اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية في مجال الملابس الجاهزة    حوادث المرور: وفاة 44 شخصا وإصابة 197 آخرين خلال الأسبوع الأخير    التزام ثقافي مع القضايا الإنسانية العادلة في دورته الرابعة : حضور نوعي لنجوم الجزائر والدول المشاركة بمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    معسكر : "الأمير عبد القادر…العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: خطوة نحو تعزيز السيادة الرقمية تحقيقا للاستقلال التكنولوجي    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"هولوكوست" فرنسا المسكوت عنه
"الخبر" تعود إلى سجن أمزيان بقسنطينة
نشر في الخبر يوم 31 - 10 - 2014

جثث الجزائريين المغتالين تسحق ليلا في مصانع "الجبس" لإخفاء أثار التعذيب
أبشع صور الرعب وعار فرنسا المنسي
كتب الصحفي الفرنسي "جان لوك إينودي" في تحقيق أعده سنة 1986 حول سجن أمزيان في قسنطينة: "أدانت محكمة فرنسية "كلوز باربي" المسؤول في البوليس النازي السري ما يسمى ب"غيستابو" وفق ما يقتضيه العدل، لكن قائد مركز "مزرعة أمزيان" لم يمثل قط أمام المحكمة، بل بالعكس واصل مساره المهني كضابط في الجيش الفرنسي، حيث كان هناك فرق بين المعاناة والموت التي عرفها ضحايا فرنسيون على يد "كلوز باربي" وبين معاناة وموت جزائريين على يد القائد "روديه".
يعدّ مركز التعذيب “أمزيان” أبشع صورة عن الترهيب والإبادة الجماعية إبان حرب الجزائر من قِبل الفرنسيين، لم يأخذ حظه من التعريف والتحقيق في جرائم ارتكبت ضد الإنسانية ظلت محبوسة ومخفية بعد مرور ستين سنة عن إعلان الثورة التحريرية، حيث ذكره أغلبية المؤرخين لكن في محطات صغيرة ارتبطت بتاريخ ثورة الجزائر. كما أن أغلب الثوريين ومن كان له صلة بحزب جبهة التحرير أو جيش التحرير قد مر على هذا المركز، وكان أمر تحويل السجناء إليه “حتمية”، لأنه الوسيلة الأنجع للاستنطاق، بفعل العذاب الذي لا يزال يذكره شهود عيان تعرضوا للتعذيب وبعض المجاهدين الشاهدين على تلك الحقبة التي كان فيها سجن “أمزيان” يجسّد “الرعب”، وقالوا إنه سبق سجن “أبو غريب” وفاقه في التعذيب وقهر الإنسانية.
وقد حاولنا البحث عن من ذكر التاريخ أسماءهم ومروا عبر هذا السجن، إلا أننا لم نجد الكثير منهم، فأغلبيتهم توفوا بمن في ذلك الكاتب الصحفي الفرنسي “جان لوك إينودي”، الذي فارق الحياة منذ قرابة خمسة أشهر بعد زيارته لمدينة قسنطينة وعائلة حمادي مالكة المزرعة، فيما وجدنا البعض الآخر على فراش المرض، على غرار السيدة جميلة حوحو وزهرة عڤون ويوسف بادر وآخرون انتقلوا إلى ولايات أخرى، في وقت اجتمعت “الخبر” مع السيدة الفدائية ليلى بلكحل والمجاهد أحمد لخضر فندي والمناضل عبد الرحمان عاشور، الذين تجاوزوا كلهم سن السبعين، وهم الذين دخلوا سجن “أمزيان” في سن لم يتجاوز العشرينات ونالهم فيه العذاب بكل أنواعه.
