عطاف يُستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    وفاة صديقة الثورة الجزائرية    برنامج شامل لعصرنة وتطوير الشبكات    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    وزير المجاهدين و ذوي الحقوق من جيجل: معركة السطارة من بين المعارك التي خلدها التاريخ    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    السنافر يترقبون: خالدي يضيع موعد القبائل    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    أمن دائرة بابار : معالجة قضايا وتوقيف أشخاص وحجز مخدرات    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" والاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزيد من 2000 إفريقي من 12 جنسية نازح عبر الحدود يغزون شوارع مغنية
هروبا من المجاعة والحروب الأهلية
نشر في السلام اليوم يوم 03 - 01 - 2012

بالرغم من مجهودات مختلف الهيئات الأمنية سواء كانت وحدات مجموعة الدرك الوطني أو أمن من الشرطة، فإن الهجرة السرية مازالت ترسم بصماتها اللامتناهية بدائرة مغنية التي تعد ممرا أساسيا لمختلف الجنسيات التي يقصدونها قصد الاستقرار بها والعبور إليها للالتحاق بالبلدان الأوروبية المجاورة.
فالمتجوّل بشوارع مدينة مغنية يلاحظ الغزو المتدفق للمهاجرين الأفارقة من كل الجنسيات، فلم يعد يقتصر الأمر على مكان وآخر بل أصبح المرء يراهم في كل مكان وكأنهم أصبحوا أهل الدار، مما جعل المواطنين يأخذون حذرهم منهم خاصة وأن الأغلبية تحمل فيروسات مرضية بإمكانها أن تنتقل وتسبب العدوة، وأمام وجود فراغ قانوني جعل جل الموقوفين الذين يتم ترحيلهم إلى ديارهم يعاودون الكرة عدة مرات وهذا بشهادة المعنيين أنفسهم، فالأفارقة المغامرون لم ييأسوا من تكرار محاولاتهم في التنقل من منطقة إلى منطقة للوصول إلى المنطقة الحدودية مغنية، وعند وصولهم عند هذه الأخيرة فهو الشعور بقرب تحقيق حلمهم المستحيل الذي قطع من أجله هؤلاء الأفارقة الآلاف الكيلومترات على الأرجل أو وسائل نقل متعددة ومختلفة، يذكر منها أحد العارفين بالمنطقة التي يجتمع فيها الأفارقة بمغنية للجمهورية أن قرية المصامدة رأس عصفور بمغنية تحول إلى مكتب شبه رسمي على الهواء لتشغيل الأفارقة، حيث يجتمع أمامه يوميا ومنذ الساعة الأولى من الفجر العشرات من الأفارقة ومن مختلف الجنسيات على جانب طريق محاذي لمدخل القرية الفلاحية، حيث يتربصون بأصحاب الحقول والمزارع كي يوفروا لهم فرص العمل التي تضمن لهم قوت يومهم مقابل أجر زهيد، وبوجود هذه المنطقة الفلاحية نصب هؤلاء الأفارقة خيما من البلاستيك والكارتون أو القش فصار الكل من أبناء جلدة واحدة منهم مخيما يتمركزون فيه ويعيشون بالنظام القبلي الذي يحتكمون فيه إلى رئيس يفوضونه من طرفهم ليرعى شؤونهم ويفرض النظام فيما بينهم.
