مذكرة تعاون بين الجزائر والصين    بوغالي يقترح إنشاء لجنة برلمانية استشارية    عطاف يلتقي ميقاتي    شركات آسيوية عملاقة تسعى للاستثمار في الجزائر    مصنع فْيَاتْ بوهران لم يُغلق    التحضير لإنشاء مناطق حرة بجيجل والطارف وتبسة    الزراعة المائية بالطاقة الشمسية كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي    المخزن يرتبك في الأمم المتحدة    القضية الفلسطينية بحاجة لأمّة قوية    الوزير بلمهدي مُنتظر ببومرداس اليوم    اختبار لوكلاء اللاعبين بالجزائر    رونالدو يتصدر قائمة أعلى الرياضيين أجراً    حملة للوقاية من الحرائق    الخبز الأبيض خطر على صحة الإنسان    قافلة تضامنية لفائدة المسنين    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    دعا إلى مساهمة ممثلي الشعوب في صنع القرار العالمي: بوغالي يقترح إنشاء لجنة برلمانية على مستوى الأمم المتحدة    وزير المالية يكشف: تمويل 86 مشروعا فلاحيا بالجنوب بمبلغ 19 مليار دينار    الخطوط الجوية الجزائرية: دعوة الحجاج إلى الإسراع بحجز تذاكرهم عبر الأنترنت    بيان المنامة الختامي للقمة العربية    الجزائر تفقد القميص الأصفر: حمزة ياسين يفوز بالمرحلة السادسة لطواف الجزائر    الإثيوبي تيسيما بدلا من غيزلان أتشو: الفاف تعلن عن تغيير حكم مواجهة الخضر وغينيا    قدم عرضها الشرفي ببشطارزي عشية المنافسة: "زودها الدبلوماسي" تمثل الجزائر في مهرجان "ربيع روسيا الدولي"    بعد عملية تهيئة: إعادة افتتاح قاعتي ما قبل التاريخ والضريح الملكي بمتحف سيرتا    الرئيس تبون يعول على استصلاح مستدام للأراضي بالجنوب    فيما وضع شخصان تحت الرقابة القضائية: حبس 6 متهمين في قضية الشخص المفقود بالجلفة    مكونة من 19 شخصا بينهم 16 أجنبيا: تفكيك شبكة للتزوير وتهريب المركبات المستعملة بالوادي    الكيان الصهيوني يستخف بتهمة الإبادة الجماعية    في افتتاح الدورة 33 لمجلس جامعة الدول العربية بالبحرين،الرئيس تبون: القضية الفلسطينية بحاجة اليوم إلى أمة عربية موحدة وقوية    الدفع بالتعاون الجزائري- القطري في مجال الابتكار    زيارة سفير كوريا ووفد فيتنامي لوكالة الأنباء الجزائرية    تأخر كبير في ربط تيارت بالطرق المزدوجة    هذا جديد ملف تصنيع المركبات في الجزائر    أوبرا الجزائر بوتقة للتميز الإبداعي    بونجاح "التاريخي" يتجه للّعب في السعودية الموسم المقبل    قرار فرنسي يسدي خدمة من ذهب للفريق الوطني    منافسة شرسة في مسلك سطيف – قسنطينة    دورة الجزائر الدولية بها 28 عضوا بلجنة التّحكيم    سقوط ثلاثينيّ من علو 175 متر    عمداء الموسيقى العالمية يلتقون بالجزائر    توقيف سارقي عتاد محطات البث الهوائي    غريق بشاطئ مرسى بن مهيدي    الجزائر تعمل بحزم على تعزيز مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء    تسييج "بورتيس ماغنيس".. ضمانة الأمان    "العدل الدولية" متمسّكة بتعزيز إجراءات حماية الفلسطينيّين    حلقة أخرى في سلسلة "الثورات" الاقتصادية    قمع وتعذيب وحشي لمعتقلي "أگديم إزيك"    باحثون متخصّصون يشرعون في رقمنة التراث الثقافي    نظام تعاقدي للفصل في تسقيف الأسعار    بشار/أيام الموسيقى ورقص الديوان: حفل تقدير وعرفان تكريما لروح الفنانة الراحلة حسنة البشارية    الجلفة: التأكيد على ضرورة الإهتمام بالأعمال المنجزة في إطار توثيق التراث الشعبي المحلي    الخطوط الجوية الجزائرية تدعو الحجاج الى الاسراع بحجز تذاكرهم عبر الانترنت    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ينقذ مليوني طفل جزائري من استغلال بشع؟
عمالة الأطفال..ممنوعة قانوناً ومكرّسة واقعاً..

