أبدى الروائي الفرنسي جيروم فيراري إعجابه بشخصية الشهيد العربي بن مهيدي، وأوضح أنه جعل منه شخصية أدبية في روايته "أين تركت روحي"، لما تملكه من حضور قوي في تاريخ "حرب التحرير". موضحا أن اهتمامه بالفلسفة، لم يؤد به إلى كتابة الرواية الفلسفية، ولا إقحام نظريات فلسفية، وإنما ينطلق من الواقع البشري، ومن زوايا ذاتية وضمن مصائر فردية لا تتطابق بالضرورة مع النظريات الفلسفية. قال جيروم فيراري، خلال محاضرة ألقاها أول أمس، بمركز “لي غليسين” بالجزائر العاصمة، بدعوة من منشورات “البرزخ”، وتحدث فيها عن مساره الأدبي، بأنه بدأ بالكتابة في سن متأخر نوعا ما. حيث نشر أول مجموعة قصصية في 2001، تناولت الأوضاع الاجتماعية في كورسيكا، مسقط رأسه. وأوضح أنه أراد بذلك أن يناقض الرؤية الكلاسيكية التي لا تصور من كورسيكا إلا الجانب السياحي، وبعض التقاليد كالثأر في مسائل الشرف، وقطاع الطرق والأم الشجاعة. لذلك راح مع كاتب صديق يكتب باللغة الكورسيكية يتناولان المجتمع من زوايا نقدية أخرى، مما سبب لهما انتقادات كثيرة. ثم نشر أول رواية مرّت في صمت لم يلتفت ولم يكتب عنها أحد. وذكر فيراري، أنه جاء إلى الجزائر سنة 2003، ليشتغل في الثانوية الدولية (ديكارت سابقا)، ويدرس الفلسفة، فاهتم بتاريخ الجزائر، وبالأخص ثورة التحرير. فجاءته كتابة رواية عن العربي بن مهيدي والتعذيب والضباط المظليين خلال معركة الجزائر، وصدرت بعنوان “أين تركت روحي”. وكشف فيراري أنه رفض أن يكتب رواية تاريخية يعيد سرد تفاصيل تاريخية كموضوع مكرّر وموجود في الكتب التاريخية. كما أنه لم يرد كتابة رواية رمزية يغير الأسماء والأماكن. فاختار المواجهة بين السجين وجلاديه، وهي فكرة قديمة بين المسيح وبيلات، فموقع الرواية في ثلاثة أيام، وتناول المسألة من زاوية الضباط الذين وجدوا أنفسهم حائرين بين الحرب وقوانينها وشرفها وبين التعذيب كممارسة ممقوتة، ومع ذلك لم يتحدث عن التعذيب وإنما عن العلاقة بين مناضل فذ هو العربي بن مهيدي وبين ضابطين فرنسيين يعجبان بسجينهم. وقال: “لكن الضرورة السياسية تقتضي مصيرا آخر”، مضيفا بأنه استقى عنوانه من تصريح للعقيد ترانكيي حينما قال في حوار له: “لم أفقد شرفي في معركة الجزائر، وإنما تركت شيئا من روحي هناك” . واعتبر فيراري أن للمسألة بعد روحي وديني. وقال: “لا ننسى بأنّ الكثير من الضباط هم مسيحيون ومتشبعون بالتضاد بين الدين والواجب السياسي أو الوطني، مثل “لابولارديار” الذي رفض اللجوء للتعذيب مهما كانت التبريرات لأنها تمس بقداسة الجسد واحترام الإنسان. وجاءت رواية “أين تركت روحي”، حسب فيراري وسط روايات أخرى مثل “فن الحرب الفرنسي لألكسي جيني ورواية موفينيي عن المجندين في حرب الجزائر. وبخصوص روايته الفائزة بجائزة “الغونكور” منذ سنتين، والصادرة بعنوان “خطاب عن سقوط روما”‘ فقد استوحاه من خطاب للقديس أوغسطين، ولكنه لم يكتب رواية فلسفية، على حد تعبيره، ولا رواية تاريخية عن سقوط روما، وإنما عاد إلا مسقط رأسه كورسيكا وتحدث عن تسيير حانة، وهو يحب الحانات ويعرفها جيدا، ويتحدث عن نشأة وموت الدول مثلما ينشأ ويموت الإنسان. وقال إنها هي مصائر شخصيات عادية في القرن العشرين، وهو قرن ثري بالحروب والتقلبات العديدة. واعتبر فيراري نفسه بأنه من أتباع فلسفة شوبنهاور اليائسة والمتشائمة، ويرى بأن الخير قليل وبأن الناس يعيشون اليأس والمآسي أكثر مما يعيشون الأفراح والأيام السعيدة. معتبرا بأنه يستفيد من الفلسفة التي يدرّسها ولكنه لا يكتب نظريات فلسفية، وإنما ينطلق من الواقع البشري، ومن زوايا ذاتية وضمن مصائر فردية لا تتطابق بالضرورة مع النظريات الفلسفية.