"تيمشراط" تعود بقوة إلى منطقة القبائل وتساهم في تقارب العائلات على عكس عيد الفطر، يدوم الاحتفال بعيد الأضحى يومين إلى ثلاثة أيام تستمتع فيهما العائلة الجزائرية بأضحية العيد، فبالإضافة إلى فرحة النحر وتطبيق سنة سيدنا إبراهيم التي لا يمكن للجزائري أن يفرط فيها ولو على حساب أيام عجاف سيقضيها لاحقا، تشتهر النساء الجزائريات بتحضير أطباق ترتبط رباطا وثيقا بهذه المناسبة وهي تختلف من منطقة لأخرى بالإضافة إلى ممارسة عادات وتقاليد وطقوس تميز هذه المناسبة الدينية التي ورغم اندثارها، إلا أن فئة كبيرة من الجزائريين لا تزال تصر على المحافظة عليها وترسيخها كونها من التراث الجزائري. "البلاد" رصدت لنا أجواء اليوم الثاني لعيد الأضحى وكيف يقضيه الجزائري في رحلة نكتشف فيها عادات وتقاليد مناطق مختلفة من الجزائر. اجتماع عائلي على مائدة المشوي رفقة ضيوف من نوع خاص.. كمعظم العائلات الجزائرية بعد صلاة العيد يجتمع سي محمد وابنيه لنحر الذبح، لتتسابق التوأم إيمان وشهيناز اللتين لا يتجاوز سنهما 15 إلى مساعدة أمهما في "تشواط البوزلوف" حيث تنشغل الأم بتنظيف الدوارة لتحضير طبق العصبان المشهور بالعاصمة والشرق الجزائري والذي هو عبارة عن أحشاء الكبش تخاط على شكل أكياس تملأ بخليط من الروز والأحشاء مقطعة، الحمص والأعشاب المعطرة "قسبر ونعناع" ليعطي رائحة عند طبخه لا يمكن لأي جزائري مقاومتها. يقول السي محمد إن من أجمل المناسبات الدينية هي عيد الأضحى خاصة أنه يستمر يومين يتمكن من خلالهما الاستمتاع مع العائلة حيث يجتمع "سي محمد" بإخوته وعائلاتهم صبيحة "اليوم الثاني من العيد" على مائدة الشواء الذي لا يغيب عن بيت كل جزائري تقول زوجة سي محمد أن اجتماع العائلة عادة لا يمكن التفريط فيها "نتمكن من خلالها تبديد الكآبة" وتعميم "السعادة خاصة وأن معظم أفراد العائلة يتواجد خارج الوطن" فيكون عيد الأضحى" مناسبة لإلتقائنا من أجل إحياء سنة سيدنا إبراهيم"، فبعد الاستمتاع بطبق المشوي ورائحته التي تسيل لعاب المارين أمام البيوت العاصمية تتوجه العائلة إلى المقبرة لزيارة من يسكنها من الأموات للترحم عليهم وتذكرهم في هذه المناسبة. أجمل ما يميز هذه العائلة في عيد الأضحى أنها تحضر بعض كبار السن من "دور العجزة" لقضاء العيد بينهم يمسحون دمعهم وينسوهم جراحهم. يقول "سي امحمد" "حتى أنا أصبحت لا أتصور العيد من دونهم فهم ضيوف من نوع خاص تنزل بحضورهم البركة والسعادة أتذكر من خلالهم والديا رحمهما الله واستشعرهما بجانبي وأتمنى لو تقوم العائلات الجزائرية بهذا السلوك يمكنوهم من قضاء عيد دافئ في كنف عائلة حقيقية تنسيهم برودة المراكز.. الشريعة وجهة الشباب ثاني أيام العيد فيما تنشغل النسوة بتبادل الزيارات يفضل شباب البليدة قضاء اليوم الثاني من عيد الأضحى في أعالي جبال الشريعة حيث يستمتعون برحلة جميلة يميزها طبق الشواء على الجمر ف "عبد العالي" هو أحد الشباب القاطنين بديار البحري بالبليدة الذي لا يمكنه أن يفوت الصعود إلى جبل الشريعة رفقة الأصدقاء حيث يستمتعون بتناول الشواء فتزيد ألسنة النار الممتدة ورائحة الفحم الجلسة جمالا وتميزا فينطلق عبد العالي ليجتمع مع أصدقائه في حدود العاشرة صباحا حيث يبدأون بإشعال االفحم وتقطيع اللحم وبعدها يبدأون