رئيس الجمهورية.. إرادة فلاذية ورؤية استشرافية    تحويل نحو 450 ألف هكتار إلى ديوان تنمية الزراعة الصناعية    زيارات الرئيس إلى الولايات.. تسريع وتيرة التنمية    لا بديل عن إحصاء وتدعيم مربي سلالة الدغمة لإعادة تفعيلها    رئاسيات 7 سبتمبر: حركة النهضة تدعم ترشيح السيد عبد العالي حساني الشريف    الجزائر.. دور نشط على مستوى البنك الإفريقي للتنمية    الاحتلال يُكثّف إطلاق نيرانه على وسط قطاع غزة    الفنان الصحراوي في قلب معركة تقرير المصير    البطولة الوطنية للصم للشطرنج فردي بتيسمسيلت : تتويج كيزرة عطيفة وكلباز محمد    البويرة.. تحضير نفسي للمترشحين للبكالوريا    التأتأة عند الأطفال.. الدّاء والدّواء    خلال 48 ساعة الأخيرة..وفاة 06 أشخاص وإصابة 474 آخرين بجروح في حوادث مرور    قسنطينة تستعيد ذكرى الشّيخ البشير الإبراهيمي    السياسة وصناعة الثقافة.. لعبة المتن والهامش    معسكر.. عروض مسرحية للطّفل طيلة جوان    نحو تسجيل "قصر لندن" في قائمة الجرد الإضافي    جنايات العاصمة : 5 سنوات حبسا نافذا لعصابة تسرق مستعملي الطريق الوطني بحمادي و رويبة    غيابات بارزة في تصفيات مونديال 2026.."الخضر" يلتحقون بمركز سيدي موسى    محرز يرد بشأن غيابه عن المنتخب الوطني: " لست المذنب"    طريد بيتكوفيتش.. غيتان من المنتخب الوطني إلى الدوري الإسباني    تحت شعار "السد الأخضر إصلاح للأرض وحماية للبيئة وضمان للأمن الغذائي" : برنامج وطني ثري ومتنوع بمناسبة اليوم العالمي للبيئة    الدبلوماسية الجزائرية استعادت تحت قيادة رئيس الجمهورية فعاليتها ومكانتها التاريخية    الاحتلال الصهيوني يقتل الأسرى بشكل ممنهج    الإستثمار الفلاحي: ملتقى النعامة يرسي أسس سياسة تنموية جديدة تعتمد على الإنصاف بين كل مناطق الوطن    سفير دولة فلسطين يبرز المأساة التي يعانيها أطفال فلسطين الذين تستهدفهم الآلة العسكرية الصهيونية    وهران: إفتتاح الصالون المحلي للإبتكار لقطاع التكوين والتعليم المهنيين    التشريعات وأثرها في ترقية دور الشباب" محور يوم دراسي بالجزائر العاصمة    دعوة إلى تعزيز البحث العلمي و التحفيز على الابتكار    ولايات الغرب تعيش على وقع المهرجان الثقافي "القراءة في احتفال"    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 36 ألفا و379 شهيدا    دراجات/دورة الكاميرون-2024/المرحلة الأولى: الجزائري أسامة ميموني في المرتبة الثالثة    بعث مسار التسوية السياسية ورفع العقوبات عن سوريا    هذا جديد تسجيل التلاميذ في الأولى ابتدائي    مؤشرات إيجابية لتحسين مستوى معيشة المواطن    مكاسب القطاع في عهد الرئيس تبون سابقة في الدول العربية    اتفاقية بين "هولسيم الجزائر" و"SLB" لخفض الانبعاثات الكربونية    414 ألف مشروع