الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    عطاف يستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    مشروع بلدنا سيجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الجزائر    جدد دعم الجزائر لجميع القضايا العادلة في العالم.. قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    عكس اللوائح .. قرار يصدر "الكاف": هل ستجرى مباراة إياب نصف نهائي بين اتحاد العاصمة ونهضة بركان؟    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    بيانات موقع "ترانسفير ماركت" العالمي: الإسهام رقم 20 ..عمورة ينافس صلاح وتيسودالي في إحصائية مميزة    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    أمن دائرة بابار : معالجة قضايا وتوقيف أشخاص وحجز مخدرات    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    الطاهر ماموني : المحكمة العليا حريصة على مواكبة جهود الدولة في مجال الرقمنة    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    ألعاب القوى/ الدوري الماسي-2024 : الجزائري سليمان مولة يتوج بسباق 800 م في شوزو    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" والاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    أهمية مركزية لمسار عصرنة قطاع البنوك وتفعيل دور البورصة في الاقتصاد الوطني    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    جسدت التلاحم بين الجزائريين وحب الوطن: إحياء الذكرى 66 لمعركة سوق أهراس الكبرى    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    حوادث المرور: وفاة 16 شخصا وإصابة 527 آخرين بجروح خلال 48 ساعة الأخيرة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    تفاعل كبير مع ضيوف مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة : بن مهيدي يصنع الحدث و غزة حاضرة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    بطولة الرابطة الثانية: كوكبة المهدّدين بالسقوط على صفيح ساخن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الوهاب حمودة.. "أمير المؤمنين" الذي فتح مسجد الطلبة ورفض الوزارة!
أثنى الجميع على عطائه وأخلاقه في تأبينية "الشروق":

يعدّ عبد الوهاب حمودة واحدا من أعلام الفكر والثقافة والدعوة في الجزائر وخارجها، ولد في عام 1939 بالجزائر العاصمة، ودرس في ثانوية المقراني (حاليا)، ثم درس في جامعة الجزائر، أين تحصل على شهادة الليسانس في الآداب.
ويذكر من عرفوه وعايشوه في تلك الحقبة أنه كان من أنشط الطلبة، إذ ساهم في تأسيس مسجد الطلبة في الجامعة المركزية ديسمبر 1968 بتوجيه مباشرة من الفيلسوف مالك بن نبيّ، ثمّ إصدار مجلة "ماذا أعرف عن الإسلام؟" باللغة الفرنسية، وكذلك نشر فكر أستاذه مالك بن نبي في الوسط الطلابي.
كما أنه سجل في جامعة السوربون بفرنسا لتحضير شهادة الدكتوراه مع المستشرق المعروف روجيه أرنالدز، لكنه لم يستطع إتمام كتابة أطروحته بسبب أعماله الإدارية المتعددة، فقد عمل مديرا لمعهد العلوم الاجتماعية ثم انتدب إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، حيث عيّن مسؤولا عن مديرية إحياء التراث.، وبعدها مسؤولا عن مديرية الثقافة الإسلامية، وأخيرا أمينا عاما لهذه الوزارة في عهد صديقه الوزير الدكتور سعيد شيبان، وتؤكد العديد من الروايات أنه رفض أن يتولّى شؤون الوزارة في عهدي حمروش وقاصدي مرباح، مثلما صرّح بذلك أكثر من مرة الوزير السابق عبد الرحمان بلعياط الذي كان رسولا بينهما، مثله مثل أبو القاسم سعد الله الذي رفض وزارة الثقافة.
وأشرف الأستاذ عبد الوهاب حمودة خلال تلك الفترة على إعداد الملتقيات السنوية للفكر الإسلامي، التي كانت تستضيف نخبة من العلماء والمفكرين العرب والمسلمين من مختلف التيارات والمذاهب، وكذلك المستشرقين لمناقشة قضايا فكرية تراثية ومعاصرة، وهي المنتديات التي أجمع روادها على أنها كانت من أرقى السجالات العلمية في العالم.
وبعد تقاعده الوظيفي لم يتوقف "حمودة" عن العطاء الفكري والثقافي والدعوي، حيث ساهم رفقة آخرين في إعداد وتقديم برنامج ديني على القناة الجزائرية الناطقة بالفرنسية طيلة خمس سنوات.
عانى "سي حمودة" منذ فترة من داء عضال ما جعله ينكفئ على بيته صابرا محتسبا، ومع ذلك ظلّ يتابع شؤون زاوية العائلة لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة القبائل، حتّى توفي ليلة 10 أكتوبر 2017 بعد صراع طويل مع المرض.
وقد سعت "الشروق" عديد المرات لتكريم الفقيد وهو على قيد الحياة، لكنه بصفائه وتواضعه رفض الاحتفاء به في دار الفناء إيثارًا منه لجائزة كبرى في دار البقاء، إلاّ أنّ مؤسسة "الشروق" جمعت رفقاءه من العلماء والباحثين والأقرباء في مجمع تأبين، دوّن مسيرته الحافلة، مثنيًا على أعماله الجليلة في خدمة الدين والوطن، مثلما شهد له الحضور برفعة الأخلاق وسمو النفس والحس الإنساني الراقي.
وعبر هذه التغطية تنقل "الشروق" ملخّصا عن شهادات المتدخلين في مآثر ومناقب الرجل الحميدة، سائلين العليّ القدير أن يتغمده بواسع لطفه ويسكنه الفردوس الأعلى.

