ينظم مخبر الثقافة الوطنية، بالتنسيق مع وحدة البحث "المقاومة الثقافية في الأدب الجزائري، الهوية وبناء الوعي الوطني"، بكلية الآداب واللغات بجامعة برج بوعريريج، يوم الثامن ماي الجاري، يوما دراسيا وطنيا حول "منجزات العلامة محمد بن عبد الكريم الجزائري (1924-2012)"، لتثمين جهوده العلمية، وعرض مؤلفاته التي بقيت حبيسة الأدراج. تترسخ في هذا اللقاء، مقولة "يمضي الرجال ويبقى الأثر"، ومن باب الاعتراف بالجميل وحسن الصنيع، كما جاء في ديباجة الفعالية، وجب تكريم الأعلام من خلال التعريف بهم، وإماطة اللثام عن منجزاتهم، وإزالة أي غموض قد يقف أمام حياتهم العلمية، وهذا أقل ما يقدم لهم، خاصة إذا تعلق الأمر بثقافتنا الجزائرية وأدبها. يصبح الأمر أشد إلحاحا مع محمد بن عبد الكريم، وهو شخصية أدبية وعلمية محلية، لها باع طويل في الكتابة والتأليف متعددة المواهب، أسهمت بما لا يدعو للشك في نهضة الجزائر الثقافية الحديثة، هذا الرجل الفذ الذي طاولت مؤلفاته قامته، وعاصر كبار الأدباء واستفاد منهم، وعمل بتوجيهاتهم العلمية، وعلى رأس هؤلاء الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. لم ينل هذا العالم والأديب العصامي حقه في العناية والبحث، فقد بقيت كتبه حبيسة الأدراج لا تطولها الأيدي بالقراءة، ولا بالدراسات إلا نادرا، وإيمانا من القائمين على هذا اليوم الدراسي بالمسؤولية العلمية والأدبية تجاه هذا الرجل الذي قدم الكثير لولايته برج بوعريريج، كما قدم للجزائر ما يقارب ستين كتابا في مختلف المجالات، فإنه من الواجب إخراجه إلى النور، والتعريف به للأجيال، وتقديم ذخائره النفيسة لطلبة جامعة "الشيخ البشير الإبراهيمي"، لقراءتها والاستفادة منها في مجال البحث العلمي، من خلال إجراء البحوث والدراسات الأكاديمية في مختلف الأطوار؛ ليسانس، ماستر ودكتوراه، وتثمينا لإنتاجه العلمي، كإبراز المكونات الأدبية والثقافية المحلية منها والوطنية، والعمل على نشر أعماله العلمية والأدبية لتعم الفائدة أكثر. من المحاور التي يتم عرضها "التعريف بسيرة العالم ومسيرته العلمية والأدبية" و"إسهاماته وجهوده المتنوعة في مجال تحقيق المخطوطات"، ناهيك عن "منهجه العلمي في تفسير القرآن الكريم" و"التعريف بديوان محمد بن عبد الكريم الشعري واستكشاف نصوصه" و"إسهاماته في مجالي الفكر والثقافة الوطنية والعربية". للإشارة، يعتبر محمد بن عبد الكريم علما من أعلام الجزائر في القرن العشرين، ساهم بكتاباته وتحقيقاته وبحوثه في شتى أنواع المعرفة الإنسانية وفي العلوم الشرعية، الأدب، السياسة، الدين، التاريخ، ترك خلالها رصيدا كبيرا في التحقيق والتأليف، حيث خلف أكثر من ستين مؤلفا، منها المترجمة ومنها المحققة، في مقدمة هذه المؤلفات "تفسير القرآن العظيم في سبعة أجزاء"، وكتاب حول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما المحققة فتمثلت في مخطوط "التحفة المرضية" التي قدمها لنيل شهادة الدراسات العليا في التاريخ الحديث، و"المقري وكتابه نفح الطيب" الذي قدمه لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، وعدد آخر من الكتب المحققة. أما المترجمة والمعربة، فتمثلت في كتاب "المرآة" لحمدان بن عثمان خوجة، وتعريب محاضرة "القرآن والعلوم الحديثة" للدكتور موريس بوكاي، ومن أبرز كتبه أيضا؛ "الثقافة ومآسي رجالها"، وكان سباقا في البحث عن المخطوطات الجزائرية في الجزائر وخارج الجزائر، وقد نشر في هذا الموضوع كتابا قيما بعنوان "مخطوطات جزائرية في اسطنبول"، وقد أعجب المرحوم الدكتور سعد الله باهتمام محمد بن عبد الكريم بالتراث الجزائري، وكثيرا ما استدل به، سواء في كتبه "مسار قلم" أو في كتب أخرى، رغم ذلك، بقي الدكتور محمد بن عبد الكريم مجهولا لدى المثقفين الجزائريين. امتاز الراحل في الأدب والشريعة، وله ديوان شعر "كشف الستار"، كما ظل هذا العلامة وفيا للجزائر وجل ما حققه في التراث، فهو عن التراث الجزائري، وفي مقدمتها "المرآة، لمحة تاريخية وإحصائية على إيالة الجزائر"، ومذكرات "وشاح الكتائب وزينة الجيش المحمدي الغالب" لقدور بن محمد بن رويلة. بكاه ورثاه المؤرخ الكبير البروفيسور ناصر الدين سعيدوي، وتألم له الكثيرون بسبب هذا النسيان، خاصة في الأوساط العلمية.