تكليف منتخب لتسيير بلدية عنابة مؤقتا    زيدان يحدد موقفه النهائي من تدريب بايرن ميونخ    توقيع بروتوكول إطار للتعاون البرلماني    اتفاقية لتسويق منتجات كيمياوية جزائرية بموريتانيا    المركز الجزائري للخدمات الرقمية.. تعزيز السيادة الرقمية    "حماس" تبلغ الوسطاء القطريين والمصريين بالموافقة على مقترحهم بشأن وقف إطلاق النار في غزة    التقارب بين الأفارقة.. جدار يُحبط المؤامرات    سريع الحروش ثالث النازلين: نجم هنشير تومغني رسميا في جهوي قسنطينة الأول    تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    الحماية المدنية..عيون ساهرة وآذان صاغية لمواجهة أيّ طارئ    سطيف: الوالي يعاين مشروع التحويلات الكبرى انطلاقا من سد"تيشي حاف"    قال بالتضحيات الجسام في سبيل استقلال الوطن،محمد لعقاب: الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي    أثناء زيارته للمحيط الفلاحي لكوسيدار للزراعة بصحراء خنشلة،مراد: نؤكد على مواصلة دعم الدولة بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي    النخبة الوطنية تنهي المنافسة في المركز الثالث    وفاة المدرب سيزار لويس مينوتي    الإطاحة بشبكة إجرامية وطنية من 3 أشخاص    تنظيم احتفالية الخميس المقبل لإحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس شركة سونارام    وزير السكن والعمران والمدينة،طارق بلعريبي: سنطلق قريبا برنامج جديد للسكن الترقوي العمومي    الإتحاد الافريقي يؤكّد دعمه للمصالحة اللّيبية    "الجزائر شريك استراتيجي في التعاون الإفريقي: الفرص وآفاق التعزيز" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    المعركة ضد التّطبيع متواصلة بالمغرب    العدوان الصهيوني على غزة: الإحتلال يشن سلسلة غارات على مناطق متفرقة من رفح    "الطيارة الصفراء".. إحياء لذاكرة المرأة الجزائرية    بلعابد يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للرياضة المدرسية : إنجازات الرياضة المدرسية في الجزائر "استراتيجية وقوية"    زيتوني يبحث مع رئيس مجلس إدارة غرفة قطر تعزيز التعاون الإقتصادي والتجاري    الوادي.. حملات للوقاية من حرائق النخيل والمحاصيل    سيدي بلعباس.. رهان على إنجاح الإحصاء العام للفلاحة    المرصد العربي لحقوق الإنسان: إجتياح جيش الإحتلال الصهيوني لرفح "جريمة بحق الإنسانية"    الأسرى بين جحيم المعتقلات وانبلاج الأمل    الصناعات الصيدلانية : الإنتاج المحلي يلبي أزيد من 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    وزير الصحة يشرف على آخر لقاء لفائدة بعثة حج موسم 2024    دراجات/طواف الجزائر-2024/: عودة نادي مولودية الجزائر للمشاركة في المنافسة بعد غياب طويل    المغرب : بعد ازيد من 4 أشهر من الاحتجاجات, طلبة الطب يتخذون خطوات نضالية تصعيدية جديدة    ندوة تاريخية إحياءً لرموز الكفاح الوطني    القشابية .. لباس عريق يقاوم رياح العصرنة    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    وهران : افتتاح صالون التجارة الالكترونية والاقتصاد الرقمي    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    ثبات وقوة موقف الرئيس تبون حيال القضية الفلسطينية    إطلاق منصة رقمية لمؤسسات الإبداع الفني    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    "الكناري" من أجل مغادرة المنطقة الحمراء    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيتة وصيد الجرذان عطلة أطفال القصدير
''النهار'' تلج عالمهم وترصد معاناة مزجت بين البراءة والإجرام
نشر في النهار الجديد يوم 06 - 08 - 2010

يسبحون في الوديان القذرة والمستنقعات ويركضون في الغابات والأحراش ويتسلقون الجدران، يعتلون الشاحنات والعربات الصغيرة، ويركضون خلف القطارات، ويتحولون إلى عصابات إجرامية بالخناجر والهراوات، ويتقاتلون على طريقة أفلام الأكشن و''درغون بول زاد'' ... هذه يوميات أطفال القصدير، أبينا إلا أن نسلط الضوء عليهم لأنهم أطفال من نوع خاص، فأقرانهم من فئات أخرى يلعبون البلايستايشن ويقضون عطلهم في المخيمات، أما هم.. فأطفال كُتب عليهم أن يتحولوا إلى عصابات ومجرمين منذ نعومة أظافرهم فألعابهم لا تعدو أن تكون سوى خناجر، حجارة، قطع من الزجاج وقارورات بلاستكية يستعملونها في رشق بعضهم البعض أو رشق المارة، يضحكون تارة ويتبادلون اللكمات تارة أخرى ...
