مسيرة حاشدة بمدينة "بلباو" شمال إسبانيا تضامنا مع الشعب الصحراوي    المرصد المرصد الأورو متوسطي : تحذير من فرض "نكبة" جديدة ونشر المجاعة في غزة    نادي الأهلي السعودي : رياض محرز يقترب من رقم قياسي تاريخي    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 18 فلسطينيا من الضفة الغربية بينهم أطفال    القطب العلمي والتكنولوجي سيدي عبد الله: رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الاحتفال باليوم الوطني للطالب    اليوم الوطني للطالب: إقامة عدة نشاطات بغرب البلاد    اختتام الطبعة ال9 للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي..أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    عبد الوهاب بن منصور : الكتابة علاج تقاسم للتجربة الشخصية مع الآخرين    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي.. أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    الثلاثي "سان جيرمان" من فرنسا و"أوركسترا الغرفة سيمون بوليفار" الفنزويلية يبدعان في ثالث أيام المهرجان الثقافي الدولي ال13 للموسيقى السيمفونية    طواف الجزائر للدراجات: الجزائريون في مهمة استعادة القميص الأصفر بمناسبة المرحلة الثامنة بمسلك سكيكدة-قسنطينة    بن قرينة يرافع من أجل تعزيز المرجعية الفكرية والدينية و الموروث الثقافي    ربيقة يشرف بالبويرة على فعاليات إحياء الذكرى ال 67 لتدمير الجيش الاستعماري لقرية إيغزر إيوقورن    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الأولى    مشروع "فينيكس بيوتك" لتحويل التمر يكتسي أهمية بالغة للاقتصاد الوطني    نقل بحري : ضرورة إعادة تنظيم شاملة لمنظومة تسيير الموانئ بهدف تحسين مردودها    الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يجتمع بباريس مع رؤساء المراكز القنصلية    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    بلقاسم ساحلي يؤكد: يجب تحسيس المواطنين بضرورة المشاركة في الانتخابات    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    كارثة حقيقية تهدّد رفح    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    بالتفاصيل.. المسموح والممنوع في بكالوريا 2024    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    مباراة متكافئة ومركز الوصافة لايزال في المزاد    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    وفاة ستيني في انقلاب سيارة    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية رجل شجاع...!
المجاهد المرحوم مولاي عبد الوهاب
نشر في الجمهورية يوم 06 - 07 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم:
"إنك ميت وإنهم ميتون"
"عبدُ!... أ أظافرك مازالت حادّة؟..."
كان يناديه باسم لم يناديه به أحد غيره، و رغم ما كان يفرّقهما حول ممارسة الحكم و إشكالية فتح المجال السياسي لكل الشخصيات التاريخية و الوطنية دون استثناء إلا أن قاسماً مشتركاً ثابتاً كان يجمعهما يدعى الجزائر...
بينما كان يرى من جهته أنه من حق كل الوطنيين الاستفادة من فرص شخصية ذات صفة تاريخية و علمية للانغماس الفعلي في صياغة القرارات الحيوية حول سير و مستقبل البلاد كان غريمه يشدّد على الولاء أي الابتعاد عن مناقشة القرار أو الطعن فيه... لم تكن بواعث الانقسام هينة لكن التقدير والاحترام المتبادلين كانتا السمتان الرئيسيتان اللتان طفتا على حصيلة احتكاك اتسمت بالمد والجزر وباتت تسير علاقات صعبة لكنها في زمنها كانت ضرورية ربطت بين شخصيتين استثنائيتين في مراحل استثنائية من حياة الوطن...
أجاب الرائد عبد الوهاب على سؤال طرحه له مباشرة العقيد هواري بومدين في آخر مؤتمر وطني يحضره الرئيس الراحل : " أظافري جاءت معي من بطن أمي، و ليست قرضاً استلفته من البنك الوطني"... في إشارة إلى تصفية سياسية قد طالت بعض الشخصيات التاريخية بحيث أقصيت من مهامّها في السلطة مقابل قروض بنكية منحتها الدولة إياها للاستمرار في العيش إلى حين، بواسطة تجارة على كل حال يترصد التأميم في أسعد الحالات قطع أصولها و حجز ثمارها...