مختصون: ظاهرة العمالة منتشرة بكثرة في المناطق الداخلية
المستوى المعيشي لبعض الأسر ساهم في تفشي الظاهرة
مهن خطيرة تهدد صحة الطفل
وصلت نسبة عمالة الأطفال في الجزائر إلى مستويات قياسية، خاصة مع تزايد استغلال القصر في مجال الشغل، خاصة خلال فصل الصيف الذي يتزامن وعطلتهم الصيفية، وهي الفترة التي تنتشر فيها الظاهرة بكثرة.
ورغم أن المختصين يؤكدون أن نتائج المراقبة تشير إلى أن الظاهرة منعدمة تقريبا في بلادنا، وأن مصالح مفتشية العمل سجلت نسبة ضعيفة لأعداد الأطفال العاملين في القطاع الاقتصادي في إطار علاقة عمل «عمال أجراء»، حيث قدرت النسبة ب0.17 بالمائة، إلا أن ذلك الذي يتنافى مع الواقع المعيش، فعمالة الأطفال في الجزائر موجودة بقوة بعيون المتتبعين والمختصين، حيث تقول إحصائيات غير رسمية إن عدد الأطفال العاملين بالجزائر بلغ 2 مليون، يعملون حمالين لمختلف البضائع في الأسواق، وورشات الأشغال العمومية، فلاحين، وبائعين لمختلف المواد في الشوارع.
وإذا كانت معدلات الرسوب في المستوى الثاني مرتفعة بالجملة، فهي تظل أقل لدى الإناث، 31 بالمائة من الذكور مقابل 24 بالمائة لدى الإناث، كما يعود عمل الأطفال إلى عدة عوامل، من أهمها الفقر وتدني مستوى التعليم، وتدني العائد الاقتصادي والاجتماعي من التعليم، والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمعات العربية، وانتشار ثقافة الاستهلاك، وعولمة الاقتصاد، وبحسب مراقبين، فإنّ عامل التسرب من المدارس يمثل الرافد الأساسي لعمالة الأطفال، ويرجع سبب تسرب هؤلاء الأطفال إلى تعرضهم للمعاملة السيئة أو للعقاب البدني من المدرسين، إضافة إلى إجبار عدد من الإناث في القرى والأرياف على ترك المدرسة لمساعدة أمهاتهن في الأعمال المنزلية، إلى ذلك اعتبر تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن عمالة الأطفال هي نتيجة حتمية لحالة الركود الاقتصادي العالمية، وتفضيل أرباب العمل الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة وغير المتمردة، هذا إضافة إلى العوز، بما يضطر أولياء الأمور إلى الدفع بأبنائهم للعمل بأي مهنة لكسب لقمة العيش.