عندما تُقتَل البراءة في رحم المعاناة ..!
خلف كل القبح الذي يختزنه عالم القصدير تطل بين الفينة والأخرى من أزقته الضيقة والبنايات المتشابكة، وجوه بريئة لأطفال خرجوا من أكواخهم الفوضوية إلى عالمهم الطفولي، بحثا عن المتعة والمرح وعن لًعب قد ينسيهم هموم الكبار وصرخات الأولياء، قبل أن يخرجوا إلى فضائهم الرحب الذي لا يحد النظر فيه سوى تلك البنايات القصديرية مترامية الأطراف، وأكوام أتربة تحولت إلى جبال صغيرة يتسلقونها ثم يرمون بأنفسهم للتدحرج، وأكوام من النفايات اختلطت فيها الحيوانات الضالة بأطفال بني البشر، وبين تلك الأحراش والوديان يعمد الأطفال إلى بناء بيوت من الخشب وسيارات من البلاستيك لعلها كانت أولى أمانيهم للحصول على حياة أفضل مستقبلا خلافا لحياة أوليائهم .
رحلة إلى عالم أطفال القصدير في قلب العاصمة
عقارب الساعة كانت تشير إلى حوالي الحادية عشر صباحا وصلنا إلى هدفنا.. أكواخ ''مدينة القصدير بالسمار، هذا الحي الذي يعتبر من أقدم الأحياء الفوضوية، سنوات كثيرة مرت على هذه الأكواخ القصديرية غير أن المكان هو نفسه، الأشخاص هم الأشخاص والمعاناة واحدة، لا شيء تغير هنا سوى المزيد من المعاناة والألم، نفسه القصدير الذي يكتم أنفاس الأطفال، الأزقة الضيقة نفسها تخترقها مستنقعات قذرة تتجمع فيها المياه الراكدة لم تنج من شقاوة الأطفال، فعلى امتداد هذه المستنقعات، وفي البرك التي تكونت بجانبها، تلهو مجموعة من الأطفال بقطع خشبية صغيرة أو قطع من الزنك وقارورات بلاستيكية، حولوها إلى زوارق صغيرة وتركوها تطفو فوق الماء كبواخر صغيرة يحلمون بأن تقلهم إلى الضفة الأخرى ذات يوم، وهو الحلم الذي ظل يراود بعضهم أما الآخرون فتحولوا إلى عصابات صغيرة يحكمهم قانون ''يحيا الملك، مات الملك'' فيتخذون من الخناجر والأحجار ألعابهم المفضلة ويبسطون نفوذهم على الضعفاء ويتسابقون على لعب دور الرئيس والظفر بتاج الملك.
''الميزان'' لعبة القرن الجديدة... لأطفال حي كوريفة رشيد القصديري!
