تقوم رواية "حامل الوردة الأرجوانية" للروائي اللبناني أنطوان الدويهي المشارك في جائزة البوكر لسنة 2014 على قصة سجين مسالم يجهل أسباب اعتقاله، تتداخل فيها محكيات ثانوية حول الطفولة، والمهجر والعودة إلى الوطن، فضلا عن علاقة العشق المستحيل بين الرّاوي و"آنا"، ثم نشوء علاقة حب جديدة له مع "رانيا"، دون نسيان التأملات الباطنية شبه الفلسفية في الطبيعة، الفن والأغوار السحيقة للذات. وتنتمي هذه الرواية إلى ما يُسمى بالأدب الذي يتعرض للمصادرة والتهميش والإقصاء، ولو أن الروائي لا يعير اهتماما للقضايا والموضوعات، بل ينصرف انصرافا إلى ملامسة أسئلته الداخلية، ومكاشفة العوالم المعتمة في بواطنه. مع العلم أن هذه الروائية الجريئة ليست الأولى من نوعها التي تتناول مثل هذا الموضوع، فقد سبق لروائيين آخرين أن تطرقوا في كتاباتهم لهذه القضايا الحساسة، وما يكتنفها من التعرض للإنسان وحقوقه، مثل عبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم، وصلاح الوديع وغيرهم، لكن أنطوان الدويهي يختلف عنهم من حيث طبيعة هذا التناول وأسلوب صياغة العالم الروائي، ونظرة الذات إلى إشكالية فقدان الحرية. فرواية "حامل الوردة الأرجوانية" توسع هذا المفهوم، وتمنحه دلالة كبرى، إذ ليست المصادرة الذاتية التي تسحق الإنسان، بل هي فكر وسلوك ثقافيان يسكنان متخيل الناس، ويعششان في أدمغتهم. ويتطابق الراوي الذي يسرد الأحداث بصيغة المتكلم مع البطل الذي وقع عليه هذا الفعل المنبوذ، واستنادا إلى هذا التعالق، فالسير ذاتي يهيمن على النص، وهذا ينسجم مع التصور الفكري للكاتب الذي يروم، من خلال فعل الحكي، تسليط الضوء على العالم الداخلي لا من أجل التطهر بالمعنى الأفلاطوني، بل من أجل الاحتجاج على العالم. إذ تعلن الكتابة عن غايتها النضالية، من خلال الرغبة في تصفية الحسابات ، واعتمد الكاتب -عن قصد- أسلوب الإضمار فيما يخص أسماء الأزمنة والأمكنة، محيلا على رغبته في أن يرى عالما بدون تطرف ولا صراعات ولا دماء، عالما ينعم فيه الفرد بالحرية. وسخر الكاتب خبرته الفلسفية والأنثربولوجية لتطويع السجال الفكري داخل النص، وتذويبه فنيا في إطار اعترافات ومونولوغات وتداعيات ليكون مرآة تعكس قدرة الإنسان على استعادة كيانه الضائع. تشكل الكتابة في حد ذاتها أفقا اختياريا اتخذه الراوي أداة شرسة لمقاومة الطاغوت، وتعويضا دلاليا عن عجز الذات في تحقيق التناغم مع القيم السائدة في مجتمعه. ويتجلى البعد الفلسفي للسرد من خلال القدرة المفرطة للراوي على تفكيك عناصر الجمال في الطبيعة، ناهيك عن تفكيك الذاكرة، وقراءة الأرشيف السيكولوجي الشخصي.