الدعوة إلى مواكبة هيئة الدفاع للتطورات الرقمية    فلسطين: 30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الطارف … تفكيك شبكة إجرامية مختصة في سرقة المركبات بإقليم الولاية    طبي يؤكد على دور المحامين في تحقيق الأمن القانوني والقضائي جذبا للاستثمار    غرداية: الفلاحون مدعوون إلى توحيد الجهود لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    مشاركة 37 ولاية في اليوم الوطني للفوفينام فيات فوداو    إصدار ثلاث طوابع بريدية بمناسبة الذكرى 58 لتأميم المناجم    طاقم طبي مختص تابع لمنظمة أطباء العالم في مهمة تضامنية في مخيمات اللاجئين الصحراويين    وزارة المالية تطلق قريبا دعوة للترشح لتعيين أعضاء مستقلين في مجالس الإدارة    إطلاق القافلة الوطنية "شاب فكرة" في طبعتها الثالثة    "تيك توك" ستضع علامة على المحتويات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي    الديوان الوطني للإحصائيات: فايد يؤكد على ضرورة تحسين جودة البيانات    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر القيادات النسائية لدعم المرأة والطفل الفلسطيني يوم السبت المقبل بالدوحة    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت اليوم على مشروع قرار يطالب بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية    مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة:تسع ميداليات للجزائر، منها ذهبيتان    التوقيع على ثلاث اتفاقيات وعقود لمشاريع منجمية وتعدينية بين شركات وطنية وشركاء أجانب    مشروع جمع البيانات اللغوية لأطلس اللغات لليونسكو في طور الانتهاء    تلمسان … الإطاحة بشبكة منظمة يقودها مغربيان وحجز أزيد من قنطار كيف    الوزير الأول يستقبل السفير الإيطالي بقصر الحكومة    صورية مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    التزام السلطات العمومية بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    أولاد جلال: انطلاق الأيام الوطنية الأولى لمسرح الطفل    البطولة المحترفة الأولى "موبيليس": نقل مباراتي إ.الجزائر/م. البيض و ش.بلوزداد/ ن. بن عكنون إلى ملعب 5 جويلية    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    توقيف 289 حراقاً من جنسيات مختلفة    دخول الجزائر ببطاقة التعريف للمغتربين    توقرت: أبواب مفتوحة حول مدرسة ضباط الصف للإشارة    بن سبعيني على خطى ماجر ومحرز..    مسيرة حاشدة في ذكرى مجازر 8 ماي    بوغالي: عار المُستدمِر لا يغسله الزمن    انطلاق لقافلة شبّانية من العاصمة..    الحملة الوطنية التحسيسية تتواصل    قالمة.. وفد عن المجلس الشعبي الوطني يزور عددا من الهياكل الثقافية والسياحية والمواقع الأثرية بالولاية    دربال: قطاع الري سطر سلم أولويات لتنفيذ برنامج استعمال المياه المصفاة في الفلاحة والصناعة وسيتم احترامه    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف حول استخدام تقنية ال"فار" في الجزائر    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    شبكة الموزعات الآلية لبريد الجزائر ستتدعم ب 1000 جهاز جديد    البروفسور بلحاج: القوانين الأساسية ستتكفل بحقوق وواجبات مستخدمي قطاع الصحة    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    السيادة الوطنية تصان بجيش قوي واقتصاد متطوّر    كرامة المتقاعدين معركة ضمن حرب الرئيس التي لن تتوقف    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    زحافي يؤكد أن حظوظ التأهل إلى الألعاب قائمة    العثور على مقبرة جماعية ثالثة بمجمّع "الشفاء" الطبي    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ المطيش ابن الشريف

لا أعلم إن كان هذا الاسم، "المطيش"، (بفتح الطاء والياء المشددة) معروفا في مناطق الجزائر، ولكنه موجود في المنطقة التي نشأت فيها...
وهو من بقايا "الجاهلية"، لأن معناه هو "الشيء المرمي"، ومع ذلك كان يسمى به، ويطلق على من ولد بعد إخوة لم يقدر لهم أن يعيشوا– فيظن بعض الناس لجهلهم أنهم إن سموا أبناءهم به "عافهم" الموت، كأن للموت عقلا يعي، وعينا تبصر. وشبيه به اسم "العيفة"، و"الدايخة"...