على سطوح الأكواخ القصديرية بحي كوريفة رشيد في الحراش، نصبت صحون مقعرة، تعلوها شبكة عنكبوتيه من الخيوط وفي أزقتها الضيقة، تلهو مجموعة من الأطفال بقطع خشبية صغيرة مستطيلة الشكل توضع فوق حجر كبير لتشبه الميزان، ثم يأتي الأطفال بعلب صغيرة مملوءة بالأتربة لتضع في الجهة اليمنى، وبعد الإنتهاء يقوم الأطفال برفعها بأرجلهم الصغيرة فتتطاير العلب وتتطاير معها الأتربة، فتلوث المكان وتختلط أنفاس الأطفال بغبار التراب وتعلو الصرخات والضحكات، هذه هي لعبة ''الميزان'' التي اخترعها الأطفال حديثا يقول ''محمد'' صاحب الست السنوات، إنه يلعب دائما هذه اللعبة مع رفاقه فعدد منهم يجمع العلب الصغيرة من أكوام النفايات وآخرون يقومون بملئها بالتراب، والبعض يبحث عن قطع خشبية وبعض الحجارة ثم يجتمعون وتبدأ اللعبة، كل واحد ودوره والفائز من يستطيع أن يرفع العلب إلى أقصى علو في السماء ''.
أطفال القصدير في وهران يتحولون إلى صيادين للحشرات والفئران
إن أكبر المتضررين من حياة القصدير هم شريحة الأطفال الذين اصطدموا بواقع حرمهم من معايشة كل ما له صلة بالبراءة، وأجبرهم على الإحتكاك بعالم الكبار رغما عنهم لأسباب يمكن حصرها في ضيق المكان موقعه وحتى ظروف قاطنيه الإجتماعية، إنه سجن من دون قيود كما صرح القاصر ''م.محمد'' من الحي القصديري الواقع بإيسطو بمحاذاة نزل المريدان الفخم الذي احتضنته قمة ''آلجي آن آل'' بوهران، الأوساخ، الأتربة والمياه القذرة اتخذها أطفال الحي الفوضوي للعب في غياب البديل يقومون بالتقاذف بها، في حين يقوم آخرون بالجري وراء الحشرات والجرذان لاصطيادها اتخذها هؤلاء كلعبة للترفيه والمتعة.
...والفتيات يتقمصن دور ربات بيوت بالطهي بالأحجار وعلب البلاستيك
أما الفتيات فلا تختلف طريقة لعبهن عن الفتيان فهن يقمن بدور ربات البيوت بوسائل يجمعنها من القاذورات من علب بلاستيك وقش لتقمص دور الطاهيات، هي ''البيتة'' تصغير لكلمة بيت.. تراهن يستيقظن منذ الصباح الباكر لجمع هذه الأشياء، ثم يقمن بترتيبها وإعادة تنظيفها في سيناريو مفبرك كون لا مياه متوفرة بهذا الحي القصديري، بعدها يشرعن في طهي الأكل باستعمال الحجارة والأتربة لتحضيرها لربات عائلاتهن وأطفالهن. عرض مسرحي للبراءة المهمشة ظروفهم الإجتماعية دفعتهن إلى حسن تقمصه.
في الشلف البراءة تتحول إلى عصابات واللعب لا يكون إلا بالخناجر والهراوات
لا يختلف اثنان بأن طريقة لعب أطفال البيوت القصديرية بولاية الشلف على غرار باقي المناطق بالجزائر لا تزال بدائية، في ظل انعدام مرافق التسلية ووسائل اللعب كما هو الحال بالأحياء الحضرية، لكن مع هذا الحرمان فإنه تمة مجالات للعب وواقع معيش، بالرغم من كل السلبيات التي قد تلحق بهؤلاء الأطفال الذين كثيرا ما يعرّضون أنفسهم إلى الأوساخ جراء غياب التهيئة بالمساحات التي يستغلونها للعب، مستعملين الهراوات والأسلاك في صنع ما يرونه سيارات من خلال الحركات التي تظهر عليهم وهم يلعبون، في ذات السياق، يعمل العديد من الأطفال على صنع الكرة معتمدين على البلاستيك والقماش للعب في منحدرات تغيب فيها مظاهر التهيئة، ما يتسبب لهم في جروح وإصابات خطرة لا تزال شاهدة حتى عند الكبار منهم، لاسيما بعد تسجيل عدة حالات لسقوط حراس المرمى. يحدث هذا في وقت سجلت فيه » النهار « من خلال الحديث الذي أجرته مع سكان قرى امروش ببلدية الزبوجة، حي لجراف ببلدية الشلف، أولاد عيشة ببنايرية أن غياب وسائل اللعب والمرافق الضرورية جعل من هؤلاء الأطفال يستعملون وسائل خطيرة في لعبهم كالخناجر والحجارة والهراوات وقارورات بلاستيكية سامة كثيرا ما تسببت لهم في عاهات مستديمة، بالرغم من كل المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية لتحسين الظروف الإجتماعية في العديد من الأحياء في الفترة الأخيرة.