بالشواء. يقول عبد العالي إنه لا توجد متعة تضاهي متعة قضاء يوم مع الأصدقاء والتمتع بالطبيعة خاصة أن معظم الشباب يقضى الأسبوع في العمل فيكون عيد الأضحى مناسبة لإحياء السنة وللقاء الأحباب والاستمتاع بالنسمات النقية لجبال الشريعة. وهو حال العديد من الشباب الذين يقطنون بالقرب من المناطق الطبيعية مثلما هو الحال بتيبازة حيث تفضل العديد من العائلات اللقاء خارج البيت لقضاء وقت جميل خاصة غابة سعيدية ببوهارون والتي أصبحت تستقطب العديد من طالبي الاستمتاع بعطلة العيد خاصة أن الفصل مناسب لمثل هذا النوع من الخرجات فيكون اليوم الأول لزيارة الأقارب والمقابر واليوم الثاني للاستمتاع بالطبيعة. الملفوف يتربع على موائد أهل الجنوب تأخذنا رائحة الملفوف إلى غرداية وتمنراست وأدرار حيث يتربع الطبق على مائدة أصحاب الجنوب، وهي عبارة عن قطع الكبد تلف في قطع الشحم الشفاف المحيط بالأمعاء وتوضع في قضبان الشواء وتوضع على الفحم لتدغدغ رائحتها معدة المنتظرين فيستعجلون الطاهي الذي يقوم بدوره بقلب القضبان تصبيرا لحاله قبل أن يستوي الملفوف اللذيذ. كما تتصدر المائدة التمنراستية ثاني أيام العيد "الملة" والتي هي عبارة عن خبز تقليدي يطهى تحت الرمال ويقطع بعدها في مرق اللحم أما طبق "لحم النار" الذي لا يمكن لسكان الجنوب الاستغناء عنه فهو عبارة عن قطع اللحم يرش عليها الملح والفلفل الأسود تلف في ورق مبلول وتوضع وسط الرماد ويستغرق نضجه حوالي أربع إلى خمس ساعات، تجتمع حوله العائلة مع أقرب الجيران لقضاء وقت ممتع"بحضور إبريق الشاي فتبدأ النسوة بإلقاء مدائح تثني فيها على رسول الله فرحين بإحياء سنة سيدنا إبراهيم. أما في آخر الليل فيقومون بإحياء "بهروز""ومعناها " لحم الرؤوس" وهو شخصية خيالية يزعم أنها تأتي من وراء البلاد من أجل أكل لحم أضحياتهم، فيتعشون تلك الليلة برأس وأطراف الأضحية وبعد الفراغ من العشاء يخرج الكبار حاملين المزامير والطبول ويليهم الصغار وراءهم يحملون العظام ويرددون "لالي لالي بهروز * يا واكل لحم الريوس" ويقوم كل واحد منهم برمي عظمته ويهرب حتى يلتقطها "بهروز" ولا يطمع في أضحياتهم، ولا تزال هذه العادة تمارس في جنوبالجزائر خاصة تمنراست وأدرار فيستمتع بها الكبار والصغار وتكون مظهرا يميز عيد الأضحى بهذه المنطقة الثرية بالعادات والتقاليد. "تيمشراط" تعود بقوة إلى منطقة القبائل وتساهم في تقارب العائلات يعود التقليد الأمازيغي "تيمشراط" إلى منطقة القبائل بعدما غاب لسنوات عديدة، وهو تقليد تضامني من أجل إدخال الفرحة على العائلات التي لا يسمح لها دخلها بالحصول على أضحية. ويقوم عرف "تيمشراط" على جمع الأموال من سكان القرى والبلديات ليتم شراء بها أضاح، فيما يتم نحرها يوم العيد وتوزيعها على مستحقيها ويتم تناول الطعام في مجالس عامرة تعيد إحياء حميمية أيام زمان، فيزين المشوي والبوزلوف والبكبوكة والكسكس بمرق اللحم موائد الأمازغيين، لتزداد أواصر الحب والترابط ليشرع أهل المنطقة في اليوم الثاني من أيام عيد الأضحى في خلق جو رائع يعبر عن الفرحة، حيث تقام عديد الأنشطة الثقافية والفنية والتجارية التي لا تخلو بطبيعة الحال من مشاركة الفرق الفلكلورية التي تتميز بها منطقة القبائل وتتجمع الجماهير لتستمتع بمعزوفات آلة