قضيت يومي الخميس والجمعة الماضيين (21-22/9/2017) ببلدية "تسدان حدادة"، من ولاية ميلة، وهي بلدة أعرفها منذ طفولتي، لأنها موطن والدتي وأخوالي وأخوال والدي.. وقد اغتنمت الفرصة فجست خلال ديار قرى تلك المنطقة الجميلة، ترويحا عن النفس، واستدعاء للذكريات... ومن هذه الذكريات مروري غير بعيد عن مكان لي فيه ذكرى جميلة منذ أكثر من ستين سنة.. هذا المكان ولد فيه وعاش أحد علماء الجزائر المجهولين، وما أكثرهم، وما أقطع وأقبح جهلنا لهم، وإهمالنا لهم. هذا العالم هو الشيخ "المطيش ابن الشريف"، ولقبه هو "طويل"، ووالده هو السعيد بن عمر، وقد ولد في سنة 1871 أو 1872. بعدما حفظ القرآن الكريم في مسقط رأسه، التحق ببلدة "سيدي خليفة" القريبة من ميلة، حيث زاوية "آل الحسين"، فألم بمبادئ اللغة والعلوم الدينية، ثم التحق بمدينة قسنطينة، وانسلك في طلبة الشيخ حمدان لونيسي، وأنبه إلى خطإ ما ذكره مؤلفو "معجم أعلام الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين" (ج2 . ص 353) من أن الشيخ حمدان "عندما حضره الموت أوصى بأن يصلي عليه الشيخ المطيش، فحضر من فج مزالة إلى قسنطينة، ولكنه آثر ابن حمدان الونيسي على نفسه، وفضل أن يصلي الابن على أبيه". والمعروف هو أن الشيخ حمدان خرج من الجزائر إلى الحجاز في نهاية العشر الأوائل من القرن العشرين، وتوفاه الله– عز وجل– في سنة 1920 بالمدينة المنورة.
من مدينة قسنطينة انتقل إلى تلمسان، ثم ذهب إلى المغرب الأقصى، حيث "دامت رحلته العلمية أربعا وعشرين سنة". (محمد الصديق مقراني. فج مزالة من 1830 إلى 1954. ص 61).
ويمكن للمرء أن يتساءل عن سبب ذهاب الشيخ المطيش إلى المغرب الأقصى البعيد نسبيا، وعن عدم ذهابه إلى تونس، وهي قبلة طلبة الشرق الجزائري، وقد يكون للشيخ عبد القادر المجاوي تأثير على الشاب المطيش، وقد عاش الشيخ المجاوي ودرس بالمغرب قبل أن يعين في "مدرسة قسنطينة". وإلى حد الآن، لا نعرف السنة التي ذهب فيها الشيخ المطيش إلى المغرب، ولا السنة التي عاد فيها إلى الجزائر– كما لا نعرف إن كان حصل على شهادة علمية.
وبعد عودته من المغرب ذكر مؤلفو كتاب "أعلام الجزائر..." أنه "عمل إماما ومفتشا" قبل أن ينتقل إلى مدينة جيجل للعمل بها إماما ومدرسا أيضا". (ج2. ص 352).. ثم استقر في مسقط رأسه و"أنشأ زاوية، وهي عبارة عن مسجد للصلاة، يتحول بين الصلوات إلى مدرسة كانت منارة للعلم والتعليم بالمنطقة". (مقران– فج مزالة، ص 62).
الشيخ المطيش وجمعية العلماء:
تتضارب الروايات عن انضمام الشيخ المطيش إلى "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، فرواية تذهب إلى أنه "لم ينتم إليها مطلقا"، (مقراني... ص 60)، ورواية تذهب إلى أنه "كان من المنخرطين في جمعية العلماء". (معجم أعلام الجزائر... بوصفصاف، ج2. ص 352).
وأيا ما كان الأمر، فالشيخ المطيش يعرف الإمام عبد الحميد ابن باديس، ويقدره حق قدره، وتذهب رواية إلى أنهما تزاملا في الدراسة على الشيخ حمدان لونيسي في قسنطينة، وللشيخ المطيش مكانة في نفس الإمام ابن باديس، الذي كان يقول لمن يستفتونه من أهل فرجيوة وما حولها: "كيف تستفتوني وعندكم الشيخ المطيش". (مقراني– فج مزالة...ص61).
