرب نشاطهم يتعلق بجانب محدود وهو حقوق الجاليات ومناهضة العنصرية في حقهم أو حقوق الإنسان في بلادهم الأصلية، كما يناضلون من أجل العدالة والمساواة في بعض الحقوق، وإن كان يجب أن نعترف أن ما يتحقق لهم أكثر بكثير من بلدانهم التي نزحوا منها، وبالرغم من كل ذلك تجدهم يلعنون الغرب ويشيدون بشرقهم. فإن وجدت البعض ممن اندمجوا في العمل الجمعوي والجواري في الدول الغربية فأغلبهم قد انسلخوا من قيمهم وحدث لهم الاندماج والذوبان، فهل ممكن بهؤلاء أن نصنع رأيا غربيا يناصر قضايانا، هذا إن تجاهلنا ما يجري من أحداث شغب وجرائم أغلب المتهمين فيها هم من المهاجرين سواء كانوا عربا أو مسلمين أو حتى أفارقة؟!! وحتى بالنسبة للمساجد فتجد هذا مسجد للتونسيين وآخر للجزائريين وذاك للمغاربة... الخ. صراحة إنه من فشل أن يحافظ على مئذنة ونفطه وأمواله هي شريان الحياة في العالم، لا يمكن أن نعول عليه أن يحمي الأطفال في غزة أو حتى يقيم "تويزة" ناجحة بضاحية باريسية لأجل تنظيف حي عربي من القمامة.
الحلقة الثانية
مهازل تدعو للحسرة
إن ما يعرف بقضايا الحجاب عدّ من قبل الكثيرين أنه نهاية الإسلام في الغرب، وهو الذي لم يحدث إطلاقا ولازلنا نرى المحجبات في كل شوارع العواصم الأوروبية، والأمر نفسه بالنسبة للنقاب. وزادت أمور أخرى بحظر المآذن والتي لم يستهدف فيها المسلمون أصلا، وسمعنا ذلك كثيرا من قبل في بلادنا التي توصف بالإسلامية، حيث وصفها الجزائري كاتب ياسين بالصواريخ التي لا تنطلق، ووزيرة التنمية الاجتماعية المغربية، نزهة الصقلي، طلبت من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في مجلس وزارء، شهر مارس من العام الماضي، منع آذاني الفجر والصبح، لأن ذلك يقلق راحة السائحين، ترى هل عوقبت بالعزل أو العتاب الملكي على أقل تقدير؟ لا شيء حدث من هذا القبيل.
سمعت البعض يدعون إلى قطع النفط عن سويسرا كما فعل القذافي على خلفية توقيف نجله حنبعل بتهمة تتعلق بالحق العام، وآخرون يدعون إلى سحب الأموال من البنوك السويسرية على غرار الوزير التركي المشار إليه آنفا، ترى هل تساءل أحدهم عن طبيعة الأشخاص الذين يملكون الملايير في خزائن سويسرا، إنهم من المسؤولين البارزين الذين هربوا الأموال في إطار الفساد ونهب الخزائن العامة وتبييض الأموال، ترى ماذا لو أقدمت سويسرا على مصادرة هذه الثروات في إطار قوانين مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وتجفيف منابعها؟ أنا على يقين أن هؤلاء الذين يريدون شنق البلاد وصلبها على المآذن وليس الصلبان سيكونون أول من يقدمون طقوس الولاء والتنازل ولو تقدم سويسرا على حظر دخول المسلمين لترابها وليس منعهم من الصلاة وممارسة العبادات!!
إن تشدّقنا بالكلام وغيرنا يفعلون هو سبب مآسينا وخزينا الذي لن ينتهي أبدا، سواء حظرت المآذن في أوروبا أو حظرت الكنائس في بلاد المسلمين... فترى هل يتجرأ أحدهم ويطالب بمحاكمة أمريكا على جرائمها ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان؟ هل يتجرأون على إقامة ولو محاكمات رمزية ورسمية للكيان الصهيوني على جرائمه في غزة وكل فلسطين؟!!
عندما تدين الدول الغربية التزوير في الانتخابات بالعالم العربي والإسلامي أو تدين جرائم الانتهاك لحقوق الإنسان في أي بلد من بلادنا، أو نقرأ تقريرا صدر عن مركز بحث أو منظمة غير حكومية يتحدث عن حقوق الأقليات مثلا، نجد هذه الدول تستنفر إعلامها الثقيل والخفيف وحتى الذي هو في وزن الريشة، من أجل إدانة ما تسميه التدخل في الشؤون الداخلية، وتهب الأبواق لترديد مصطلحات السيادة ومشتقاتها، في حين نرى أن التدخل في فعل دستوري لم يلاحقه التزوير ولا التحايل وأنا على يقين لو صوتت الأغلبية ضد مشروع حظر المآذن ما ترددوا مطلقا في إعلان النتائج وتطبيقها، أقول هذا ولست من المدافعين عن سويسرا أو أنه لا توجد لدي تحفظات عن هذا الاستفتاء من أصوله وحيثياته.