شاهد على صرخات المضطهدين
لم تتغير مزرعة “أمزيان” عن صورتها الأولى ولا تزال تحافظ على شكلها الهندسي الأول القديم الاستثنائي، بمجرد ولوجنا إلى المكان الذي تقطنه عائلة بن حمادي صاحبة المزرعة الأصلية، عاد بنا التاريخ إلى سنوات الخمسينات، لا يوحي بأن المكان شهد جملة من الاغتيالات وعذبت فيه شخصيات تاريخية مهمة سجنت فيه بطريقة سرية وقتلت ورميت جثثها في مناطق لا تزال مجهولة لحد الساعة، وجدنا المكان هادئا يضم إسطبلات مخصصة للحيوانات هي ذاتها الزنزانات التي شهدت أنات وصرخات المضطهدين ضاعت في الذاكرة، ما عدا تماثيل من جبس تتحدث عن أولئك الذين تعذبوا بهذه الزنزانات لم يبق لها أثر تحولت إلى مكان لوضع الخردة القديمة، في وقت كان ينتظر من وزارة المجاهدين أن تأخذ على عاتقها أمر الحفاظ عليه كجزء من الذاكرة الوطنية المهمة.
وقد وضع في مدخل المزرعة الواقعة بالقرب من مقبرة العلامة عبد الحميد بن باديس في حي حمل اسم “حي الشهداء”، غير بعيد عن المقبرتين اليهودية والمسيحية، نصب تاريخي شابه النسيان مخفي عن الأنظار، يشير إلى أن هذا المكان كان مركزا للتعذيب تابعا لجيش الاحتلال الفرنسي، وقد تم إنجاز هذا المعلم التذكاري ليبقى شاهدا للأجيال على وحشية الجرائم المرتكبة”، وهذا دون ذكر الأسماء أو أي شيء آخر، كما لا تزال الفيلا الصغيرة نفسها التي كان يقطنها القائد “روديه” قاتل الشهداء، وعلى رأسهم الشهيد “حملاوي” لم تغيرها السنون.
يعود تاريخ وجود مزرعة “أمزيان” إلى سنوات الباشاغا، تمتلكها عائلة جزائرية كبيرة تنحدر من بلاد القبائل، تدعى “بن حمادي” يقال إنهم من أحفاد الشيخ المقراني، وقد منحت كنية “أمزيان” لأحد أجداد العائلة وهو مولود، حيث يقصد به الحسن حملت المزرعة اسمه.
والد مولود “أمزيان” كان رجل ثقة لدى السلطات الفرنسية بقسنطينة، وصديقا لفرحات عباس، كما كان يأتي إلى المزرعة مناضلو حزب الشعب، حيث منحه فرانسوا ميتران، حين كان وزيرا للداخلية الفرنسية، وساما خلال زيارته لقسنطينة، وتزوج بعدها من امرأة ثانية من أصول يهودية أنجب منها طفلين، وهما جاك ومونيك.
كانت مزرعته تمارس فيها الفلاحة وتربية مختلف أنواع الماشية، وعندما اندلعت الثورة هجر والد مولود المزرعة خوفا من استهدافه، وبقي فيها مولود الذي قدّم المساعدات المالية لجبهة التحرير الوطني قبل أن ينتقل للعيش في المدينة وترك حارسا لها، إلا أن المكان احتل من قِبل القبعات الحمر ونهبوا كل ما وجدوا فيه ثم قبضوا على مولود، وكان من أوائل المعذَّبين في المزرعة التي حوّلت إلى مركز للتعذيب.
“هولوكست” ضد الجزائريين تنكره فرنسا لحد الساعة
واعتبر بعض مجاهدي ولاية قسنطينة والولايات المجاورة، القلائل منهم الذين لا يزالون على قيد الحياة، ضياع الأرشيف سنوات الستينيات بسبب الصراعات الداخلية آنذاك أدى إلى ضياع وثائق مهمة جدا تتحدث عما وقع بهذا السجن وإدانة صريحة للفرنسيين، حيث تقاربت حادثة “حرق اليهود” من قِبل الألمان النازيين مع حوادث أفظع منها ارتكبها الفرنسيون أثناء تواجدهم بسجن “أمزيان” والجزائر تعمدوا السكوت عنها وطمس حقيقتها، حيث كانت جثث الجزائريين وأجساد المصابين بجروح خطيرة تغطى وترقد فوقها الكلاب لإخفائها، ويتم نقلها في شاحنات لتسحق ليلا في مصانع الجبس بسيدي سليمان في قسنطينة لتغطي فرنسا على فظائعها، وهو ما أكده المناضل عبد الرحمان عاشوري البالغ من العمر 75 سنة، الذي اختطف من منزله ليلا وأخذ لسجن “أمزيان” بتهمة تمويل حزب جبهة التحرير الوطني.
