أكد المحلل الاقتصادي ساعد سلامي، أن خلق مناطق حرّة حدودية يعتبر من ضمن الآليات التي توفر المرونة والسرعة في تجسيد مشروع رئيس الجمهورية، حيث ستكون محورا أساسيا في المخططات الاقتصادية المستقبلية، مبرزا في هذا الصدد بأن الجزائر توجد اليوم في مرحلة التحول الاقتصادي من اقتصاد مستهلك إلى اقتصاد مصنّع ومنتج. لفت الخبير في تصريح ل"المساء" أمس، أن التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على موارد المحروقات إلى اقتصاد منتج ومتنوع، يقتضي توفير أدوات الانتقال المتمثلة في آليات ومؤسسات وهياكل وأطر وبيئة عامة، موضحا بأنه من خلال التجربة القصيرة التي لا تتعدى الثلاث سنوات لتجسيد مشروع رئيس الجمهورية، الرامي إلى تحقيق الانفتاح على الفضاء الطبيعي وهو القارة الإفريقية، تبين أنه لا يمكن الوصول إلى سرعة الانجاز المحددة، إلا من خلال الانفتاح على الجوار لاسيما دول الساحل ودول غرب إفريقيا. وذكر سلامي، بأن الرئيس تبون، بدأ تطبيق تصوره بتوسيع الأسطول الجوي وفتح خطوط بحرية باتجاه موانئ موريتانيا والسنغال وساحل العاج، ثم تبين أن اختصار الوقت والمسافات وخفض التكلفة يتطلب الانفتاح عبر الحدود مع الدول المتاخمة للجزائر وأهمها مالي، النيجر، ليبيا، تونس، الصحراء الغربية، وموريتانيا على وجه الخصوص والتي قال إن "علاقات الجزائر بها يمكنها أن تشكل "نموذجا" للعلاقات مع دول الجوار الأخرى، ومن تم الانتقال إلى دول إفريقيا العميقة كغانا، ليبيريا ونيجيريا التي تعد شريكا استراتيجيا في مشروع هام هو أنبوب الغاز". تجسيد مثل هذا التصور حسب الخبير لا يمكن أن يحصل بدون نقاط تبادل تجاري واقتصادي حرّة "وهو ما تحدث عنه رئيس الجمهورية، حين أعلن عن خلق مناطق تبادل حر بخمس دول ستكون بمثابة أسواق مفتوحة خالية من كل أشكال الضرائب والتعريفات الجمركية والإجراءات البيروقراطية المعقّدة، حيث ستكون فضاء للتبادل الحر للسلع والخدمات من وإلى الجزائر، ما سيعطي سرعة في انتشار المنتوج الوطني وبالتالي رفع قيمة وحجم الصادرات خارج المحروقات، بما يكفل رفع الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات من خلال توسعة الشبكة المؤسساتية والصناعية في القطاعين العام والخاص". ووصف محدثنا هذه السياسة ب"الحكيمة والرشيدة" كونها تسمح بفتح منافذ على الحدود الوطنية من جهة، وتأطير عمليات التبادل التجاري عبر النقاط التي تعاني حاليا من مظاهر التهريب والتجارة الموازية من جهة أخرى، معتبرا أن هذه المناطق ستمكّن الجزائر من التواجد الدائم بالدول المجاورة. وشدد الخبير سلامي، على ضرورة توفير لشروط اللازمة المتعلقة بالتحكم في المعابر حدودية، لا سيما من خلال المتابعة الدقيقة والحثيثة لتدفق رؤوس الأموال، حتى لا تتحول إلى مناطق للتهريب أومناطق تهدد الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي. كما شدد على أهمية وضع نظام إحصائي يمكن من معرفة الطلب الداخلي والخارجي للبضائع والمواد الأولية التي يمكن تصديرها لإفريقيا وتلك المستوردة منها. وبرأي المتحدث، فإن هذه المناطق ستكون الرابط بين الجزائر ودول المنطقة، لاسيما التي تحتاج إلى منافذ نحو البحر ونحو أوروبا، مشيرا إلى الإمكانيات الهامة التي تمتلكها الجزائر في هذا المجال من خلال موانئها الكبيرة والحديثة. كما تطرق إلى قدرة الاقتصاد الوطني على أن يصبح "بديلا" للاقتصادات الموصوفة ب"الوحشية" (الأمريكية والأوروبية) في البلدان الإفريقية، باعتبار أن الجزائر تتعامل مع جيرانها بمنطق "رابح رابح" وفي إطار العلاقات جنوب جنوب. ويرى في هذا الإطار أن هناك إمكانية لفتح آفاق جديدة عبر هذه المناطق لتكوين فضاءات اقتصادية تجمع بعض دول شمال إفريقيا بدول الساحل ودول غرب إفريقيا، تتيح فرصة التبادل عبر العملات الوطنية أو التوجه نحو مشروع إنشاء عملة إفريقية موحدة، معربا عن اقتناعه بأن زرع بذور علاقات اقتصادية وثيقة مع دول الجوار عن طريق إنشاء المناطق الحرّة للتبادل، يمكن أن يخدم العلاقات السياسية والأمنية ويجسّد مبدأ حسن الجوار، ما يتطلب جعل هذه المناطق محاور أساسية ضمن المخططات الاقتصادية المستقبلية للبلاد، بعد نهاية مخطط الإنعاش الاقتصادي في 2025.