عمل الأطفال في الجزائر..ممنوع قانوناً ومكرّس واقعاً
يشتغل في الجزائر نحو نصف مليون طفل دون السادسة عشرة حسب تقييم رسمي، وما يزيد عن مليون و300 ألف حسب دراسة صدرت عن الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، وما يقارب مليونين بتقدير جمعيات الدفاع عن الطفولة، وهذه السن هي التي يفترض أن يكون فيها الطفل إجباريا في المدرسة بأطوارها الأساسية الابتدائية والمتوسطة حسب القانون المعمول به منذ عقود، ومهما كان الرقم واختلاف التقديرات بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، فإن الجميع يعترف بوجود وضع مخالف للقانون يتطلب معالجة اختلفت الآراء بشأنها وحول آلياتها، وينتسب قسم من الأطفال العاملين إلى ورش ومصانع وحقول ومرافق خدمات، ومنهم أيضا من يشتغل لنفسه بجمع بقايا الحديد والبلاستيك والخردة لإعادة بيعها، وتشتغل نحو 200 ألف فتاة في البيوت وفي ورش الحياكة والخياطة والحلاقة، وأعمالهن في الغالب هامشية، وتنص القوانين الجزائرية على أن التعليم إجباري مدة تسع سنوات على الأقل، وهي فترة التعليم الابتدائي والإعدادي ولا تطرد المدارس أي تلميذ قبل سن السادسة عشرة وتسمح له بإعادة السنة إن فشل في تحقيق معدل النجاح والانتقال إلى الصفوف العليا، كما توفر له في حال إخفاقه في امتحانات آخر المرحلة ومغادرته المنظومة التربوية بديلا، حيث تحتضنه مراكز التكوين المهني لتلقينه حرفة يمكن أن يواجه بها الحياة، والتعليم في الجزائر منذ الاستقلال العام 1962 مجاني في كل المراحل من الابتدائي إلى الدكتوراه، وأكثر من ذلك يحصل معظم الطلاب في الجامعات على منح دراسية تساعدهم على توفير مستلزمات الدراسة، وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن أكثر من 80 بالمائة من الأطفال في سن الدراسة يوجدون بأقسام المدارس ومراكز التكوين المختلفة، لكن آخر الدراسات أثبتت تآكل كتلة المتعلمين بفعل زحف غير مسبوق نحو عالم الشغل المبكر.
وجاءت هذه الدراسات متزامنة مع أخرى تشير إلى اتساع رقعة الفقر في البلاد وزيادة الفجوة الاجتماعية إلى وضع لم يكن يتخيله أحد، واندلع في الجزائر جدل غير مسبوق في المدة الأخيرة حول موضوع تشغيل الأطفال وظروفه وآثاره على المجتمع، وطرح الموضوع في البرلمان والمنظمات والجمعيات كما عالجته الصحافة بإسهاب وتخصص له مساحات واسعة، ولأول مرة خرج الحديث عن أسوار القانون التي كانت تضبط كل تناول لهذا الموضوع، وكشف لأول مرة عن تسجيل حالات كثيرة خاصة في الريف يمتنع فيها الأولياء عن التحاق أبنائهم بالمدارس منذ البداية، ويفضلون مشاركتهم في النشاط الزراعي أو الرعوي، تأسيس لجنة من 13 وزارة بينها وزارتا سيادة "العدل والداخلية" لمكافحة عمالة لكن عملها غير مجد لأنها تراقب قانون المنع ولا تواصل عمل البحث عن أسباب إقدام الأطفال على العمل وهم في سن الدراسة، ولا توفر لعائلاتهم ما يجعلها في غنى عن شغلهم، وأكد "مصطفى غالي" وهو مالك مصنع صغير للأحذية أن تشغيل الطفل ليس دائما عملا سيئا، فهو قد يعيل أسرة، فالأطفال الذين يوجدون في وضع عائلي سليم لا يشتغلون ولا يفكرون أبدا في الشغل، المحتاج للقوت هو فقط من يعمل لكسبه بنفسه، وقال "مصطفى" إن عشرات من الأطفال مروا على مصنعه يجمعون بقايا الجلود وينظفون ويرتبون البضاعة ويشحنونها في المركبات، ومنهم من تحول إلى صانع بحكم المشاهدة والاحتكاك مع الصناع، وأكد أن عددا كبيرا منهم كانوا برفقة أوليائهم حين طلبوا الشغل بمعنى أن قرار الشغل كان عائليا ولم يكن من الطفل وحده وهو ما يعني أنه يلبي حاجة عائلية.