وادي جورجي منطقة افريقية بأكثر من جنسية
وتذكر عدة مصادر من مغنية أن وادي جورجي الذي يبعد بحوالي أربعة كيلومترات من قرية المصامدة قد أصبح منطقة افريقية تجتمع فيه عدة جنسيات من ماليين وسنغاليين وغيرهم من الذين يشعرون بالأمان لأن أهل المنطقة يشفقون عليهم ويمدونهم بالأكل والملابس حتى الدواء في بعض الأحيان، وهناك من يوفر لهم العمل بالحقول ويعاملهم معاملة حسنة دون استغلالهم كما أنهم يمدونهم بالأفرشة للنوم، فبعد أولئك الذين لجأوا إلى الحقول والمزارع لامتهان حرفة الفلاحة بغراستها وزراعتها، فهناك من يساعد التجار الوافدين إلى الأسواق عن طريق الحمالة أو الحراسة لسلعهم، وهناك من امتهن البناء في بعض الورشات الخاصة، وهناك من اتخذ من التسول مهنة دائمة بلغت طرق البيوت في الأحياء واكتساح أبواب المساجد، لكن...! يبقى الخطر في أولئك الذين يعتدون على أبناء المنطقة أو المدينة من الجزائريين ليغتصبوا منهم أموالهم،
لكن الشيء الملاحظ، أن قضايا تزوير العملة واستعمال المزور واستعمال المسحوق العجيب لاهام ضحايا سقطوا في وكر الخديعة بدأت تعرف تطورا ملحوظا بالنسبة لوسائل ومصالح الدركية والأمنية، مما جعل هذه الآفة تشكل خطرا حقيقيا على المواطن الجزائري إلى جانب الاعتداء على المواطنين، حيث قامت الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني لدائرة مغنية إحدى المرّات بتحرير قاصر من قبضة عصابة افريقية، كانت تهدده بالقتل وانتهكت العرض، وحسب ذات المصادر الموثوقة أنه إحدى الأمسيات الحارة قام شخصان يبلغان من العمر 21 سنة و16 سنة من قرية البطيم التي تبعد عن بلدية مغنية بحوالي 7 كلم بجولة عبر الحقول والمزارع المحاذية للقرية إلى غاية قرية أولاد معيذر، أين أحسا بالعطش وحاولا الاقتراب من حوض مائي للشرب حسبهم لكن صاحب المزرعة ظن أنهما سارقان فطلب من عماله الذين كانوا يشتغلون عندهم من جنسية افريقية باعتقالهما، لكن الشخصين لاذا بالفرار في حين وقع القاصر البالغ من العمر 16 سنة في قبضة هؤلاء الأفارقة الذين قاموا بتكبيله وربط يديه إلى الخلف ورجليه بسلسلة من الحجم الكبير وإغلاقها بقفل كبير، ثم وضعوه داخل كوخ مهجور يبيتون فيه، مصالح الدرك الوطني وفور تلقيها للمعلومات قامت بدوريات مكثفة للبحث عن الضحية من خلال تطويق المكان الذي كبل فيه القاصر وتوقيف صاحب المزرعة إضافة إلى إفريقيين من جنسية مالية يبلغ سنهما 27 و28 سنة على التوالي فيما لاذ الثالث بالفرار.
نزوح مخيف وأرقام مرعبة
وتعدّ الجزائر بلد عبور بالنسبة للأفارقة القادمين من دول الساحل وغرب ووسط إفريقيا، بحيث يقيمون فيها بأعداد كبيرة للدخول إلى إسبانيا عبر التراب المغربي، ورحَلت الجزائر عام 2006 أكثر من 800 مهاجر إلى بلدانهم، وحسب ما علمناه من ذات المصادر فإنه ما بين جانفي 2002 و2011 تم ترحيل أزيد من 35 ألف مهاجر إفريقي إلى الحدود من قبل قوات الأمن الجزائرية.
فكل المؤشرات تؤكد تصاعد موجة الهجرة غير الشرعية عبر حدود الجزائر مع المغرب، ويصعب التحكم في تدفق النازحين عبرها بسبب شساعتها ووعورة مسالكها وتضاريسها، فإحصائيات المتداولة بين مصالح الدرك الوطني ومصالح الأمن تشير إلى تزايد عدد النازحين والمهاجرين غير الشرعيين خلال السنوات الأخيرة، فمن 200 موقوف عام 2000 إلى أكثر من ألفين مهاجر سري عام 2006 جنسية افريقية، وقد كشفت الأرقام المعلنة من طرف جهاز الشرطة القضائية لأمن دائرة مغنية ومصالح الفرقة الجهوية للتحرّي حول الهجرة غير الشرعية، بشأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية خلال الفترة ما بين 2001 و2011 عن إحصاء ما يزيد عن 4234 مهاجر غير شرعي قدموا من 27 جنسية افريقية، أغلبهم من المالي قدّر عددهم 1670، أما الباقي فيتوزعون ما بين الكامرون، غامبيا، والسينغال والكونغو الديمقراطية، بوركينافسوا ونيجر، كما أوقفت ذات المصالح 200 شخص من جنسية هندية و38 شخصا من جنسية باكيستانية، و15 مهاجرا من بنغلاداش وشخصا واحدا من جنسية أفغانستانية، وقد تكفلت الشرطة القضائية بإعادة ترحيلهم إلى مواطنهم الأصلية، من بينهم أيضا 480 مغربي تسللوا إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية وهذا بعد متابعتهم قضائيا.
