عندما تطلع على مواقف بعض ممثلي أحزاب المعارضة من إلغاء التقاعد النسبي , تعتقد أنهم ينتمون إلى نفس الحزب السياسي رغم تعدد انتماءاتهم . إذ يدرج هؤلاء ملف التقاعد ضمن المؤشرات التي يبررون بها توقعاتهم بدخول اجتماعي ساخن بسبب العديد من القطاعات التي تعتزم الدخول في إضراب , معتبرة أن الحق في التقاعد النسبي مكسب عمالي لا يمكن التنازل عنه و رافضة تبريرات السلطات العمومية لإلغائه . و كان مجلس الوزراء قد صادق في جويلية الماضي على مشروع القانون التمهيدي المحدد للسن الأدنى للتقاعد و الذي أقر العودة إلى القانون الذي كان ساري المفعول قبل 1997 . و ينص التعديل المقترح على تحديد السن الأدنى للتقاعد بستين سنة للرجل و55 سنة بالنسبة للمرأة مع استيفاء 15 سنة من الخدمة على الأقل . و ابقى التعديل على إمكانية الاستفادة من التقاعد قبل أو بعد الستين عاما بالنسبة للعاملين في مناصب جد شاقة ( يتم تحديدها بموجد قانون) أو الوظائف التي تتطلب تأهيلا عاليا أو غير متوفرة , إذ يمكن لهؤلاء العمل 5 سنوات إضافية بعد سن ال60 بموافقة المستخدم . و في تعليله لهذا التعديل,أوضح بيان مجلس الوزراء أن المشروع جاء بهدف "تعزيز مبادئ المساواة التي تضبط الإحالة على التقاعد والحفاظ على مستقبل الصندوق الوطني للتقاعد ومصالح المتقاعدين ". وتأتي هذه المراجعة كذلك للحفاظ على قدرات الصندوق الوطني للتقاعد الذي "يشهد ارتفاعا كبيرا في حالات التقاعد دون شرط السن أو التقاعد النسبي ، وهما إجراءان تم إقرارهما في التسعينات على نحو استثنائي وانتقالي عندما كانت البلاد تواجه موجات غلق المؤسسات وتخفيض عدد العمال". و قد رافع الوزير الأول عبد المالك سلال من ولاية سعيدة لصالح خيار الحكومة بخصوص هذا الإجراء معتبرا أن "ملف التقاعد هو خير مثال على المسعى الرامي الى ضمان استمرارية منظومة التقاعد وحقوق المستخدمين والشباب الذين سيلتحقون بسوق العمل في المستقبل ". و استدل على اختلال وضع هذه المنظومة بالإشارة : " الى أنه في الثمانينات كان لدينا 7 عمال لمتقاعد واحد أما اليوم فقد تراجعت النسبة الى 3 عمال لكل متقاعد " ملاحظا أن الجزائر "حسنت في سنوات قليلة الظروف المعيشية والتغطية الصحية للمواطنين حتى زاد متوسط الأعمار بصفة كبيرة ". مذكرا ؛ أن كل ما نقوم به اليوم هو العودة للوضع السائد سنة 1996, وذلك بعد حوار عميق مع كل الأطراف ذات الصلة بالموضوع ، مضيفا ؛أن هناك بعض الناس يريدون تسييس مسألة إعادة النظر في سن التقاعد . و كانت وكالة الأنباء الجزائرية قد أشارت في حينه إلى أن مشروع القانون التمهيدي المعدل للقانون 83-12 المتعلق بالتقاعد والذي يلغي الأمر 97-13 المؤسس للتقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن ، يأخذ في الحسبان انشغالات ممثلي العمال ، في إشارة إلى الموقف الذي تبناه الاتحاد العام للعمال الجزائريين خلال اجتماع الثلاثية شهر جوان الماضي. و هناك من يحاول مقارنة الأوضاع الإقتصادية المتدهورة التي فرضت سن التقاعد النسبي و التقاعد دون شرط السن سنة 1997 , بالأوضاع الاقتصادية الحالية و هي مقارنة تحاول القفز على 10 سنوات من الجهود التنموية , لأن كل ملاحظ منصف سيعترف أن الوضع اليوم تغير كثيرا , و أصبح العامل الجزائري يتوفر على أشكال مختلفة من التقاعد من العادي إلى النسبي مرورا بالتقاعد المسبق و التقاعد دون شرط السن و التقاعد التكميلي ... يضاف إلى ذلك عدد كبير من النقابات (المستقلة) و غيرها للدفاع عن العمال و حقهم في تقاعد قبل الموعد , ومنها ال 13 أو ال17 نقابة التي أخذتها العزة , و عبرت عن رفضها لقرار الحكومة بإلغاء التقاعد النسبي و التقاعد دون شرط السن . و هددت ذات النقابات بدخول اجتماعي ساخن في حالة إصرار الحكومة على تمرير و تطبيق قرارها سالف الذكر. دون أن يتساءل مسؤولوها عمن يدافع عن المتقاعدين؟ و بطبيعة الحال لا يهم إن كان هذا النوع من التقاعد يؤثر على التوازن المالي لصندوق التقاعد , أو يخل بنظام التضامن بين أجيال العمال المتعاقبة , و لا يهم إن كانت الجزائر هي البلد الوحيد (في حدود علمي) التي يوجد بها نصف مليون(تقريبا) متقاعد تقل أعمارهم عن 60 عاما ,علما أن معظم هؤلاء يستحوذون على مناصب عمل كان من المفروض أن تساهم في تقليص نسبة البطالة في بلادنا. ستقولون , إنه من حق النقابات أن تدافع عن العمال , وهو حق لا خلاف حوله , لكن ما ليس من حق هذه التنظيمات أن تدعيه ,هو اعتبار "التقاعد دون شرط السن " من ضمن مكاسبها , لأن الجميع يعلم أن الدولة اضطرت إلى إقرار هذا النوع من التقاعد سنة 1997 من تلقاء نفسها لمواجهة ظاهرة البطالة المتفاقمة , و اليوم دعت الظروف الاقتصادية إلى إلغائه , و من المفروض دعمها في ذلك لا عرقلتها لأغراض شعبوية .