اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء: أطفال غزة يتعرضون لإبادة ممنهجة من طرف الاحتلال الصهيوني    القيسي: تقارير خطيرة تثبت تعاون نظام المخزن مع الكيان الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني    توجيهات رئاسية هامّة    عرقاب يشارك في اجتماعات أوبك    تسجيل 414 ألف مشروع مؤسّسة مصغّرة    القوات البحرية تُنقذ بحاراً من أذربيجان    عطّاف ينوه بالإجماع الإفريقي والكوري    دحلب تؤكّد أهمية استعمال الرقمنة    اجتماع تحضيري لرؤساء فروع البعثة الجزائرية    تكفل الضمان الاجتماعي بالرضيعتين التوأم السيامي من ولاية توقرت    السيد فايد يترأس الاجتماع الدوري للجنة الوطنية لتقييم مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب    بلعابد: امتحان شهادة التعليم المتوسط يجري في ظروف تنظيمية حسنة    مهرجان مسرح الهواة لمستغانم: تكوين زهاء 80 شابا في الفنون المسرحية    سعيدة: السيد زرب يعطي إشارة انطلاق امتحانات شهادة التعليم المتوسط لفئة المحبوسين    اختتام الطبعة ال23 للصالون الدولي للسياحة والاسفار    النص الكامل لبيان إجتماع مجلس الوزراء    مواضيع امتحان شهادة التعليم المتوسط لن تخرج عما درسه التلاميذ على مستوى الأقسام    التأكيد بالجزائر على أهمية رقمنة المخطوطات والأرشيف    في تصريح لممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة: استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي هو الحل الوحيد    عمورة ثالث الهدّافين العرب بجميع البطولات الأوروبية    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال الصهيوني على غزة ورفح    الموافقة على تعيين سفيري الجزائر بغانا وإيطاليا    "الخضر" يجرون اليوم أوّل حصة تدريبية بتعداد مكتمل    موجة استنكار عارمة لمحاولات الاحتلال تصفية "الأونروا"    مخطط هام لخدمة الحجّاج وإنجاح موسم الحج    الريال بطلاً لأوروبا    اختتام الصالون الوطني للابتكار    سكيكدة.. ورقة رابحة لولوج الأسواق الطاقوية العالمية    قسنطينة : جراء حادث مرور وقع ببلدية الخروب إصابة 10 أشخاص بجروح متفاوتة    قيادة القوات البحرية تشارك الأطفال عيدهم العالمي    فلورنتينو: هذه نقطة الانطلاق صوب اللقب 16    انطلاق مهرجان القراءة في احتفال    مواقف تَرْبَويّة نبويّة مَعَ الشباب    روما الإيطالي متردد بخصوص بيع حسام عوار    بن زيمة: أتمنى مشاهدة مباراة قوية للخضر أمام غينيا    اجتماع تحضيري لرؤساء فروع البعثة الجزائرية للحجّ    محمد ياسين بلكسيل.. مخترع روبوت لمساعدة المصابين بالشلل    عرض فيلم التحريك ثلاثي الأبعاد "الساقية" بالعاصمة    "السنافر" يستهدفون الفوز لاستعادة مركز الوصافة    احتفاء بأبعاد ثقافية وفنية وعلمية    تكوين رؤساء البلديات حول حماية التراث    حديث عن النقد والترجمة ومحطة أخرى للأدب الشعبي    مصادرة 1582 علبة سجائر    8 متورطين في سرقة 30 رأس ماشية    شراكة لتعريف الطلبة بسوق التشغيل    الجزائر خطت خطوات عملاقة في مجال حماية الطفولة    بيئة : التأكيد على أهمية استعمال الرقمنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    "خيال" للنشر تعود بباقة من العناوين الجديدة    جدل صهيوني حول مبادرة بايدن وحماس تطالب باتّفاق كامل    حمدان: حماس تتعاطى بإيجابية ومسؤولية مع مقترح بايدن ولا نستبعد التوصل إلى اتفاق    الديوان الوطني للحج والعمرة: رقمنة خدمات الحج سهّلت الإجراءات على ضيوف الرحمن    قضايا الشعوب تشكل المبدعين وتعيد تكوين مشاعرهم    لاعبون جزائريون مطلوبون في الميركاتو    لا تتبرّكوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب..    وصول أزيد من 11300 حاج جزائري إلى مكة المكرمة    هذا حُكم الاستدانة لشراء الأضحية    جبر الخواطر.. خلق الكرماء    ليشهدوا منافع لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد والإفساد: رقصة التانغو المنفردة
نشر في الحياة العربية يوم 14 - 05 - 2016


القدس العربي
استضافت الحكومة البريطانية، أول أمس، في لندن، قمة عالمية لمكافحة الفساد؛ حملت الأماني المعتادة، والشعارات العتيقة، حول صياغة موقف كوني لمعالجة الظاهرة، واتخاذ سلّة إجراءات رادعة بصدد سرّية أعمال الشركات، وشفافية الحكومات، وتطبيق قوانين دولية في محاسبة الفساد والفاسدين.
دافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، مهّد للقمة بهذا التصريح: «شرّ الفساد يبلغ كلّ زاوية من هذا العالم. وهو يكمن في قلب ما نواجهه من المشكلات الأكثر إلحاحاً، من التشوش الاقتصادي، إلى الفقر المستوطن، إلى تهديد دائم الحضور يخصّ التشدد والتطرف». وإذْ تمنى كاميرون أن يلقى وليد القمة الجديد «أوّل» إعلان عالمي ضدّ الفساد نجاحاً وفاعلية في المستقبل؛ فإنه أنذر، ضمناً، بالانتكاسات المعتادة: الانتصار في المعركة «لا يتمّ بين ليلة وضحاها، ويتطلب وقتاً وشجاعة وعزماً».
وإلى جانب حفنة ضئيلة من رؤساء الدول، مثل النيجيري محمد بخاري، والأفغاني أشرف غني؛ واثنين من رؤساء الوزارة، في نيوزيلندا وسنغافورة؛ لم تشارك الدول الكبرى المصنّعة إلا على مستوى وزراء الخارجية (أمريكا وألمانيا، مثلاً)، أو شاركت بتمثيل متدنِ عن سابق قصد (روسيا أرسلت أحد نوّاب وزير الخارجية)؛ وشاركت كريستين لاغارد، عن صندوق النقد الدولي؛ وجيم يونغ كيم، عن البنك الدولي؛ وخوسيه أوغاز، عن منظمة «الشفافية الدولية». أما الطريف، وسط هذا الحشد، فقد كانت مشاركة فرنسيس فوكوياما، دون سواه، في ورقة لا تبشّر بنهاية التاريخ مجدداً، بل تشخّص الفساد: «السمة التي تعرّف القرن الحادي والعشرين، تماماً كما كان القرن العشرون قد اتصف بصراعات إيديولوجية واسعة النطاق بين الديمقراطية والفاشية والشيوعية»!
قبل انعقاد هذه القمة، كانت «الشفافية الدولية»، المنظمة العالمية الأبرز في متابعة ملفات الفساد على صعيد كوني؛ قد أصدرت تقريراً بعنوان «الناس والفساد: دراسة مسحية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، أشارت معطياته الأوجز والأهمّ إلى التالي، بخصوص المضطرين إلى دفع رشوة: 1 من 3، من الذين تعاملوا مع المحاكم؛ 1 من 4، من الذين تعاملوا مع الشرطة؛ 1 من 5، أبلغوا عن حالة فساد؛ 2 من 5، أبلغوا عن الفساد ويعانون من ردود انتقامية؛ 30٪ يخافون من الردود الانتقامية؛ 61٪، يرون أن الفساد في ازدياد؛ قرابة 50 مليون شخص دفعوا رشوة، خلال سنة 2015؛ 68٪، يؤمنون أن حكوماتهم فاشلة في محاربة الفساد... الاستقصاءات شملت بلدان الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين والسودان وتونس واليمن؛ أي أنّ سوريا استثنيت، وكذلك العراق، ودول الخليج العربي...
وقبل أن يتفاخر كاميرون باعتماد «أوّل» إعلان عالمي حول مكافحة الفساد، تجدر الإشارة إلى اتفاقيات دولية سابقة، مثل»ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد» UNCAC، والذي وقعت عليه 140 دولة عند اعتماده سنة 2003، ويعدّ اليوم 178 دولة. غنيّ عن القول إنّ معظم الدول الموقعة على هذا الميثاق لا تغرق في الفساد فحسب، بل تمارس الإفساد أيضاً: في تقارير «الشفافية الدولية» يسير ترتيب الدول الأكثر إفساداً، أي الأكثر سخاء في منح الرشاوى للدول أو الجهات المتعاقدة، كما يلي: روسيا، الصين، تايوان، كوريا الجنوبية، إيطاليا. وهذه اللائحة تضمّ مجموعة الدول الآسيوية الأساسية (هونغ كونغ، ماليزيا، اليابان)، ثمّ معظم الديمقراطيات الغربية (الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا...). لافت، إلى هذا، أنّ حقول منح الرشوة تتركّز في قطاعات الزراعة، والصناعة الخفيفة، والإنشاءات المدنية، والطبّ والصيدلة!