5000 إقامة غير شرعية وأكثر من 400 حالة عبور غير شرعي
وعلى عكس السنوات الفارطة بلغت الهجرة السرية السنة الماضية على مستوى إقليم ولاية تلمسان أزيد من 5000 إقامة غير الشرعية وأكثر من 400 حالة عبور غير الشرعي، وهنا أكدت المصالح المعنية أنها قامت بالعديد من عمليات ترحيل هؤلاء النازحين والمهاجرين الذين كانوا يقيمون بطريقة غير شرعية على التراب الجزائري بطرق مقبولة إنسانيا وذلك وفقا للإتفاقية الدولية المتعلقة بالهجرة غير الشرعية ولهذا الغرض فقد تم سنة 2008 تدشين مقر الفرقة الجهوية للأمن الوطني للبحث ومكافحة الهجرة غير الشرعية بمغنية وتغطي نشاطات خمس ولايات وهي تلمسان، عين تموشنت، سيدي بلعباس، النعامة، وسعيدة لتشمل 440 كلم من الحدود الإقليمية و150 كلم من الحدود البحرية أي ما يعادل مساحة إجمالية تقدر ب 47656 كلم وتبلغ مساحتها 990 متر مربع وتعتبر ثالث فرقة من نوعها على المستوى الوطني بعد تلك المنشأة سنة 2007 بجانت.
إذن هي مأساة إنسانية يعيشون تفاصيلها يوميا، حيث يعجز اللسان عن وصفها وتبقى أقوى الكلمات ضعيفة للتعبير عنها، ونحن نخترق أغوار قيطوهات هؤلاء الأفارقة بمغنية، لكن لم يكن من السهل التقرب منهم بالأمر الهين، خاصة وأن الصحافة هولت من أمرهم وشأنهم وعاملتهم استنادا حسب تصريحاتهم بشكل سطحي يوحي بأنهم ليسوا بشرا ولا يستحقون العيش والتمتع بالحياة الكريمة كغيرهم، وكان لزاما علينا أن نقدم أنفسنا بعد جهد وجهيد في الحديث معهم لإقناعهم بأن هدفنا الوحيد هو إطلاع الرأي العام على وضعيتهم الحقيقية وحالتهم اليومية ومطالبهم الشخصية.
أسباب مختلفة ومصير واحد
أربع ساعات كانت كافية من وقتهم لمعرفة تفاصيل مجيئهم إلى هذا المكان، ومشاريعهم وأحلامهم وآمالهم المستقبلية، ومعاناتهم ومأساتهم، حيث لم يجدوا من سبيل إلا في تحد الصعاب ومشاق السفر الذي صدق من اعتبره قطعة من العذاب وتذليل العقبات التي لا يقدر على تحمل مشاقها إلا من عركته المحن وصهرته في قالب من صبر لا ينفذ في سبيل النجاة من الجحيم والتطلع لحياة ومفاجآت غير سارة أكثر من أن تحصى أثناء الطريق، حيث يؤكد هؤلاء الأفارقة أنه لا يصل إلى مغنية إ لا المحظوظ طويل العمر الذي يفلت من مخالب الموت المحقق الذي يحدق بالإنسان من جانب وسط الحدود حظوظ الحياة فيها تنعدم، عبر رحلة عذاب يعجز اللسان عن وصف معاناتها التي تبدأ حسب أحد الذين التقيناهم في أحد شوارع المدينة بمحاذاة المكان الذي يقيمون فيه، واد "..واردفوا.. "، أنهم جاءوا على مطايا مختلفة، منهم النيجري، والغيني، والكيني، والسنغالي،....الخ، منهم الرجل الوالد وما ولد، ومنهم العامل الذي ترك عمله، والعاطل، والهارب من جنون العقائد أو طيش الرصاص....حكاياتهم حكاية إفريقيا تنظر في مرآة من خشب ولا ترى سوى جوعها ومآسيها وأطفالها،....تلك الجوانب التي يكشفها البعض منهم وتكاد حكاياتهم تتشابه، كيف وصلوا إلى مدينة مغنية، فمغامرتهم انطلقت مباشرة من فكرة إتمام دراستهم العليا أوالعمل بإحدى الدول الأوربية، فكان أن وصلوا إلى مغنية ونجحوا في اجتياز الحدود ووصلوا إلى مدينة الرباط المغربية ولم تكن تفصلهم عن مدينة طنجة إلا مسافة قصيرة ويتحقق حلمهم، لكن المغاربة نكلوا بهم وبزملائهم وسرقوا منهم كل ما جمعوه من أموال طيلة سنوات عدة وألقوا بهم كما يلقى بالقمامة في الحدود الجزائرية، وختم أحدهم منهم دردشته معنا بأن الأفارقة ليسوا لوحدهم الذين يتعرضون لتعسف السلطات المغربية بل حتى الجزائريين المتواجدين بمحتشدات مليلية والذين تجاوز عددهم الآلاف، لم يسلموا