وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الصربي    المجلس الأعلى للشباب يحتفي بالذكرى ال68 ليوم الطالب بالقطب الجامعي لسيدي عبد الله    عرقاب يؤكد أن الجزائر تعمل بحزم على تعزيز مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء    لجنة التجارة و السياحة والصناعة بالاتحاد الإفريقي تتبنى مقترحات الجزائر بخصوص تعزيز التكامل الاقتصادي في إفريقيا    رئيس الجمهورية يهنئ فريق مولودية الجزائر بمناسبة تتويجه بلقب الرابطة المحترفة الأولى    أوبرا الجزائر: افتتاح الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية    الرابطة الاولى "موبليس": مولودية الجزائر تتوج باللقب الثامن والصراع يتواصل من أجل البقاء    شركات آسيوية عملاقة تسعى للاستثمار في الجزائر    مصنع فْيَاتْ بوهران لم يُغلق    التحضير لإنشاء مناطق حرة بجيجل والطارف وتبسة    الزراعة المائية بالطاقة الشمسية كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي    المخزن يرتبك في الأمم المتحدة    القضية الفلسطينية بحاجة لأمّة قوية    الوزير بلمهدي مُنتظر ببومرداس اليوم    شرفي يؤكد على أهمية إشراك الشباب    مذكرة تعاون بين الجزائر والصين    اختبار لوكلاء اللاعبين بالجزائر    رونالدو يتصدر قائمة أعلى الرياضيين أجراً    حملة للوقاية من الحرائق    قافلة تضامنية لفائدة المسنين    الخبز الأبيض خطر على صحة الإنسان    بوغالي يقترح إنشاء لجنة برلمانية استشارية    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    الخطوط الجوية الجزائرية: دعوة الحجاج إلى الإسراع بحجز تذاكرهم عبر الأنترنت    الجزائر تفقد القميص الأصفر: حمزة ياسين يفوز بالمرحلة السادسة لطواف الجزائر    بيان المنامة الختامي للقمة العربية    بعد عملية تهيئة: إعادة افتتاح قاعتي ما قبل التاريخ والضريح الملكي بمتحف سيرتا    مكونة من 19 شخصا بينهم 16 أجنبيا: تفكيك شبكة للتزوير وتهريب المركبات المستعملة بالوادي    الرئيس تبون يعول على استصلاح مستدام للأراضي بالجنوب    قدم عرضها الشرفي ببشطارزي عشية المنافسة: "زودها الدبلوماسي" تمثل الجزائر في مهرجان "ربيع روسيا الدولي"    زيارة سفير كوريا ووفد فيتنامي لوكالة الأنباء الجزائرية    تأخر كبير في ربط تيارت بالطرق المزدوجة    الدفع بالتعاون الجزائري- القطري في مجال الابتكار    هذا جديد ملف تصنيع المركبات في الجزائر    الكيان الصهيوني يستخف بتهمة الإبادة الجماعية    بونجاح "التاريخي" يتجه للّعب في السعودية الموسم المقبل    أوبرا الجزائر بوتقة للتميز الإبداعي    قرار فرنسي يسدي خدمة من ذهب للفريق الوطني    منافسة شرسة في مسلك سطيف – قسنطينة    في افتتاح الدورة 33 لمجلس جامعة الدول العربية بالبحرين،الرئيس تبون: القضية الفلسطينية بحاجة اليوم إلى أمة عربية موحدة وقوية    عمداء الموسيقى العالمية يلتقون بالجزائر    توقيف سارقي عتاد محطات البث الهوائي    غريق بشاطئ مرسى بن مهيدي    سقوط ثلاثينيّ من علو 175 متر    تسييج "بورتيس ماغنيس".. ضمانة الأمان    حلقة أخرى في سلسلة "الثورات" الاقتصادية    قمع وتعذيب وحشي لمعتقلي "أگديم إزيك"    "العدل الدولية" متمسّكة بتعزيز إجراءات حماية الفلسطينيّين    باحثون متخصّصون يشرعون في رقمنة التراث الثقافي    نظام تعاقدي للفصل في تسقيف الأسعار    بشار/أيام الموسيقى ورقص الديوان: حفل تقدير وعرفان تكريما لروح الفنانة الراحلة حسنة البشارية    الخطوط الجوية الجزائرية تدعو الحجاج الى الاسراع بحجز تذاكرهم عبر الانترنت    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالمية والفساد الأدبي
مرايا عاكسة
نشر في الجمهورية يوم 07 - 02 - 2022

كثيرا ما يرغب بعض الكُتاب في اختراق الحُدود اللسانية والجغرافية بحثا عن الترجمة والانتشار والجوائز، أو عن الاعتراف "الدولي" بمنجزهم، بصرف النظر عن قيمته وأصالته في جغرافية الإبداع، وهم يُدركون أنّ أنظمة التقييس لها مرجعيات مخصوصة تعود إليها، لمنح هذا الاعتبار التمييزي، ولها مقاصد قد لا تكون أدبية أو فنية في المفاضلة، بقدر ما تنطلق من مقوّمات ذات علاقة بمعايير تفرضها الخيارات النفعية.