ويذهب "محمد مؤمن" أستاذ الفلسفة المهتم بالشأن الاجتماعي والنقابي في الاتجاه نفسه، ولاحظ أن القانون الخاص بمنع تشغيل الأطفال «جاف» فيما كل المسائل ذات العلاقة بالحركة الاجتماعية يفترض أن تكون مرنة، حتى لا تصطدم بواقع مناقض وقال بأن إجبار العائلات على تعليم أطفالها قرار صائب نظريا، لأن ذلك من صميم إعداد البلد للتطور والرقي، لكن يجب أن يستند ذلك إلى واقع غير واقعها.. ومن غير الممكن لأية دولة أن تصدر قانونا إجباريا مثل هذا وهي تدير ظهرها للعائلات التي يفرض عليها هذا القانون، في تقديري يجب أولا الاستثمار في تلك العائلات بعدم تركها تواجه العوز والمحن ثم بعدها قنن كما تشاء، هل يعقل أن تجبر من لا يجد خبزا على الذهاب إلى المدرسة.. الواقع ليس ما يجول بخاطر المشرع عند كل الناس الخبز أولى من المدرسة، ومتى توفرت ضرورات الحياة لا حاجة إلى قانون يجبر الناس على الذهاب إلى المدرسة، عندها يصبح التعليم هو الحاجة الملحة لأن الحاجات الأخرى متوفرة.
ضعف مداخيل أرباب العائلات يدفع بأبنائهم إلى العمل
وأعربت الآنسة "دنيا بصير" وهي أخصائية في علم النفس، عن تخوفها من أن تعود الجزائر إلى عهد «ماسحي الأحذية» جراء حاجة العائلات إلى الاستعانة بشغل أبنائها لضعف مدخول الأب أو لانعدامه، وكان «ماسحو الأحذية» في زمن الاحتلال وخلال السنوات الأولى بعد الاستقلال في الستينات يملئون الشوارع والساحات ويصطفون أمام أماكن تجمع الناس كالأسواق والمقاهي وصالات السينما بحثا عن لقمة عيش بتلميع أحذية المارة، إلى أن صدر قرار من الرئيس الراحل "هواري بومدين" بإنهاء تلك «الحرفة» وضم كل الأطفال إلى المدارس ومراكز التكوين المهني، وقالت دنيا «أرى كيف يتسابق الأطفال وبأيديهم قطعا من القماش لمسح زجاج سيارات المارة عند التوقف أمام إشارات المرور في البريد المركزي وسط العاصمة، ألا يشبه المنظر زمن تلميع الأحذية الذي اختفى من البلاد منذ عقود؟ لقد تراجعنا كثيرا.. وانظروا كيف يتزاحم أطفال في سن المدرسة في كل أوقات اليوم ويصطفون على الأرصفة لتلقي بعض الدينارات مقابل حراسة سيارات متوقفة على الطريق، وهذا نوع مقنع من التسول وتلميع الأحذية أشرف وضعا من هذا الذي يحدث اليوم أمام مرأى الشرطة والسلطات.
هم بالآلاف بلا مستقبل ويستثمرون في الكسل والكسب السهل والطمع.» لكن "سليم.ب" وهو طفل في الرابعة عشرة من حي الفاتح من ماي بوسط العاصمة، يعتبر ما يقوم به عملا وليس تسولا، وقال أحرس السيارات المتوقفة على الطريق قرب بيتنا، وحين يأتي أصحابها لمغادرة المكان أطلب منهم دفع 30 دينارا لقاء حراستي. ثمة من يتفهم الوضع ويدفع وهناك من يقول لي ببساطة لم أكلفك بحراستها وينصرف دون أن يدفع..، على كل أحصل على ما يجعلني في غنى عن طلب مصروف الجيب من العائلة.. أنا أشعر أنني أشتغل لأنني أشتري ملابسي بما أحققه من عملي وأساعد والدتي أحيانا» وحين قلت له «ما تقوم به خارج القانون وأنت فعلا تحرس دون أن يكلفك أحد»، فاجأني بالقول «اشتغل هكذا أحسن من أن أسرق، أليس كذلك؟»، وهو جواب حاسم يغلق الباب أمام المزيد من الأسئلة، ما دفعني لطرق باب آخر فسألت ضابط شرطة «لماذا تتساهلون مع هؤلاء الأطفال وهم يبتزون الناس علنا؟» فقال «لو منعناهم لتحولوا إلى مجرمين وربما يوجد بينهم من يعيل أسرة...هم هكذا يتدبرون أمرهم مع المواطنين» وفهمنا من كلامه أن السلطات أصدرت أوامر للشرطة بغض الطرف عن تلك الممارسات، مع أن الكثيرين بمن فيهم رجال الأمن يعتبرونها خطرا كونها تشكل بداية لنوع من «مافيا الطرق» سوف يستعصى استئصالها وتفتح المجال لجروح جديدة في جسم المجتمع المثخن أصلا، وصارت الظاهرة محل تهكم على المشرفين على تسيير الشأن العام حتى في الصحافة، ويقال مثلا أن «حراس الأرصفة» مشمولون في قوائم التشغيل التي أكدتها الجهات الوصية.