هكذا، قدرك كتب لك أن تعيش في قلب الأحداث كلما احتدمت الندّية أو كلما صرخ الوطن »أين أنتم يا رجال، أين أنتم يا أحرار«... وليست الأحداث الجسام هي التي تخلفت عن مواعيدها لكن من يستطيع أن يصمد مقابل قوّة طرد مركزيّ أبعدت الكثير من أشرس المدافعين عن قضايا وطنية أقوى حججها اكتمال الحرية بتكريس استقلالية حقيقية سياسية، اقتصادية، ثقافية وعقائدية؟... أي الرجوع إلى ضرورة تقويم وطني مثلما اقترحته أنت الرائد عبد الوهاب على المرشح الحرّ في رئاسيات 1999 أن تتكفّل الدولة كمرحلة أولى بتكوين عدد لازم من الإطارات من مختلف المستويات الأكاديمية والأدبية لتعويض نقص رهيب في الإطار الكفء والمتميز بقدرته على تحمل ثقل الرسالة الوطنية...
من يستطيع أن يقول في موعدها كلمة حق مثلما قلتها للرئيس الأسبق السيد أحمد بن بلة أن التنمية الوطنية مطلب جماهيري يعني كل جهات الوطن و كل فئات الأمة وليس حكراً لجهة على أخرى و إلا ستتفكك عرى الوحدة الوطنية و يفقد الشعب ثقته في ثورة التحرير؟... فأجابك أتطلب مني أن أجر لك مزرعة "بورجو" إلى الصحراء أو إلى الهضاب العليا؟ مطلب كان الرئيس يراه بعيد المنال و أصبح حقيقة في جزائر الحاضر تُرى من خارج مجال الجاذبية الأرضية...!
من يستطيع أن يقول للرئيس هواري بومدين وجهاً لوجه أن حزب جبهة التحرير منبر شعبي و وطني و محرك تعبئة وطنية و ليس أداة دعاية تقصي صاحب الرأي المخالف أو مقصلة تقطع رؤوس الأقوياء من الرجال في الدفاع عن الثورة و مكاسبها؟... و أثبتت جبهة التحرير و ربائبها من الحركيّة الوطنية بسالتها حين اشتد البأس في وضع الجزائر بعيداً من أي مساومة خارجية بفضل وعي وطني بثته في أوساط الجماهير...
من يتجرأ على الرئيس الشاذلي بن جديد حين كاد ينفرد بالحكم أكثر من سابقيه و في أحد المؤتمرات الوطنية ليقول أمام الملأ أن الجزائر لا تعاني من أزمة اقتصادية و فقر مالي بل لها أزمة رجال و أحوج ما تحتاج إليه الآن هو رجل قوي يقودها فيخرج بها من مدارك الهلاك إلى مسالك الضمان و الأمان؟... و إنما محاولة ترميم الحكم من أعلى الهرم إلا تصديقاً لرؤية سياسية فطرية استشرفت ما عجزت عنه مدارس العلوم السياسية و معاهد سبر الآراء...
من استطاع أن يقول في خضم التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد في العشريّة الحمراء و عند أوج الحصار المضروب على الجزائر و تبعاته الداخلية أن ديمقراطية لا تخدم المصلحة الوطنية و لا تضمن الأمن للمواطن و الوطن ليست إلا عبثاً و فساداً ينخر مقومات الأمة و يحلل مبادئها و عزيمتها...؟ و لن أستريح كمواطن يحبذ الصرامة و روح المسؤولية حتى أرى المؤسسات العسكرية و الأمنية تأخذ بزمام الأمور لتفادي كارثة وطنية تداهمنا.
هذا هو إيمانك بوطنك و بأبناء قشرتك وثقتك في مؤسسات بلادك... و القوي من يستمد قواه من داخل وجدانه و يعصر باطنه ليفرز شجاعة مفيدة للوطن لا ذلك الذي ينتظر دوماً أن يأتي الحل من غيره... ...
قدرك أنك كنت دوماً محل مؤامرات و دسائس تحاك ضدك لا لأن لك قوة عسكرية قد تفشل مشاريع استعمارية و تحبط مخططات تعطيل تريد إيقاف عجلة التقدم و شل أداة التنمية الوطنية رهان الاستقلال لكن لأن لك ضمير وطني و شعبي يضع الجزائر فوق كل اعتبار إذ يرفض المجاملة و فتح أبواب الاكتساب و الكسب على حساب المبادئ فتميّزت بصوت مدويّ يندد بأي محاولة إلحاق الأذى بالجزائر...