هم أيضا من ذلك، وحسب اعتراف بعض الغانيين، أنهم قطعوا آلاف الكيلومترات، مروا بالنيجر، واستعملوا جميع وسائل النقل الممكنة، وغير المتوقعة أيضا، عرفوا الجوع، والعطش، وعانوا من العقوبات أحيانا، ومن الاعتداءات أحيانا أخرى، حيث في ليبيا كانت الأمور حسنة، استطاعوا العمل وربح بعض المال، لكن كان عليهم أن يغادروا، فهدفهم هو إسبانيا، ومن أجل إسبانيا يجب التقرب من الحدود الجزائرية المغربية، وفي انتظار سراب أوروبا، يخيمون (يعسكرون) بمغنية على أبواب المغرب.
إنها مأساة الآلاف منهم ومن شبابهم، خجلون، حذرون، متخوفون، ورحلة أخرى لازالت في انتظارهم البعض منهم انتهى بهم الأمر كمزارعين بأستراليا، والبعض الآخر بلا هوية في سان دانيس، الأقل حظا عادوا أدراجهم من حيث أتوا مطرودين من طرف سلطات البلدان، عددهم بدقة غير معروف ولا أحد يستطيع التكهن، فهو خاضع للتغييرات والتقلبات لدى المهاجرين أنفسهم، لا يتجاوز سنهم الثلاثين سنة هجروا ديارهم نحو وجهة مجهولة، ومستقبل يكتنفه الغموض ليجدوا أنفسهم في الأخير في مكان أنه مجرد مركز للعبور وممر نحو أفاق زاهرة، لا يعرفون شيئا، بقائهم مرهون بالشك والصدفة هم حلمهم واحد الوحيد العبور إلى " أوروبا "، ومنهم من عبروا عن نيتهم في البقاء بالجزائر وطلب حق اللجوء بها لما يعانون من حروب أهلية وصراعات عرقية، حيث صرح لنا أحدهم بعد أن رفضت السلطات الجزائرية قبول طلبه......فالنازحون حسب تصريحاتهم أتوا للانضمام إلى مجال العمل في مغنية وليس هروبا من المجاعة والحروب.
ولكن لماذا مغنية بالضبط.....؟
إن كل الدلائل توحي بأن مغنية اسم معروف لدى الأفارقة، خاصة وأنها مدينة تجارية تحتل موقعا استراتيجيا وقد زارها قبلهم آخرون، فبعد أن فرضوا تواجدهم غير الشرعي ضمن نطاق سياسة الأمر الواقع بدأت تداعيات تواجدهم في الظهور، فنشأت دولة جديدة اسمها جمهورية "...الواد..." بين الجزائر والمغرب قد تصبح قضية إنسانية، ووجودهم أصبح يعتمد على منطق القوة، والتحكم في مقاليد الحكم بجمهورية واد "...وردفوا..." الذين عاشوا فيه ظروف أقل ما يقال أنها قاسية خاصة خلال الأيام التي تساقطت فيها الثلوج والأمطار، مما أدى إلى سقوط بيوتهم التي نصبت بالأخشاب والورق (كارطون) فصعب عليهم تحمل البرد الشديد فلجأوا إلى الهروب إلى أماكن الدفء، مقترنين بذلك إقامتهم بالفنادق وحمامات ومقاهي المدينة، ومنهم من لجأ إلى استخدام بيوتا بلاستيكية لإيواء نفسه من قساوة الطقس بسبب تدهور وضعهم الذين آلوا إليه بشكل مزر، هدفهم البحث عن العمل وجني الأموال من أجل هذه الفئات، الهم الوحيد لقوتها وقوت عائلاتها التي بقيت في "جرف الخيمة"، ذلك المكان النائي ذا التضاريس الوعرة والذي تزهر به بساتين من أشجار البرتقال والزيتون.....هنا ملكية الغنيين، المجموعة السكنية، أحدهم الذي رفض أن يدلي باسمه، يعرف بعض الكلمات العربية، قوتهم حبات من البطاطس هبة من فلاحين كرماء، يقيمون على الضفة المقابلة، وضعت في قدر فوق نار وقودها الخشب، وهو الأكثر أقدمية بين أصدقائه، أو باعتباره القائد لهم، حيث يقول أنه هنا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وقد سافر عدة مرات إلى المغرب، ويعرف جيدا المسالك والطرق المؤدية للمغرب، هذا الغيني المغترب شخص له أهداف منشودة " الوصول إلى أوروبا والعيش فيها "، معتبرا بذلك الرحلة التي خاضها مسألة حياة، لكنه في نفس الوقت موت مؤكد....بل إنه العدم، حيث لاتطلع للمستقبل، يخوض فيه مخاطر كبيرة، لكنه على الأقل متيقن كل اليقين أنه سيصل يوما إلى مبتغاه.....