الوزير الأسبق للشؤون الدينية الدكتور سعيد شيبان:
نصحته بقبول عرض الوزارة لكفاءته ونزاهته في العمل
وصف الدكتور، سعيد شيبان، الفقيد عبد الوهاب حمودة، الذي عرفه طيلة 40 سنة، بأنه شخص متعدد المناقب، اجتمعت فيه جل الصفات والقيم النبيلة، من الإيمان والتقوى والأخلاق والعمل.
وقال الوزير الأسبق للشؤون الدينية عن خصال المرحوم "إنه كان متعلما عالما وعلمه متعدد الجوانب، ازداد قوة وحوافز للتقدم بإشرافه مدة فاقت ثلاثين سنة على النشاط الثقافي في وزارة الشؤون الدينية، ومعاشرة أقطاب الثقافة الإسلامية في العالم من المسلمين وغير المسلمين"، يضيف المتحدث، إلى جانب ذلك، أشرف عبد الوهاب حمودة على ما يقارب 20 ملتقى في الفكر الإسلامي وكل ما يتعلق بأمور التنظيم والمتابعة، الأمر الذي ترك الانطباع عن مدى حبه لوطنه وأن همه الكبير كان الإسلام والعربية والجزائر.
وأضاف الدكتور، سعيد شيبان، أن علاقته بالمرحوم استمرت، حيث استشاره في 1989 حول العرض الذي قدم له من قبل حكومة مولود حمروش لتولّي وزارة الشؤون الدينية، إذ ألحّ عليه لقبول المنصب، نظرا لكفاءته وإخلاصه في العمل ونزاهته، قائلا "لولاه وأمثاله لما تمكنت من قبول نفس المهمة التي عرضت عليّ بعد أسابيع فقط والتي قبلتها تحت شرط إكمال عملي كطبيب في المستشفى، بعدما دعمني بكل قوة حتى أستطيع مواصلة عملي بشكل كبير، حيث شارك في إعداد النصوص القانونيّة لقطاع الشؤون الدينية، بما فيه قانون الأوقاف ومؤسسة المسجد التي لم تكن لتبنى لولا مساهمته".
من جهته أخرى، أثنى الدكتور شيبان على العمل الجبار الذي قدمه له المرحوم عبد الوهاب حمودة ونجله، رغم الإجهاد الذي عانى منه، حيث من خلال إعداد حصة دينية لترجمة القرآن الكريم على القناة الوطنية الناطقة بالفرنسية، مضيفًا أن المرحوم حمودة لم يدخر جهدا للمساهمة بشكل كبير، رفقة ابنه الذي تطوع هو الآخر، حيث عملا بجد حتى في ساعات متأخرة من الليل.

