في ملتقى افتتحه الأمين العام لوزارة الدفاع: تنويه بدور الجزائر في مواجهة التحديات الراهنة لإفريقيا    رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية الكونغو: الجزائر تشهد تطورا على كافة المستويات    بلعابد يُعلن عن دخول مرحلة جديدة لترقية الرياضة المدرسية: رفع الحجم الساعي لمادة التربية البدنية بداية من الموسم المقبل    معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط : اتفاقية لتسويق المنتجات الجزائرية للتخصصات الكيمياوية بموريتانيا    مريم بن مولود : المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية    وزير التجارة يستقبل رئيس غرفة قطر: بحث فرص تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين    الجزائر-جمهورية كوريا : أهمية تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والصيد البحري    السفير الفلسطيني فايز أبوعيطة يؤكد: الجزائر تتصدر المعركة السياسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية    وزير الداخلية يؤكد من خنشلة: الرئيس يعمل على تغيير الأوضاع وتحصين البلاد    سطيف: حجز 383 غراما من الكوكايين و11 ألف قرص مهلوس    أوامر بتجهيز مرافق أخرى: برمجة فتح 26 هيكلا تربويا في الدخول المدرسي    وزير الاتصال محمد لعقاب من جامعة الوادي: الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة ضد الاستعمار    زيدان يحدد موقفه النهائي من تدريب بايرن ميونخ    سريع الحروش ثالث النازلين: نجم هنشير تومغني رسميا في جهوي قسنطينة الأول    أفضل ابتكارات»ستارت آب» في التكنولوجيا والمنصّات الرقمية    توقيع بروتوكول إطار للتعاون البرلماني    "حماس" تبلغ الوسطاء القطريين والمصريين بالموافقة على مقترحهم بشأن وقف إطلاق النار في غزة    تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة    الإعلام الوطني.. دور هام في مواجهة المخططات العدوانية    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    سطيف: الوالي يعاين مشروع التحويلات الكبرى انطلاقا من سد"تيشي حاف"    الحماية المدنية..عيون ساهرة وآذان صاغية لمواجهة أيّ طارئ    شرطة قسنطينة تسترجع كوابل مسروقة    تنظيم احتفالية الخميس المقبل لإحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس شركة سونارام    النخبة الوطنية تنهي المنافسة في المركز الثالث    وفاة المدرب سيزار لويس مينوتي    وزير السكن والعمران والمدينة،طارق بلعريبي: سنطلق قريبا برنامج جديد للسكن الترقوي العمومي    المعركة ضد التّطبيع متواصلة بالمغرب    50 مصمّمة تعرضن الأزياء الجزائرية.. هذا الخميس    العدوان الصهيوني على غزة: الإحتلال يشن سلسلة غارات على مناطق متفرقة من رفح    "الطيارة الصفراء".. إحياء لذاكرة المرأة الجزائرية    الإتحاد الافريقي يؤكّد دعمه للمصالحة اللّيبية    سيدي بلعباس.. رهان على إنجاح الإحصاء العام للفلاحة    المرصد العربي لحقوق الإنسان: إجتياح جيش الإحتلال الصهيوني لرفح "جريمة بحق الإنسانية"    الأسرى بين جحيم المعتقلات وانبلاج الأمل    الصناعات الصيدلانية : الإنتاج المحلي يلبي أزيد من 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    وزير الصحة يشرف على آخر لقاء لفائدة بعثة حج موسم 2024    دراجات/طواف الجزائر-2024/: عودة نادي مولودية الجزائر للمشاركة في المنافسة بعد غياب طويل    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    تدشين "المزرعة البيداغوجية" للمدرسة الوطنية العليا للبيطرة بالحراش    ندوة تاريخية إحياءً لرموز الكفاح الوطني    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    "الكناري" من أجل مغادرة المنطقة الحمراء    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج جديدة للانتقال السلمي للسلطة في إفريقيا
نشر في الشعب يوم 20 - 02 - 2018

عاشت القارة الإفريقية، الأسبوع الماضي، على وقع حدثين سياسيين بارزين، تمثلا في انسحاب شخصيات نافذة من المشهد بعد سنوات من الحكم، ويتعلّق الأمر باستقالة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما ورئيس وزراء إثيوبيا مريام ديسالين.
بعد شدّ وجذب وعقب 8 سنوات من حكم جنوب إفريقيا، انتهى الرئيس زوما، إلى إلقاء خطاب للأمة يعلن فيه استقالته من رئاسة البلاد، بعد يومين من قرار عزله من طرف حزب المؤتمر الإفريقي الحاكم، وقبل ساعات من معركة انتخابات سحب الثقة على مستوى البرلمان.