مواجهة وضع غريب في وطن غريب بالقرب من بلد أغرب بكثير..
وليس بعيدا عن نقطة هذا الغيني، وعلى أرض مغمورة بالمياه، أشخاص من جنسية افريقية هنا تحت أكواخ من أكياس القمامات، فهنا طبعا، الكل يعمل، في العادة غذاؤهم الأرز، البطاطا، أو الدقيق.....المعسكر هنا مغطّى بالقاذورات، علب السردين، وعلب الياغورت، وبعض مواد البناء مبعثرة هنا وهناك وأثواب رثة منشورة على أغصان الأشجار، سيد موقفهم الحذر، منهم من أبوا التحدث معنا ومنهم من رحب بذلك، باعتبارنا صحافيين هدفهم التقرب منا لإيصال رسالتهم إلى الرأي العام، أو الاتحاد الإفريقي كما زعم البعض منهم، إنهم أناس عبور، نادرا ما يستقرون أكثر من شهر هنا، أحيانا يسجنون، وأحيانا أخرى تحرق أكواخهم، لكن تعلموا شيئا واحدا، ماداموا هنا لاحلّ لديهم، السعادة الأبدية، لامحالة منها، هدفهم الوحيد من هذه الرحلة، هو حل مشكلتهم، ومشكلتهم هي.....كيف يعيشون وأهلهم.....؟ مصيرهم وما ينتظرونه لا يعرفونه.....وقد اعترف لنا البعض منهم أنهم مستعدون البقاء في مدينة مغنية لو تمكنوا من الحصول على عمل بها، مجبرين على مواجهة وضع غريب في وطن غريب بالقرب من بلد أغرب بكثير، فلا هم تمكنوا من تحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا ولا هم استطاعوا العودة إلى أوطانهم ليبقى الخوف بذلك يتجلى الجزائريين خاصة هذه المنطقة الحدودية، ليبقى هذا الوضع المؤقت والذي ربما سيطول، والذي يعني المئات من البشر، يضع المنظمات المسؤولة أمام الأمر الواقع.
المساجد للحصول على الصدقات والتسول سمة الجميع
يكفي أن نتجول بشوارع مغنية لنقف عن قرب على حجم مأساة هؤلاء الأفارقة في الأشهر الأخيرة خاصة هذا الشهر على سابقيه، حيث اكتسحت الشوارع و الدكاكين والأرصفة بهؤلاء طالبين يد المعونة من أهل المنطقة والتسول في الأسواق والأماكن العمومية بما فيها المساجد وذلك بعد اشتداد قساوة الجوع، أما المقاهي وشوارع كل الأحياء، ومصالح الصحة والوقاية والبريد والمواصلات و.....وغيرها، حيث اكتسحت مداخل أبواب وأرصفة المساجد بهؤلاء طالبين يد المعونة من أهل الحي والتسول، وذلك بعد اشتداد قساوة الجوع والشيء الذي لفت انتباهنا عند مدخل المصلّى وخاصة أثناء إقامة الصلاة هو تقربهم إلى الصلاة بجانب المصلين دون وضوء ولا نظافة متسخين وذوي أحذية ملونة بالدخان ومنهم من يمشي حافيا، التي ما إن يقترب المصلي منهم حتى يشعر بجو كئيب يخنق الأنفاس فرائحة الدخان المتصاعدة تظهر من بعيد والروائح الكريهة تنتشر في كل أجسادهم، كلها عوامل توحي بأننا على مقربة من عالم آخر يعايش فيه المصلي القاذورات وما تحمله من جراثيم وروائح نتنة بأتم معنى الكلمة.