الدكتور محمد دراجي:
حمودة ابن جمعية العلماء البارّ وأمينها المستشار
قال الدكتور محمد درّاجي، ممثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إنّ عبد الوهاب حمودة واحد من العلماء المشهود لهم بالتضلع في العلم، ومكانه الطبيعي جمعية العلماء، فهي منبر للفكر وتحريره من رابطة التقليد والسير به في دروب التنوير، وقد كان ملازمًا لمالك بن نبي مهندس الأفكار في عصره.
وأكد أنّ جملة المواقف التي عاشها المتحدث في علاقته بالمفكر الراحل حمودة، تشهد له بالتقوى والورع والتفاني في الدين، فهو بالنسبة للجمعية الابن البار وأمينها المستشار، لجمعه بين المتناقضات وهذا سر عظمته، فقد تمكن من الجمع بين التربية الروحية والحركية، عكس من سلكوا تيار الروحية فكانوا ينعزلون عن المجتمع ويهجرون مشاكله، حيث كان الفقيد إماما في هذا المجال، فهو ابن زاوية، والزاوية كما يصفها الدكتور عبد الرزاق قسوم صنفان، منها ما هو قائم على حدود الله ودينه والعلم وفيها يتعلم القرآن والعلوم الشرعية ويتخرج منها الأتقياء، ممن يسلكون سبل العلم وإن تعدد لتمكين دين الله.
وهناك زوايا منحرفة يبرأ الجميع منها، ويبرأ الأستاذ حمودة هو الآخر منها، تدعو للتغريب وتقف ضد كلمة الله، وأكد الدكتور دراجي على أن الأستاذ الراحل كان شعلة وهاجة في دروب العمل وآية في التنكر للذات والبعد عن الظهور، وقد سبق وأن عرض المتحدث عليه تكريمه في أحد المساجد فرفض بشدة، فهو يفضل إلقاء الدروس بدلا من التكريمات.

الدكتور سعيد مولاي:
هؤلاء فتحوا مسجد جامعة الجزائر رفقة حمودة
قال الدكتور، سعيد مولاي، إنّ المرحوم عبد الوهاب حمودة كان رجلا صامتا، كثير العمل والأنشطة، عرفه في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الفائت، حيث كانت الظروف مليئة بالأحداث في تلك السنوات، ومن أهمها فتح مسجد للطلبة بجامعة الجزائر.
وبالعودة للظروف السائدة خلال تلك الفترة، أوضح المتحدث أنه دخل في نهاية 1968 إلى جامعة الجزائر، قادما من ثانوية عمارة رشيد، أين صدم بالأجواء المغايرة تماما لما عاشه سابقا، لأنّ التيّار المهيمن على الجامعة، في إشارة إلى الشيوعيين، يدعو لأفكار إباحيّة وحفلات في المدرجات تحت شعار "ممنوع المنع"، فالأجواء الثقافية السائدة مختلفة عما عرفوه في الثانوية، ما دفعهم إلى فتح المسجد في الجامعة المركزية في ديسمبر 1968 بتوجيه من المفكّر مالك بن نبي، إذ ذكر أنّ أحد الطلبة اليساريين تقدم إليه وهنّأه بطريقة ساخرة استفزازية "ها قد صار لكم مسجد"، لكنهم كانوا يعتبرونه فتحا مبينا.
واستطرد المتحدث أن الذين فتحوا المسجد في الجامعة وقتها، عملوا على كتم أسمائهم لسنوات طويلة ومن بينهم الأستاذ عبد الوهاب حمودة، وقبل وفاته بسنوات زاره المتحدث في بيته بالعاصمة، فأظهر له الطلب الذي قدموه لأحمد طالب الإبراهيمي، بصفته وزيرا للتعليم، وكان يضم ثلاثة أسماء بالإضافة لعبد الوهاب حمودة، وهم عبد القادر حميتو، عبد العزيز بوليفة، ومحمد جاب الله.
وأضاف المتحدث أن الجامعة آنذاك كانت مشتلة لمختلف الأفكار والتيارات، فكوّن المرحوم رفقة رشيد بن عيسى "حركة الطلبة الثوريين" في مواجهة موجة الإلحاد، حيث كانوا يقومون بإلصاق الملصقات والمنشورات ويقفون بجوارها لشرح أفكارهم، وعادة ما تحدث صدامات ومناوشات بين الفريقين، وهنا كشف أنّ طلبة جبهة التحرير الوطني أصدروا بيانا باسم الحزب يقف إلى جانبهم في المعركة الفكريّة، ما وفّر لهم شيئا من الحماية في وجه العنف الشيوعي.
وأوضح الدكتور مولاي أنّ الفقيد كان نشطا جدا وحركيّا، إذ يشتري الكتب الدينية ويوزعها على الثانويات حتى يمنحوها للتلاميذ كجوائز، فهو من مؤسسي الدعوة الإسلامية ونشر الدين في الثانويات والجامعات، مشيرا إلى أحد الحضور في القاعة وهو الطبيب الدكتور مصطفى مفوض، والذي كان حصل على جائزة من الأستاذ الراحل في الستينات.

