تحتدم تساؤلات ملحة حاليا عما إذا كانت 30 مليار دولار التي رصدتها الجزائر لتحديث شبكة سكك الحديد برسم المخطط الخماسي الإنمائي (2010- 2014)، فهل أتت هذه الأموال الضخمة أكلها ميدانيا؟ أعطت السلطات أهمية قصوى لقطاع السكك الحديدية، وهو ما برز عبر رصد لما يزيد عن 40 مليار دولار لمنظومة النقل منها 30 مليار دولار لتطوير وعصرنة السكك الحديدية، أين رسمت الحكومة كهدف أسمى، إنجاز 6561 كلم من خطوط السكك الحديدية للوصول إلى 10500 كلم بحلول ربيع سنة 2014، علما أنّ الشبكة إياها لا تتجاوز حاليا 3500 كلم. وتركز مراجع رسمية ل “السلام” على أنّ تنفيذ المخطط الخاص بتحديث شبكة سكك الحديد سيخضع للمقاييس العالمية الحديثة، وبأداء عالي ورفيع سيمنح الاقتصاد الوطني حركية وديناميكية عالية، بما سينمي النشاط التجاري والسياحي وبعث حركة النقل لكونها شريان الحياة وعصب التفاعل الاجتماعي. ويتضمن مشروع تطوير السكك الحديدية بالجزائر، تحديث الخطوط الرابطة بين المدن الجنوبية، وهي: بومدفع الجلفة الأغواطغردايةورقلة، وخط: ورقلة حاسي مسعود، خط المشرية البيض، خط: حاسي مفسوخ مستغانم، خط: سعيدة تيارت، وخط: تيسمسيلت بوغزول المسيلة. وشهد أكتوبر 2011، بدء إنجاز دراسة تقنية لمشروع خط يربط مدينة بوينان الواقعة شرقي البليدة، بمدينة بوفاريك، على مسافة طولها 10 كيلومتر، وستتولاه مؤسسة إيطالية، ومن شأن هذا المشروع، أن يخفّف الضغط عن الطريق الوطني رقم 29، الذي يشهد أزمة مرور خانقة نتيجة عدم تجديد شبكة الطرق هناك منذ الاستقلال، وهو ما أثر سلبا على نشاط أسواق الجملة للخضر والفواكه، لا سيما بكل من بوڤرة وبوفاريك. نحو إنجاز 3 آلاف كيلومتر قبل 2014 وبنظرة فاحصة للبرنامج الجاري تنفيذه، نلاحظ أنّ الأخير سيشتمل على كهربة 1000 كلم في مختلف مناطق الوطن، فضلا عن إنجاز ثلاثة آلاف كلم جديدة ستتيح تنقل القطارات بسرعة 220 كلم في الساعة، واستلام 800 كلم أخرى مستقبلا، علما أنّه برسم المخطط الرباعي (2005 – 2009) قالت الحكومة في البيان الأخير للسياسة العامة، إنّه جرى استلام 30 قاطرة كهربائية من طراز ديزل و17 عربة و42 قاطرة ذاتية الدفع. كما تمّ إنجاز 1100 كلم من السكك الحديدية واستئناف نقل المسافرين على 600 كلم من الشبكة، مع توصلها إلى كهربة ووضع إشارات المرور وتجهيز الاتصالات السلكية واللاسلكية على امتداد 400 كلم من السكك الحديدية، إضافة إلى الشروع في مطابقة الشبكة مع سرعة 220 كلم/سا على مسافة تفوق 700 كلم، وهو معيار جار تطبيقه على كل المشروعات الجديدة.
ضياع 1100 كلم من سكك الحديد يبدي وزير النقل “عمار تو” ثقة بتحقيق انتعاشة وتطور نوعي للسكك الحديدية في الجزائر، تبعا لارتكاز وشمولية البرنامج الحالي من حيث ربطه جهات الجزائر الأربعة، مع التركيز على خطوط المدن الساحلية وولايات الهضاب الى جانب كهربة خطوط السكة الحديدية وازدواجيتها واستحداث آليات ونظم تأمين الشبكة. بيد أنّ متابعين ينتقدون تضييع الجزائر لما لا يقلّ عن 1100 كلم من خطوط السكك الحديدية منذ ستينيات القرن الماضي، ويتعلق الأمر بخطوط كانت تربط مغنية والغزوات وبني صاف بعين تموشنت وعنابة بتبسة، وكذا تيزي وزو، الجزائر العاصمة وبجاية، وهو ما يعزوه المسؤول الأول عن القطاع إلى ما أفرزته فترة التوتر الأمني في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، واستهداف القطاع بنحو 512 عملية تخريبية. بهذا الشأن، وافقت الحكومة على إعادة فتح خطوط تم إهمالها منذ الاستقلال وإنشاء وجهات جديدة، في صورة خطوط (قالمة بوشقوف سوق أهراس)، (عين البيضاء خنشلة)، (بسكرةالوادي)، (البويرة سور الغزلان)، (وادي عيسي تامدة عزازقة)، (المسيلة بوسعادة الجلفة)، (الشلف التنس)، (آفلو الاغواط)، (غليزانمستغانم)، و(أولاد ميمون سبدو). بالمقابل، يتساءل مراقبون عن مشروعين لقطارات السرعة العالية “تي جي في” (350 كلم في الساعة) على مستوى محوري شمال - جنوب، وشرق-غرب، حيث جرى إسناد ذلك قبل حوالي 16 شهرا للوكالة الوطنية لمتابعة الدراسات ومتابعة استثمارات السكك الحديدية، إلاّ أنّه لم يحصل أي تقدم فيما يبدو. من جهته، يقول “سمير قعموري” رئيس مصلحة زبائن المسافرين بالشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، إنّه على مستوى الخطوط الكبرى، تم تقليص تأخر القطارات من 45 دقيقة إلى 22 دقيقة كمتوسط بين الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وكذا عنابة، طالما أنّ “الوقت له قيمة نقدية”، كما جرى رفع عدد الرحلات من 80 إلى 100، وسط إقبال مكثف على القطارات الكهربائية مقارنة بقطارات الديزل. التطوير لرفع المردود وتفادي الأعطال باتت الجزائر مدعوة أكثر من أي وقت مضى لتطوير سكك الحديد، طالما أنّ تحسين كفاءة هذه الخدمة يفرض نفسه كحتمية لرفع المردود العام وتفادي الأعطال القياسية الناجمة عن اهتراء ومحدودية شبكة النقل البري، والأمر من شأنه خلق فرص للعمالة وتحفيز قدرات الاقتصاد والمستثمرين على المنافسة، وما لم تفي الحكومة بموجبات التقويم والتحديث، فإنّ الحالة تنذر بالخطر بسبب تصاعد عدد السيارات المهول، بواقع 5.2 مليون مركبة بينها 1.2 مليون سيارة في الجزائر العاصمة لوحدها، ومعها صار الاحتباس سيدا للموقف بكل ما ينجر عنه من سلبيات اقتصادية.
