بعض الناس لا يحسنون سوى )فنون( تناول أعراض الناس بدل قول الحقيقة بكل موضوعية بعيدا عن التجريح و التشخيص و القذف المشين ، و قد يهونُ الأمر لو تعلقت المسألة بأناس أميين و بسطاء ، لكن المشين في ذلك أن يتبنَّى هذه ) الثقافة( أناس كانوا يحتلون مراكز كبيرة في سلم المسؤوليات ، أو تصدر من قبل أشخاص يَحسبون أنفسهم ظلما على الثقافة والعلم ، و قد تابعتُ منذ أيام حملة شرسةً شنها شخص يَدَّعِي أنه مبدعٌ و روائي من مصر الشقيقة عندما زعم أنّ أدبَ و كتاباتِ الروائية أحلام مستغانمي موجهة للمراهقين . والغريب في الأمر أن عددا من الجزائريين و مِنْ بينهم مَنْ لا علاقة له أصلاً لا بالرواية و لا بالأدب و لا بالكتابة عموما راح يساند هذا الدَّعِي في طروحاته غيرِ المؤسسة، متناسيا أن أحلام مستغانمي فرضت نفسها في عالم الكتابة منذ عشريات عدة ، و أن مختلف رواياتها و أعمالها الإبداعية طُبعت أكثر من مرة وبأكثر من لغة ، و في أكثر من عاصمة في حين بقيت كتابات ذلك الدعي في حدود جغرافية ضيقة ، كما أن بعض المخرجين صاروا يتهافتون على روايات أحلام لتحويلها لأفلام و مسلسلات تلفزيونية . لقد عرفتُ أحلام منذ أكثر من 45 عاما خلت ، و كانت حينها لم تكمل عَقدها الثاني بعد ، وهي مجردُ طالبة ثانوية ، و لكنها مع ذلك كانت تهزُّ بصوتها الرخيم و كلماتها الشاعرية وعبر همساتها الإذاعية اليومية المشاعر المرهفة و توقظ النائمين من سباتهم و تحرك فيهم الشعور بحب الكلمة المكتوبة بنبرات موسيقية مسموعة عذبة، لم يكن يتابعها المراهقون و الشبان فقط، و لكن كان الكبار يتحين موعد برنامجها الإذاعي بتلهف و إعجاب كبيرين كذلك ،و كانت تشق طريقها في عالم لم يكن بعض الكبار ليجرأ على اقتحامه ، وحطت الشابة أحلام على مرفأ الشعر و هي دون العشر ين عندما أصدرت ديوانها الشعري عام 1972 و كانت حينها في سنتها الجامعية الأولى. . لن أدافع هنا عن الصديقة أحلام مستغانمي التي عرفتها منذ عام 1970 ، لكن عملها الإبداعي هو الذي يدافع عنها ، لقد قرأت معظم أعمالها و من بينها رواية " ذاكرة الجسد " التي بيعت منها ثلاثة ملايين نسخة . و يصف الشاعر الكبير " نزار قباني" هذه الرواية بأنها نص مجنون : إنها قصيدة مكتوبة على كل البحور، بحر الحب، و بحر الإيديولوجية ، و بحر الثورة الجزائرية بمناضليها و مرتزقيها و أبطالها و قاتليها ، و ملائكتها وشياطينها وسارقيها ( ، كنا نلتقي في المكتبة الوطنية تارة و في الإذاعة تارة أخرى خلال تسجيلها لبرنامجها -همسات-، كنا ثلاثة من أصدقائها المقربين و من بينهم الراحل العزيز فاضل الشريف رحمه الله نأخذها تارة من ثانوية عائشة لنوصلها بسيارة الشريف إلى بيتها. . و هناك نحكي على أكواب الشاي و فناجين القهوة عن الأدب و عن الفن ، و نقرأ أشعار نزار قباني و إبراهيم ناجي و ابن زيدون ، و نغني لأم كلثوم و عبد الحليم حافظ و عبد الوهاب .. و هناك في بيتها الذي حولناه إلى ناد أدبي، قد يلتحق بنا أحيانا والدها المجاهد عمي محمد الشريف رحمه الله فيحدثنا عن الحركة الوطنية منذ الأربعينيات حيث كان مناضلا صلبا ، و يحدثنا عن الثورة بروح المجاهد و المثقف و الثائر ،بينما تتفنن والدتها اللطيفة في أعذب الكلام و تقديم أشهى أنواع الحلويات القادمة من جسور قسنطينة و من أحيائها الضاربة في حضارة سيرتا . .أما شقيق أحلام ،مراد و شقيقتها صوفيا صاحبة الخانة الجميلة فقد كانا آية في الأخلاق و الهدوء عندما نكون في حالة مراجعة لدروس الفلسفة و متاهات المنطق الصوري . . و عرفتُ أحلام كذلك طالبة باحثة في المكتبة الوطنية في ساعات الفراغ حيث كنا نلتهم الكتب كما يلتهم بعضهم اليوم مأكولات الهمبرغر و الشوارمة ، أكتبي يا أحلام ، فلن يزعجك اليوم الحاسدون و الغيورون من سحر الكلمة الجميلة ووقعها الموسيقي .