الاستاذ الحسني:
حمودة أنفق من ماله على الطلبة الأفارقة
قال الاستاذ محمد الهادي الحسني إنّ الفقيد كان حكيما في الدعوة، مستدلّا بواقعة بينهما تعود لسنوات السبعينيات في المولد النبوي الشريف، عندما طلب منه إلقاء كلمة بالمناسبة، فتردد ثم وافق، فسأله "سي حمودة" عن الموضوع الذي اختاره، ليرد عليه بأنه سيتكلم في "خلق القرآن"، فطلب منه الراحل الإعراض عن ذلك والحديث في موضوع بسيط لا يثير حساسية أي شخص أو حفيظته، مقترحا عليه مثلا "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يتعامل مع الناس".
واستطرد المتحدث في شهادته "لقد كانت مديرية الفكر والثقافة في وزارة الشؤون الدينية هي المسئولة عن الحديث الديني في التلفزيون الجزائري، فكان يصحب الراحل، والذي ما فتئ يردد عليه عبارة: ثلاثة علينا أن نرضيهم هم: الله أولا، والحكومة، والشعب"، وهذا في رأيه من الحكمة والفطنة لدى الرجل حتى يستمر العطاء النافع.
وأضاف الحسني أنّ الراحل كان يتميز بقدرة عالية على التسامح وإخلاصه للمولى عز وجل، فلو كان ممن يبحثون عن الزعامة ما سبقه إليها أحد، لكنه كان ممن يعملون ابتغاء مرضاة الله وللجزائر التي كان يخدمها، ولم يسمح للدولة أن تستخدمه، موضحا "حتى عندما عرضت عليه الوزارة تحدث معي فأشرت عليه بأن الإسلام يحتاجه حيث هو في منصبه هذا (الأمين العام)، فقد كان حكيما مصغيا للناس".
ومن المواقف الشاهدة على حبّه لفعل الخير، ذكر الهادي الحسني أنه اتصل به مرة وطلب منه أن يسلم مجموعة من الطلبة التشاديين مبلغا من المال، وأن يمنحهم إياه بمقدار وليس دفعة واحدة، ولا يخبره بمصدره، خاتما قوله "إنّ الفقيد كان عمليا فعالا قادرا على جمع التناقضات، له الفضل في تأسيس مسجد الجامعة وهو رجل ليس كأحد من الرجال".