طوت جنوب إفريقيا سريعا صفحة زوما، وانتخبت الهيئة التشريعية بالإجماع، واحدا من أقرب المقربين للزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، كرئيس جديد، هو سيريل رمافوزا والذي تحلى بهدوء وثقة كبيرين قبل قبول المهمة الشاقة، ليس لأنه رئيس الحزب الحاكم، ولكن لأنه أراد أن يكون رجل التوافق.
انتقال السلطة
بعد 10 أعوام، من نهاية عهد الرئيس الأسبق تابو مبيكي، واستخلافه بجاكوب زوما الذي كان نائبا له، عادت عجلة التاريخ لتخرج زوما من سدّة الحكم ويحل محله نائبه سيريل رامافوزا، وكل هذه الشخصيات لها وزن وإرث نضالي كبير داخل جنوب إفريقيا وإسهامات فاعلة على الساحة الإفريقية والدولية.
واللافت في كل المحطات الصعبة التي عرفتها هذه القوة الاقتصادية، أن عمليات انتقال السلطة، تتمّ بصفر من الأضرار الجانبية، ويتم احتواؤها بشكل دقيق على مستوى المؤسسات الحزبية والدستورية والقضائية.
ورغم بلوغ التوتر أشده، بين الأطراف المؤيدة والمعارضة لزوما، لم ينتقل النزاع إلى الشارع ولم تستقوِ جهة بوسيلة مزعزعة للاستقرار على الجهة الأخرى، وهي صورة إيجابية تنقل عن القارة السمراء، وعن مستوى الديمقراطية في بلد عانى من التمييز العنصري المقيت.
لقد تعاملت المؤسسات الحزبية والدستورية في جنوب إفريقيا بفعالية شديدة مع مسألة رئاسة البلاد، إذ حضرت لكافة الاحتمالات، بدء من تجهيز بديل زوما، وضبط التفاصيل المطلوبة خلال الجلسة الاستثنائية للبرلمان بانتخاب سحب الثقة أو انتخاب الرئيس الجديد، وسهل امتلاك حزب ال «آي. أن، سي» الأغلبية المطلقة على مستوى السلطة التشريعية، عملية انتقال السلطة بشكل سلسل وسريع.
المؤسسة فوق كل الأشخاص
التعمق فيما حدث بجنوب إفريقيا، يكشف مدى امتلاك حزب المؤتمر الإفريقي، لنظرة استشرافية ثاقبة، حينما امتص «أزمة تنامي المعارضة لزوما»، لتظهر كشأن حزبي داخلي، وليس أزمة وطنية بينه وبين الأحزاب المعارضة. فالأخيرة هي من حرّكت أخطاء الرئيس المستقيل واستثمرت جيدا في تدني صورته لدى الرأي العام لما فازت في الانتخابات البلدية بمدن كبرى سنة 2016.
استشعر، الحزب الحاكم حجم الخطر، وكيف يمكن أن يتسبب في تدحرجه من قمة الساحة السياسية بعد عقدين من السيطرة والريادة.
لقد ربط حزب نيسلون مانديلا بين نتائج الانتخابات البلدية وبين الانتخابات الرئاسية المنتظرة سنة 2019، ووجد أن استمرار الوضع لن يخدمه أبدا، وعلى أساس ذلك تحركت معارضة من داخله ضد الرئيس جاكوب زوما.
وعرف الحزب كيف يضبط مسألة الخليفة الأنسب لزوما، ووقع الاختيار على سيريل رامافوزا الذي يحظى بإجماع ومكانة مرموقة لدى الطبقة السياسية وداخل أوساط رجال الأعمال، وفور انتخابه رئيسا للحزب في ديسمبر الماضي تداعت سريعا حصون زوما أمام معارضيه ولم يصمد سوى أسابيع.
تصرف حزب المؤتمر الإفريقي مع زوما منذ بداية الأزمة إلى غاية قرار العزل، يؤكد أنه أعلى مصلحته العليا ومستقبله في إدارة شؤون الدولة على حساب الأشخاص، وأنه فضل إزاحة شخصية رمزية من المشهد على أن يخسر الانتخابات الرئاسية المقرّرة السنة المقبلة.
