يعتبر مسرح الجريمة من بين الأدوات الرئيسية التي يركز عليها المحققون في تحديد معالم وأسباب الجريمة، حيث يجمعون كل ما يجدونه في محيط الحادث مهما كان الشيء غير ذي معنى بالنسبة للشخص العادي، فقطرة دم أو بقايا سيجارة أو مجرد خيط أو شعرة قد تقودهم لحل لغز القضية التي هم بصدد التحقيق فيها، كما يجدون في العمل الاستخباراتي والجواري أفضل وسيلة للوصول إلى المجرمين. لم يعد الذكاء والحدس وحدهما عاملين يشترط توفرهما في المحقق ليمارس عمله باحتراف ويكشف الغموض عن القضايا المستعصية على مر السنوات، وإنما للمواطن دور في تفكيك شفرتها. وحسب ما كشف عنه مدير التعليم بمدرسة الشرطة القضائية للدرك الوطني لبوشاوي العقيد حفيظي مراد، فإن فك لغز أية جريمة أصبح مرهونا بالجانب الاستعلاماتي، ولا بد على المواطنين التبليغ عن وقوع أية جريمة وإفادة المحققين بجميع المعلومات التي من شأنها تسهيل مهمتهم، غير أن هذا الأمر يتوقف على طبيعة المجتمع، فمثلا بالقرى والأرياف نجد أن المواطن يبلغ عن الجريمة، عكس الحال في المناطق الحضرية. لكن نجد أن الكثير من القضايا يستغرق فيها التحقيق مدة طويلة، وحول هذه النقطة أوضح المتحدث أن الجريمة التي لها أماكن متعددة والتي تتطلب تمديد الاختصاص هي التي يطول فيها التحقيق، لاسيما قضايا الفساد التي تفرض على المحقق أن يتحكم فيها، ويكون ملما بالمعطيات الاقتصادية. وعن أهم “الحيل” المعتمدة في التحقيق، ذكر المتحدث أنه بعد وقوع الجريمة يصبح أي شخص في محيطها مشكوكا فيه، غير أنه من المستحيل أن لا يترك المجرم أثرا لفعلته مهما كان بسيطا وتافها، ليروي في السياق تفاصيل قضية خيانة الأمانة بطلها سائق شاحنة منحه مسؤوله مبلغ 10 آلاف دينار كمصروف لرحلته إلى ولاية تمنراست، ولكنه اهتدى إلى الاستحواذ على المبلغ من خلال نسج سيناريو تعرضه للاعتداء والسرقة أثناء الطريق. المحقوقون فككوا طلاسم هذه القضية من خلال الرجوع إلى المكان الذي وقعت فيه السرقة، حيث تبين أنه غير معروف بحدوث اعتداءات فيه، وحتى المواصفات التي قدمها الضحية “المزعوم” لا تنطبق على أي مسبوق قضائيا بالولاية. من جهته قال محقق شرطة بمدرسة الشرطة القضائية إن أول خطوة يقوم بها المحقق بعد وقوع أية جريمة هي تطويق المكان ورفع البصمات، ولكن جمع المعلومات من محيط الحادث يسهل كثيرا من المهمة، بينما يحال المشكوك فيهم على العدالة التي تبقى الفيصل إما بالتبرئة أو الإدانة. ويخطئ من يظن أن التحقيق مع المرأة أسهل من الرجل، حسب نفس المصدر، لأن ذلك يتوقف على شخصية كل واحد منهما، فكثير من النساء يتقن “المراوغة” في التصريحات، بينما ينهار الرجال بعد أول سؤال، مستدلا بقضية الطفلة سندس التي خنقتها زوجة عمها وخبأتها في الخزانة، فهذه الأخيرة تمسكت بالإنكار إلى آخر لحظة. كما أكد أن المحقق عموما لا يغفل عن الأدلة غير الظاهرة بمكان الجريمة، فقطرة دم كانت وراء تحديد هوية شخص قتل صديقه ببلدية السويدانية بالعاصمة.