" تيفورة " يغادرنا على حين غرة، خبر محزن وتراجيديا أخرى تضاف إلى سجل الشخصيات الثقافية الكبرى التي ما فتئت ترحل عنا في صمت مطبق، نور الدين الذي يعد من أبرز المخرجين الجزائريين، ووري الثرى أول أمس الجمعة، في أجواء يسودها الألم والأسى، كيف لا وهو الذي نجح طوال سنوات من تقديم أعمال وبرامج تلفزيونية ناجحة وذات احترافية عالية الجودة، حيث لا يزال إلى اليوم أرشيفه يروي قصته مع الإبداع والحداثة و العصرنة، التي صرنا نفتقدها في كثير من برامجنا التلفزيونية اليوم، صحيح أنه عاني كثيرا مع المرض، لكنه عانى كثيرا من التهميش، الذي يمثل الشبح رقم واحد الذي يخشاه كل فاعل في الحركة الثقافية عندنا في الجزائر، فهو من بين المخرجين الذين يعشقون التحدي، ويطالبون دائما بالتجديد، لذا لم يكن غريبا أن تكون جميع حصصه على غرار "ابتسامة"، "عايلة هايلة"، "دغدغة" وغيرها من البرامج التلفزيونية، حبلى بالطرافة ومليئة بعنصر التشويق، وبمقدور أي مشاهد جزائري إعادة مشاهدتها إلى اليوم، وكأنها مادة إعلامية دسمة صالحة لكل مكان وزمان. نور الدين تيفورة ابن المؤسسة الوطنية للتلفزيون الجزائري، قدم لها الكثير الذي لا ينضب والغزير الذي لا يعد ولا يحصى، هو أحد أعمدة كبار المصورين والمخرجين الذين مروا على هذه المؤسسة الضخمة، حيث عمل رفقة جيل أقل ما يقال عنه إنه ذهبي من أمثال يوسف صحراوي، محمد عايش، سعيد بوغلاس وغيرهم، من الأسماء التي تعاقبت على التلفزيون الجزائري، لتبدأ رحلته مع الإخراج بعد أن بدأ مشواره كمساعد مصوّر، ببرنامج "صباحيات"، في فترته وعهده السامق، والذي استقطب الملايين من المشاهدين والمشاهدات، ليقوم بعدها بإخراج منوعاته الفكاهية، المعروفة باسم "ابتسامة"، التي كانت من بين أشهر أعماله الناجحة، حيث تداول على تنشيطها الكثير من الكوميديين على غرار محمد بسام، مراد زيروني، وصولا للمنشط سفيان داني بين عامي 97 و89، ومما لا يعلمه الكثير من المشاهدين، أن المرحوم "تيفورة" منح للعديد من الوجوه الفكاهية فرصة البروز، حيث يرجع له الفضل في ظهور صالح أوقروت من خلال أغنيته الشهيرة "جا الما نوض تعمر"، دون أن ننسى طبعا لخضر بوخرص، كمال بوعكاز، عبر العديد من "السكاتشات" والبرامج الفكاهية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر " دغدغة "، "زينة القعدة" و"هاجو لفكار"، فضلا عن إخراجه الحصة الشهيرة "عايلة هايلة" للمنشط المعروف جلال شندالي، فكان بحق المخرج الأول للفكاهة في الجزائر دون منازع، قبل أن يقعده المرض ويبعده نهائيا عن مهنته المحبوبة الإخراج. وكان آخر ظهور "علني" للمخرج الكبير المرحوم نور الدين تيفورة، الذي عانى من شلل على مدار أكثر من 5 سنوات نتيجة جلطة دماغية، خلال حفل زفاف حفيدته الذي أحيته الفنانة نعيمة عبابسة، حيث ظهر وهو مُقعد على كرسيه المتحرك، ليغادرنا الخميس المنصرم وهو في عقدة السابع من العمر.