مشكلة القياس لا تتعلق فقط بالتقييم الغربي، بل بعدد من الجوائز العربية التي تبني على خلفيات لا تُولي أهمية كبيرة لفنية النص ولغته وبلاغته وفلسفته، أو لما يمنحه هيبة وديمومة. الأيديولوجيات لها حضور ضاغط في احتضان الكتاب وتثمينه والإعلاء من شأنه بتشغيل الدعاية الإعلامية والمؤسساتية تكريسا للموضوعة، وقد تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى قيمة اعتبارية موجهة . لذا لا يمكن الاحتكام إليها باستمرار لمعرفة الحقيقة الأدبية ، في ظلّ تبوأ صناعة المرجعيات، وفي ظل تراجع الأكاديميات إلى درجة أدنى.
إنّ قبول النص في خارطة الأدب العالمي يخضع لمنطق الهيمنة الاقتصادية والثقافية والفكرية، إلى الجماعات التي تقوم بإنتاج القيم البراغماتية وتدويرها، ولو كانت مُنافية للمُثُل العُليا وللفكر الإنساني، كالتنوير والتحديث على المقاس. أمّا دور النشر، في أغلبها، فليست سوى ذيول مالية منفذة للإملاءات التي تقف وراءها المنظمات والثقافات النافذة، ولمختلف التيارات التي تقنن الموضوعات والرؤى: تشجيع الكتابة الإباحية ، النزعة اللادينية، الخطاب المُضاد للنواميس، السُّخرية من الإمام والقسّ، وتدمير الأخلاق بتكريس نصوص مقلوبة يتبناها القارئ الذي عادة ما يكون ضحية للقيم الرأسمالية الاستهلاكية.
جُزءٌ مُعتبر من الكتّاب العرب والأفارقة الذين عرفوا انتشارا في الغرب يطبقون الضوابط بإملائية، وهي القوانين التي تفرضُها الوصاية، كحال الترجمة الانتقائية التي لا تهتمّ سوى بما يحفظ مصالحها من النفود الأجنبي المضاد. الأدباء التابعون أدركوا شروط القوانين الغربية ، فامتثلوا لها بحثا عن التموقع: الاندماج في نمط التفكير، الانقلاب على الدين، الأعراف، اللغة، التاريخ، الموروثات، تبني خط الناشرين، الامحاء في المركزية، المحاكاة، تكريس المنظورات بالحفظ والتحيين، تغييب الأنا، الهوية السردية والشعرية، وكلّ ما يجعل الابداع تعبيرا عن الخصوصية التي دعا إليه غوته بعد انقلابه على فكرة العالمية، بمفهومها التأسيسي الذي اشترط تطابق الآداب مع التوجهات الأوروبية في مفهمة الابداع.
الجوائز التي مُنحت لبعض الأسماء الإفريقية والعربية الجديدة لا تدلّ بالضرورة على العبقرية الحُرّة، كجوهر لأي تحديث لا يبني على الالتزام بالرؤى الغيرية في ظل الفوبيا التي تميز الدول واللوبيهات، وجزء معتبر من المجتمع المدني الغربي الذي يتحسس من الكتابة عن المعتقد،عن التاريخ الاستعماري، عن جرائم الغرب، وعن صناعة الحروب المُهينة، وذلك من أجل تحصين الأمن الأيديولوجي، وليس الفلسفي والقيمي الذي ميز الكلاسيكيات الكبرى. هذه الموضوعات لا تؤهل للترجمة والعالمية لأنها قيم مُنافية للنمط الذي يصنف الإبداع وفق قياسات مناوئة للحضارات المختلفة، كما أشارت إلى ذلك " مدام دو ستايل" ، في كتابها "من ألمانيا"، متهمة نابليون بتسييج فرنسا الأدبية وجعلها معيارا لكل إبداع يأتي من خارج ثقافتها.