وأضاف المتحدث ذاته أنه وبعد أن تم احتلال المزرعة حوّلت منطقتها إلى “منطقة محرمة” بعد تعزيزها بأبراج مراقبة، وأقيم سجن محاذ لمنطقة “الشطابة” التي كانت تحدث بها الاغتيالات، بعد تعذيب عنيف تتصاعد وتيرته بتسجيل ضربات الفدائيين وقتل جنود وعسكر فرنسيين، أبيحت فيه كل الوسائل بما فيها التعذيب الجنسي.
ومن صور الاستنطاق المشاعة بالمركز استعمال الكهرباء وحوض الماء، حيث تدخل الرؤوس بهذا الأخير إلى غاية فقدان التنفس ثم تكهرب وتصعق أو تضرب الأجساد باستعمال العصي وأسواط من مواد “ذهنية” تكون أحيانا قاتلة، أو صلبهم في العجلات المطاطية والعصي بشكل عكسي لدرجة الاحتضار، أو يوضعون بالقرب من حوض مملوء بالبول والبراز وتُدخل رؤوسهم في الماء إلى غاية الاختناق، وهو الأمر الذي وقع له أثناء تواجده هناك، حيث إن المناضل عاشوري وطيلة فترة تحدثه إلينا كان يصف كل زاوية من السجون التي لا يزال يذكرها وآثار التعذيب بادية على يديه ومناطق أخرى لم نستطع رؤيتها، وبقي يسترجع كل ما حدث له فيها ويكررها بنبرة الغضب والحسرة، وأكد أنه عدة مرات شارف على الموت من شدة ما وقع له واضطر لشرب مياه قذرة من شدة الجوع والعطش، وأضاف أنه لم يتوقع خروجه من هذا السجن الذي سبّب له الكثير من الأمراض لا يزال يعالج من أجلها لحد الساعة.
وقال المجاهد لخضر فندي، مسؤول بالقسمة الثامنة لمنظمة المجاهدين في قسنطينة، إن عودة بعض الأشخاص الذين يسجنون في الزنزانة بالنادرة إليها، بعد أن يتم وضع قائمة معينة بأشخاص، خاصة للذين أصيبوا بجروح خطيرة جدا ويشكلون أعباء على السجن، حيث كان العسكر يلبسونهم لباس ثوري على أنهم “فلاڤة” كانوا في الجبل، تتم تصفيتهم جسديا وتلتقط صورهم من قِبل الصحفيين وينشر الخبر في الجزائر يوم غد وبعنوان عريض يشير إلى أن “فرنسا انتصرت على مجموعة من الخارجين عن القانون في اشتباك”، حيث يتم اغتيالهم بغابة “الشطابة”، أو يطلبون منهم إحضار منديل وعند الاقتراب من الأسلاك الشائكة يرمون بوابل من الرصاص، ويقال إنها محاولة فرار.
وذكر المجاهد الذي اعتقل بعد قتل فردين من العسكر الفرنسي وسط مدينة قسنطينة سنة 1958 أنه قبل أن يحوّل إلى السجن المذكور، وصدور حكم بالأشغال الشاقة مدى الحياة ضده، أُخذ إلى مقر الأمن الحضري بالكودية، وهو نفسه مقر مديرية الأمن الولائي، قصد استنطاقه، حيث يشربون من مياه المرحاض، ومع ولوجه إلى مركز التعذيب وقبل أن يمارس ضده أنواع الاضطهاد يضطر لأن يرد على مجموعة من الأسئلة والتعريف بأسماء بعض الصور، حتى وإن كان لا يعرفها، وهذا لا يشفع له حتى وإن أبلغ عن بعض الأسماء. وقال إنه يوم نزول اللجنة الدولية من سويسرا إلى قسنطينة اقتحم مجموعة من الجنود زنزاناتهم، وقيدوا في حدود الساعة الخامسة صباحا من ذاك اليوم، وتم إخفاؤهم ووضعهم في سجن “البودروم”، وظل فيه إلى غاية الإفراج عنهم يوم الإعلان عن وقف إطلاق النار.
