، فالصّدقة يدفعها المسلم تطوّعًا وهو حرّ حين يدفعها كبيرة كانت أم صغيرة لأنّها تنبع من الإحساسات النّبيلة والمشاعر الطّاهرة والعواطف الكريمة، ولا تتقيّد بقيود ولا تخضع لشروط.. وأجر المتصدّق عند الله إن كانت من مال حلال، وإلّا ردّت عليه لأنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبًا. ولهذه الصّدقة مثوبة عند الله، قال جلّ وعلا عن هذه النّفوس السّخية: {مثلُ الّذين يُنْفِقون أمْوالَهُم في سبيل الله كمَثل حَبَّةٍ أنْبَتَت سبْعَ سنابِل في كلّ سنبلة مائةُ حبّة والله يُضاعف لمَن يشاء والله واسع عليم * الّذين يُنفِقون أموالَهُم في سبيل الله ثمّ لا يَتْبَعُون ما أنْفَقوا مَنًّا ولا أذًى لهُم أجرُهُم عند ربِّهِم ولا خوفٌ عليهِم ولا همْ يَحزنون} البقرة:261-262. إنّ المعنى الذّهني للتّعبير ينتهي إلى عملية حسابية تضاعف الحبّة الواحدة إلى سبعمائة حبّة! أمّا المشهد الحي الّذي يعرضه التّعبير فهو أوسع من هذا وأجمل، وأكثر استجاشة للمشاعر وتأثيرًا في الضّمائر.. ويتّجه بالضّمير البشري إلى البذل والعطاء بل إلى الأخذ دون عطاء وإلى زيادة دون نقصان.. والله يضاعف الإنفاق الّذي يرفع المشاعر الإنسانية ولا يشوبها، الإنفاق الّذي لا يؤذي كرامة ولا يخدش شعورًا، الإنفاق الّذي ينبعث عن أريحية ونقاء ويتّجه إلى الله وحده ابتغاء رضاه. والمَنّ عنصر كريه لئيم، وشعور خسيس واط. فالنّفس البشرية لا تمنّ بما أعطت إلّا رغبة في الاستعلاء الكاذب أو رغبة في إذلال الآخذ أو رغبة في لفت أنظار النّاس. فالتوجّه إذن للنّاس لا لله تعالى بالعطاء. وكلّها مشاعر لا تجيّش في قلب طيّب ولا تخطر كذلك في قلب المؤمن. فالمنّ من ثمّ يحيل الصّدقة أذًى للواهب وللآخذ على السّواء. أجل أذًى للواهب بما يثير في نفسه من كبر وخُيَلاء ورغبة في رؤية أخيه ذليلًا له كسيرًا لديه، وبما يملأ قلبه بالنّفاق والرّياء والبُعد من الله، وهو أذًى للآخذ بما يثير في نفسه من انكسار وانهزام ومِن رد فعل بالحقد والانتقام..