الدكتور رشيد ميموني:
حمّودة من الشخصيات الأكثر إجماعا بين الإسلاميين
اعتبر الباحث في علم الإجتماع رشيد ميموني المرحوم عبد الوهاب حمودة بالنموذج والأسوة الحسنة لجيل كبير من الطلبة، الذين أصبح أغلبهم حاليا من أفضل الأساتذة في الجامعات الجزائرية، وأضاف المتحدث أن الأستاذ حمودة الشخصية الأكثر إجماعا في فترة التسعينات من القرن الفائت، لما كسبه من معرفته للعديد من الشخصيات الوطنية والعالمية.
وعن خصال المرحوم، ذكر المتحدث خلال تأبينية "الشروق" إنه قامة كبيرة جعلت الكثير ينجذب إليه، نظرا لتواضعه الكبير، فهو كثير السؤال والاجتهاد في البحث إلى غاية الوصول إلى حوصلة فعالة، ليكون بذلك حسب المتحدث محصلة للتربية الخلقية بالزاوية وثمرة النشاط والفعالية وأفكار مالك بن نبي، وهو أيضا محصلة للفكر المتفتح المتنور، كونه ثلاثي اللغات.
وأردف الأستاذ ميموني قائلا إن فترة تعرفه على المرحوم كانت خلال تردده على مسجد الطلبة بالجامعة المركزيّة، مؤكدا أنه كان يرافق الناس بكل تواضع في الجامعة رغم مكانته كأستاذ في علم الاجتماع، ثمّ صاحب منصب في وزارة الشؤون الدينية، أين كان يستقبل الجميع بحفاوة، مضيفا أن معرفته تطورت خلال تنظيمه لملتقيات الفكر الإسلامي، حيث حاول أن يجعل من وزارة الشؤون الدينية ورشة عمل في الفكر الإسلامي، ويحولها إلى مركز إشعاع، رغم نقص البعد الإعلامي، إذ كان يشرف في الوزارة على الأحاديث الدينية التي كانت تلقى باللغتين العربية والفرنسية ، مع استنجاده بأكفاء في اللغة الفرنسية والحرص على تقديم النوعية، والتفتح في المواضيع الهادفة، إلى جانب حرصه على جعل المنطقة التي تقام فيها الملتقيات الإسلامية منطقة إشعاع، من خلال إرسال العلماء للجامعات والأحياء والمدارس، واصفا إياه بصاحب الحفاوة والترحاب خلال استقباله للناس، مع الابتسامة المشرقة على وجهه.

نجل الشيخ آيت علجت:
حمودة خلّد مآثر الشهداء المنسيين
قال الشيخ صالح آيت علجت نجل الشيخ الطاهر آيت علجت، إنّ الفقيد كان رجلا متعدد الجوانب ومتعدد المزايا والفضائل، فلا يمكن جمعها ولا حصرها في بعض الدقائق أو الثواني، وقد سبق له التردد على قاعة مؤسسة "الشروق" في عدة مواعيد وعدة تكريمات وتأبينيات لكنه لم ير إقبالا مثل الذي شهده تأبين الرجل، لعظمة هذا الشخص ومكانته في قلوب الناس، موضحا أنّ علاقته بوالده الشيخ الطاهر آيت علجت قديمة، سبقتها علاقة العائلة الكبيرة.
واعتبر المتحدث الراحل بأنه مستشار الشيخ آيت علجت الأول، فقد كان يلجأ إليه في عظائم الأمور، مضيفا أنّ من فضائل الأستاذ عبد الوهاب حمودة انشغاله بإحياء مآثر الشهداء المنسيين مثل الشهيد أرزقي كحال، الذي مات تحت وطأة التعذيب في سجن بربروس، هو الذي تولّى شؤون الحركة الوطنية بعد سجن مصالي الحاجّ، فعمل حمودة على رد الاعتبار له ولنضاله، كما حرص على دعم زاوية الشيخ سيدي يحيى العيدلي، ماديا ومعنويا في كل المناسبات، خاتما كلامه" فهو لم يمت.. بل مازال حيا بأفعاله وبما خلف من رجال".

