مراصد إعداد: جمال بوزيان وقفةٌ مع قواعد لغة الضاد.. ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة. التحقيقُ في سَلامِة جَمْعِ المؤنثِ أوِ المجموعِ ب(الألف والتاء) بقلم: أ.د علي عبد الفتاح الحاج فرهود / العراق توطئة: اتبع النحويون -ولاسيَّما المتأخرون منهم كشُرَّاح ألفية ابنِ مالك والمستدركينَ على شرح ابنِ عقيل وغيرهم ممَّن سبقهم كابن جني (1)- في مصنفاتهم منهجًا موحَّدًا في باب (المبني والمعرب) ومنه أنهم يذكرون -فيما يُعرب بالحروف من الأسماء- الأسماءَ الستةَ فالمثنى فجمع المذكر (السالم) ثم يذكرون -فيما يُعرب بالحركات من الأسماءِ- جمعَ المؤنث (السالم) كما يسميه غالبيتهم فالممنوعَ من الصرف ولعل ذكْرَ جمع المؤنث أو المجموع ب(الألف والتاء) – كما يسميه جمعٌ من النحاة ممن سيأتي ذكرهم لاحقًا - بعد ذكر جمع المذكر (السالم) كان ذا أثر كبير فيما لحِقَ جمع المؤنث من وصف لا يمكن أن يتحققَ فيه كليًّا وهو وصفه ب(السالم) كما هو متحقق في جمع المذكر بشكل غالب إنْ لم يكن كليًّا علمًا بأنَّ صفة (السالم) في سائر كتب النحو قد ألحقَها النحاةُ بالجمعِ غير المكسَّرِ أو جمع التصحيح اعتمادًا على (سلامة) بناء المفرد وهو أمرٌ غير متحقق فيما جمع ب(الألف والتاء) كما سنبيِّنُ . عدمُ سلامة هذا الجمع عند بعض النحاة : لو أنعمنا النظر في خلاصة ابن مالك – فيما يخصُّ جمعي المذكر والمؤنث – لأفدنا أنه قد تنبَّه إلى عدم تحقق صفة (السلامة) فيما يجمع ب(الألف والتاء) كتحققها – على العموم – في جمع المذكر قال في شأن المجموع ب(الألف والتاء) : وما بِتَا وَأَلِف قَدْ جُمِعَا يُكْسَرُ في الجَرِّ وفي النَّصْبِ معَا (2) وهو قولٌ مباينٌ – من ناحية وصف الجمع ب(السلامة) – لما ذكره عن جمع المذكر إذ قال : وارْفَعْ بواو وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ سَالِمَ جَمْعِ (عامر ومُذْنِبِ) (3) فقد صرَّح بصفة (السالم) في جمع المذكر ولم يُشِر إليها في المجموع ب(الألف والتاء) ولاشكَّ في أن ابنَ مالك قد أبدعَ أيَّما إبداع في نظمه خلاصتَه في النحو بأسلوب علميّ لا نجدُ أنه قد لجأ بسبب الضرورة في البيت الخاص بالمجموع ب(الألف والتاء) إلى عدم ذكر صفة (السالم) لهذا الجمع وأنه أرادها ضمنًا فلو أراد هذا لكان الأمر ميسورًا له وهو من هو ومذهبه في الخلاصةِ يخالف مذهبه في أحد مصنفاته إذ ذكر فيه أنَّ (( صيغة جمع السلامة يَعُمُّ (كذا)(1) المذكر ك(الزَّيدِينَ) والمؤنث ك(الهِندَات) ))(2) وإذا كان ابنُ مالك لم يُفصِّلِ القولَ – نظماً – في عدم تحقق صفة السلامة في الجمع المؤنث كتحققه في الجمع المذكر فإن ابن هشام الأنصاري قد صرح – عموماً – بذلك . فقال في شأن الجمعين : (( أما جمعُ المذكر السالم فإنه يُرفع ب(الواو) ويُجرُّ ويُنصب ب(الياء) تقولُ : (جاءَني الزَّيدُونَ ) و (رأيتُ الزَّيدِينَ ) و (مَررْتُ بالزَّيدِينَ ) ))(3) وأما (( ما جُمِعَ ب(ألف وتاء) مَزيدَتين سواء كان جمعاً لمؤنث نحو (هِنْدات) و (زينبات) أو جمعاً لمذكر نحو (إصْطَبْلات) و (حَمَّامات) وسواء كان سالماً – كما مثلنا – أو ذا تغيُّر ك(سَجَدَات) بفتح (الجِيم) و (غُرُفات) بضَمِّ (الراء) وفتحِها و(سِدِرَات) بكسْرِ (الدال) وفتحِها فهذه كلُّها ترفع بالضمةِ وتجرُّ بالكسرة على الأصل وتُنصَبُ بالكسرةِ على خلاف الأصل تقول : (جاءتِ الهِنْدَاتُ) و (مَرَرْتُ بالهِنْدَاتِ) و(رأيتُ الهِنْدَاتِ ) ))(4) . ولا شك في أن تحقق ابن هشام من عدم سلامة المجموع ب(الألف والتاء) في طائفة كبيرة من الألفاظ المجموعةِ على هذا الجمع هو ما جعله يُصرِّح بعدم قبولِه وصفَ هذا الجمعِ ب(السالم) حيثُ قال : ((ولذلكَ عَدَلْتُ عن قولِ أكثرِهِم : جمعُ المؤنثِ السالمِ إلى أنْ قلتُ : الجمعُ ب(الألفِ والتاءِ) لأعُمَّ جمعَ المؤنثِ وجمعَ المذكرِ(5) وما سَلِمَ فيه المفردُ وما تغيَّر ))(6) . وقد اصطلح عليه : الجمعَ ب(الألف والتاء) كلٌّ من الزجاجي(7) والدكتور مهدي المخزومي(8) . السلامة وعدم تحققها في ما يجمع ب(الألف والتاء) : تدُلُّ صفةُ (السالم) في الجمع على أنَّ المفرد منه يبقى (سالماً) من أي تغيير أي: لا يُحذف منه حرفٌ ولا يُزاد عليه حرفٌ – إلاَّ ما دلَّ على الجمع – ولا تتغيَّرُ حركاتُ بِنيته الداخليةِ فسلامةُ المفرد – إلاَّ من الزيادةِ المقتضاة لدِلالة الجمعِ – هي الأمارةُ البارزة المتحققة لتسميته (سالماً) قال ابن الناظم : ((الجمعُ ينقسِمُ إلى (كذا)(9) جمعِ تصحيح وهو ما سَلِمَ فيه لفظُ الواحدِ وإلى جمعِ تكسير وهو ما تغيَّر فيه لفظُ الواحدِ ... ثم جمع التصحيح يُسمَّى (السالِمَ ) ينقسِم إلى مذكَّر ومؤنث ))(1) . ولكن أين هي سلامةُ المفردِ المقصودةِ بعد جمعه كما هو ظاهرٌ من قول ابن الناظم ومن تبعه ؟! والحال أنَّ هذا المفردَ بعد جمعِه ب(الألف والتاء) لا يسلَم مفردُه في طائفة كبيرة من الأسماء المجموعةِ هذا الجمعَ بل يتغيَّر ف(السالِمُ ) هو ما لا يتغيَّر مفردُه بعد جمعِه وغيرُ (السالِمِ ) هو ما يتغيَّر مفردُه بعد الجمعِ . نقولُ في تثنية (مُسْلِم ) : (مُسْلِمَانِ ) وهذه التثنيةُ ناشِئةٌ من ((ضَمِّ اسم إلى اسم مثلِه في اللفظِ فيُختَصَرُ ذلك بأنْ يُقتَصَرَ على لفظِ أحدِهما إذا كان لا فرقَ بينَه وبينَ الآخرِ ويُؤتى بعَلَمِ التثنيةِ آخِراً فيُعلَمُ بذلك أنهما قد اجتمعا وصارا بمنزلةِ شيء واحد ))(2) ف(مُسْلِمانِ ) كلمةٌ ناشئةٌ من (مُسْلِم ومُسْلِم ) فحَدُّ المثنى هو : (( الاسمُ الدالُّ على اثنين بزيادة في آخرِه صالحاً للتجريدِ وعَطْفِ مثلِه عليه ))(3). وفي جمعِه نقول : (مُسْلِمُونَ ) وهذا الجمعُ متأتّ من ضمِّ (( أسماءَ بعضِها إلى بعض متفقةِ الألفاظِ فيُزادُ في آخرِ واحد منها علامةُ الجمعِ فيُعلَمُ أنَّ الجماعةَ داخلةٌ معه ... ودَلَلْنا بهذا اللفظِ على الجمعِ بين أسماءَ كلُّ واحد