البندير، كما يقوم الحرفيون بعرض منتوجاتهم من أوان وزرابي، لتزيد المناسبة جمالا وفرحا ارتداء النساء لأبهى الحلل التقليدية والتزيين بمجوهرات الفضة فترسم لوحة تزينها الألوان المختلفة للألبسة التقليدية التي تشتهر بها منطقة القبائل، ورغم التحولات التي طرأت على المجتمع الجزائري إلا أن سكان منطقة القبائل يحرصون على إحياء هذه العادات وتوريثها للجيل الجديد من الشباب خوفا من اندثارها لكونها تمثل جزءا كبيرا من تاريخ المنطقة. العروس تنفرد "بالجيڤو" وهدايا العيد.. رغم الغلاء الفاحش الذي أصبح يستنزف جيب الشباب المقبلين على الزواج إلا أن العديد من العائلات الجزائرية تأبى أن تتخلى عن هذه العرف "المهيبة"، فهذه الأخيرة هي عبارة عن هدية يهبها الخطيب لخطيبته في المناسبات الدينية كالعيد والمولد النبوي الشريف وعاشوراء وغيرها، تكون مناسبة لتقارب العائلتين من بعضهما من خلال زيارة أهل العريس لأهل العروس وعيد الأضحى هو من إحدى المناسبات التي لا يمكن أن تفوتها العائلة لإحياء هذا العرف ويكون للعروسة نصيب من أضحية العيد تتمثل في الفخذ "الجيڤو"، بالإضافة إلى بعض الهدايا تكون حسب قدرة العريس، فهناك من يقدم الذهب والجواهر بينما يفضل البعض الآخر شراء ملابس وقارورات من العطر ليساهم بها في جهاز العروس، فتفضل العديد من الحموات جمع بناتها المتزوجات ثاني أيام العيد لزيارة العروس لتستمتعن بتجاذب أطراف الحديث وتكون مناسبة تتأكد فيها الحماة من قيام العروس بتنظيف الدوارة والبوزلوف من خلال مراقبتها لأظافر العروس وأسئلة فجائية معروفة لدى الحموات لتطمئن على مصير ابنها مستقبلا.. العادات الجزائرية تسافر بلا تأشيرة.. تعدت هذه العادات والتقاليد حدود الجزائر، حيث لا يمكن للمهاجرين أن يفوتوا فرصة الاستمتاع بهذه المناسبة يسترجعون من خلالها عبق الذكريات والحنين إلى الوطن يأبى العديد منهم إلا أن تكون حاضرة في مثل هذه المناسبات. "سهيلة" مهاجرة جزائرية تعيش ببريطانيا تزوجت من مغربي تحكي ل"البلاد" "منذ عشر سنوات وأنا أعيش ببريطانيا لم يمر علينا عيد واحد بدون أضحية والجميل أن زوجي من المغرب فلا اختلاف بيننا في العادات والتقاليد فالعصبان والبكبوكة والكسكس والرشته لا يمكنها أن تغيب عن مائدتنا في عيد الأضحى ورغم منع السلطات أخذ هذا النوع من اللحوم بعد الذبح في المذابح القانونية، إلا أننا نتحصل عليها بطرقنا الخاصة لأنها شباح العيد فنسافر من خلالها بدون تأشيرة إلى وطننا الذي نشتاق إلى قضاء ولو ساعة فيه بمناسبة عيد الأضحى، كما أننا نضع لأضحيتنا الحناء مما يجعل البريطانيين يستغربون هذه العادة ويجعلهم يضحكون عند رؤية رأس الأضحية مخضبا بالحناء. كما أصبح أولادي يحبون وضعها في أيديهم ويعشقون رائحتها. ونقوم بالتصدق بلحم الأضحية إلى الفقراء المسلمين أو الجمعيات الخيرية التي تقوم هي الأخرى بتنظيم أسبوع تحضر فيه طاولات غداء وعشاء لعابري السبيل والمساكين. أما عن اليوم الثاني من العيد، تقول "سهيلة" "نقضيه في زيارة الأصدقاء أين نجتمع كل مرة في بيت إحدى العائلات الصديقة تأخذ كل عائلة ما حضرت من حلويات وأطباق تقليدية كما ندعو في بعض الأحيان بعض المهاجرين الذين لم يسووا بعد وضعيتهم القانونية لننسى قليلا مرارة الغربة والبعد عن الوطن".