حملاوي عكوشي:
حمودة انشغل بصناعة الرجال عن تأليف الكتب
وصف النائب السابق حملاوي عكوشي نفسه بنتاج ملتقيات الفكر الإسلامي التي يعدّ المرحوم عبد الوهاب بن حمودة من أبرز مهندسيها ومنفذيها، فقد حضر ما يقارب 10 منها منذ ملتقى تيزي وزو سنة 1973، وكشف أنّ المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم كان يطارده لتأديبه، بينما كبُر في عينه الدكتور عبد الوهاب حمودة، لمّا كان يراه يسير متأبطا الملفات والأوراق والوثائق، مشبها الأول بالعاصفة بينما وصف الثاني بالهدوء التام والسكينة، لكن كلاهما كان يكمل الآخر، على حدّ تعبيره.
واعتبر عكوشي الملتقيات التي كان "سي حمودة" يشرف عليها بالجامعات الإسلامية الحقيقية، فهي برأيه رسخت الدين الإسلامي في مجتمعنا، حيث كانت الأقطاب من بقاع العالم ومن القارات تلتقي لمدة أسبوع وربما 15 يومًا، من مختلف الدعاة والشخصيات وجميع التيارات والمذاهب، وكان الأستاذ الراحل هو من يتولّى ترتيبها وتنظيمها رفقة رجال آخرين.
وتحسّر المتحدث على عدم معرفة الجيل الراهن بجهود و مسيرة الراحل الباهرة، وهذا لتواضعه الكبير، فقد كان هادئا لا يلتفت إلى هذا أو ذاك، ولا يتدخل في أحد، بالرغم من علمه الغزير، بل على العكس، كان يتمتع بنكران الذات ويرغب في الذوبان في الجزائر، حتّى أنّ انشغاله الرئيس بتأليف الرجال صرفه عن تأليف الكتب.

الصحفي السابق عيسى عجينة:
حمودة من المترجمين الممتازين
أوضح الصحفي السابق بجريدة الشعب الزميل عيسى عجينة، أن لقاءه بالراحل كان عن طريق مولود قاسم نايت بلقاسم فقد كانا علمين، واصفا الأستاذ عبد الوهاب حمودة بأنه عبارة عن أخلاق تمشي على الأرض، أعطاه الله بسطة في العلم والجسم، كما اعتبر "ملتقيات الفكر الإسلامي" التي أشرف عليها حمودة بأنها أرقى من حوار الحضارات والأديان والثقافات التي تعجّ بها المنتديات الإقليمية والدولية اليوم، فقد كان يحضرها كبار الشخصيات والعلماء الجهابذ من مختلف المذاهب والتيارات، وذكر منهم الإمام الشيخ حسن فضل الله، الأب الروحي للمقاومة الإسلامية اللبنانية، والشيخ موسى الصدر وغيرهم.
وأضاف المتحدث أنّ المرحوم حمّودة جعل من "المركز الثقافي الإسلامي علي بومنجل" سراجا للثقافة الإسلامية، معتبرا الفترة التي أشرف عليها الراحل عبد الوهاب حمودة في قطاع الشؤون الدينية كانت من أحسن الفترات في تاريخ الجزائر، موضحا أنها كانت حقبة صراع أفكار وإيديولوجيات، ولو بقيت ملتقيات الفكر الإسلامي لأصبحت الجزائر زعيمة للأفكار في الدول الإسلامية والعالم بأسره.
كما كان الشيخ حمودة زيادة على كل خصاله السابقة ومكانته العلمية، يضيف المتحدث، من المترجمين الممتازين.

الأستاذ علي الصيد:
لقّبوه في أفريقيا بأمير المؤمنين!
قال الأستاذ علي الصيد إن المرحوم عبد الوهاب حمودة قدم الكثير للجزائر من علمه ووقته، مشيرا إلى أن أكثر ما أبهره أخلاق الرجل منذ أول تعارف بينهما أثناء زيارة عائلية عام 1979، حيث أثارت انتباهه حسن أخلاقه وسعة صبره وتواضع مشيته، والتي شد بها انتباه الكثير من الشخصيات والعلماء بمختلف الدول، لدرجة أنه لقب في أحد الدول الإفريقية بأمير المؤمنين، وتلقى رسائل منهم لطلب العون في توفير علماء دين ومصاحف.
وأضاف المتحدث خلال حفل تأبين المرحوم، أن هذا الأخير كان رجلا حريصا على البناء واستغلال الوقت أحسن استغلال، وكان يصر على تعليم غيره ضرورة استغلال الوقت بشكل صحيح، لدرجة أنه تمكن من ترتيب أموره كتابيا قبل وفاته، بما فيها جنازته ومن يغسله ومن يصلي عليه، وهو على فراش الموت.
وفيما يتعلق بالجانب الشخصي للمرحوم، تعجب الأستاذ علي صيد أثناء حديثه عن جوانب من حياته، وهي براعته في تكلم اللغة الأمازيغية والفرنسية والعربية بطلاقة، واعتبر ذلك عظمة في شخصيته التي تميزت بالاعتزاز البعيد عن الغرور، مضيفا أن أكثر ما أصر عليه خلال احتكاكه به هو مطالبته بالحكمة والتعامل بها، حيث كان شديد الحرص أن يكون شبابنا حكيما في خطاباته، إلى جانب ذلك يقول الأستاذ علي أن سي عبد الوهاب تميز بالفطنة والذكاء وبعد النظر في كل ما يقول وما يعمل، ورغم مرضه كانت الأنشطة الإسلامية دواءه.