منها على انفرادِه يُقال له ))(4) : (مُسْلِمٌ) فحَدُّ جمعِ المذكر السالم هو : (( اسمٌ دلَّ على أكثر من اثنين بزيادةِ (واو ونون) رفعاً و (ياء ونون ) نصباً وجرًّا على آخرِه صالِحٌ للتجريدِ عن هذه الزيادةِ وعَطْفِ مثلِه عليه))(5) . مما مرَّ من تثنيةِ كلمةِ (مُسْلِم ) وجمعها يتضح لنا أنَّ هذه الكلمةَ المفردةَ لم ينقُصْ منها شيءٌ من حروفِها ولم يُزَدْ عليها شيءٌ ولم تتغيرْ حركةٌ من حركاتِ بنيتها الداخلية كما لم يتغيرْ حرفٌ من حروفِها إلى حرف آخرَ وما نجدُه فيها – بعد التثنيةِ والجمعِ – هو زيادةُ (ألف ونون ) تارةً اقتضاءً للتثنيةِ و (واو ونون ) تارةً أخرى اقتضاءً للجمعِ فهي تثنيةٌ سالمةٌ بلا ريب وهو جمعٌ سالِمٌ بلا ريب أيضًا . أما (مُسْلِمَةٌ ) فهي كلمةٌ مختومة ب(تاء التأنيث) أو هي (تاء التأنيث) عند وصل الكلام وهي (هاء الوقْفِ) عند الوقف على هذه (التاء)(6) وهذه (التاء) هي عَلَمُ تأنيثِ الاسم وهي باقيةٌ بعد التثنية في (مُسْلِمَتانِ ) والذي حصل للدِلالةِ على التثنيةِ هو زيادةُ (ألف ونون ) فقط فالمثنى سالِمٌ إلا أننا بعدَ جمعِ هذه الكلمةِ لا نجدُ هذه (التاء) نقولُ : (مُسْلِمَاتٌ ) بعدَ حذفِ (التاء) من الكلمةِ المفردةِ أي: يتغيَّرُ بناءُ المفردِ بعدَ هذا الجمعِ ولو أُريدَ تحقيقُ وصفِ (السالِمِ ) في هذا الجمعِ لوجبَ أنْ نقولَ : (مُسْلِمَتَاتٌ) كما قلنا : (مُسْلِمَتَانِ ) في التثنيةِ قال أبو البركات الأنباري : (( والأصلُ في (مُسْلِمَات ) و (صالِحَات ) : (مُسْلِمَتَاتٌ) و (صالِحَتاتٌ) إلاَّ أنهم حَذفوا (التاء) لِئَلاَّ يَجمَعُو إلاَّ أنهم حَذفوا (التاء) لِئَلاَّ يَجمَعُوا بين عَلامتَي تأنيث في كلمة واحدة وإذا كانوا قد حذَفوا (التاء) مع المذكَّرِ في نحوِ قولهِم : رجلٌ بصرِيٌّ وكوفِيٌّ في النسَبِ على (البصرةِ ) و (الكوفةِ) والأصلُ : (بصرَتِيٌّ ) و (كُوفتِيٌّ ) لِئَلا يقولوا في المؤنثِ : امرأةٌ بصرتيةٌ وكوفتيةٌ فجمَعُوا بين علامتَي تأنيث فلأَنْ يحذِفوا ههنا مع تحقق الجمعِ كانَ ذلكَ من طريقِ الأوْلى . فإن قيلَ : فلِمَ كان حذفُ (التاء) الأولى أوْلى ؟ قيل : لأنها تدُلُّ على التأنيثِ فقطْ والثانيةُ تدلُّ على الجمعِ والتأنيثِ فلما كان في الثانيةِ زيادةُ معنًى كان تبقِيتُها وحذْفُ الأولى أوْلى ))(1) . والحقيقة أن تعليل أبي البركات لهذا الحذفِ مقبولٌ من جهةِ عدم التصنعِ في إيراده الدليل ولكنَّ الاعتراضَ عليه واردٌ أيضًا والنظرَ في دليله ممكنٌ فعلامتا التأنيث قد اجتمعتا في كلمةِ (فاطمَة ) وهما : التأنيثُ المعنويُّ المستقى من أَنه اسمُ امرأة ( ) والتأنيثُ اللفظيُّ المستقى من (تاء التأنيث). وعند الجمع نقولُ : (فاطِماتٌ) بعد حذفِ (تاء التأنيث) وهي علامةُ التأنيثِ اللفظيةِ. وهو جمعٌ متضمِّنٌ علامتَي تأنيث هما: التأنيثُ المعنويُّ – كما مرَّ - والتأنيثُ المستقى من (تاء) الجمعِ كما ذكر أبو البركات.