بات الانتشار الكبير للمختلين العقليين والذين يجوبون مختلف شوارع وأزقة ولاية بومرداس في مشاهد تثير عطف وشفقة المارة ولا تحرك هدوء مسؤولي السلطات المحلية من أجل انتشالهم من هذه الشوارع وإيداعهم بالمراكز والمؤسسات الصحية الكفيلة بالعناية بهم وتزويدهم بما يلزمهم من علاجات قد تساهم في التخفيف من معاناتهم المرضية. فبكبريات شوارع المدينة ومرافقها الحيوية كالأسواق والمحطة الطرقية..ينتشر عدد كبير من هؤلاء الأشخاص الذين أدار لهم الزمن ظهره، أشخاص من كلا الجنسين ومختلف الفئات العمرية، غير أن مظاهر الحمق والعته تظل قاسما مشتركا يؤلف بينهم جميعا.معاناة كبيرة يجترون مرارتها في غياب أي نوع من الرعاية والاهتمام من طرف مسؤولي المدينة، إذ يتعرضون للطرد بشكل استفزازي من لدن النوادل العاملين بالمقاهي والمطاعم ومحلات بيع الأكلات الخفيفة التي يلجأون إليها للحصول على أطعمة تشبع جوعهم، مما يضطرهم إلى التنقيب عن بديل لها بين فضلات قمامات الأزبال التي يشرعون في أكلها دونما إحساس منهم بحجم الخطر الصحي الذي يحدق بهم جراء ذلك، بل وحتى عندما تضطرهم الحاجة إلى المبيت فإنهم لا يجدون من العراء ملاذا، إذ غالبا ما يلوذون بأماكن وفضاءات يفترشون فيها الأرض ويلتحفون السماء حتى وإن كانت الظروف المناخية في أشد قساوتها.كما يبدو تقصير الجهات المسؤولة في القيام بواجبها تجاه هؤلاء المحرومين من خلال التغاضي عن حالات بعضهم وهم يرتدون لباسا رثا لا يحجب عوراتهم، بل وآخرين في حالة عري تام تدفع المارة – سيما النساء منهم – إلى تغيير اتجاه الوجهة التي يقصدونها، فضلا عن أولئك الذين تتغير ملامحهم من فرط الأوساخ العالقة بأجسادهم وثيابهم ولحاهم وخصلات شعورهم الكثة.ومن نتائج هذا الإهمال أن يتضرر سكان وزوار المدينة من سلوكات بعض هؤلاء المرضى النفسانيين عندما يتحولون إلى مصدر خطر على حياة المارة، خاصة أولئك الذين تنتابهم حالات هيستيرية تجعل منهم أشخاصا عدوانيين فيشرعون في الاعتداء على كل من يضعه القدر في طريقهم، إما بالسب والشتم أو الضرب أو الرشق بالحجارة، وهو ما من شأنه أن يخلف أضرارا جسمانية أو خسائر مادية لدى الضحايا عندما يتعلق الأمر بتكسير واقيات السيارات أو المحلات التجارية، بل وقد يتضرر بعض هؤلاء المختلين العقليين أيضا، إذ يصيروا عرضة للضرب والتنكيل من طرف الأسوياء في حال إبدائهم أي نوع من العنف تجاههم، بالإضافة إلى استفزازهم من لدن الصبية الصغار بسباب وشتائم لا يقبلون سماعها، بمن فيهم الفتيات اللواتي فقدن قدراتهن العقلية وتُهن في شوارع المدينة، حيث يتعرضن للتحرشات الجنسية من طرف بعض المجهولين عديمي الضمير، وهو ما تعكسه حالات الحمل التي تظهر من حين لآخر في صفوفهن، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المتابعة الطبية لحملهن وظروف ولادتهن ومصير أولادهن...ويبقى مثيرا للانتباه أن جل المعتوهين الذين يجوبون شوارع وأزقة ولاية بومرداس هم غرباء عنها وعن المنطقة ككل، ولعل ذلك ما تترجمه لهجات ولكنات وطريقتهم في الكلام، ما يعكس توقعات بعض المصادر التي تعتبر بأن مسؤولي مدن أخرى يقومون بترحيلهم إلى مدن أخرى و وولايات ثانية على متن الحافلات القادمة إليها من خلال دسهم بين المسافرين.وبات ارتفاع أعداد المختلين عقليا يدعو إلى القلق، سيما وأن سلوكات بعضهم أضحت تهدد سلامة وصحة السكان والزوار على حد سواء، ما صار يحتم على السلطات المحلية التدخل للحد من انتشارهم بتوفير الملاجئ الكفيلة بإيوائهم مع محاولة البحث عن ذويهم قصد تسليمهم إليهم لمواكبة ما يلزمهم من علاج قد يحد من معاناتهم المرضية، بعيدا عن الحلول الترقيعية التي تلجأ إليها أثناء الاستعداد للزيارات الملكية، حيث تقوم بإجلائهم وترحيلهم نحو مدن أخرى. ما يقارب 70 بالمائة من مجانين ولاية بومرداس يقطنون خارج الولاية، حسب مصادر رسمية، عبء هذا الرقم أدى إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عددهم في الولاية، إلا أن مصادر صحية تحصي نسبة زيادة فاقت 15 بالمائة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بإمكانيات الولاية للتكفل بهذه الفئة، فالعرف المعمول به أن عملية التكفل بالمجانين تتم حسب الإقليم الموجودين به فعلا، لكن وبالعودة إلى الإمكانيات المادية لولاية بومرداس نجدها شبه عاجزة عن التكفل بهذه الفئة، فهي لا تملك حتى مركزا صحيا خاصا بالمجانين، وفي محاولة لتدارك هذا العجز يتم إرسالهم إلى المركز المتخصص بسيدي عيسى الموجود على مستوى ولاية تيزي وزو أو إلى العاصمة.