الشيخ بوجمعة عياد:
مسجد الجامعة المركزية أنقذ جيلا كاملاً
اعترف الداعية الشيخ بوجمعة عياد بصعوبة الكلام لما يتعلق الأمر بمسيرة وفضل الأستاذ عبد الوهاب حمودة، فذكر أنه شخصيّا من منطقة المدنية في العاصمة، وكان هو وغيره من أبناء الأحياء الشعبية يحشرون بعد الاستقلال في الساحات لمشاهدة أفلام حول الاتحاد السوفيتي وثورته، ولولا أمثال حمودة لما عرفوا طريقهم إلى الحقّ.
وواصل المتحدث قائلا: "الحمد لله أن تلك الأفلام كانت تقدم باللغة الروسية فلم يفهموا منها شيئا، فجيلهم كانوا كلهم استعداد وتطلع لرؤية الجزائر المستقلة التي ضحى من أجلها الأجداد لكنهم اصطدموا بالتناقضات وشرعوا في البحث فيها للعثور على ما يشفي الغليل ويعيدهم لجادة الصواب"، لكن المشرف والموجه، يضيف بوجمعة، كان غائبا آنذاك لذا توجهوا إلى مسجد الجامعة المركزية، أين وجدوا ما كانوا يطمحون له، وهنا تكمن أهمية وقيمة العمل الدعوي النوعي والخطير الذي أنجزه رفقاء عبد الوهاب حمودة في سياق تاريخي مصيري لجيل كامل، لذا تمنى المتحدث أن يسير من تتلمذ على يد المرحوم على نهجه.

يونس كرار:
حمودة عاش سعيدًا بخدمة القرآن
ذكر الدكتور يونس كرار خليفة المرحوم عبد الوهاب حمودة على رأس زاوية العائلة الكثير من خصال الرجل، الذي قال إنّ الكثير لم يعرفوا قيمته، بمن فيهم عشيرته وبلده، موضحا أنه رغم القرابة التي كانت تجمعهما، فقد كان أول تعارف بينهما عبر ملتقيات الفكر الإسلامي، حيث كان الأستاذ عبد الوهاب حمودة يحرص على حضور تلك الملتقيات، للاستفادة منها قدر الإمكان، إلى غاية إحيائه الزاوية التي ورثها عن والده.
وتابع المتحدث قائلا إن المرحوم لم ينل حقه من الاهتمام حتى لقي ربه تحت وطأة مرض شديد نال من جسده، ولم يمنعه من مواصله عمله بكل شجاعة، وهنا سرد قصّة مؤثرة، قائلا "حينما طلب منه العون من بعض المؤسسات التجارية دعم الزاوية ماديا، وتمنّى أن تتكرّم بالمبلغ المطلوب، فلمّا جاءه المتحدث بالخبر المفرح، وبشّره باستجابة أهل الخير، غمره شعور كبير بالسعادة، حتّى أنه ردّ عليه: الآن شفيت".
وأضاف كرّار أنّ المرحوم كان يتابع أدق التفاصيل التي تخص تخرج طلبة الزاوية مع أنه كان في أعزّ الحاجة للراحة، وكشف بهذا الصدد أنه طلب منه غلقها بعد وفاته إذا لم تتمكن من تخريج طلبة همّهم الحفاظ على القرآن.

