في الحقيقة الطبيب كان نصوحا معي بعد أن لاحظ أن حقنة الكورتيكوويد لم تفعل لي شيئا إزاء الحساسية فنصحني بالمشي ... والحقيقة أن الكورتيكوويد تعشقه النساء لأنه يجعل البشرة مشدودة ومليئة دون الحاجة للسفر الى لبنان لاجراء جراحة تجميلية ... والكورتيكوويد له اضرار على العظم ولكن النساء مستعدات للتضحية بالهيكل العظمي شخصيا من أجل نشوة ثلاثة أسابيع من الجمال ... الجمال بفتح الجيم طبعا وهذا لتفادي الالتباس مع الكيدار ... وأستحضر هنا طُرفة حكاها صحفي جزائري سافر الى لبنان في مهمة صحفية ووجد الى جانبه في الطائرة العجوز الشمطاء التي تدير جريدة فُجر تنشر فيها أساطير ضد الهوية العربية الاسلامية ... قلتُ الصحفي حكى أنه وجد العجوز الى جانبه فتحاورا وفهمت منه أنه في مهمة صحفية وادّعت هي أيضا أنها في مهمة صحفية ... وربّك حڨ كبير ويعطيك مناسبات لترى صحة ادعاءات ناس يكذبون ... قال الصحفي بأنه في رحلة عودته من لبنان وجد عجوز الأساطير معه في نفس الطائرة ... ويا للعجب!! ويا للمفاجأة!! ويا مڨلوع الدلاّل ... العجوز الصحفية تحولت الى شابة صحفية ... وخدودها المشودرة صارت خدود صبي ... وأخاديد المكسيك التي كانت على وجهها صارت بمثابة مرآة ملساء لهاتف هواوي الذي أملك مثله وحاربنا عليه طرامب ... الصحفي استنتج بأن عجوز الأساطير قد سافرت في مهمة صحفية الى لبنان لشدّ الحنك!! ... ولبنان يا دڨدوڨ معروفة ورائدة عالميا في جراحة التجميل ... ينفخون لك ما تشاء من تجاويف وتقعرات جسدك ... ويضعون لك البلاط حيثما تريد تحسين التهيئة العمومية لشوارع وطرق ودروب جسمك في اطار تجميل الواجهة الحضرية لفخامة جسمك ... حتى ولو كان وجهك مندوب مثل تلك الندوب التي على شارع شويحة انتاع المفاتيح ... وين كُنا؟ إيه تفكرت ... قلت الطبيب أعطاني أدوية أخرى بزيادة مضاعفة في الجرعة وطلب مني المشي لكي أسهم في تنظيف البيئة والمحيط من مكب الأدوية الذي يوجد في بطني. وعملت بالنصيحة متحفزا بثلاثة أشياء: أنا جميل لأنني صرت أعلف الكورتيكوويد بجرعة مضاعفة لها أيضا مخاطر محسوبة على الغدة الكظرية وربي يستر ... كما أنني أملك سيارة فرنسية حديثة أدعكها بالدواستين يعني أنا أمشي ... أما الأهم فهو أنني قد اشتريت بانتوفة بيضاء ...تشعل ... من عند باعة الأحذية محلية الصنع في سوق الرحمة. وهنا أفتح قوسا لأتحدث عن الأحذية محلية الصنع ... فهي لها جمهورها ولها نوعية جيدة جدا خصوصا تلك التي تأتي من تلمسان والمدية ... وهذا حديث يهوّض لجراح يا مخلوق لأنه يتعلق بالجلفة ... فهي التي تحتل المرتبة الأولى وطنيا في انتاج الجلود (ماعز وغنمي) ولديها مدبغة ولكن للأسف المادة الأولية عندنا والدباغة على عاتقنا ... أما الصناعة الحقيقية فالناس حاذقة فيها ... والمصيبة تصبح أكبر حينما نعلم أن الجلفة لديها رصيد تراثي ثري جدا جدا وممتاز في الصناعة الجلدية للأحذية والعتاد الجلدي للصيد والحرب والعتاد الجلدي لحفظ الأغذية كالعكة والڨربة والظبية وووو .... خلوني نزهڨ خير ونتفش ونتنفس على ضياع ثروتنا وعدم اهتمام صناعيينا وأثريائنا باستغلال هذه الثروة ... المهم أنا وش راح لي فيهم ... حڨ راني في البانتوفة على صهوة سيارتي ... سأواصل تطهير مكب نفاياتي الطبية بالسير بسيارتي ... وبينما أنا أدعك الدواستين انفرط جزء من سيارتي يشبه "سلسلة التوزيع la chaine de distribution" في سيارات باقي الغاشي ... ومقولة الغاشي كان يستعملها الوزير السابق نور الدين بوكروح الذي يدعي أنه قرأ لمالك بن نبي ولكنه لم يتعلم منه التواضع ... وفي الحقيقة أنا يحق لي استعمال وصف سيارات باقي الغاشي مقارنة بسيارتي العجيبة ... المهم اضطرني الطارئ الميكانيكي الى أن أترجّل من سيارتي لكي أعيد سلسلة التوزيع الى الترس ... وأثناء نزولي بخفة نسيت أن البانتوفة في وجهها السفلي مشدودة الحنك كخدود صحفية الأساطير ... ونزولي المتهامص والمتفافي بالبانتوفة جعلني أتزحلق على الزفت وسقطت ... طُحت طيحة كلاب كما يقال في عامية الجلفة ... لم ينفعني فيها لا كورتيكوويد ولا مضاد الهيستامين ... والحمد لله الشارع كان فارغ والوقت وقت السحور ... ولكنني استحضرت واقعة لي شتاء سنة 1997 في حين بلغزال في مدخله المقابل للجبانة الخضراء ... كلما تهطل الأمطار تتشكل سيول تأتي من الأحياء العلوية للبناء الذاتي وبوتريفيس فوج 04 وما جاورها لتصل الى حي بلغزال ... ووجدت شيخا طاعنا في السن يريد المرور فوق مجرى سيل خفيف فذهبت إليه بعفوية بقصد تقديم المساعدة "يا الحاج أرواح نعاونك" ... فكان رد الشيخ محفورا في ذاكرتي الى اليوم " يا بني أنا راني لابس صباط طعبي لا خوف عليّ ومانيش لابس من صبابيطكم القالية لي ما فيها لامان" ... حكمة من شيخ يعرف الحياة ... وتحية الى ذلك الشاب المسعدي الى سافر الى البرازيل لحضور كأس العالم لكرة القدم وتجول في شوارع هذه الدولة بالقندورة العربية والصباط الطعبي والمظل "السومبريرو العربي" ... وتحية أخرى الى المصورين الجلفاويين الذين يخلدون اللباس التقليدي المحلي ومنهم الربيع هزرشي الذي نفعنا بهذه الصورة الجميلة ... وتحية خاصة جدا جدا الى سفير الطعبي الشاب المسعدي الخلوق الحرفي بدر الدين العايب ... وهو سفير التراث النايلي بكل ما تحمل الكلمة من معنى ... حفظه الله ورعاه والنداء مرفوع الى أبناء الجلفة وخصوصا غرفة الصناعة التقليدية لتصنيف هذا التراث المادي ...