مؤامرات و ما أكثرها نسجت خيوطها المسمومة حولك كلّما وجدت أيادي خبيثة تقصد شل عملك الثوري و تسطيح ضراوتك القتالية لكن دون جدوى، منذ أن أعلنت الكفاح المسلح واشتد لظاها عند إحكام الخطوط الجهنمية لشال و موريس و في حملة "سلم الشجعان"... فلم تزل قائمة تتابعك و لم تنته بانتهاء حرب التحرير و استمرت حتى ساعة وفاتك... فجذور المستعمر ومدرسته لن تنسى أبداً للشعب الجزائري عفويته و هبته التلقائية كلما أحدق الخطر بالوطن و كلما شعر المواطن أن له بيت مقدس لا بد أن يحميه... شككت ذيول الاستعمار في إخلاصك للوطن ليس لأن لها ما تطرحه بهذا الشأن و لكن لتشفي بالدعاية الخبيثة غليل أحقاد غُرزت في قلوبها و عششت في ضمائرها بعد أن أصبح تاريخ الجزائر عرضة للاجتهاد الضال والزيادة والنقصان حسب الهوى دون أن يهتز ضمير لكبر كلمة تخرج من أفواه السفهاء...
عشت رجلا كاملا مكتملا يقبل الكسر، و لا يساوم في مواقفه حتى مع شركائه في العمل السياسي، لا يرضي بتقليم أظافره ليداهن مواقف قد تفقد ثقلها وتتلاشى حرارتها فور تبنيها أو الخنوع للخصم بحجة أنه يمتلك القوة الداحضة...
مواقفك السياسية قد تقلق أصدقائك بنفس الحدة التي يهاب منها خصومك و ما أكثر ما عمله أولئك الذين تخندقت معهم من أجل قضية وطنية ليعزلوك داخل صفوفهم حين يرون أن إرادة سياسية فعالة قد تنبثق من عزيمة وطنية ربما قد تعيد النظر في العديد من المفاهيم الأساسية وقد يصعب على الكثير تبنيها فأولى لهم الركون قبل التولي و فضيحة يوم زحف أكبر يتلألأ في أفق ننتظره مشرقاً...
رفضت دخول حمزة أبي بكر عميد مسجد باريس إلى أرض المليون و نصف المليون شهيد لاقترافه جريمة تقسيم الجزائر و عمله الدؤوب على بقاء الصحراء الجزائرية فرنسية وتم له ما كان يحلم به بعد نبذه رغم معارضتك الشديدة لذلك المشروع الممهد لاستسلام أشمل سنة 1988. وقفت وحيداً في الصف تفارق موقف السلطات الرسمية التي سهلت له الزيارة و استقبلته استقبال الأبطال... لكنك رجعت إلى نفسك في غياب تجاوب أوسع وأقسمت عليها أنك ستصوم يوم وطئه أرض الأحرار و أنك سترعى الغنم في هذا اليوم المدّخر من حقبة الاستعمار والصبر على حرّ هاجرته و لظى عطشه أهون عليك من أن تلاقي رأس الردّة على مأدبة عشاء فاخرة...
بقيتْ عالقة في حلقك كلمات استفز بها العالم العلامة حمزة بوبكر بعض المسؤولين الجزائريين و حين قال لمجاهد من الرعيل الأول : " أمازلت تسرق كما كانت عادتك قبل الثورة؟" و لم يجبه ذاك الأسد الذي استل الداء مخالبه وخلعت نوائب الدهر أنيابه و عاتبته عتاباً شديداً على أنه كان يجب أن يرد بقوة على جرأة مخاطبه الفاحشة وسفاهته الفاضحة: "
أنا كنت أسرق الإبل من أناس ألهتهم أموالهم و قربهم من المستعمر عن القضية الوطنية الكبرى، رغم أمّيتي أظهرت لهؤلاء أن الأمن تحت راية المستعمر ليس إلا منوّماً يزيد في عمر بقائه على أرضنا بينما أنت فقد خنت وطناً بأكمله و سرقته برمته، بحضارته و ثقافته و شعبه و ثرواته المختلفة لتضعه في راحة فرنسا و أنت عالم قد أضلّه الله على علم، فمن منا أشدّ إثماً؟ أميّ مخلص لوطنه أم عالم خائن له؟...