مهن خطيرة تهدد صحة الطفل
تبرز خطورة ممارسة مختلف المهن لاسيما الحساسة على صحة الأطفال، إذ غالبًا ما تكون ظروف العمل كارثية ولا تراعى فيها الشروط والمقومات الإنسانية المطلوبة، وكارثة الكوارث هي المهن التي يتعاطاها الأطفال الفقراء فهي تشكل بالفعل خطرًا كبيرًا على صحتهم البدنية وعلى نموهم العقلي، فاللائحة كبيرة وعليها العمل في الإنشاءات المعدنية، وتركيب الأجهزة الإلكترونية، والعمل في قطع الحجارة ونحتها، والعمل في دهن السيارات والحدادة والنجارة، وكل ما له علاقة بالمواد الكيماوية، التي لو تم تنشقها بشكل مستمر، قد يكون لها تداعيات مخيفة على أجساد لا تزال لينة وغير صلبة، ناهيك عما يتعرض له الأطفال من تعنيف وضرب من قبل أرباب عملهم، حيث كشفت بيانات حديثة لجمعيات الطفولة المسعفة في الجزائر، اتساع ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر إلى حدود المليونين، وقال الأخصائي "فتحي بواروي" إنّ تحقيقات ميدانية أفضت إلى إحصاء نحو 1.9 مليون طفل تستوعبه سوق الشغل في الجزائر، على نحو غير مشروع مخالفا للتشريعات المعمول بها في البلاد، وربط "بواروي" تطورات الظاهرة بما لا يقل عن 800 ألف طفل جزائري يظلون خارج المدارس لأسباب متعددة.
الخبراء يدقون ناقوس الخطر
قال "«بواروي» إنّ أكاديميين جزائريين، توصلوا في تحقيق موّسع إلى أنّ الظاهرة باتت تستوعب 1.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، بينهم 56 بالمائة من الإناث، بينما أحصت الدراسة 28 بالمائة من الأطفال المشغّلين الذين لا يتعدّى سنهم ال15 سنة، وذكر الكشف أنّ 15.4 بالمائة أيتام وفقدوا سواء الأب أو الأم، فيما يعيش 52.1 بالمائة منهم في المناطق الريفية، علما أنّه تمّ إحصاء 2000 طفل متشرد في مختلف أنحاء الجزائر، وأشار المسح الميداني إلى أنّ عددا معتبرا من أرباب الأسر المستجوبين، أقرّوا بعلمهم بانخراط أطفالهم في مختلف الأعمال الشاقة التي جرى تبريرها بحتمية "المساعدة المنزلية"، وهو ما يعني أنّ هؤلاء معتادون القيام بعدد من الأشغال غير مدفوعة الأجر؛ وعوضا من المغادرة النهائية للمدرسة قبل نهاية التعليم الإلزامي، ترتفع نسبة التغيب المدرسي خاصة في المناطق الريفية وشبه الحضرية، كاشفة عن تشغيل الأطفال بأجور متدنية في مناطق يصعب أن تمتد إليها رقابة الدولة، كما أوضح خبراء السوسيولوجيا في الجزائر وعلى رأسهم الدكتور "ناصر جابي" إنّ الأطفال المشغّلين على نحو غير شرعي، اعتبارا لحظر المسألة في مجموع المعاهدات الدولية سارية المفعول، هم في أغلب الحالات أبناء لأمهات ذوات مستوى تعليمي منخفض أو لم يتلقين تعليما على الإطلاق، وأنهم يميلون إلى التركز ضمن ال 20 بالمائة الأكثر فقرا، مع الإشارة إلى المعلومات التي تضمنها تقرير "اليونيسيف" عن حالة الأطفال المزرية في الجزائر، ومفعول الظاهرة التي ولدّت صورا أخطر في صورة التسرب المدرسي والانحراف الاجتماعي، وما نجم عنهما من ظواهر أكثر ضرراً، وأشد خطورة على غرار ما يعرف تجاوزا ب"أطفال الشوارع"، فالطفل الذي خرج من المدرسة أو لم يلتحق بها لا مكان له سوى العمل، أو الشارع، وما يترتّب عنهما من مخاطر اجتماعية وتربوية.