إخفاء السجناء ووسائل التعذيب عن لجنة تقصٍ للصليب الأحمر سنة 57
ذكرت كل من الفدائية ليلى سديرة بلعروسي والمجاهد لخضر فندي والمناضل عاشوري حادثة 1957، حيث تنكرت الإدارة الفرنسية والجيش لوجود سجن “أمزيان” في قسنطينة، أثناء حلول وفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 1957، للتقصي عن حقيقته، حيث قامت بتحويل أغلبية السجناء إلى سجن آخر وإخفائهم بطريقة يصعب العثور عليهم في سجن “بودروم” أو “حي الدقسي حاليا”. وقد بلغ للصليب الأحمر الدولي من بعض السجناء المحوّلين معلومات عن طرق وأساليب الإبادة الجماعية هناك واستغلاله من قِبل الفرنسيين مع بدايات الثورة لتعذيب كل من كان ضدها، حيث اعتبرت الإدارة الفرنسية المكان مجرد مقر شرطة للاستجواب وأخفت جميع الوثائق، فيما لم تحرر اللجنة أي تقرير بشأنه رغم طرحها لعدة تساؤلات، وساعدت في عدم خروج القضية للرأي العام، وهو الأمر الذي سعى إليه الجيش الفرنسي آنذاك ونجح في تحقيقه.
اعتقالات.. ابتزاز والتصفية في حال عدم الدفع
ذكر شهود عيان تحدثت “الخبر” معهم أن سجن “أمزيان” أصبح في الفترة التي أسس فيها من سنة 1957 إلى غاية الإعلان عن وقف إطلاق النار بيت “الرعب” عند جميع القسنطينيين، وأشيع أن كل من يدخله ينتهي به المطاف بالقتل رميا بالرصاص، حتى وإن كان دون تهمة، وهو الأمر، حسب شهادة المجاهدين، الذي سمح لكل من يرغب في جمع المال من الفرنسيين والمعمّرين باتهام أصحاب الأموال وبعض الأشخاص بتقديم مساعدات للثورة قصد الحصول منهم على أموال معتبرة وابتزاز عائلات المعتقلين، حيث كانت تصل عند حد 2000 دينار وهو مبلغ معتبر جدا آنذاك، حيث يستغلون فصل الشتاء من أجل التفنن في تعذيبهم، ويرشّون بالماء وهم عراة أو يتركونهم تحت المطر طيلة الليل إلى أن يصلوا إلى درجة التجمد، ليحوّلوا إلى زنزاناتهم في حالة من الارتعاش ويفقدوا الوعي من شدة الحمى، ويبقى العذاب على المنوال نفسه إلى غاية دفع الرشوة أو الموت بتلك الحالة، ثم يحملون في شاحنة لدفنهم في غابة “الشطابة” أو سحق جثثهم أو رميهم في الوادي.
اغتصاب فتيات ونساء لمجرد الشك فيهن
السيدة ليلى بلكحل، التي مارست الفداء وتعرضت للتعذيب داخل السجن بفعل سمعة أسرتها الثورية، اقتيدت إلى السجن رفقة والدها الذي فقعت عينه، بعد استشهاد شقيقتها نفيسة، حيث قالت إن معذبي سجناء مركز “أمزيان”، خاصة منهم اليهود والعرب الجزائريين من الخونة على غرار الشريف التبسي الذي فعل أكثر مما فعله الفرنسيون ذاتهم، كانوا يركزون على نقطة ضعف الرجل آنذاك وهو شرفه، حيث كان يهدد بإحضار ابنته واغتصابها أمامه من قِبل المجندين الجزائريين، وهو ما جعل الكثير منهم يتمنون الموت لأجل الخلاص.
وقد كانت النساء المناضلات أو المقربات من المبحوث عليهم، إلى جانب المحكوم عليهن بالإعدام، تعذبن مثل الرجال وأكثر، ويستعمل معهن التعذيب الجنسي، وهو ما ذُكر في عدة تقارير لمحامين فرنسيين موجودة في الأرشيف الفرنسي، حيث يتعمّد تمزيق ثيابهن وتركهن عاريات على غرار الرجال وعلى مرأى من الجميع، وهذا لمجرد الشك فيهن فقط. وكانت الفتيات والنساء يتعرضن للاغتصاب بعد أن توضع أسلاك الكهرباء على المناطق الحساسة بجسمهن، ويجبرن على رؤية طريقة تعذيب الأخريات، ثم يتركن دون مأكل ومشرب سوى الماء المالح وفضلات الجنود، حيث يضطررن لاستعماله وشربه خوفا من الموت عطشا.