كانت لك الشجاعة الأدبية و الحدة الفكرية حتى لا تحمّل الأبناء أخطاء و أوزار جرائم الآباء و كنت تردّد حين تطرح إشكالية اندماج الجيل الثاني أن الميدان هو الذي سيحكم على الأكثر حباً و تفانياً في خدمة الوطن... فهل يقدّر هؤلاء المعنيون بالإقصاء الطبيعي البعد المعنوي لمثل هذه السماحة و سعة الخاطر؟...
من يستطيع مثلك دون أن يخشى صواعق غضب الحاكم المتشدّد أن يطلب بواسطة وزير الداخلية المرحوم محمد بن أحمد عبد الغني من الرئيس الراحل هواري بومدين أن يقوم بوساطة بينه و بين المرحوم قائد أحمد لتحاشي تصدع في القيادة الثورية و تجاوز الخلافات من أجل المصلحة العليا للوطن في وقت كان فيه مجرد لفظ المعارضة و المعارض كفيل بشحذ ساطور الجلاد؟...
تنقلت إلى فرنسا صيف 1977... و وصلت بالتحديد إلى الحدود البلجيكية-الفرنسية لتقابل المرحوم قائد أحمد والذي لم تجد منه تجاوباً قد يشجّع على حسن نية الرئيس بومدين. لقد أفشل اللقاء غياب الثقة وسوء التقدير لموازين القوة اللتين أبداهما المرحوم قائد أحمد متأثراً بآراء غير واقعية من رفقائه في ذلك اللقاء فلم يحسن تقدير تلك المساعي الحميدة...
خلافاتك مهما بلغت حدّتها مع السلطة الحاكمة لم توح لك أبداً بالخروج من الوطن و اللجوء عند أعدائه لتقذف من بعيد صرحاً مقدّساً كنت تتحدث عنه بمثل ما تعبّر به عن أم ولدتك و رعتك... أنت الذي لم يغادر أرض المعركة و رابطت في جحيمها و صبرت على سياسة الأرض المحروقة و لم تتخل عن أرض سقط في ميدان شرفها أمام عيناك أبناؤك وأخوتك و أعز رفقائك كما كان يروق لك أن تذكّر به أي أنك مكثت مجاهداً ثائراً حاملاً للسلاح مدة ستة سنوات وست أشهر و ستة أيام دون أن تغادر الجزائر رغم دعوات الالتحاق بالحدود المغربية أو التونسية و خيّرتك في المسلك الذي ستتخذه قيّادة أركان جيش التحرير آنذاك...
كنت ترى دوماً أن الذين عاشوا مراحل صعبة و تضحيات كبار مثل المجاهدين لا يجب أن يتركوا الوشاية والدسائس وسوء التفاهم يذكيان نار الفتنة بينهم أو أن يصبح تلاحمهم عرضة لأي داع للشقاق و التفرقة... فأولئك الذين تكونوا في مدرسة جبهة التحرير و جيش التحرير هم أجدر بفك ألغاز الحاضر و أبلغ بوضع معالم المستقبل...
أشدت بمواقف منصفة اتجاه عائلتك و معك أبداها رئيس الدولة السيد علي كافي حين أُهنت و أجلست في مقعد المنحرفين و المتهمين بالفساد و السرقة سنة 1993 في عملية تلفيق تهم بتموين و مؤازرة الإرهاب خطط لها عملاء مازالوا مخلصين أشد الإخلاص للاستعمار. طُعنت في ظهرك من شخص فضلك عليه مازال قائماً و كنت تعدّه من أقرب أصدقائك قبل أن يبيع ذمته في ما بعد بشهادة زور وقع على إثرها بحرمة دماء الشهداء في الحضيض و في ذلّ مزري عربوناً لخبث نيته و مكافئة لما أضمره لك و للشهداء الأبرار من شرّ مبيّت، و أنت بريء منها براءة الذئب من دم يوسف...
أُعيدت الكرّة عليك في عهد الرئيس اليمين زروال و كان أمره قاطعاً بترك الرجل و شأنه و قال لسنا في حاجة إلى من يعرفنا به و لا بحبه المرَضيّ لوطنه، و كنت تقول أنه لا خوف على الجزائر مع مجاهد حقيقي و وطني صادق، رجل مترفع عن الترهات ومسؤول قوي كما علمناه لا يلجأ إلى الباطل ليُحكم سيطرته على الأوضاع... لكن علاقتك كانت أطول و أثق و أعمق بفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة و منذ زمن بعيد. ورغم أنها شهدت تقلباً دراماتيكياً في ما بعد إلا أنها حافظت على أصول اللياقة الطيبة...