وقد يخطر بذهن أي إنسان ويسأل نفسه: هل سينتهي الإسلام في سويسرا أو حتى أوروبا بمجرد حظر المآذن؟ فقد رأينا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 وما رافقها من تشويه لقيم هذا الدين جعله ينتشر أكثر بين الناس، وربما الآن في ظل الانتفاضة الإعلامية التي نراها على المآذن ستؤدي بعملية عكسية، حيث يتجه الغرب نحو الكنائس وربما تبدأ العلمانية في قضم أظفارها، حتى وإن كنا نرى الكنائس في أوروبا عبارة عن أطلال لا يرتادها إلا العجزة أو الذين يحملون النعوش على أكتافهم أو أولئك الذي أرادوا أن يدفنوا وبينهم رباط ديني مقدس بعدما زوجوا أولادهم وربما حتى أحفادهم من علاقة العشق المباحة رسميا عندهم وغير رسمية في ديارنا. وقد تؤدي هذه الحملة إلى اقتراب الناس أكثر من الإسلام ويكفي ما يروج عن إشهار السياسي السويسري دانييل ستريتش لإسلامه وهو الذي لعب دورا محوريا في قضية حظر المآذن.
من المآذن إلى المدافن
في سياق الحديث عن الأموال التي تستنزف في بناء المساجد الفاخرة التي يعجز في وصفها، ترى ماذا لو فتحنا ملف تلك المساجد التي يشيّدها الزعماء بالملايير وعلى حساب لقمة فقرائهم الذين يقتاتون من المزابل العمومية، أكيد سنجد ما يندى له الجبين من الفساد ونهب الأموال وتخليد المآثر بمساجد لا يختلف بعضها عن مسجد ضرار في المدينة المنورة.
ونذكر في هذا السياق، أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد أفتت بجواز بناء المآذن، بشرط أن لا ترتفع أعلى من أبراج الكنائس، وطبعا لا يمكنها أن تقول بأكثر من ذلك وهي التي فازت بصفقة تتعلق بمسجد الجزائر الكبير، ومما يذكر أنه أثناء توقيعها في جويلية 2008 على صفقتها التي فاقت مليار أورو، سألت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عما إذا كان هذا الاستثمار الضخم يستقيم ونصف شباب الجزائر بطال، فرد عليها أنه من واجبات الاقتصاد خدمة الجانب الروحي، وهذا الذي نقلته قناة ZDF الألمانية. وطبعا يتمتع هذا المسجد بأعلى مئذنة التي يتجاوز طولها 224 مترا وستكون الأكبر في العالم.
أمر آخر أن المساجد من دون مآذن ستوفر المال في ظل الشح الذي يدفع المساجد الأخرى لجمع التبرعات في صلوات الجمعة من أجل دفع إتاوات الكهرباء أو حتى إيجار محلات العبادة، فإن كان لدى مسلمي سويسرا الفائض الذي جعلهم يشيدون المآذن ويبدعون في الزخرفة، فلماذا لا ينجدون مساجد أخرى بأوروبا مهددة بالغلق، لأنه لم يتم تسديد الكراء أو فاتورة مياه، في حين نرى الجاليات تحوّل الأموال الكبيرة نحو بلادهم ويشيدون القصور ويعبثون بالسيارات الفارهة؟.
ومن جهة أخرى هل تعني أن التدين سيكون ناقصا أو أننا نبحث عن البهرجة والشعارات البراقة ونفخ العضلات فقط، فلو أمعنا النظر في تاريخنا لوجدنا أن أول مبنى يمكن أن نسميه مئذنة قد جرى عام 665 ميلادي في بصرة بسوريا، وإن كانت مصادر تاريخية أخرى ترى أن أول مئذنة كانت في عهد الخليفة الأموي الوليد الأول سنة 705 ميلادي وبدمشق. وتوجد مئذنة أخرى تقع في القيروان التونسية بناها الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك بين 724 و728 ميلادية، وهذا يعني أن ما سبقها على مدار أكثر من نصف قرن هجري كانت المساجد من غير مآذن وخاصة في العهد النبوي الذي هو الحجة في التشريع، والتفسير الصائب أنها مجرد فنون معمارية لا أكثر ولا أقل لا تحتاج كل هذه الثورة على سويسرا التي ما تزيد إلا تطرفا مضادا سيدفع ثمنه مستقبل الإسلام خارج أرضه.
بل الأدهى من كل ذلك، أن وضع الهلال فوق المآذن جاء في سياق منافسة الكنائس التي تضع الصليب، فغدت القضية تنافسية مما دفع بعض العلماء إلى النهي أو حتى تحريم ذلك، لأن الأمر خرج من أطر العبادة ودخل دوائر أخرى متشعبة جدا تحتاج إلى كتاب وليس لمقال عابر، فبدل أن يعمل المسلمون في أكثر مما فعلته المسيحية التي هي في الأصل وافدة على أوروبا، راحوا يتشبثون بالقشور على حساب الجوهر وهذا الذي ساهم في وقوعهم تحت طائلة التخلف والتبعية وحتى الهوان في أغلب الأحيان.