على صعيد آخر، تشهد مؤسسات ودوائر وفروع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مراجعات جذرية تتناول مسألة الفساد والإفساد، وتسفر أحياناً عن صياغات متسارعة وقرارات دراماتيكية بالغة الخطورة، تبدو إدارية تقنية من حيث الشكل، ولكنها من حيث المحتوى الأعمق تظلّ سياسية واقتصادية وفلسفية أيضاً. إنها، كما يُقال لنا، «حرب شعواء» ضدّ الفساد المالي، أو ضدّ استشراء «سرطان الفساد»، ولم يعد في وسع المؤسستين اللتين تتحكمان في أموال العالم (والعالم الفقير لمزيد من الدقة) الصبر على هدر الأموال العامة، والرشوة، والاختلاس، وتخريب الاقتصادات الوطنية، وعرقلة «برامج التعديل الهيكلي» SAP بوصفها «إنجيل الإصلاحات» المقدّس في عرف خبراء المؤسستين.
لكننا نعرف أنه في جميع بلدان العالم (نعم: جميعها، بلا استثناء)، هنالك رجال يستمدون ألقابهم من النسبة المئوية التي يحصلون عليها لقاء تسهيل أو توقيع مختلف أنواع العقود مع مؤسسات استثمارية صغيرة أو كبيرة، محلية أو عابرة للقارات. هنالك «المستر 5٪»، أو «المستر 10٪»، أو حتى «المستر 15٪». وكان التنظير الرأسمالي البراغماتي قد اعتبر، مراراً في الواقع، أن حصة هذا «المستر» ليست جزءاً طبيعياً لا يتجزأ من كلفة التنفيذ، فحسب؛ بل هي حصة حيوية لا غنى عنها في سياق تذليل المصاعب البيروقراطية التي تعترض الإجراءات الإدارية على اختلاف مستوياتها، من توقيع العقود ذاتها وصولاً إلى الاستلام النهائي للمشروع والمصادقة على سلامة تنفيذه. بمعنى آخر، كان أصحاب هذا التنظير لا يرون غضاضة في تقديم الرشوة، ولا يخشون في ذلك أية عواقب قانونية أو سياسية أو أخلاقية.
والأرجح أنّ هبّات السخط الرأسمالية كما في بريطانيا بالأمس، والبنك الدولي وصندوق النقد منذ سنوات التي تثور ضدّ هذا الطراز من الفساد، إنما نجمت أساساً عن حقيقة أنّ المستر 5٪ أو 10٪ أو 15٪ بات اليوم «المستر 30٪» ليس أقلّ؛ وهذا أكثر بكثير مما يحتمله أي منطق اقتصادي في حساب الكلفة، لأنه ببساطة ثلث الميزانية في أي مشروع من جهة، وهو معدّل سنوي عالمي يتراوح بين 500 و1000 مليار دولار من جهة ثانية! وهكذا أعلن البنك والصندوق أن مختلف الاتفاقات القادمة مع دول العالم سوف تكون مشروطة ببنود صريحة حول مكافحة الفساد، وضمانات صريحة أكثر حول «ترشيد» اقتصاديات الاستثمار. اللباقة وحدها منعت هؤلاء من القول: لا بأس ب»المستر 15٪» في الحدود القصوى، ولكن لا تسامح أبداً مع «المستر 30٪»! بمعنى ثالث، لا بأس من الفساد، شرط أن يكون في حدود المعقول!
وهذه السطور كُتبت قبل اختتام قمة لندن، لكنّ التباشير أشارت منذ البدء إلى إغفال مبدأ مركزي حاسم يقول إن الفساد تعَوْلَم بدوره، ولم يعد يقتصر على ثقافة سياسية دون غيرها، أو على نظام اقتصادي دون آخر، أو على الدكتاتوريات دون الديمقراطيات. وما دامت الوقائع تشير إلى أنّ الكلّ في الفساد سواسية، ما خلا المعدّلات والنِسَب وحصّة «المستر»، فإن الطرائق الناجعة (أو التي يمكن أن تكون ناجعة في أي يوم) ينبغي أن تأخذ بالحسبان حقيقة وجود الفاسد كتفاً إلى كتف مع المفسِد، وحقيقة وجودهما داخل هياكل الدولة وخارجها أيضاً.
ولأنه ظاهرة شبيهة برقصة التانغو، لا تتمّ دون وجود طرفين اثنين: الذي يستلم المال القذر، والذي يسلّمه؛ فإنّ مراقصة الأغنياء للفقراء في ملفات الفساد تنقلب إلى تانغو منفرد: العمالقة الأغنياء يرقصون، والصغار الفقراء مهمشون، وأما ضابط الإيقاع فقد كان على الدوام ذلك الدركي المالي الصارم البارد الدم، الذي يحمل تارة اسم صندوق النقد الدولي، وطوراً اسم البنك الدولي. ليس دون أن يتكثف الاسمان، بين حين وآخر، في مسمّى واحد هو الأمن الاقتصادي السياسي العالمي، خصوصاً وأنّ السياسة في نهاية المطاف اقتصاد مكثّف... شديد التكثيف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.