الشيخ مكركب:
الراحل أسوة في العمل الإسلامي وخدمة الدين
تحدث عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ محمد مكركب عن الفقيد عبر ثلاث مجالات، قائلا إنه كان في العمل الوظيفي قدوة ونبراسا ونموذجا في الحيوية، النشاط، الدقة والإنجاز، إذ شكّل قطبًا فاعلا في الملتقيات والنشاطات، أما في المجال الثاني، فقال عنه إنه كان من الرجال الذين يقودون هذا القطار في ملتقيات الفكر الإسلامي، التي مثّلت عملاً جليلاً بالنسبة للجزائر لنشر قيم الحضارة والمعرفة والعلم والثقافة، الأمر الذي وفّر زادًا عظيما للأجيال، اقتبست منه الوعي والفكر والتنوير، على حدّ قوله.
أما المجال الأخير الذي نوه فيه المتحدث بحضور ودور الفقيد حمودة فكان نشاط جمعية العلماء، قائلا إنهم عرفوه بالتنظيم الدقيق والعميق لمواصلة تحريك الثقافة ونشر الدين الإسلامي، كما عمل بالموازاة في نشاط الزوايا العلمية والقرآنية على مستوى الكتاتيب وفي المساجد، ليختم بالقول إنّ الراحل قدوة وأسوة في العمل الإسلامي، ويعتبر عنصرا فعالا في خدمة الدين والعلم والثقافة.

الأستاذ إسماعيل روينة:
الفقيد لم تغرّه المناصب ولا الأحزاب
اعتبر الدكتور إسماعيل روينة معرفته بالأستاذ عبد الوهاب حمودة مكسبا كبيرا له، كونه العالم العامل والمتواضع الذي تميز بحسن أخلاقه، ولم تغرّه المناصب ولا التعددية، إضافة إلى أنه لم ينخرط أو ينظمّ لأي حزب مهما كان.
وعرج الأستاذ روينة على مراحل ومحطات جمعته بالمرحوم، انطلاقا من تعارفهما بكلية العلوم في الجامعة المركزية نهاية الستينيات، حيث كان شابا نشطا وداعية متبصرا، ثم مديرا للدراسات في الجامعة بكلية علم الاجتماع، فمديرا للثقافة الإسلامية وأمينا عاما بوزارة الشؤون الدينية، وأضاف المتحدث أن المرحوم لم يصطدم بخصومه رغم اختلاف اتجاهاتهم، حيث تعامل مع الجميع بكثير من التواضع، كما لم تغره المناصب، ولم يسر كما سار البعض خلف الأحزاب الإسلامية، لأنه كان ذو شخصية فذة، معتدلا وسطا في دعوته وتعامله.

الدكتور السعيد بويزري:
على رفقاء حمودة أن يواصلوا المسيرة لأجل الجزائر
فضل الدكتور السعيد بويزري أن يكون تدخله خلال تأبينية "الشروق" للمرحوم عبد الوهاب حمودة مقتصرا على توجيه رسائل لرفقاء درب الرجل، طالبا منهم البقاء على العهد وتسجيل حضورهم الكبير الذي عهدناه فيهم طيلة سنوات صعاب مرت على الجزائر، لأنهم كانوا ولا يزالون مدرسة مشعّة في العطاء وخدمة الدين والوطن، وركز الأستاذ السعيد بويزري على حثهم لمواصلة ما انطلقوا به بكل حب، من خلال تقديم نصائحهم القيمة وتوجيهاتهم للجيل الجديد.
وأضاف المتحدث دعواته لرجال المنابر من أجل توخي الحذر في فتح مخاطبة الناس وحسن الوعظ والإرشاد، لأنّ الأسلوب، حسبه، قد يضلل في بعض الأحيان، حاثا إياهم على الحكمة والبصيرة، كون ما يقومون به مسؤولية كبيرة، مطالبا الجيل الحالي بالمحافظة على التركة المعنوية التي خلفها الرعيل الأول من أمثال الأستاذ عبد الوهاب حمودة.
* * * * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.