مؤسسة ناشئة لدى وكالة "أناد"    نجم بن عكنون يحيي آماله في البقاء    الإدارة تكشف عن مستجدات الإقصاء من كأس "الكاف"    ثلاثة أندية سعودية تتنافس لضمّ آدم وناس    صدور قرار يحدد الاعتمادات التي تمنحها وزارة الثقافة للمهرجانات    أرضية رقمية للتكفل بحجّاج الجزائر    248 حاجاً يغادرون بشار    الإطاحة بعصابة أنشأت وكرا للدعارة    حجز كمية من الكوكايين بالوطاية    قرارات صارمة لإنهاء تهيئة 231 مدرسة    أنا بدويّ وأكتب عن البداوة    تتويج مستحق ل "البطحة" و"حداش حداش"    الوقاية من جرائم التزوير محور يوم دراسي    59 عائلة بالشحيمة تستفيد من الكهرباء الريفية    افتتاح الطبعة الثانية من الصالون الدولي للصحة والسياحة العلاجية والطبية بالجزائر    بشار: مغادرة أول فوج من الحجاج نحو البقاع المقدسة    حج 2024 ..تخصيص 8أطنان من الأدوية للرعاية الصحية بالبقاع المقدسة    فضل الأضحية وثوابها العظيم    هذا حُكم الاستدانة لشراء الأضحية    جبر الخواطر.. خلق الكرماء    ليشهدوا منافع لهم    رسالة إلى الحجّاج..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علم السرد التجريبي
مرايا عاكسة
نشر في الجمهورية يوم 23 - 04 - 2018

تحوَل جيرار جينيت، كما تودوروف وأمبرتو إيكو وغيرهم من علماء السرد، في السنين الأخيرة، إلى العناية بمجالات أخرى، مبتعدين تدريجيا عن الصرامة المنهجية التي عرفوا بها في بعض بحوثهم المؤسسة. وإذا كان "خطاب الحكاية" هالة أكاديمية شبيهة بفن الشعر لأرسطو، من حيث القيمة والدقة، فإنّ خطاب الحكاية، رغم قيمته الكبيرة، بدأ يخفت في المقاربات السردية الغربية الجدية، ليس بسبب جانبه العلمي، إنما بفعل التحوّلات التي تشهدها المعرفة وكيفيات معالجتها.
ويمكننا استنباط هذا المتغير من كتاب إيكو الموسوم "آليات الكتابة السردية، هوامش على اسم الوردة"، إضافة إلى مؤلفه الشهير "غابة السرد"، الذي يعدّ نوعا من التراجع عن آلية الوصف، والنزوع نحو إقامة وزن للتأويل والسياق والمؤلف والبيئة، كما كان كتاب آليات الكتابة السردية بحثا في الموروث والعلامة والمعجم والثقافة والدلالة، وبطريقة مغايرة للطريقة التي اتبعت في"البنية الغائبة".
وقبل ذلك شهدت اهتمامات علماء السرد عدولا بتوجهها نحو التاريخ والفلسفة وسيميائية الثقافة. نتذكر مثلا جهود الباحث يوري لوثمان. أكان ذلك إيذانا بوصول المنهج إلى أفق مسدود؟ ربما كان للأمر علاقة بمعيارية الدراسات التي غدت متقاربة بسبب انسداد أفق الأدوات ووقوعها في بعض التكرار المتوقع، مع انمحاء التمايز. إلاّ أنّ هناك عنصرا آخر سيقود إلى مساءلة علم السرد والمناهج البنيوية قاطبة: مسألة المعنى، كما يظهر بجلاء في كتاب "الأدب في خطر "لتزفيتان تودوروف، بصرف النظر عن الانتقادات التي وجهت له.
