اليوم الوطني للطالب: أدوار جديدة ومؤشرات إيجابية للجامعة الجزائرية    دراجات /طواف الجزائر-2024: الجزائريون من أجل استعادة القميص الأصفر    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في غارة صهيونية شمال قطاع غزة    الأمم المتحدة تحيي ذكرى النكبة الفلسطينية للعام الثاني على التوالي    مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يعلن عن نفاد جميع مخزوناته الإغاثية في قطاع غزة    عرقاب يؤكد أن الجزائر تعمل بحزم على تعزيز مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء    لجنة التجارة و السياحة والصناعة بالاتحاد الإفريقي تتبنى مقترحات الجزائر بخصوص تعزيز التكامل الاقتصادي في إفريقيا    وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الصربي    رئيس الجمهورية يهنئ فريق مولودية الجزائر بمناسبة تتويجه بلقب الرابطة المحترفة الأولى    أوبرا الجزائر: افتتاح الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية    الرابطة الاولى "موبليس": مولودية الجزائر تتوج باللقب الثامن والصراع يتواصل من أجل البقاء    شرفي يؤكد على أهمية إشراك الشباب    مذكرة تعاون بين الجزائر والصين    بوغالي يقترح إنشاء لجنة برلمانية استشارية    المخزن يرتبك في الأمم المتحدة    القضية الفلسطينية بحاجة لأمّة قوية    الوزير بلمهدي مُنتظر ببومرداس اليوم    شركات آسيوية عملاقة تسعى للاستثمار في الجزائر    مصنع فْيَاتْ بوهران لم يُغلق    التحضير لإنشاء مناطق حرة بجيجل والطارف وتبسة    اختبار لوكلاء اللاعبين بالجزائر    رونالدو يتصدر قائمة أعلى الرياضيين أجراً    حملة للوقاية من الحرائق    قافلة تضامنية لفائدة المسنين    الخبز الأبيض خطر على صحة الإنسان    الزراعة المائية بالطاقة الشمسية كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    الخطوط الجوية الجزائرية: دعوة الحجاج إلى الإسراع بحجز تذاكرهم عبر الأنترنت    بعد عملية تهيئة: إعادة افتتاح قاعتي ما قبل التاريخ والضريح الملكي بمتحف سيرتا    مكونة من 19 شخصا بينهم 16 أجنبيا: تفكيك شبكة للتزوير وتهريب المركبات المستعملة بالوادي    الرئيس تبون يعول على استصلاح مستدام للأراضي بالجنوب    قدم عرضها الشرفي ببشطارزي عشية المنافسة: "زودها الدبلوماسي" تمثل الجزائر في مهرجان "ربيع روسيا الدولي"    زيارة سفير كوريا ووفد فيتنامي لوكالة الأنباء الجزائرية    تأخر كبير في ربط تيارت بالطرق المزدوجة    الكيان الصهيوني يستخف بتهمة الإبادة الجماعية    بونجاح "التاريخي" يتجه للّعب في السعودية الموسم المقبل    قرار فرنسي يسدي خدمة من ذهب للفريق الوطني    أوبرا الجزائر بوتقة للتميز الإبداعي    وناس يسخر من مسؤولي ليل ويبحث عن وجهة جديدة    الدفع بالتعاون الجزائري- القطري في مجال الابتكار    هذا جديد ملف تصنيع المركبات في الجزائر    عمداء الموسيقى العالمية يلتقون بالجزائر    توقيف سارقي عتاد محطات البث الهوائي    غريق بشاطئ مرسى بن مهيدي    سقوط ثلاثينيّ من علو 175 متر    حلقة أخرى في سلسلة "الثورات" الاقتصادية    "العدل الدولية" متمسّكة بتعزيز إجراءات حماية الفلسطينيّين    تسييج "بورتيس ماغنيس".. ضمانة الأمان    باحثون متخصّصون يشرعون في رقمنة التراث الثقافي    نظام تعاقدي للفصل في تسقيف الأسعار    بشار/أيام الموسيقى ورقص الديوان: حفل تقدير وعرفان تكريما لروح الفنانة الراحلة حسنة البشارية    الخطوط الجوية الجزائرية تدعو الحجاج الى الاسراع بحجز تذاكرهم عبر الانترنت    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة واللغو
نشر في الجمهورية يوم 23 - 08 - 2021

هذه المقالة ليست دفاعا عن العربية كلغة عالمية لها حضورها الدولي، لأن لهذه اللغة كلّ الإمكانات المعجمية والنحوية والصرفية والدلالية والبلاغية والبنائية والموسيقية للحديث عن نفسها دون عقدة، إنما إشارة إلى لغو وتدخل البعض في قضايا متخصصة تعني المعنيين بالشأن اللساني والمعجمي والاصطلاحي. ما يحصل حاليا من تجاذبات بين الفقراء إلى الزاد اللغوي ، يدعو إلى نبذ النقاش في مسائل ليسوا مؤهلين للحديث عنها بالنظر إلى قصورهم المعرفي الفادح بقضايا تستدعي دقة في التناول.