ومنه ندرك أن قضية المآذن ليست هي لبّ المشكلة بل توجد أشياء أخرى يقفز عليها تتعلق بالعلاقات بين الشرق والغرب، سواء كانت رسمية أو حتى إيديولوجية، وهو تململ فقط من أجل ميلاد نظام عالمي جديد يأتي على حساب قيم أخرى نراها تدخل حلبة الصراع في ظل بركان صدام هنتنغتون ووقوده من التطرف والغلو المضاد، قد توقعنا ميلاد هذا النظام بعد حرب الخليج الثانية ولكن على ما يبدو أن تراكمات هذه الفوبيات المتكررة هنا وهناك أجلته وهي التي ستفرض حتما حيثيات أخرى ضمن أطر العولمة في هذا العصر الأمريكي بامتياز.
بلا شك، أنه يوجد من يريد أن يستغل ما يحدث دينيا ولحساب الكنيسة، ووجود المئذنة قد يرمز للتواجد الإسلامي من الناحية الرمزية وإن كان في الواقع يسجل يوميا إسلام شبان وشيوخ ونساء من النصرانيين أو غيرهم. لقد اعتبرت الوزيرة السابقة، كريستين بوتان، أن أوروبا ليست دار إسلام حتى تكون فيها المئذنة، وهي الحقيقة حتى في معتقدات المسلمين، وهذا ما يردد كثيرا لدى علماء الوهابية مثلا، حيث يوجد من حرم العيش بأوروبا لأنها دار كفر. فالوجود الإسلامي في الغرب يجب أن لا يقتصر على العمران أو المآذن أو المصليات فقط، بل يجب وزيادة على ما ذكرناه سابقا أن تمتن أخلاق المسلمين وأن يعيشوا وفق العرف الغربي الذي لا يتعارض وكليات دينهم الكبرى، ولو تتبعنا واقعها لوجدناها محل الذم والسخط، حتى صار يضرب المثل بهم في السرقة وعدم الاحترام وسوء التربية وطبعا السبب بسيط هو الإفراط في الاهتمام بالشكليات على حساب الجوهر، والذي لو حدث لتحقق أن أغلب السويسريين رفضوا حظر المآذن لأنها ترمز لطائفة مرموقة وليس لمن يظنونهم مصدر الإرهاب والإزعاج والإيذاء بسبب تراكمات مختلفة ليس المجال للتفصيل فيها.
وإن كانت المآذن حظرت بالاستفتاء وليس بقرار صادر عن وزير وهذا في حد ذاته دليل على الحكم المؤسساتي، فتوجد عندنا كنائس تحرق وحتى معابد تدمر بسبب نزاعات بين النافذين لامتلاك عقاراتها، كما جرى للمعبد اليهودي ميمون موشيه بن موسى بالقاهرة، الذي تحطّم بسبب نزاع على عقارات يهودية بين نواب في البرلمان ورجال أعمال وسماسرة.
مما تقدم ندرك أن ما حدث في سويسرا ليس كما يخيل لدى البعض بأنه تحالف دولي عالمي ضد الإسلام، أو أنه حملة أخرى من الحملات الصليبية، أو أنه إسلاموفوبيا... الخ، الحقيقة وبناءً على بعض ما تقدم، أن ما جرى هو الفشل الذريع الذي مُنيَ به المسلمون في الحفاظ على المآذن في الغرب، وأخشى ما أخشاه أنه سيأتي اليوم الذي سيخفقون في الحفاظ على أعراضهم تحت مبرر الإندماج الذي صار يزحف ومستغلا الظروف المزرية في العالم الإسلامي التي دفعت الشباب إلى المغامرة بحياتهم في أعماق المتوسط ويوجد من تنصّر لأجل التأشيرة وآخر فضل الشذوذ الجنسي حتى لا يطاله الترحيل... أبعد كل هذا يمكننا أن نتساءل حول الأسباب الحقيقية في هذه الإخفاقات التي منينا بها بدأت في أعراضنا ثم الحجاب ثم النقاب، وها قد وصلت إلى المآذن وغدا المدافن التي هي من صميم قضايا المسلمين في الغرب ويتجاهلونها، وربما ستفرض مستقبلا أشياء أخرى لا تخطر على هذه الأذهان المحدودة الأفق. وطبعا نحتمل كل شيء مادام المسلم فقد قيمته في دياره سواء من طرف الأنظمة أو من طرف القوى التي تحتل أرضه، بل أن المسلم يعاني في بلاد المسلمين الأمرين وقد شهدناهم يطردون بعضهم البعض بمجرد خلافات هامشية وعبثية... ومن لا قيمة له في داره فلا داعي أن يترجاها لدى جاره، فضلا عمن يختلف معه في الأصل والفرع والعرق واللون واللسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.