الأدب في خطر هو مراجعة للخيار السابق الذي أنتج بعض الدراسات التي أدت إلى ظهور المنهج الجينيتي وغيره، كما أنّ علم السرد الجديد، في إرهاصاته الحالية، هو إقرار ضمني بنوع من الانكفاء الذي وجب تجاوزه بترقية آليات المقاربة السبعينية. وإذا كان المنظور الجديد في طور التأسيس، بالنظر إلى حداثته ( 1997 مع دافيد هرمان وعناصر علم السرد الجديد، وآفاق التحليل السردي الجديد في 1999، وتاريخ نظرية السرد، من البنيوية إلى اليوم لمونيكا فلودرنيك في 2005)، فإنه يعتبر الدراسات السابقة حلقة من حلقاته ومكونا ضروريا لمجموع الاجتهادات الحالية، وهي تدخل في باب النمو الحلزوني للمقاربات التي تنبني على االحلقية.يطرح المنظور الجديد، بعد سنين من البحوث والمعاينات والاجتهادات والتطبيقات، السؤال ذاته الذي طرحه السابقون: ما المحكي؟
بيد أنه مختلف على عدة أصعدة، سواء في نظرته الشمولية أو في انشغالاته، مقارنة بالتجربة المنحسرة التي ميزت الرواد، أولئك الذين كانت لهم منطلقات وتصورات أخرى، ومن منطلقات التصور البديل :
اعتبار علم السرد الجديد كلّ مقاربة تهتم بدراسة الخطاب السردي، وليس فقط ما ينضوي تحت نظرية الأدب البنيوية.
توسيع حقل الدراسات لتشمل التاريخ والسينما والحديث والصورة والموسيقى والحقوق والاقتصاد السياسي والطب ، وكل ما يمكن أن ينتظم سرديا، سواء كان أدبيا أم غير أدبي، كتابيا أم شفهيا، ( التوجه ذاته نلحظه في الدرس السيميائي الجديد وتحولاته ). ما يعني أننا قد نصل لاحقا إلى بلورة علم سرد يشمل عدة مجموعات تحتية: علم سرد الأعراق، علم السرد النفسي، علم السرد الاجتماعي، علم السرد الإعلامي، علم السرد الديني، الخرافي، الأسطوري، إلخ.
استعمال وسائل متنوعة في المقاربات، ليس اللسانيات البنيوية وحدها، بل لسانيات التواصل، علم الاجتماع اللساني، علم النفس اللساني، وكل الوسائل التي توفرها العلوم المعرفية والنصية.
تبنيّ التوجهات المختلفة: الحوارية، البلاغة، المنطق، الفلسفة، الشكلانية، الظواهراتية، الأرسطية، مباحث الاستعارة، علم الأخلاق، الانطباعات المعرفية، الآراء السياسية، التاريخ، الأنسية.
وأمّا الأسئلة المؤسسة فلا تركز على الكيفية وحدها، أو على شكل الإنتاج والعلاقات السببية، وغير السببية، بل على مجموعة من العناصر التي تدخل في الكيفية واللمية معا: قابلية المحكي للحكي، التداخلات المعرفية، وظيفة الحكاية ( وليس فقط كيفية اشتغالها سرديا )، معنى المحكي ( وليس فقط كيفية تمفصل المعنى)، حركية المحكي كعملية إنتاجية ( وليس المحكي كنتاج مستقل عن السببية )، علاقة السياق بالمحكي وتأثيراته، أهمية الأدوات التعبيرية، العلاقة بين المحور الأفقي والمحور العمودي...إلخ.
ما يدل على نوع من التوفيقية التي ستكون أكثر ليونة مع المناهج، على شاكلة الخيار الذي اتبعته التداولية باستفادتها من حقول متباينة، ومن ثمّ تخليها عن الصرامة المنهجية التي سلكتها اللسانيات البنيوية. وإذا كنا لسنا متيقنين من النتيجة التي ستصل إليها هذه المشاريع التي تبدو لنا قلقة، فإنّ الرؤية الجديدة تقرَ بصعوبة المهمة، ومنها كيفية التعامل مع التأويل.