أن تنتقد لغة ما، مهما كانت، عليك أن تعرفها وتتمثلها، قبل تجاوزها و«تفجيرها" أو الاستغناء عنها، كما يدعي بعض المحسوبين على المثقفين والنخبة والجامعة والكتابة الشعرية والسردية والمسرحية. هناك مؤسسات بمقدورها الكشف عن قصورها العلمي والأدبي والتواصلي والبحثي، ومنها المجامع العربية واتحاد المجامع ومكتب تنسيق التعريب والأليكسو، إضافة إلى المخابر والمؤسسات والهيئات التي أنشئت في كثير من الأقطار العربية لهذا الغرض تحديدا، وهي تشتغل بمنهجية عارفة ومتقدمة لأنها بنت على تجربة وحلقية ومنهجية ومرجعيات، وعلى جرد للموروثات والمعاجم.
«الجهل المقدس" الذي يتمّ تسويقه في الأوساط المناوئة للعربية يجعل بعض المثقفين بعيدين عن الحقيقة اللسانية ،لأنهم يستثمرون في الأيديولوجيا ، وفي التفكير القبلي والسياسي الذي لا رابط يربطه بالبحث والأكاديميات، وبالتخصص الدقيق، كأن يتحدث جاهل أو متعالم في قضايا تخص الفيزياء النووية والكيمياء المتقدمة. لقد أشار المرحوم جيلالي اليابس إلى تداخل الصلاحيات في الجزائر، ولم يكن مخطئا في رؤيته التي نظرت إلى الواقع بعين الباحث المتفحص.
قال الكاتب والفيلسوف الألماني غوته قبل عقود: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في جسد واحد". لقد درس غوته الشعرية الإسلامية واطلع على القصائد والموروثات العربية والإسلامية دون تحيز، ودون أن تؤثر فيه المركزية الغربية التي دعت إلى محاكاتها، كما تأثر بعدة شعراء، ومنهم المتنبي وأبو تمام. لقد أخذ من المعلقات السبع التي لا نعرفها، وترجم عددا منها إلى الألمانية في 1783، كما قرأ للشاعر امرئ القيس وطرفة بن العبد وعنترة وزهير بن أبي سلمى.
أما ما يعترف به هذا الأديب العالمي، الذي دعا إلى فكرة العالمية، قبل التراجع منها لفائدة الخصوصية،فيكمن في تأثير الشعر والمفردات العربية على مجمل مؤلفاته التي أنجزها في ألمانيا، وفي إطار اهتماماته باللغة والآداب المشرقية أصدر في 1819 ديوانا شعريا يحمل عنوان" الديوان الشرقي الغربي" متأثرا بالشيرازي، وذلك لتقريب المسافة بين الحضارتين، كما قام بإدراج بعض ملامح قصائد المتنبي في كتابه الشهير: فاوست، الذي سيصبح من أهم الهالات الأدبية. الكاتب " غوته " ليس من القبيلة المنغلقة على قناعاتها، وليس عربيا لنتهمه بالانحياز إلى هذه اللغة التي لم نفهمها بشكل مقبول، ولا نرغب في فهمها لأنها أكبر منا معجميا وأدبيا وعلميا وفلسفيا ومنطقيا. السياسة والانتماءات الضيقة لا تفهم اللغة كما يفهمها الباحث المحايد، بل تحاربها في سياقات لمقاصد عينية خدمة لتموقعات غير لغوية، وعادة ما تصب في أجندة الجماعات الضاغطة التي تعمل على تمرير منظوراتها بقوة النفوذ، وبالتمثيل العنيف للأمة في المحافل الدولية، على حساب الحقائق اللسانية كما هي، وليس كما يراد لها أن تكون، خارج البحث والأكاديميات.
من أهم ما قرأته، بنوع من الدهشة، عن هذه اللغة المنبوذة محليا، ما كتبته المستشرقة البلغارية " مايا تسينوفا " بطريقة مذهلة: "بعد دراستي اللغة العربية اكتشفت أنه قد أصبح فيّ عقل". هذه العبارة بحاجة تماثيل في المؤسسات والإدارات، وفي أذهاننا نحن الكتاب والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين والشعراء، وأولئك الذين يصدرون عن التفكير الأحادي للتقليل من شأن لغة لا يعرفون منها جزء من الألف. المستشرقة " مايا تسينوفا "، بالنسبة للذين لا يعرفونها، ليست بعثية، وليست قومية أو أصولية، ولا تنتمي لأي تيار إسلامي أو متطرف، وليست من دمشق أو بغداد. إنها مجرد باحثة أكاديمية، مع ما لهذه الكلمة من قيم موضوعية تنبذ التحيز والمواقف الذاتية من اللسان.