ما عاشه الروائي والشاعر " فيكتور مالو سيلفا " ، كعينة تمثيلية، جزء من الحصار المضروب على الآداب المتمردة على التقييس، بحثا عن تكريس القيم الإنسانية الخالدة. لقد كتب لي المؤلف، بعد نشر رواية " رقان حبيبتي"، يشكو المُضايقات، مثمّنا ترجمتي الرواية، وقد رأى في ذلك تحريرا لها من الاغلاق الذي عاشته في فرنسا بسبب موضوعها المستفز للنظام... الكتاب إدانة للتجارب النووية في الصحراء الجزائرية، وهو أمرٌ لا يناسب الجماعات التي تتحكم في الشأن الأدبي، ما يتفاداه كتّابنا "العالميون"، كما يتفادون الكتابة عن التعذيب والتهجير والجرائم وقتل الأرض، عن المقصلة ورمضان وفضائل القرآن الكريم ،هؤلاء يعتبرون المسجد مصنعا لإنتاج الإرهاب كما يُمْلَى عليهم ، وهي موضوعات تُبْعدُهم عن العالمية. الممارسات النقدية الغربية، في أغلبها، تقف ضد الخصوصية الدالة على الاختلاف الضروري لإنتاج المعنى، وهي لا تقبل سوى بالمنسجم مع الأوروبي، في جانبه النيّر، وفي جانبه المُنافي للتنوع وحرية المعتقد والقيم الحضارية القائمة على العدالة. القالب الذي تتحكم فيه الكيانات هو الذي يراقب ويقرر، كما حصل في الفترة الجدانوفية التي فرضت على المبدعين " التفاؤل المورّد الخدين"، بتعبير الشاعر الروسي" يافجيني يافتوشينكو "، ما جعل بعض الكتّاب يتوقفون عن التأليف، أو يعيشون في الهامش، ومنهم "ميخائيل بولغاكوف" ، ثم " سولجنتسين " الذي فرّ إلى أمريكا هربا من الأيديولوجية التي حاصر بها " ستالين " الفعل الإبداعي، مع أن ظلال " ستالين " هي التي تقرر حاليا، رغم ادعاء الانفتاح واحترام المختلف.
العالمية إذن لا تتحقق بالعبقرية وحدها، بل بمجموعة من العوامل الظهيرة، ومنها القوة الاقتصادية والثقافية للأمة التي تدعم الفنّ وتروّج له وتنشره عن طريق المجلات والإعلام والمؤسسات والجامعات والمراكز الثقافية والسفارات والهيئات، كما يحصل في أوروبا وأمريكا، وفي بعض البلدان الخليجية التي انتبهت إلى دور والفن والفكر في تحصين نفسها، فلجأت إلى تخصيص ميزانية لخدمة الثقافة. العالمية التي يرغب بعض الكتّاب العرب في الوصول إليها لا تتحقق سوى بمجموعة من التنازلات لفائدة المنظورات الغربية للإنسان والحضارة، على حساب الشخصية والهوية، كما يحصل حاليا مع أسماء انقلبت على أمتها، أو ما يمكن أن نسميهم: الأدباء "الحركى" المتحيزين للرؤية الأوروبية، ضد مجتمعاتهم التي ينظرون إليها باستعلاء، كما يفعل المستعمر والموالون له.
لن يصبح المتنبي عالميا فيظلّ احتكار أدوات القياس، ولا المعرّي أو ابن عربي. سيظل هؤلاء محليين ومغمورين، أو جزء من الأدب الصغير، كما يسميه " فرانز كافكا"، على عكس" بودلير" أو " أرتور رامبو " اللذين ينتميان إلى مجتمع يقف وراء تكريس الأنساق وصناعة القوانين التي تصنف الابداع، كما فعلت مع أغنية "الراي"، وليس مع الأغنية الملتزمة.الإنسان أيضا تحدده الضوابط الغربية، لأنّ الغرب، كقوة كبرى، يعد غربا للأوطان والنعوت والمعتقدات والقيم والفنون، وهو الذي يقرروفق ما تراه الجماعات التي تضبط العبقرية بالأموال والأيديولوجيات، ولذلك يتمّ ترسيخ أسماء أدبية تابعة، على حساب الكفاءات.
العرب والمعربون، مفرنسو العالم الثالث، الكتّاب بالإنجليزية والداعون إلى الكتابة بالفرنسية ، بحثا عن الشهرة، يواجهون خيارين : إمّا الانضمام إلى الصف طمعا في الترجمة والعالمية كمسوخ موالية إملائيا للمنظور الغيري، ومن ثمّ الانقلاب على المقوّمات والهوية إرضاء لصنّاع القيم والمقاييس، وذاك ما يقوم به بعض الكتّاب الذين أصبحوا يمثلون هذه الأوطان بشكل مُخْزٍ. أمّا الخيار الثاني فيكمن في الكتابة للتاريخ بإغفال العالمية التي تخضع للعرض والطلب ، وفي ذلك تضحية بالشهرة لفائدة الخيال والحرية.
الخيارُ الأمثل يكمن في خلق مركزية عربية موازية لا تتأثر بالمؤسسات المالية والسياسات التي تصبّ في الفساد الأدبي الغربي.لا يمكن لبلدان لها كيانها أن تخترق التقاليد الغربية بنصوص تتناول الإسلام والأنبياء والموروثات العظيمة لأنها مُنافية للقياس. لقد مُنحت جائزة نوبل لعشرات الكتّاب من بلدان مختلفة، ومن جُغرافيات مجهرية لها حضور دولي قويّ، لكنها لم تمنح لأربعمائة وعشرين مليون عربي سوى مرة واحدة بالخطأ، مع ما اكتنفها من شكوك تتعلق بسبب الخيار، وبعلاقة نجيب محفوظ باتفاقية "كامب ديفيد" في عهد الرئيس أنور السادات، رغم أنه يستحقها ككاتب استثنائي في تاريخ الأدب العربي، كأسماء كثيرة ذهبت ضحية المركزيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.