برامج ترفيهية وثقافية ودينية في معظم أيام رمضان بالمركز تبقى ظاهرة رمي الأولياء والأهل بديار الرحمة النقطة السلبية التي تضرّ بسمعة المجتمع الجزائري ، وتشوّه صورته ، ما جعل السلطات المحلية تقوم بمبادرات كبيرة كالتشديد من حملاتها التوعوية حتى تقلل من ظاهرة التشرد والتفكك الأسري ، في المقابل وضعت تحت تصرف هؤلاء المتشردين وحتى العجزة اماكن للمأوى مثلما هو حاصل بمركز الرحمة بمسرغين الذي يشهد اقبالا لهذه الشريحة من المجتمع وخصوصًا الشيوخ والأمهات العازبات بالإضافة إلى المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية ، سيما في شهر رمضان والذي إن قل الإقبال عليه ، إلا أن أبوابه تبقى مفتوحة في اوجه هؤلاء . وهو ما وقفنا عليه من خلال الزيارة الاستطلاعية التي قامت بها جريدة الجمهورية ليلة أول أمس وبالصدفة تم استقبالنا من طرف مدير المركز درورو عمر الذي شرح لنا ادق التفاصيل عن كيفية استقبال العجزة والمتشردين وذلك بالتنسيق مع مختلف الأسلاك الامنية والحماية المدنية بالإضافة إلى الهلال الاحمر الجزائري، مؤكدًا أن دار الرحمة بمسرغين تستضيف يوميًا مثل هذه الحالات التي تمس جميع الفئات السنية وبدرجة أخص النساء. ... الساعة كانت تشير إلى السابعة ونصف مساءا بالتوقيت المحلي ، و بالمركز ، كان عمال المطعم وحتى المرافقين بصدد تحضير سفرة الإطعام تحسبًا لموعد الإفطار فكان الجميع منهمكا في كيفت تجهيز المائدة، في نفس الوقت كان نزلاء المركز في غرفهم ينتظرون موعد اذان المغرب، وبين تلك الفترة أخذنا مدير المركز في جولة صغيرة نحو بعض المرافق قبل أن نتوجه إلى مكتبه أين قدم لنا بعض الشروحات والقوانين المعمول بها لاستقبال النزلاء ، فقد أكد أن دار الرحمة بمسرغين تنسق بينها و بين جميع المراكز الكبيرة على مستوى الغرب الجزائري، سواء تلك الموجودة بالبيض وحتى التي تم إنشاؤها مؤخرًا بتلمسان ، أما بوهران فهي فالتنسيق يكون مع كل المراكز الموجودة بالولاية حيث يتم دراسة جميع الحالات قبل الفصل في وجهة النزلاء ، وبحلول موعد الإفطار توجهنا رفقة مدير المركز إلى المطعم المقسم إلى جزئين الجناح الخاص للسيدات والآخر للرجال ، والبالغ عددهم أكثر من 72 شخص دون احتساب من هم في فائدة عائلات ذوي البر والإحسان التي تحضر كل يوم لأخذ عددا منهم من اجل تناول وجبة الإفطار هناك في بيوتها ، فقد وقفنا على سفرة تتوفر ألذ وأشهى المأكولات وفقا للبرنامج الغذائي المسطر من طرف الإدارة وحسب إمكانيات المركز ، فنوعية الأطباق لا تختلف عما تتضمنه جل موائد العائلات الجزائرية ، وكم كانت سعادتهم كبيرة ونحن نشاركتهم وجبة إفطارهم وفي أجواء أكثر من حميمية وأسرية سادت المائدة ، تنسيهم ولو للحظات شوق وحنين الأحباب وفلذات اكبادهم الذين ألقوا بهم في هذا المركز أو من الذين تجرعوا قساوة الشوارع بعدما كانوا متشردًين في أزقة وهران . وهناك من يتناول وجبة الإفطار وعقله شارد، كمن يستحضر ذكريات الماضي ويسردها لجليسه، أما البقية فيتجاذبون أطراف الحديث حول قضية ما ، فتارة يخيم صمتًا كبيرًا ولا تسمع سوى أصوات الأواني، وتارةً اخرى قهقهات وضحك . أما عمال المطعم فلا يكلّون ولا يملون من تقديم المساعدة لفئة المرضى والمختلين عقليًا إن صح القول والبالغ عددهم أكثر من 24 شخصا ، ومع الإنتهاء من وجبة الإفطار يتفرق الجميع ، فمنهم من يمشي في بهو المركز و منهم من يفضل استنشاق الهواء النقي والتجول في الحدائق الموجودة بالساحة ، كما تفضل السيدات بمختلف أعمارهن شرب القهوة مع بعضهن البعض، ويتجاذبن من خلالها الكلام ولكل واحدة منهن قصة ترويها لأخرى، روايات حقيقية وليست من نسج الخيال تحمل في طياتها المعاناة . أما الرجال فهناك من يتهيأ للتوجه إلى المسجد حتى يؤدي صلاة العشاء والتراويح، وقبلها يكون الموعد بساحة المركز، وهناك يتم توزيع الحلويات و القهوة ، في ما يفضل البقية تبادل أطراف الحديث مع مرافقيهم من المركز. في حين يتكفل خريجو المعهد الوطني للرعاية الصحية والنشاط الاجتماعي بالمرضى والمختلين عقليًا ، فلهم طريقة خاصة يتعاملون بها مع هذه الشريحة التي تعاني من أزمات نفسية وعصبية ، كما يتم تنظيم سهرات فنية ودينية بالتنسيق مع جمعية نهاري بأرزيو والإرشاد بالسانية . وقبل أن نهم بمغادرة مركز دار الرحمة بمسرغين ، أبى جل النزلاء من الشيوخ والمعوزين ، إلا أن نأخذ صورة تذكارية معهم في بهو الساحة ، فيما كان الأمر نفسه مع السيدات، لنغادر المركز ونفارق الجميع الذي قضينا معهم أوقات حميمية ، حقًا كانت مؤلمة لكن ما أسعدنا هي تلك الرعاية الموجودة بدار الرحمة ، كما ان إدخالنا الفرحة على النزلاء جعلنا أكثر سعادة ، هذا الموقف يؤكد انه لا يزال على جمعيات المجتمع المدني عمل كبير لتقليل من هذه الظاهرة التي تتنافى وتعاليم الدين الإسلامي ونحن في شهر الرحمة، فيبقى الإشكال الذي يطرح نفسه ما جدوى من الشعارات التحسيسية دون أن يكون هناك عمل ميداني؟ وأين هو دور هذه الجمعيات التي يقتصر حضورها سوى في المواعيد الرسمية.. !