مهاجرون أفارقة معذبون في الأرض
فقد أصبحت منابعهم الرئيسية كأنهم أهل هذه المنطقة منذ سنين وهم على مرأى الجميع، ومنهم من لجؤوا إلى البحث وسط القاذورات وأكوام القمامات، لعلهم يجدون بعض ما يمكن جمعه، من مواد قابلة للاسترجاع، كالمواد الغذائية يكون قد استغنى عنها الأغنياء، وتخلصوا منها برميها في زبالتهم، ذلك هو حال مجموعة من المعذبين في الأرض، ومن مختلف الأعمار تراهم في هذه المزابل أو سلات الأوساخ التي ما إن يقترب الإنسان من مكانها حتى يشعر بجو كئيب يخنق الأنفاس فالدخان المتصاعد يظهر من بعيد والروائح الكريهة تنتشر في كل مكان، والشيء الذي لفت انتباهنا عند وصولنا هو ذلك الأمر الذي يدعوا إلى التقزز بهذه الأماكن والأفارقة متسخين وذوي أحذية ملونة بالدخان ومنهم من يمشي حافيا، وبأيديهم شيء أعد خصيصا للتنقيب داخل أكوام الأوساخ بحثا عما يمكن جمعه، فمعاناتهم متواجدة وأكبر من أن يعبر عنها اللسان أو تصفها بعض الكلمات، المواطنون من جهتهم رفضوا وجودهم باعتبار أن هذه المدينة كانت مسرحا لأحداث ومواجهات دامية في شهر ماي 2002، حيث اندلعت حرب عنيفة بين الماليين والنيجريين النازحين لواد جورجي بمغنية، أسفرت عن إصابة البعض منهم بجروح نقلوا على إثرها إلى المستشفى، حيث استعملت في هذه المواجهات الأسلحة البيضاء، وكانت نهايتها إضرام النيران في خيمتي المالي والنيجري، الأمر الذي استدعى تدخل مصالح الأمن لوضع حدّ لهذه المواجهات التي كانت عواقبها وخيمة، نفس الأحداث شهدتها منطقة الواد سنة 1999 في مواجهات عنيفة اندلعت بين الأفارقة المسلمين والمسيحيين، أحداث قصتها حسب بعض العارفين منهم، اصطحاب أحد النيجيريين لامرأة عارية إلى ضفة المسلمين وممارستها للجنس في وضح النهار، حيث كان الماليون يهيؤون أنفسهم لصلاة الظهر، وكانت نهاية هذه الحرب التي استعملت فيها الأسلحة البيضاء إصابة حوالي 40 إفريقيا بجروح متفاوتة الخطورة، نقل بعضهم إلى المستشفى للعناية المركزة، كما شب حريق على طول 205 متر وعرض 52 متر بالبيوت التي نصبت بالأخشاب والورق، ولولا تدخل رجال الحماية المدنية ومصالح الدرك الوطني ومصالح الأمن لكانت العواقب وخيمة.
وجدير بالذكر مما أكدته بعض المصادر المطلعة من جنسيات مختلفة من الأفارقة أنه على الرغم من وجود صعوبة من السلطات الإدارية لإعانتهم إلا أنهم حظوا بمعاملة إنسانية حسنة، فحتى مصالح الأمن بما فيها الشرطة لم تكتف إلا بمراقبة بطاقاتهم ووثائقهم، ولا تمارس أي ضغط أو أي عنف عليهم، أما من حيث المساعدات من مواطني مغنية فحدث ولا حرج، فعلى مشارف بلدنا رجال ونساء يعانون، وأطفال يولدون إنسانية تقاوم من أجل العيش، ليس من باب الشفقة، ولكن واجب الإنسانية يحتم علينا إيجاد مكان في قلوبنا لهؤلاء الأحياء البؤساء الجائعين، والجزائري بطبعه المضياف وروحه التضامنية لن يتخلى عن هؤلاء البؤساء لمصيرهم المحزن، خاصة الهلال الأحمر الذي لم يبخل عليهم بالوجبات والذي فتح أبوابه في وجه أي كان خدمة للإنسانية وتبعا للمبادئ العالمية لحقوق الإنسان لا غير.