ظننتُ أنك لن تغفر لنا أبداً نحن أفراد عالتك الذين انتهجوا مساراً مخالفاً لك في رئاسيات 2004 وتبنوا وجهة سياسية كنا نرى فيها أمراً خاصاً بكل واحد منا و شهادة لا بد من إبدائها لصالح من هو أجدر بالمسؤولية لكن حين إعلان مرض الرئيس وتنقله للعلاج إلى الخارج ظهرت ضمنياً منك بوادر الرضى عنّا.
لقد تأسفت كثيراً إن لم أقل عن الحزن الذي انتابك إثر غيابه الظرفي في مرحلة تحتاج الجزائر فيها إلى حنكته و حكمته كما كنت تردّد... فقلقت على صحته و تابعت تفاصيل علاجه بدقّة و كأن الحملة الانتخابية و تداعياتها باتت لا تزن آثارها بالنسبة لك شيء مقارنة مع هول الحدث، ذلك أن طيبة قلبك كانت دائماً تعلو على جميع الاعتبارات الأخرى مهما سمت... لكن بالمقابل لا يجب أن نس لفخامته العناية الخاصة التي أولاك بها حين سماعه مرضك و هذا أمر لا يعرفه ولا يحمل همه إلا الفحول من الرجال...
عشت رجلا قويّا يعترف للرجال بمواقفها وبتضحياتها وبإنجازاتها. أشدت في ذكرى اندلاع الثورة بالمنطقة، وذكرى الشهيد بوشريط بالمصالحة الوطنية من خلال ذكْر مبشّرة قد فتح الله بها عليك وقلت أني رأيت باباً على جنة مزخرفة قد فتحه الرئيس بوتفليقة للجزائر و أنها ستزدهر على عقبه و تنعم بالرخاء بعد تكريس المصالحة الوطنية... مدحت التعديل الأخير للدستور و قلت عنه نعم الوثيقة الوطنية التي تعترف بتاريخها و تثمّن أمجاد أجيالها رغم أنك سحبت من ناصيتك على بساط المحاكم و ديست كرامتك إلا دفاعاً منك عن تاريخ الثورة و وفاء لذاكرة الشهداء، فلم تفقد الثقة في عدالة بلادك بصرف النظر عن تعسف كنت عرضة له من بعض الموظّفين...
وصيتك لم تكن خاصة بأبنائك أو أفراد عائلتك لأن القضية أوسع وأعمق من أن تبقى حبيسة حيز خاص فهي وصية للأجيال... " حافظوا على الجزائر و صونوا عهد الشهداء... و لا تهينوا في طلب العزة و الكرامة..." وصية كالدرّة اليتيمة في زمن لا حديث فيه إلا على العولمة و لا مشروع إلا ذلك الذي يرضي الغير في الغالب، أي دون مراعاة المصلحة الوطنية و خصوصية هذه الأمة...
لقد استعمل المستعمر كل طاقته لطمس معالم الأمة و لكتابة تاريخ بلادنا على المقاس الذي يخدم مصالحه أبدياً، لكن الانتفاضة الثقافية والفكرية بأقلام وإبداعات مواطنين أكفّاء أرجعت الحقائق إلى نصابها الطبيعي و أزالت الغبار عن ملاحم طينتها الجزائر مثلما بعث الكاتب والمفكر السيد بوعلام بالسايح الشيخ بوعمامة من أعماق التاريخ ليشهد على تقدم و رفاهية الجزائر الحرّة، أو كما صوّر المخرج الفذّ لخضر حمينة مآسي الجزائر المقهورة ستجد أنت أيضاً من أبناء هذه الأمّة الشريفة من يخلّدك ومن يظهر فضلك كسائر الأحرار من الجزائريين...
ورغم مسيرة فريدة عشتها إلا أن نهايتك أقوى شجاعة و أكثر تحدى للخصوم وأبلغ ردّ على قوى الحقد والبغض برغم ضربات مقوّضة قصدت شخصيتك وتظافرت فيها حشود من رعاة ذاكرة الجلاّد...
هي نهاية رجل شجاع، رجل اتخذ الشجاعة والوطنية المحضة ورقة طريق إلى ربّه... رجل جريء جرأة عطاء و منة إلهية لم يخف حبه و تعلقه يوماً بوطنه وفي الأوقات الصعبة لم يغادر المركب رغم هوج العواصف و شدّة الرياح... فاشهدوا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.