خسر تنظيم الدولة الإسلامية سرت، معقله الرئيسي في ليبيا وقاعدته الخلفية المهمة المطلة على البحر المتوسط، ليفقد بذلك نقطة الاستقطاب الرئيسية له في شمال افريقيا، لكن ذلك لا يعني خروجه من المشهد الليبي بشكل مطلق، بحسب خبراء. وبعد ستة اشهر اشهر من اطلاقها عملية «البنيان المرصوص» لاستعادة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية، نجحت قوات حكومة الوفاق الوطني وبمساندة ضربات جوية امريكية محددة الاهداف، في انتزاع السيطرة من التنظيم المتطرف على ساحل يمتد بطول حوالى 200 كلم في شمال البلاد. لكن في ظل الفوضى الامنية التي تعم ليبيا منذ خمس سنوات والانقسامات بين قواتها العسكرية الرئيسية في غرب البلاد وشرقها، تبقى امام تنظيم الدولة الإسلامية فرصة التمدد الى منطقة اخرى في البلد الشاسع الغني بالنفط وخصوصاً في الجنوب الغارق في الصراعات القبلية.ويقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتيا توالدو ان «اجتياح سرت (450 كلم شرق طرابلس) وإقامة ولاية فيها شكل ضربة دعائية كبيرة له (تنظيم الدولة الإسلامية) نجح خلالها في استقطاب المقاتلين من كل انحاء شمال افريقيا ومنطقة الساحل» الافريقي. ويضيف ان «فقدانها قد يعني خسارة مرحلية لقوة محركة اساسية له». على مدى أكثر من عام، ومنذ سيطرته عليها بشكل كامل في حزيران/يونيو 2015، شكلت سرت، وهي مسقط رأس القذافي، ملاذاً للتنظيم الجهادي الذي جعل منها قاعدة خلفية له تستقطب المقاتلين الاجانب الذين جرى تدريبهم على شن هجمات في الخارج. وفي هذه المدينة المتوسطية الواقعة على بعد نحو 300 كلم فقط من أوروبا، قطعت الأيادي وأعدم الناس في الساحات. وفي شوارعها الرئيسية، رفعت رايات التنظيم الجهادي السوداء، وفرض على السكان اداء الصلاة في مواعيدها، ومنعت النساء من مغادرة منازلهن من دون محرم. واستغل تنظيم ابو بكر البغدادي الفراغ الأمني الذي تشهده ليبيا منذ الاطاحة بنظام القذافي بفعل الصراع على السلطة ليرسخ موطئ قدم له في 2014، بدءاً من مدينة درنة في اقصى الشرق، ومروراً ببنغازي (الف كلم شرق طرابلس) ووصولاً الى سرت القريبة من ابرز موانئ تصدير النفط. ولا يعرف بالتحديد عدد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، لكن مسؤولين امريكيين وفرنسين قدروه قبل اشهر بانه يتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف. لكن متحدثاً باسم القوات الحكومية اعلن في منتصف ايار/مايو بعد إطلاق معركة سرت، ان عددهم لا يتجاوز الالف.وبعد سرت، ستتجه الانظار نحو الجنوب الليبي شبه المنسي، المحاذي للسودان وتشاد والنيجر والغارق بالصراعات القبلية والسياسية.ويرى مؤسس موقع «آيز اون ليبيا» جيسون باك ان «إنهاء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على سرت لا يعني إنهاء وجوده في ليبيا»، مضيفاً ان «قدرة التنظيم على تأسيس قواعد له في مناطق أخرى في ليبيا هي نتيجة مباشرة للفوضى والانقسام السياسي وغياب سلطة الدولة» منذ 2011. ويضيف «من المحتمل ان يكون قادة كبار في تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكنوا من الفرار نحو الجنوب في الأيام الأولى من المعركة، او خلال مراحل وقف إطلاق النار (التي هدفت الى اخراج عائلات من سرت). لذا فان التنظيم لن يواجه الكثير في سعيه لإعادة التجمع في الجنوب الليبي». وفي ليبيا حالياً حكومتان، الاولى مدعومة من المجتمع الدولي ومقرها طرابلس تحظى بمساندة القوات التي قاتلت التنظيم في سرت، والأخرى تتمركز في الشرق ولا تتمع باعتراف المجتمع الدولي لكنها تحظى بمساندة قوات كبيرة يقودها الفريق اول ركن خليفة حفتر، وهي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية في بنغازي. والأرجح انها قد تلعب دوراً في حال محاولة التنظيم الانتقال الى منطقة أخرى في ليبيا. ولا يستبعد توالدو من جهته ان يقوم عناصر في تنظيم الدولة الإسلامية بالانضمام الى تنظيمات جهادية اخرى في ليبيا، على رأسها جماعة «أنصار الشريعة» القريبة من تنظيم القاعدة. ويوضح الباحث ان «بعض المقاتلين الليبيين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية انضموا اليه بعدما كانوا ضمن صفوف جماعة «انصار الشريعة»، ولذا تبقى امكانية العودة اليها قائمة».لكن أغلبية عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا هم من «المهاجرين» الآتين من دول شمال افريقية اخرى على رأسها تونس، ومن دول خليجية ايضاً، بعدما فشل في استقطاب الليبيين بشكل عام الذين يعيشون في مجتمع بدوي محافظ انما غير متشدد. ومنذ بداية ظهوره في ليبيا، يواجه تنظيم الدولة الإسلامية بسبب عدم قدرته على التمدد واستقطاب السكان المحليين، معضلة رئيسية تتمثل في ايجاد مصادر لتمويل نشاطاته واقامة نظام مالي فعال على غرار النظام الذي يتبعه في كل من سورياوالعراق. ورغم إمكانية إعادة تنظيم صفوفه، إلا ان هذه المعضلة ستبقى تلاحق التنظيم خلال محاولته الاستقرار في ليبيا وستزداد تعقيداً بخسارته سرت. ويوضح توالدو ان «تنظيم الدولة الإسلامية لم يحظ بمساندة الموالين للقذافي، كما هو حال البعثيين في العراق (…). كما انه لم يتمكن من السيطرة على مصدر مهم لتمويل» عملياته في ليبيا.ويتابع «ما وجدوه في مصارف سرت لا يقارن بما وجدوه في الموصل (شمال العراق)، كما هو الحال ايضا بالنسبة الى مخازن السلاح».