هذه هي أسباب تقهقر الفعل الثقافي بولاية وهران أكد الشاعر والمترجم القدير محمد سحابة أن حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية الأخرى لا تزال قليلة وناقصة جدا،وأضاف محمد سحابة في تصريح خصّ به أمس جريدة "الجمهورية" أنه بخلاف الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية التي هي في موقع جيّد،لا تزال ترجمة المؤلفات من لغة الضاد إلى الفرنسية والإنجليزية ضعيفة ولا تلبي طموحات العديد من الأدباء وحتى القراء المهتمين بالفكر والفعل الثقافي. ودعا نفس المتحدث الطلبة الجامعيين الذين يدرسون اختصاص الترجمة إلى عدم الاكتفاء بالنظريات والمقاربات العلمية،بل عليهم ممارسته وتعلّمه في الميدان،واصفا إيّاه بالعمل المعقد والصعب جدا،موضحا أن فعل الترجمة يتطلب جهدا كبيرا،إذ ومهما دفعنا من مستحقات وأعباء مادية للمترجمين إلا أن جهدهم المضني لا يمكن تعويضه بثمن،مشددا على ضرورة تخصيص دعم مادي من قبل مؤسسات الدولة كما هو الحال في فرنسا وبلدان أخرى لمساعدة المترجمين على تأدية واجبهم على أكمل وجه،موضحا أن ترجمة أي كتاب تستغرق أحيانا 5 سنوات على الأقل وأنه يجب وضع إحصاء وقائمة لأهم الكتب التي ينبغي ترجمتها وأن يكون المترجم متمكن ومؤهل لهذا العمل الصعب. وبخصوص تقييمه للحركة الإبداعية في وهران،صرح المترجم والأديب محمد سحابة قائلا "بموضوعية ودون أية عاطفة،فإن الباهية يرجع لها الفضل في بروز الكثير من الأقلام الشابة اللامعة،مشيرا إلى أن أكبر الكتاب في الساحة الأدبية بالجزائر تكوّنوا وترعرعوا في حضن معاهد وكليات جامعة وهران،إذ أنه في أواسط السبعينات كان هناك العديد من الشباب الذين سطع نجمهم رويدا رويدا في الحقل الأدبي على غرار واسيني الأعرج،زينب لعوج، الحبيب السايح،أمين الزاوي،ربيعة جلطي...إلخ، هذا دون أن ننسى أنه في سنوات الثمانينيات كانت الحركة الأدبية والنشاط الثقافي في أوجهما بوهران لاسيما من ناحية نوعية الملتقيات وجودة الكتابات الصحفية،حتى وصل الأمر -يضيف نفس المتحدث- بالعديد من الأدباء والمثقفين من الجزائر العاصمة ومختلف ولايات الوطن إلى طلب المشاركة في النشاطات الإبداعية العالية والعالمية التي تحتضنها ولاية وهران،وعاد محمد سحابة هنا إلى مشوار الكاتب والمؤرخ والروائي وعالم الاجتماع المرحوم عمار بلحسن،الذي يعتبر بحق رفقة العديد من المثقفين الآخرين منارة كبيرة أعلّت من شأو الحركة الثقافية بالباهية،ولكن للأسف وبعد وفاة وهجرة البعض منهم إلى مدن أخرى،تراجعت هذه الطفرة الأدبية التي شهدتها الولاية فيما بعد وهو ما طرح عدة تساؤلات عن ذلك. وأرجع الشاعر والمترجم في حديثه إلينا ذلك إلى سوء فهم الكثير من المنظومات السياسية والثقافية والاجتماعية لهذا التألق والازدهار الفني والإبداعي بهذه الحاضرة الكبيرة (وهران)،وهو ما أدى إلى تغييب وعزلة هذه النخبة الفكرية المستنيرة وظهور أخرى رديئة وغير متمكنة تغلغلت واستحوذت على الساحة الإبداعية والفنية عندنا. تكريمي وسام استحقاق في صدري كما أكد محمد سحابة أن التكريم الذي خصته به النقابة الوطنية لناشري الكتب مؤخرا على هامش فعاليات الصالون الوطني للكتاب في طبعته ال17 بوهران،يمثل عرفانا وتقديرا لما قام به بعض الكتاب الذين أثروا الساحة الأدبية بأعمالهم الإبداعية القيمة واصفا الوقفة التكريمية بالالتفاتة الطيّبة والجليلة،إذ تجعل الكتاب يشعرون أنه مهما طال الزمن فهناك من يقدّر جهودهم ويثمن نشاطهم الغزير،مضيفا أن التكريم كان فرصة كي يلتقي فيها الأدباء والمثقفون المعروفون في المدينة مع الجمهور الذي يتابعهم ويبحث عن جديدهم الفني،مشيرا إلى أن هذه الوقفة العرفانية من قبل هؤلاء المنظمين تشكل فرصة لمراجعة وتقييم ما أنجز في السابق من أعمال وإبداعات فنية قيّمة وإبراز الأصوات الشبابية التي تميّزت من خلال كتاباتها الأدبية،خاتما حديثه معنا،أن مثل هذه الأمور التكريمية الجميلة هي طريقة لبعث روح الإبداع بعد سنوات من التراجع والتقهقر غير المفهومين.