يذكرني موقف هذه المستشرقة، والمواقف كثيرة جدا، بما قالته المترجمة الايطالية " يولندا غواردي " عندما استضفتها في الجاحظية لتقديم ندوة صحفية بحضور الطاهر وطار والإعلام الوطني، باللغتين المتداولتين في البلد: "اللغة العربية لغة عظيمة جدا". يولاندا غواردي تتقن خمس لغات،وترجمت كثيرا من الكتابات الجزائرية والعربية إلى الايطالية، كما فعل مواطنها" فرانسيسكو لوجيو " من جامعة ميلانو، وهو يتقن العربية والعامية بطلاقة، ويناقشك في الجزئيات النحوية واللفظية، وكما فعل الروسي "ديمتري ميكولسكي "من أكاديمية موسكو، والتركي" عمر أوغلو" من جامعة إسطنبول والسيد مارسيل بوا مترجم عبد الحميد بن هدوقة، أو الفرنسي " بونوا دولان" من جامعة ستاندال بمدينة غرونوبل، وهو مؤطر تعليمية اللغة العربية، أو باربارا إيرو من جامعة بافيا. لقد جمعتني بهؤلاء المترجمين وغيرهم، كعينات تمثيلية، لقاءات متكررة في الجزائر وفرنسا وإيطاليا وتركيا، وعرفت تقديرهم لهذه اللغة التي يتقون تفاصيلها بشكل مثير يجعلنا نغبطه على معرفتهم، كما عرفت انتقادهم لأهلها والمناوئين لها من السياسيين والمتحزبين كلغة علم وطب وفلسفة ومنطق ودين وحضارة وإشعاع ثقافي وفكري، استفادت منه البشرية قاطبة. لست بصدد الدفاع عن هذه اللغة لأني أحترم كل اللغات البشرية، دون استثناء، لكني لست مؤهلا للدفاع عن هذه اللغة من حيث إني لا أتقن منها سوى بعض ما كان علي أن أعرفه للكتابة والتدريس والبحث والترجمة، ولأني لا أحيط بها، بتفاصيلها وخباياها، فسأترك ذلك للعارفين والضالعين، دون أي تحيز أو تسويغ. نقد البعض في الجامعات والمؤسسات والوزارات ومختلف الهيئات لا يقدم شيئا للغة لأنه مؤدلج وغير مؤسس على معرفة، ومدمر للمعرفة واللسان. من لا يقرأ لا يحق له التقييم والتقويم، ومن لا يفهم عليه أن يحاول تمثل ما يقرأه بموضوعية، ومن يفهم ويستثمر اللغة أيديولوجيا عليه أن يحتفظ بمواقفه لنفسه بدل خدمة التموقعات. من منا يفهم قليلا جدا مما كتبه ابن سينا والخوارزمي والطبري والجاحظ والقرطاجني وإخوان الصفاء والزمخشري والمناطقة المسلمون، وكل تلك الحقول المصطلحية التي تتجاوز قدراتنا الإدراكية الحالية؟ ، الظاهر أن الأحكام الشفهية المتواترة هي التي تقيد مواقفنا من جهد كبير لم نطلع عليه، أو نرغب في تبديهه وسفسفته، أو في محوه لأنه كتب بلغة ننبذها سياسيا، وليس علميا أو أكاديميا.
كيف التحقت الجامعة بالغوغاء وغدت امتدادا لها في الشأن العلمي واللساني، وحتى في مجالات علمية مخصوصة؟، لقد غدا تنظيف هذه المؤسسة من التأثيرات الحزبية أمرا ضروريا لإنقاذ البحث من العصبيات التي تتحكم في مفاصلها من عقود، ومنها التنظيمات الطلابية التي تعد وجها من وجوهها السلبية التي تهدم أكثر مما تبني. إن حلول هذه الجماعات محل اللغويين واللسانيين والمعجميين والمصطلحيين والخبراء في الشأن، وانسحاب هؤلاء بقوة الظرف، أمر يكرّس الأيديولوجيات التي لا تمتلك مؤهلات علمية قادرة على ترقية الجدل العلمي لافتقارها إلى الزاد، إلى التخصص كمنقذ من التجاذبات السطحية التي تقفز على حقول تجهلها. لنترك القضية اللغوية للأكاديميين الحياديين، هؤلاء وحدهم المؤهلون لقول الحقيقة، وعلى الآخرين أن يتعلموا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.