معراف: «الأرقام حول لعمالة الأطفال مخيفة في الجزائر»
أكده الدكتور "إسماعيل معراف" محلل سياسي دكتور بكلية العلوم السياسية والإعلام، ومستشار المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية "نواقشط"، الذي اعتقد أن تشغيل الأطفال صار مسألة جد معقدة، فحسبه هي ترجمة لواقع غير عادي بالنسبة للطفولة في الجزائر، رغم الاستثمار الكبير في المجال الاجتماعي بما انعكس بشيء من الإيجابية على الأسرة في الجزائر، وفيما يخص عن الأرقام التي تخص العمالة قال أن هناك أرقاما مخيفة على حالة الانحراف التي طالت هذه المراحل، وأعطى بخصوص هذه الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل التي تقول بأن هناك 11 ألف طفل كان ضمن ما يسمى بالأحداث، حيث يتوزع هذا الرقم بين أحداث للمخدرات وأخرى لأحداث الفعل المخل بالحياء، وعادة يضيف ما تتم هذه الأفعال من خلال الضغط على هذه البراعم من طرف أرباب العمل.
تساؤلات حول دور مفتشيات العمل
فيما أكد الدكتور "معراف" أن هناك تجاوزات عديدة فيما يخص تشغيل الأطفال في سن مبكرة، وهذا للأسف يقول راجع للتقاعس والتواطؤ من قبل مفتشية العمل، فعدم وجود رقابة صارمة وذكية على مسألة تشغيل الأطفال يعود بنا حسب الدكتور لقضية منافية لروح الدستور الذي يكفل الرعاية والحماية لهذا الطفل، إذن يضيف مستشار المركز العربي الإفريقي للإعلام، أن واقع اليوم يفرض على الدولة أن تتحرك باتجاه إعداد مشروع قانون خاص بالطفل يوفر له كل الشروط التي تسمح له من أن يعيش في إطار، ووضع يجنبه مثل هذه الانحرافات لاسيما وأن اليوم تم مراجعة اتفاق مع الاتحاد الأوربي الذي ينتقد الجزائر كثيرا في مسألة حقوق الإنسان وترقية الديمقراطية، فالدكتور يؤكد على أنه عامل مهم في عدم قدرة الجزائر على أنها تتجاوب إيجابا مع الرؤية الأوربية.
تقارير سلبية حول حماية الطفولة في الجزائر
ولم يبق الدكتور عند هذا الانتقاد فحسب بل واصل حديثه عن التقارير الخاصة IDH بالتنمية الاقتصادية المستدامة، التي يضع مؤشر التنمية الإنسانية كمحدد لقياس مدى تطور المجتمعات الإنسانية، وأعطى ملاحظات عن هذا التقرير حين قال بأن التقرير دائما يشير بالسلبية إلى عدم وجود حماية كافية بالنسبة للطفولة والأسرة في الجزائر، وأضاف إلى هذا ضرورة إدخال عوامل أخرى لترقية الطفولة وجعلها مركز اهتمام كل مؤسسات الدولة، وبدأ بضرورة استصدار تشريع خاص بالطفل مع إعداد إستراتيجية إعلامية خاصة بهذا الطفل، من خلال إصدار مجلات متخصصة تناقش عالم الطفولة، وأيضا تسليط الضوء من وسائل الإعلام المختلفة على مشاكل الطفولة تطلعاتها وما تحتاجه من اهتمام لكي تتحول إلى بعد بنائي في المجتمع، فالدكتور يرى أنه من غير المعقول أن الطفل في الغرب استطاع أن يصل إلى إبداعات قوية وقدرة على التحكم في تكنولوجيات وسائل الإعلام وهو في سن مبكرة، بينما يبقى الطفل بالجزائر يعيش في هامش الاهتمامات، فعندما يولد طفل جديد حسب "معراف" فمعناه أن عالم جديد قد برز، ويجب أن نوفر الإمكانات التي تؤهله لأن يكون مواطن يفيد بلده ويساعدها أن تتبوأ أحسن المكانات.