أوهام العمل...وأمراض فتاكة
أصبحت سوق اليد العاملة السوداء مصدر ربح المقاولين والبنائين والعاملين والفلاحين و......الخ، إذ وجدوا في هؤلاء الأفارقة المهاجرين غير الشرعيين مصدرا يدر عليهم أرباحا طائلة، دون الاضطرار إلى دفع المبالغ المالية التي كانوا يدفعونها للجزائريين العاملين عندهم، إذ يقومون باستغلال هؤلاء الأفارقة اعتمادا على عضلاتهم المفتولة وقبولهم للعمل في كل الظروف مهما كانت خطيرة أولا ترعى أدنى شروط الأمن والوقاية، إذ يكلفونهم بأشغال تعتمد أساسا على القوة وبطرق يدوية اجتنابا لكراء المعدات اللازمة، كنزع البطاطا أو المطرقة التي تكلف هؤلاء الفلاحين و المقاولين أموالا باهضة، والغينيون مفضلين أكثر ومقبولين لدى ساكنة مغنية، خاصة فلاحو المناطق المجاورة الذين هم بحاجة إلى السواعد العاملة، فغالبا ما يستخدمونهم في أعمال الزراعة والفلاحة، إنهم عمال محترفون، ومجدون باعتراف الفلاحين، حيث لا يكرهون العمل، كما لديهم سلوك مثالي، إضافة إلى كل هذا فإن المهاجرين غير الشرعيين يقبلون العمل من الفجر إلى المغرب أو أكثر بمعنى يتجاوزون الحجم المحدد قانونا للعمل، كما أنهم لا يتقاضون نفس الأجر الذي يدفع للجزائريين في غالب الأحوال، مع العلم أن هؤلاء المقاولين والبنائين و الفلاحين و......وغيرهم لا يدفعون دينارا للضرائب مقابل تشغيل هؤلاء الأفارقة، ولا حتى تأمينهم بحكم أنهم لا يملكون أوراق تثبت هويتهم، ناهيك عن رخصة العمل، وبدون اتخاذ الإجراءات القانونية......كما أن هذه الموجة التي تحمل مختلف الجنسيات التي حوصرت شوارع المدينة والأحياء لا تتوقف عند حد الاستقرار على التراب الوطني، بل هي مفتوحة على احتمالات وعواقب وخيمة، إذ يكفي معرفة أن هؤلاء الأفارقة ملزمين قبل الدخول إلى مغنية عبر الحدود إثبات حيازتهم على دفتر تلقيح إلى جانب التأشيرة، لأن الأفارقة بإمكانهم نقل أمراض خطيرة ومعدية، كالملايا، والحمى الصفراء والتيفوئيد والجرب وداء السيدا، وفي هذا الصدد سبق أن توصلت المصالح المعنية سنة 2006 إلى العثور على 6 أشخاص مصابين بأمراض خطيرة منها السيدا، وفي سنة 1999 استقبل مستشفى مدينة مغنية أحد الماليين الذي أصيب بالداء التيفوئيد وتبين فيما بعد حسب بعض المصادر من مغنية، أنه حامل لفيروس السيدا، كما استقبل المستشفى إحدى الماليات التي أصيبت بتعفن (كونغارين) في رجليها وتمت معالجتها، هذه الأسباب وأخرى تعود للظروف التي يعيش فيها هؤلاء الأفارقة والتي تفتقد لأدنى شروط النظافة والحياة.
وبالطبع هذه الظاهرة لا تنعكس على هؤلاء الأفارقة وحدهم وإنما نتائجها سيتكبدها المغناويون أيضا خاصة وأنهم على احتكاك دائم بهم، ولا يستبعد أن تعبر هذه الأمراض حدود المدينة والولاية لتتعداها إلى ولايات أخرى، خاصة وأن مدينة مغنية تعتبر من أكثر المدن استقطابا للزوار، ولخير دليل المعاينة التي قامت بها فرقة من القناة الفرنسية الثانية للإطلاع على ظروف معيشة المهاجرين السريين بملاجئ واد جورجي، هذا فضلا عن تنظيم ملتقى دراسي حول وضعية المهاجرين السريين، وكيفية معالجة ظاهرة الهجرة السرية، والذي أشرف عليه خبراء فرنسيين.....وذكرت بعض المصادر أن الجزائر تحرص حرصا شديدا على ضرورة احترام كرامة الإنسان في التعامل مع المهاجرين ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.