نشط الباحث والأكاديمي الحاج ملياني، مساء أول أمس بالمركز الثقافي الفرنسي بوهران، محاضرة بعنوان "إلى مصادر الراي" حيث جذبت إليها العديد من المهتمين والمثقفين الذين استمتعوا في قرابة الساعتين من الزمن، بالمعلومات الغزيرة والمستفيضة التي يملكها هذا الباحث عن تاريخ الأغنية "الرايوية" ومصادرها الأولى التي نبعت منه. حيث أكد الحاج ملياني أن الحديث عن "الراي" هو في الحقيقة حديث عن وهران ومدنها المجاورة على غرار عين تموشنت، سيدي بلعباس وغليزان...إلخ، حيث أن تاريخ هذه الأغنية العريقة قديم وليس وليد اليوم، إذ كان فيه مغنيان مشهوران في الحقبة الاستعمارية الإسبانية لبلادنا على غرار براهيم وعمر في القرن ال18، ثم جاء بعدهما الشيخ الخالدي أحد كبار الأغنية البدوية وقتذاك، والذي كتب قصيدة "بختة" المعروفة، مع العلم أن هذا الفنان كان يجيد لغتين ويملك ثقافة غزيرة والعديد من مغنيي "الراي" الحاليين وحتى السابقين منهم غنوا قصائده التي كتبها الشيخ الخالدي. بعدها عرج المحاضر إلى منطقة سيدي عابد بغليزان، حيث كان الكثير من أبناء المنطقة وحتى خارجها يحضرون وعدة الولي الصالح سيدي عابد، وفي هذه المناسبة كانت تنشط التجارة وبيع الأغنام والحبوب...إلخ وكان كل "شيوخ البدوي" يلتقون في هذا الموعد ويحتفلون بها على طريقتهم الخاصة بحضور الراقصات اللواتي كن ينشطن معهم هذه الحفلات، وفي سنة 1936- يضيف الحاج ملياني- بدأ نجم "الشيخة الريمتي" يبزغ رويدا رويدا حيث بدأت مسيرتها الفنية كراقصة في السن ال14 لتصبح نجمة معروفة يستمع إلى أغانيها الكثير من عشاقها سواء في الجزائر أو خارجها، ليحلّق بعدها الأستاذ المحاضر إلى سماء "الباندا الزهوانية" لسيدي الهواري وكذا حي المدينة الجديدة بوهران، الذي كان يضم فرقتين هما "بينغي" و"بليلي" وهي الفرق التي كانت تغني ب"الكرابيلة" كما هو معلوم لدى عامة الناس، مشددا على أن أنشطتها كانت دائما تجري تحت أعين السلطات الاستدمارية الفرنسية على أساس أن معظم أغانيها كانت معارضة للسياسة الكولونيالية الاستيطانية في بلادنا، ليتطرق بعدها إلى دور بعض المغنيين اليهود في مسار وعجلة تطور "الأغنية الرايوية" في بلادنا على غرار سعود مديوني، حيث أنه وغيره من الفنانين شكلوا همزة وصل بين الموسيقيين المسلمين والأوروبيين، إذا كانت توجد حانة (شارع الثورة) في حي الدرب بوهران، ويلتقي فيها بعض مطربي الأغنية البدوية من أجل الغناء وليس لشرب الخمور كما جاء على لسان المحاضر. ومن بين المغنيين اليهود الذين كانوا معروفين في تلك الحقبة، هناك "الشيخ زوزو" واسمه الحقيقي جوزيف بن قنون صاحب أغنية "بن سوسان" حيث واجه بسببها عدة مشاكل، متهمين إيّاه ارتكابه جريمة السرقة الأدبية، على أساس أن صاحب هذه القصيدة الحقيقي هو حبر يهودي كتبها عن فتاة إسبانية أحبها حبّا جنونيا تدعى "مولينا". فنانون خدموا الحركة الوطنية التحررية ليكشف في نفس المضمار عن مجيء الفنان التونسي الكبير قدور الصرارفي للغناء في وهران وهو الأمر الذي جعل الأغنية "الرايوية" تتكامل وتتزاوج مع عدة طبوع فنية أخرى الأمر الذي زاد من جماليتها وحتى شهرتها العالمية، كما شكلت هذه المحاضرة القيمة فرصة للمهتمين بهذا النوع من البحوث الأكاديمية المعمقة، للاطّلاع على تاريخ بعض الفرق الموسيقية التي نشطت في الماضي، على غرار "فرقة الشبيبة" لرئيسها سويح مختار،حيث أن هذه الأخيرة ضمت في صفوفها عازفا أدّى أغاني "الجاز" وسافر في عدة مرات إلى التراب الفرنسي من أجل جمع المال لدعم الحركة الوطنية وخصوصا "حركة انتصارات الحريات الديموقراطية". هذا دون أن ننسى حديثه عن الفنان جلول بن داود الذي قال عنه الحاج ملياني إنه كان منافسا للعملاق بلاوي الهواري أطال الله في عمره. ثم أحمد صابر الذي توفي في حادث سير مروع، هذا دون أن ننسى الأب الروحي والأكبر لأغنية "الراي" بوثلجة بلقاسم الذي كان معروف آنذاك ب"خوسيلتو الراي"، والمطرب الكبير بلمو صاحب آلة "الترومبيت" ومعه "الكينغ" الشاب خالد، الفنانة فضيلة، فرقة "راينا راي"، "المداحات" فضلا عن الشاب مامي الذي غنى "ديو" مع المطرب العالمي الإنجليزي "ستينغ" وكذا المرحوم الشاب حسني، الشيخ فتحي، النعام...إلخ لينطلق بعدها كما قال الجيل الثالث من مغنيي "الراي" إلى يومنا هذا.