وإذا كان لم يثبت انضمام الشيخ المطيش إلى "جمعية العلماء"، فإنه "كان من مؤيديها ومناصريها". ومن تلاميذه من كان عضوا فيها...
لا يمكن لكل صاحب ضمير حي، وذي كرامة إنسانية، فضلا عن أن يكون عالما عاملا تقيا إلا أن يكون عدوا لفرنسا التي طغت في الجزائر، وكانت أرأف وأرحم بالحيوانات منها بالجزائريين.
وما كان للشيخ المطيش أن يركن إلى فرنسا، ولعل عدم سكناه في الحواضر يعود إلى كرهه الشديد للفرنسيين، حيث يضطر إلى رؤيتهم في غدوه ورواحه، ففضل سكنى البادية... وكان الشيخ المطيش عندما يتنقل بين القرى والتجمعات السكانية يمزج بين القضايا الدينية والقضية الوطنية... وكان عملاء فرنسا يسترقون السمع لما يقوله الشيخ المطيش ويبلغونه إلى الفرنسيين... وقد اهتبلت فرنسا حوادث 8 ماي 1945 فبطشت بالشيخ المطيش وآله، الذين قتل منهم من قتل، وسجن من سجن، وقد لبث الشيخ المطيش في سجن الكدية بقسنطينة، وفي سجن الحراش بمدينة الجزائر بضعة أشهر... وما أخرجه من السجن إلا أمراضه الكثيرة وشيخوخته... فأطلق سراحه في 26 ديسمبر 1945. وتروى عنه مواقف في السجن منها أن مسئولا يهوديا في السجن سخر من الشيخ فطلب منه أن يعلمه شيئا من القرآن أو من الفقه– فما كان جواب الشيخ إلا أن قال له: "إن العسل لا يوضع في جلود الكلاب". (مقراني– فج مزالة.... ص 64). وقد سئل إن كان حرض على الجهاد في حوادث 8 ماي 1945، فأجاب المسؤل الذي سأله: "والله، لو كنت أملك قوة لما تخلفت عن جهادكم ومقاومتكم". (مقران... ص 64)|. لقد سمعت من يذكر أن الشيخ المطيش ترك آثارا، فإن سلمت فالواجب هو إخراجها إلى الناس، خاصة أنه يروى عنه "أنه أعلم أهل الجزائر بالفرائض، أي علم المواريث". (مقراني. ص 61).
والعدد 247 من جريدة البصائر، الصادر في 13 نوفمبر 1953 نشر نعي الشيخ المطيش ونص النعي: "فج مزالة. انتقل إلى رحمة الله الشيخ المطيش ابن الشريف، فإلى آله وذويه تعازينا".
وأما الذكرى الجميلة التي أشرت إليها في صدر هذه الكلمة، فقد وقعت في أحد أيام خريف 1952، حيث مررنا (خالي عبد الرحمان، ووالدتي، وأنا ابن خمس)، مررنا على منزل الشيخ المطيش، فقالت الوالدة لخالي: يا عبد الرحمان، هاهو الشيخ المطيش جالسا فخذ إليه محمد الهادي ليدعو له، فلما وصلنا إلى الشيخ رفع رأسه، فقبل خالي رأس الشيخ، وأخبره أن هذا الطفل من عائلة الحسني، ووالدته ترجوك أن تدعو له، فاستلمني الشيخ، ووضع يده على رأسي، وقرأ ما قرأ... ولم تبرح هذه الصورة ذاكرتي إلى اليوم... وكلما تذكرتها ترحمت على الوالدة، وعلى خالي عبد الرحمان، وعلى الشيخ المطيش، وكنت أقول لعل ما من الله به علي من فضله هو من أثر دعوة الشيخ المطيش، رحمه الله. وأغتنم هذه الفرصة لأدعو بلدية تسادان إلى إطلاق اسم الشيخ المطيش على مسجد من مساجدها، أو مدرسة من مدارسها، إن لم يكن قد فُعل ذلك. كما أدعو الأستاذ مسعود بولجويجة، مدير الشؤون الدينية يولاية ميلة إلى عقد ندوة للتعريف بالشيخ المطيش، فهو أهل لذلك لعلمه، ووطنيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.