أطفال الجنوب بين صيد الطيور في المزابل والتراشق بالأسهم والضرب بالعصي
يتميز أطفال الجنوب بممارسة نوع خاص من الألعاب التي يتخذونها كوسيلة للتسلية، في ظل افتقار مختلف الولايات والمناطق إلى مرافق التسلية والترفيه في مقدمتها ألعاب صيد الطيور في المزابل العمومية وألعاب التراشق بالأسهم وكلاهما يشكلان خطرا محدقا بالممارسين. فلعبة صيد الطيور في المزابل العمومية تتميز بوضع فخاخ خاصة يطلق عليها اسم » المنداف « محليا وتوضع عليها دودة تجلب الطير ويواجه الممارسون خلالها أخطارا بيئية بفعل تنقلهم حفاة، ناهيك عن بعض الأخطار المترتبة عن الجراثيم أثناء البحث عن الحشرات الصغيرة. لعبة أخرى انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل لافت تخص التراشق بالأسهم وتبادل الضرب بالعصي في تقليد لبعض مظاهر المسلسلات، خاصة مسلسل باب الحارة وبعض الأفلام، ألعاب أخرى لا تقل خطورة تستهوي الأطفال بالجنوب، وتتعلق بالرشق بالحجارة من أماكن بعيدة على معلم معين أيهما يصيبه بدقة، وكثيرا ما صاحبت هذه اللعبة أخطارا جسيمة تلحق بالمارة.
''عباقرة '' القصدير في قسنطينة يحولون الحديد إلى سيارات والأوراق إلى زوارق وطائرات
لا تختلف الأحياء القصديرية في عاصمة الشرق الجزائري عن مثيلاتها بالولايات الأخرى، من حيث الظروف المعيشية الصعبة في ظل انعدام أبسط ضروريات الحياة، وهو ما أصبح يشكل خطرا كبيرا على الصحة العمومية لقاطنيها خاصة منهم الأطفال، الذين يمكن تصنيفهم ضمن العباقرة نظرا إلى الأساليب التي أبدعوها من أجل خلق جو خاص بهم للهو واللعب في ظل الإنعدام التام للفضاءات الخاصة بهم، فالأحياء القصديرية في قسنطينة تضم أطفالا عباقرة تفننوا في صنع وسائل اللعب والترفيه حسب ما وفرته بيئتهم، من أجسام سيارات بالأسلاك والهياكل المعدنية التي يتم جلبها من النفايات المترامية والمحيطة بالحي من كل جهة، على غرار حي فج الريح الذي يعتبر من أكبر الأحياء القصديرية بقسنطينة، إلى جانب حيي فلاحي 1 و2 القصديريين، حيث توجد حنفية عمومية يستعملها كل سكان الحي والتي عادة ما تختلط مياها بمياه الصرف لعدم وجود قنوات خاصة بهذه الأخيرة، ما يؤدي إلى تشكل برك من المياه العكرة تعتبر الوجهة المفضلة للأطفال للعب بداخلها أو باستعمال الطائرات الورقية، وغيرها من النماذج الحية التي يحياها أطفال البيوت القصديرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.