يعود المخرج محمد حازورلي في هذا الحوار إلى قصة أنجح برنامج فكاهي"أعصاب وأوتار" صمد ربع قرن على شاشة التلفزيون الجزائري في الثمانينيات حيث يتحدث حازورلي عن ظروف إنتاج السلسلة من طرف محطة قسنطينة. أعصاب وأوتار سلسلة رسخت في ذهن المشاهد الجزائري، هل يمكن أن تعود بنا لأجواء تصوير تلك السلسلة.. قصة البداية؟ كنت أبحث عن أسلوب جديد في تقديم حصص فكاهية تجعل المتلقي الجزائري يتسلى وهو يشاهد حياته اليومية تعاد أمامه على شاشته الصغيرة، وطرحت الفكرة مرات عديدة على التلفزيون لكن كان ذلك في أغلب الأحيان سطحيا وكان الهدف الأساسي لتلك البرامج إثارة الضحك بكل الوسائل وهنا الخطأ حسب رأيي. لأننا نسقط في السذاجة "الضحك من أجل الضحك" ونفقد اهتمام المتفرج الذي يبحث عن مواضيع تهمه ويجد نفسه ومحيطه فيها. يصبح المتفرج طرفا داخل المشاهد، دون أن يشعر طبعا يستطيع حينها أن يضحك على أوضاع عايشها. من هنا اكتشفت أن أحسن وسيلة للوصول إلى العقول هي أن نتحدث باللغة التي تفهمها العقول حتى نجلب انتباهها لما نقدّمه من برامج تلفزيونية أو حتى سينمائية تنتقى من الواقع بكل عفوية، وهذا يتطلب من الكاتب وخاصة المخرج أن تكون له دراية كبيرة بمجتمعه وأن يكون عاش في قلب المجتمع حتى يتمكن من التعبير الصحيح عن المواقف دون -وهذا مهم وأساسي- محاولة إعطاء الدروس، بل التعبير بالصورة والصوت بطريقة بسيطة لكن هادفة في قالب هزلي من أحداث واقعية. ولتجسيد البرنامج الذي يمزج بين الفكاهة والمنوعات استعنت بنخبة من الممثلين من قسنطينة، وعلاقتي الوطيدة بكل واحد منهم جعلتني أعطي لكل دوره حسب شخصيته هذا ما جعل كل واحد منهم يعيش بصدق الدور الذي أسند إليه. أستطيع أن أقول أن ممثلي "أعصاب وأوتار " لم يمثلوا بل عاشوا أدوار حياتهم اليومية وربما هنا سبب من أسباب نجاح السلسلة على الشاشة الجزائرية لمدة ربع قرن.
هل يمكن أن تحدثنا عن أجواء التصوير وصعوبات العمل التي صادفتكم؟ لم أجد أي صعوبة في إخراج وتصوير الحصص وهنا أنوّه بالتفاهم التام مع مسؤولي الإنتاج في محطة قسنطينة والعاصمة وهذا من أسباب طول عمر سلسلة "أعصاب وأوتار" التي أصبحت من بصمات إنتاج محطة قسنطينة. "أعصاب وأوتار... قسنطينة. وجدت أثناء التصوير تضامن الشعب معنا ومساعدته لنا أثناء التصوير لما تحمله السلسلة من تقدير واحترام. على ذكر الجماهير أرجع إلى الحصة التي أخرجتها في ملعب كرة القدم بسطيف أثناء مقابلة الوفاق السطايفي وشباب بلوزداد سنة 1986 وكان الممثلون في وسط آلاف الأنصار استطعنا إخراج أحسن حصة بفضل مساهمة الجمهور السطايفي المتحضر.
فنيا ودراميا عندما تقارن بين الإنتاج التلفزيوني في زمن الثمانينيات في موسم رمضان والآن.. ماذا يمكنك أن تقول؟ ليس هناك فرق كبير لكن الوسائل التقنية هي التي تطوّرت بشكل رهيب. من الفيلم إلى الفيديو بكل أطوارها وأشكالها -U-matic Betacam إلى الرقمنة HD...علينا أن لا نسقط في السهولة التقنية التي توفرها اليوم التكنولوجيا الجديدة حتى لا تكون على حساب الإبداع الحقيقي الذي لا يأتي إلا من الإنسان. للأسف هذا أصبح مسيطرا اليوم وتراجع نوعا ما الإبداع والمهنية رغم كل الوسائل الحديثة والإمكانات التي يوفّرها التلفزيون العمومي. أنا ابن التلفزيون العمومي وأفتخر بذلك، أظن أن أربعين سنة من العطاء المتواصل والمستمر بفضل الله كاف لبقائي وفيا لمؤسسة رفعت التحدي ذات يوم ...28 أكتوبر 1962.