يشير الطرح الجديد إلى مسألة التأويل في عدة سياقات، ويقرنه بضرورة توفير مكان للمتلقي، أي أنه يريد أن يفرد للقارئ مجالا أوسع، أكثر حرية من الضوابط التي فرضها علم السرد السبعيني وأتباعه لفترة تجاوزت ثلاثة عقود، وذلك بطرح أسئلة تمّ إبعادها سابقا.
ويفهم من وراء هذا التفكير إعادة إدماج فئة واسعة من القراء والاهتمامات التي فقدت مكانتها في المقاربات السابقة. بيد أنّ التحليل البديل يبدو مائعا ومترددا بالنظر إلى معضلة التأويل وحدوده. لذا لا نعثر على مقترحات فعلية ودقيقة من شأنها ضبط المعايير التي يقوم عليها الفعل التأويلي الذي تم التأكيد.
يذهب دافيد هرمان، والمهتمون بالمقاربة الجديدة، إلى اعتبار المتلقي جزءا من المشروع، ومن ثمّ ضرورة معرفة موقفه من الملامح السردية وأهميتها وتبايناتها، ما يؤدي بالضرورة إلى أمرين اثنين: التأويل والموقف، ونقصد بالموقف بعده المركب: الأسلوبي، البنائي، النحوي، الجمالي، الفني، لأنّ الحديث عن الأهمية يدخل في الموقف، مع ما للموقف من مرجعيات يتعذر ضبطها لعلاقتها بالذات ومتغيراتها.
وإذا كانت الآليات السردية مع جينيت تتكئ على الموضوعية، أو على علمنة السرد، فإنّ المقترح الجديد بصدد التنازل عن هذه النزعة لفائدة الانتشار، أو من أجل التوسع وإشراك مختلف المقاربات، على تباعدها وعدم اتساقها منهجيا ومصطلحيا.
كما يطرح هؤلاء السؤال الذي كان يجب طرحه من سنين: على أيّ أساس يعتمد القراء لاختيار هذا التأويل دون الآخر؟ الإجابة ليست متوفرة حاليا، على الأقل من الجانب الإجرائي. ومن ثمّ فرضية اللجوء إلى الأجوبة المؤسسة تجريبيا.
يبدو الأمر غاية في التعقيد، لأنّ التفكير في تأسيس مخابر خاصة باستنباط مستويات التأويل أمر لا يخلو من المفارقات، ثم إنه ليس من السهل تقنين المقاربات والتأويلات، وإذا حدث ذلك، على المستوى الفعلي، وليس على المستوى النظري، فإننا سنتجه حتما نحو شكلنة التأويل، على طريقة فلاديمير بروب في مورفولوجيا الحكاية الشعبية، أو علمنته، على طريقة السيميائيات مثلا.
وسيكون الفرق واضحا لاعتماد بروب على مدوَنة متناغمة ومحدودة، في حين أن التجريب يرتبط بالذوات المؤولة في عددها اللامتناهي، أي بالمرجعيات المتحولة التي يبني عليها القارئ في التعامل مع المادة السردية، خاصة في حالة النصوص الرمزية والسريالية، أو في حالة النصوص المفتوحة. وقد يواجه علم السرد الجديد في التجريب التأويلي مشكلة المقاصد المركبة، مقاصد المؤلف ومقاصد المؤول في الوقت ذاته، علما أنّ المؤول يخضع للمتغيرات، أكثر من خضوعه للمعيار الثابت.
مع ذلك فهناك مسعى للتأسيس لعلم سرد تجريبي مفاده: القدرة على إنتاج مرويات وتأويل النصوص كمرويات. لكننا لا ندري تحديدا إلى أيّ مدى سيتقاطع المشروع التأويلي مع المشاريع السابقة، إن كان سيضع إطارا عاما وقانونا صارما، ومن ثم تحوله إلى نظام علمي، أم سيكتفي باقتراح نماذج تقريبية لتحرير القراءة نهائيا. لكن المؤكد أنّ هناك تنازلا، وعودة إلى استغلال العناصر التي تخلت عنها البحوث السردية السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.