أعماله لا تنتمي إلى جيله، اختار لنفسه عالما مغايرا ..الاستعمار تيمة في مجمل رواياته... مدينة كوروسا القديمة في السودان الغربي شكلت هوسه الإبداعي... أهلها كما جاء في كتاباته لم يأبهوا لوجود الأجانب بينهم ،إنشغالهم بأمورهم الخاصة حال دون ذلك .. يمارسون حياة بلا تغيير مع أنها كانت آيلة إلى إنتدثار هذه العالم الآيل إلى الانقراض مع لحمولته الإنسانية وتقاليد وقيمه ناقشه كمارا لاي في كتاب أسماه ''الطفل الأسود'' أصبح بشكل مرجعا لكل الشغوفين بالأسرار الافريقية... مارس فيه كمارا لاي الصدق والحميمية كما لم يمارسهما أحد... لذلك أعتبره النقاد كتابا فريدا من نوعه متفوقا على كل من عاصروه من الكتاب الأفارقة... ''كنت طفلا صغيرا العب حول كوخ أبي .. لا ادري كم كان عمري في ذلك الوقت... لكن كنت صغيرا جدا أعلى كل حال خمس أو ست سنوات ..كانت أمي في المعمل مع أبي وكنت أسمع صوتهما المألوفين عبر الضجيج سنوات كانت أمي في المعمل مع أبي وكنت أسمع صوتهما المألوف عبر ضجيج السندات وحديث الزبائن ، فجأة توقفت عن اللعب ، شد إنتباهي ثعبان كان يبدو في نزهة حول الكوخ .. بعد برهة تقدمت منه .. أمسكت بقصبة كانت ملقاة على الأرض وأدخلتها في فم الحية.. لم يحاول الثعبان الانصراف بل أخد يبتلع القصبة ببطء مستمتعا بذلك... تم أخذ يلتهمها كأنها صيد ثمين وعيناه تلمعان متعة بينما كانت رأسه تقترب من يدي شيئا فشيئا إلى أن اختفت القصبة بكاملها في فمه وصارت أسنان الثعبان تكاد تلامس أصابعي .. لم يساورني أي شعور بالخوف رغم تأكدي من أن الثعبان سوف لن يتردد كثيرا قبل أن يغرس أنيابه في أصبعي ..ولو لم يسارع أحد أصدقاء أبي لإبعادي عنه في تلك اللحظة لالتهمني الثعبان.. لقد نجوت من الحية ..ساد الاضطراب من حولي .. أمي غطى صوتها كل الأصوات وانهالت علي صفعا وتأتينا .. أخذت أبكي لا بفعل الضربات التي تلقيها بل من هول الفوضى التي سادت المكان ..بعدما هدأت نفسي وساد السكون من جديد ، حذرتني أمي بشدة بألا أعود إلى مثل هذا اللعب مرة أخرى فوعدتها بذلك رغم أنني لم أكن في الحقيقة أرى مدعاة للخطر فيه.'' بعد هذا المشهد الحار والحيوي يتخرط القارئ فيما يسرده الكاتب من عروض تضج بتفاصيل الحياة ..عامرة بالحميمية التي نهل منها كما را لاي كطفل سعيد غير آبه بشيء فيما عدا حضور ابيه الذي يضفي حماية على الجميع بسحره.. يواصل .. يواصل الطفل لهوه ولعبه وسط هذا الجو المتكامل الذي سيغرب عنه شيئا فشيئا الى ان يتركه بلا رجعة ..قضى لاي اولى مراحل التعليم داخل مدرسة محلية ثم انتقل إلى كوناكري وبعدها إلى باريس ..كان من المفترض أن يرث عن أبيه كل المهارات والصنعة.. إلا أن العالم وكل شيء من حوله كان يتغير .. ومدينة كوروسا كانت على بينة من ذلك هي الاخرى .. لذلك لم يكن هناك ما يمنعه من مغادرتها .. تلقائية أخاذة روى بها الكاتب مجمل فصول الكتاب..لبقع متدثرا بالغربة والحنين معتدا بحاجته العميقة الى الاستذكار .. جلب لمكانه الباريسي مزرعة جدته التي كان يقصدها في في موسم الحصاد ..كان كل رب عائلة ينهض عند الفجر ويقطع أول قبضة من حقله ، وما إن يفعل ذلك حتى يعلو دق الطبول أيذانا ببداية الحصاد .. كان الحصادون ينطلقون فأتبع خطاهم وأنا أمشي على نسق دقات الطبول.. كان الشبان يلقون بمناجلهم المتلألئة عاليا في السماء ويمسكون بها عند سقوطها وهم يصيحون بأعلى صوتهم لمجرد التمتع بسماع أصواتهم المتعالية ، ويؤدون حركة راقصة على ضربات الطبول... ولان مزاج كمارا لاي كثيرا ما يحن لاسترجاع تفاصيل وأحداث حياته السابقة يواصل بنفس التلقائية والصراحة تشريح فترات من ذلك الماضي مجددا انبهاره بفرحة الحصاد البسيطة وزرقة الجو المتلألئة لكنه ينظر إلى هذه الحياة على أنها مجرد غابة من الرعب والجهالة ،فالسعادة لم تدخل إفريقيا لأول مرة مع الإنجيل ورايات أروبا كما أن البؤس لم يختف معها لسوء الحظ.