كما يكشف بولحية جوانب من أسرار العلاقة التي جمعته مع الشيخ عبد الله جاب الله مؤسس حركتي النهضة والإصلاح، والرهانات المفتوحة أمام مختلف التيارات الإسلامية. تحولتم فجأة من مناهضة جاب الله إلى دعمه في الحزب الجديد، فما خلفيات هذا التحول المفاجئ؟ بداية لابد من توضيح اللبس الذي يوحي إليه السؤال، وهو أن علاقتنا مع الشيخ جاب الله لم تنقطع في يوم من الأيام، وما حدث أنه كانت لنا تحفظات على أمور تنظيمية تخص تسيير شؤون حركة الإصلاح الوطني، لكننا أبقينا على عدد من قنوات التواصل مفتوحة، حيث تكفل عدد من الإخوة المشهود لهم بالإخلاص والمستوى العلمي، بنقل عدد من الرؤى والتصورات ووجهات النظر بيننا، الأمر الذي سهل من عملية عقد لقاءات ثنائية في عز أزمة الحركة، حيث كانت البداية في البقاع المقدسة وفي العاصمة السورية دمشق، هنا أود أن أشير إلى الوساطات التي قام بها عدد من الدعاة من المشرق العربي وخصوصا السعودية من أجل النصح بلم الشمل والإبقاء على وحدة الصف، وهي الدعوة التي أتت أكلها ولقيت أصداء طيبة لدى الطرفين فكان من اليسير أن نتجاوز الخلافات القائمة لأن الهدف الأسمى هو خدمة مشروع المجتمع الذي يبقى الغاية الأسمى من تأسيس هذا النوع من الحركات السياسية.
وهل لمستم تغيرا في قناعات وتصرفات الشيخ جاب الله؟ من خلال اللقاءات التي اجتمعت فيها إلى جاب الله كان واضحا أن الأزمات التي ألمت بالشيخ تركت بصماتها واضحة على مستوى بنية الخطاب السياسي، فكان من الجلي أن جاب الله اقتنع أن عملية لم الشمل هي أكثر من ضرورة، خاصة في ظل الحالة المزرية التي آلت إليها مختلف فصائل التيار الإسلامي، وأيضا المحيط السياسي عرف الكثير من الحراك على أكثر من صعيد وجبهة، فلم يكن حينئذ من العسير أن نلتف حول قضية مصيرية واحدة وهي لم الشمل، فباشرنا العمل الميداني على مستوى القواعد ولم نتفاجأ بوجود تأييد كبير من القواعد النضالية وتطور الأمر بسرعة إلى حد إنضاج مقترح اللجوء إلى حزب جديد بعيدا عن الاصطدام بتعنت بعض الأفراد القيادة الحالية من حركة الإصلاح. بماذا تفسرون تمسك قيادة الإصلاح الحالية لخيار الابتعاد عن جاب الله؟ أولا وبكل وضوح، هناك عناصر من حركتي الإصلاح والنهضة تتخوف على مكاسبها الشخصية ومواقعها التي وصلت إليها في ظروف معروفة لدى الجميع، وبالتالي فإن عملية لم الشمل لن تكون في صالحها على الصعيد الاستراتيجي، وهذه العناصر تقف وراء عمليات الإجهاض المتكررة التي طالت مساعي لم الشمل عبر مختلف مراحلها. إلى غاية اليوم تتمسكون بصفة رئيس حركة الإصلاح رغم استقالتكم الرسمية منها؟ ربما هذه فرصة سانحة لتوضيح التضليل والمغالطات التي حاولت بعض الجهات إلصاقها لهذه القضية خدمة لمآرب مشبوهة، وما حدث أنني ومن موقعي كرئيس حزب سياسي آثرت أن أؤسس لتقليد مفقود في الحياة السياسية، وهي الانسحاب وتحمل تبعات النتائج التي تفرزها مختلف المواعيد والاستحقاقات الانتخابية، فكان من الطبيعي أن أتخذ قرار الاستقالة، الذي تجسد في ورقة أرسلت بها إلى رئيس مجلس الشورى آنذاك الأخ جمال صوالح، الذي استدعي المجلس للانعقاد وقرر المجتمعون رفض الاستقالة، وبالتالي كان عليا أن ألتزم بقرار مؤسسة مجلس الشورى، ومن حينها كان هدفي الوحيد هو تجاوز المحنة الراهنة وتوحيد الصف على كلمة واحدة والابتعاد عن كل ما يمكنه أن يزرع الفتنة، وينبذ الشقاق. رغم ما تدعونه، جرتكم الخلافات مع إخوانكم في الإصلاح إلى مساحات المحاكم؟ هناك في الحقيقة ثلاث قضايا الأولى رفعت ضد الشيخ جاب الله والثانية ضدي شخصيا والثالثة استهدفت رئيس مجلس الشورى جمال صوالح، وكلها كانت نتيجتها إما الرفض أو الحفاظ مما يعني بطلان هذه الدعوى من الأساس، وعملية فأنا متمسك برئاستي لحركة الإصلاح. تعكس الأزمات المتوالية التي ألمت بحركتي التي ألمت بحركتي النهضة والإصلاح عمق الاختلالات التي يعاني منها التيار الإسلامي في الجزائر ما هي نظرتكم لهذا المعطى؟ بدون أدنى شك فالتيار الإسلامي يعاني على أكثر من صعيد سواء على مستوى فهم الواقع، وضبط قراءة صحيحة له، وبناء تصورات تستطيع احتواء مختلف الرهانات القائمة، بيد أن ما حدث كان في الاتجاه المعاكس، وأنا مقتنع أن حالة هذا التيار تستدعي أن يقف أبناؤه في لحظة صدق مع الذات وفتح باب النقد الذاتي والمراجعات الفكرية الشاملة المبنية على بصيرة وتبصر، ولكن لن تكون المهمة صعبة إذا صدقت النيات وخلصت الإرادات. ألا ترون أن حظوظك كتيار قد تقلصت ونحن على أبواب مواعيد انتخابية مصيرية؟ هناك حقيقة لا نملك أن نقفز عليها أو نتجاوزها أو نتناساها وهي أن الوعاء الانتخابي للإسلاميين تقلص كنتيجة طبيعية لكثرة الكيانات السياسية التي تعمل تحت مظلة هذا التيار فأنا مع الطرح القائل بضرورة العمل في تكتلات كبرى، وعلينا في هذا الإطار أن نثمن بحركة القوائم الانتخابية الموحدة بين أبناء حركتي الإصلاح الوطني والنهضة عبر المواعيد المنصرمة والتي كللت في أغلبها بتحقيق نتائج باهرة، وأرجو أن يتم استثمار هذا الأمر مستقبلا. شغلت الساحة السياسية ملف الإصلاحات التي دعا إليها رئيس الجمهورية، أين تقفون من هذه المسألة؟ الإصلاح والتغيير ضرورة قصوى، ولكننا نستغرب أن يسند الأمر إلى شخصية متحزبة، وتقف على رأس هيئة غير منتخبة وهذا كفيل بالطعن في مصداقية العمل الذي يقوم به، ونحن نحبذ أن يتم إسناد الأمر إلى شخصيات تتمتع بإجماع سياسي، ولا علاقة بأي تيار سياسي وهذا مطلب من اليسير تحقيقه لكثرة هذا النوع من الشخصيات. من خلال منصبكم كقيادي في التيار الإسلامي، ماذا سيكون موقعكم لو فازت لويزة حنون ذات القناعات التروتسكية منصب رئيس الجمهورية في حالة ترشحها؟ لن نتصادم معها، وسنذعن للأمر الواقع، وعلينا حينها أن نلوم أنفسنا لأننا فشلنا في إقناع المواطنين بطروحاتنا وبمشروعنا السياسي. حاوره: وداد الحاج