مستشار المركز العربي للتمنية: «النسبة الرسمية المصرح بها غير دقيقة»
وفي إطار آخر قال الدكتور وحسب رأيه الخاص، أن الهيئات المشرفة على الاهتمام بعالم الطفولة غدت بعيدة عن اهتمامات فاعلية كثيرة داخل المجتمع، والتصريح بعدم وجود نسبة مخيفة لعمالة الأطفال الرقم مردود عليه، فالواقع الميداني يثبت عكس ذلك، ذلك أن الإحصائيات المقدمة من طرق وزارة العمل هي متعلقة بمؤسسات القطاع العام، أما مؤسسات القطاع الخاص فالكثير منها لا يؤمن ولا يسجل هؤلاء الأطفال وبالتالي المقياس الذي تعتمده هذه الهيئات الحكومية غير دقيق، والاعتماد على مثل هذه المقاربات يقول الدكتور لا يساعد بالارتقاء بالطفل، وأكد على ضرورة عقد مجلس وزراء خاص بموضوع الطفل أي ترقية الاهتمام بالطفل على أعلى هيئة.
مختصون: «ظاهرة العمالة منتشرة بكثرة في المناطق الداخلية»
يرى القانونيين وأساتذة الاجتماع ظاهرة عمالة الأطفال في الواقع موجودة وبقوة لاسيما في المناطق الداخلية، والتناقض الذي وقعت فيه الإحصائيات المقدمة من قبل الدولة لواقع عمالة الأطفال يعود إلى عدم تصريح أرباب العمل، فحسبهم لو تم التصريح لكان هؤلاء في حالة خارجين عن القانون ومخالفين له، فالإطار التشريعي يضيف المختصين في القانون فيما يخص سن التشغيل هو18 سنة، وعلى سبيل الاستثناء يمكن تشغيل القصر دون18 سنة بترخيص من وصيه الشرعي أو في إطار عقود التمهين. فيما أضاف هؤلاء سبب آخر يجعل أرباب العمل يوظفون قصر دون18 سنة يعود إلى أن هذا الأخير أقل تكلفة من الراشد بمعنى أنه فيه استغلال من باب العمل وهو أنه دون الأجر القاعدي.
المستوى بعض الأسر المعيشي يساهم في تفشي الظاهرة
أما الدوافع التي تجعل عمالة الأطفال منتشرة حسب الاجتماعيين، فهي ترجع للحالة الاجتماعية للأسرة الجزائرية، حيث أجمع هؤلاء على ضرورة الاعتراف بأن الأسرة الجزائرية تعيش حالة إن كان للفقر مستويات فيها نقول أنها دون الفقر، ما جعلها تحتم عليها الدفع بأبنائها لترك المدارس والالتحاق بسوق العمل رغم سنهم القاصر، وهو ما لاحظناه ببعض أسواق العاصمة نعطي مثالا على ذلك سوق "الحطاطبة"، "خميس الخشنة" و"بوفاريك"، عمالة الأطفال منتشرة بقوة وبطريقة يصعب تخيلها، نضرا للحالة المزرية التي يعيشها أطفالنا، فعمالة الأطفال بهذه الأسواق منتشرة بكثرة فيما يعرف بالحمالين.
الظاهرة تنتشر في القطاع الخاص
وبخصوص القطاعات التي انتشرت فيها الظاهرة، فهي قطاعات معروفة لدى الخاص والعام بتشغيل القصر بها، لو توجهت مفتشية العمل لتلك الأماكن لما توصلت للنسبة الضئيلة التي ذكرناها سابقا، فاستغلال هذه الفئة من الأطفال بهذه القطاعات فاق الحدود، ونقصد بهذا القطاع الخاص دون العام لأن هذا الأخير تضبطه ضوابط وأطر قانونية محدودة، فالقطاع الخاص هناك مجالات للاستغلال دون أخرى نذكر منها الأشغال العمومية، خصوصا بمجال الحفر والحمالة، قطاع الخدمات ونخص هنا المواصلات، الفلاحة، فعمالة الأطفال حسب المتعاملين الاجتماعيين موجودة بكثرة، وهي أحد أوجه العبودية والاستغلال لأطفالنا.