إجبار المسرّحين على توقيع وثيقة حسن المعاملة
كانت إدارة السجن تستعمل عند إطلاق سراح القلائل من المسجونين وثيقة حسن المعاملة التي تجبر الكل على التوقيع عليها أو العودة إلى ليالي الرعب، ويضطر الجميع للتوقيع رغم آثار التعذيب التي تبقى ظاهرة ولا يزال يحملها البعض لحد الآن، على غرار اقتلاع الأسنان والحرمان من الأكل، وحرق الوجه والصدر وإحداث ثقب في الجسم باستعمال آلة صنع الثقوب، في حين أن البعض يخرج مجنونا بفعل الضغط النفسي الذي تخلفه حجرات الكلاب التي يوضعون فيها، والتي لا يتجاوز علوها ثمانين سنتمترا وعرضها الستين سنتمترا للاعتراف والكشف عن أسماء خلايا الفدائيين وأعضاء جبهة التحرير الوطني، خاصة بعد تسجيل ضحايا من الفرنسيين نتيجة هجمات الثوار، فيما تنتهي حياة المتبقين بجرائم فظيعة مسكوت عنها.
فقأ عين الجنرال روديي قبل رحيله من الجزائر
حسب وثيقة تحصّل عليها الصحفي الفرنسي “جان لوك إينودي”، فإن رئيس المركز، الجنرال روديه، الذي لم يرحم سجناء قسنطينة وكان يوكل مهمة التعذيب للشريف التبسي، الذي لا يزال يذكره المعذَّبون رفقة مواطنه كمال والأخوين اليهوديين بن يحي، ويشرف على جلسات التعذيب رفقة عصا على شكل قضيب مصنوع من عصب الأبقار للضرب، قد شارك في محاولة الانقلاب التي قادها جنرالات فرنسا، وكان يخطط لاعتقال محافظ قسنطينة “مهدي حداد”، قد اعتقل ووجد نفسه مع معتقلين جزائريين كانوا قد مروا على تعذيبه في مزرعة “أمزيان” فانتقموا منه وفقعوا له عينه، إلا أنه لم يعتقل ولم يحاكم يوما في جرائم سجن “أمزيان”، رغم أن المندوب العام للحكومة في الجزائر، بول دولوفرييه، كان على علم بجرائم روديه وهي مؤكدة، لكنه عفي لأنه قدّم العديد من الخدمات لفرنسا، حيث رحل بعد استقلال الجزائر إلى مدينة كوستناس الألمانية في مقر قيادة الأركان الفرنسية، وأصبح يبصر بصعوبة بعد فقدانه لعينه ومنطويا ضمن جماعة الضباط الذين ناصروا سابقا المنظمة المسلحة الفرنسية السرية.
الشهيد بومزو استشهد في اليوم الذي قتل فيه الخائن الشريف التبسي
تعتبر شخصية الشريف التبسي، وهو مجند جزائري في النظام العسكري الفرنسي ينحدر من ولاية تبسة، من الشخصيات الخائنة التي ساعدت الاحتلال الفرنسي في القبض على الكثير من الجزائريين، ومارس أشد أنواع العذاب في سجن “أمزيان” يذكره الجميع، حيث أكد المناضل عبد الرحمان عاشوري، وبشهادته، أن الشهيد بومزو تلقى أمرا من قِبل نظام الثورة بتصفية هذا الخائن جسديا جويلية 1961 أثناء استعداده للرحيل من الجزائر، وقام بقتله بالقرب من سوق وسط المدينة، المسمى حاليا باسم هذا الشهيد، هذا الأخير الذي هرب نحو حي عوينة الفول الشعبي، حيث أبلغت عنه يهودية وأخبرت عن مكان تواجده وقتل من قبل العسكر في اليوم ذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.