مشروع قانون العمل الجديد يشدد العقوبات لعمالة الطفل
رغم النسبة الضئيلة التي أعلنت عنها وزارة التشغيل ممثلة في أمينها العام، إلا أن الدولة سارعت للتقليص من هذه النسبة وأعلنت مشروع قانون العمل الجديد يحتوي على أحكام تتضمن تشديد العقوبات في مجال عمالة الأطفال، حيث أشار "محمد خياط" أن التشريع الجزائري المعمول به حاليا ينص على جملة من النصوص تنطوي على تدابير حماية، تستهدف حماية الطفل القاصر الذي يبلغ سنه أقل من18 سنة، كما ستضع وزارة العمل قائمة بالمهن الخطيرة المضرة بصحة الطفل، في وقت فاقت نسبة العمال غير المصرح بهم ال14 بالمائة السنة الماضية، وأشار نفس المتحدث إلى أن مصالح مفتشية العمل أجرت سنة2008 تحقيقا أكدت النسبة الضعيفة لعمالة الأطفال على اعتبار أنه تم تسجيل على مستوى4820 مؤسسة مراقبة توظيف38650 عامل من بينهم68 طفلا تقل أعمارهم عن16 سنة أي بنسبة0,17 بالمائة.
كما أوضح الأمين العام أن مشروع قانون الجديد، الذي هو في طور الإعداد يحتوي على أحكام جديدة تتضمن تشديد العقوبات في مجال عمالة الأطفال مقارنة مع العقوبات المعمول بها حاليا، خاصة إذا كان القاصر يزاول أعمالا شاقة جدا، ومن مجمل التدابير الجديدة أوجد مشروع القانون الجديد مجموعة من المواد والقواعد ذات صلة بالطفل، حيث تنص هذه المواد على أنه لا ينبغي أن يقل العمر الأدنى للتوظيف عن16 سنة، إلا في الحالات التي تدخل في إطار عقود التمهين، كما لا يجوز توظيف القاصر البالغ من العمر بين16و17 سنة كاملة حسب هذا التشريع المعمول به، إلا بناء على رخصة من وصيه الشرعي، حيث لا يجوز استخدام العامل القاصر في الأشغال الخطيرة أو التي تنعدم فيها النظافة أو تضر صحته أو تمس بأخلاقه، كما يتضمن مشروع القانون الجديد أحكاما تقضي بحصر قائمة بعض المهن الخطيرة المضرة بصحة الطفل، أما على مستوى التزامات الجزائر الدولية فلقد عبرت بلادنا من خلال مصادقتها لاسيما على الاتفاقية الدولية رقم182، حول أسوأ أشكال عمالة الأطفال والاتفاقية الدولية رقم 138 حول السن القانوني في العمل، وهذا تعبيرا عن إرادتها الراسخة في الانخراط في الالتزامات الدولية بخصوص هذا الموضوع.
مساعي وجهود للحد من الظاهرة
ومن مجمل السياسات التي قامت بها الدولة مؤخرا للحد من عمالة الأطفال، حيث اعتمدت على وسائل إقناع المستخدمين بعدم تشغيل الأطفال، فالدولة لم تعتمد على النصوص القانونية الملزمة فحسب، ولا على مبدأ منح المساعدات المادية للعائلات، بل وضعت أجهزة نخص بالذكر الجهاز الوطني للوقاية ومكافحة عمالة الأطفال، الذي وضع سنة 2003، مع تنظيم 422 ملتقى تركز على الوقاية من هذه الظاهرة وترقية حقوق الطفل، أيضا تنظيم 503 تجمع لفائدة 380 ألف طفل ومتمهن، لاسيما البرامج الوقائية والتربوية لعمالة الأطفال، كما قامت الدولة ب 15830 زيارة مراقبة من قبل مصالح مفتشية العمل للسهر على احترام السن القانوني للعمل.
تحقيق: مختار نجاعي/ سالي إبراهيمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.