السياسة الخارجية؟
المتابعون لشؤون جنوب إفريقيا عرفوا جيدا أن بديل زوما، سيكون سيريل رامافوزا، المعروف بارتباطه بعالم المال والأعمال، وهو ما جعل البعض يتوقّع ارتكاز السياسة الخارجية لهذه الدولة المحورية في القارة الإفريقية على مبدأ البراغماتية أكثر من القيم التقليدية المرتبطة بالتحرر ومكافحة كل أشكال الاستعمار والتضامن مع الشعوب وحقّها في تقرير المصير.
الرئيس رامافوزا، الذي احتل المرتبة ال42 في تصنيف مجلة فوربس لرجال الأعمال الأكثر ثراء في إفريقيا سنة 2005، وقبل أن يقتحم مجال الاستثمار، ينحدر من وسط نضالي متشبّع بالفكر التحرري.
فسيرته الذاتيه تبين كيف كان نقابيا وحقوقيا منذ سنوات السبعينات، ناهض الابارتيد وسجن، واشتغل ضمن لجنة إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن، وتعلّم كثيرا من الزعيم التاريخي الذي أراد له أن يكون خليفته في الحكم، قبل أن تميل الكفة لطابو امبيكي سنة 1999.
وبعد ابتعاده عن أضواء السياسة دخل عالم المال، وتحقيق نجاحات باهرة جعلته من أغنى شخصيات جنوب إفريقيا، عاد في السنوات الأخيرة إلى النشاط السياسي داخل حزب المؤتمر الإفريقي إلى أن تولى رئاسته وقيادة البلاد.
كل هذه المعطيات، تجعل أنه من المستبعد وقوع تغييرات في السياسة الخارجية لجنوب إفريقيا، وعلى عكس ذلك، يمكن للاتحاد الإفريقي أن يستفيد من تعافي اقتصاد البلاد وعودة المستثمرين الأجانب مثلما وعد رامافوزا.
وكون الرئيس الجديد نتاج أزمة داخلية للحزب الحاكم، وبالنظر لمكانة وصلاحيات الحزب، يبقى تحويل مسار السياسية الخارجية احتمالا ضعيفا جدا.
وقد خيّب رئيس زيمبابوي إيمرسون مانغاغوا، آمال كل من راهن على سياسة خارجية مخالفة لنهج الزعيم التاريخي للبلاد روبرت موغابي، حيث أكد مانغاغوا في أول ظهور له على «ثبات بلاد على سياسة خارجية تخدم مبادئ الاتحاد الإفريقي وحقوق الشعوب الإفريقية في التحرّر».
ووجّه الشبه بين جنوب إفريقيا وزيمبابوي، أن كلا الرئيسين الجديدين نبعا من أزمة داخل الأحزاب الحاكمة وليس أزمات سياسية كبرى مع المعارضة.
إثيوبيا استقالة لحلّ الأزمة؟
على خلاف ما يمكن أن يفهم في الوهلة الأولى لاستقالة رئيس وزراء اثيوبيا، هايلي مريام ديسالين، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر، تجدر الإشارة إلى أن كل شيء تمّ من أجل «حل الأزمة» وليس «مؤشرا أعمق للأزمة».
حيث صرّح ديسالين، في نصّ استقالته أن ذهابه جزء «من الاصلاحات الهامة التي يجب أن تنجزها البلاد لتفادي انزلاق نحو تمرد عسكري»، ملمحا بذلك إلى أن مغادرته رئاسة الوزراء والائتلاف الحاكم جاءت خدمة للمصلحة العليا للبلاد.
ومنذ 2015، دخلت إثيوبيا في موجة احتجاجات أخذت طابعا إثنيا، حيث تطالب أقلية الأورمو ذات ال40 بالمائة من الكثافة السكانية بحضور أقوى في الحكم وتوزيع أكبر للثروة، معتبرة أن أقليات أخرى ذات ال20 و15 بالمائة من العدد السكاني للبلاد تحوز على امتيازات أفضل.
وقتل خلال الاحتجاجات مئات الأشخاص وسجن الآلاف، وعمد الائتلاف الحاكم في الأيام القليلة الماضية لإطلاق سراح 6 آلاف سجين سياسي، كخطوة نحو التهدئة.
وبعد 3 سنوات، من استخدام مختلف الوسائل لتفادي نشوب حرب أهلية أو تمرّد عسكري، فضل رئيس الوزراء الاستقالة، معطيا الفرصة للائتلاف الحاكم لانجاز إصلاحات عميقة وتجريب أساليب جديدة تحفظ للدولة وحدتها.
واللافت أن إثيوبيا ورغم ما تمرّ به، صنّف اقتصادها سنة 2017، الأسرع نموا في العالم بنسبة نمو ناهزت 8.7 بالمائة، ما يعطي الانطباع عن قوة المؤسسات.
وإذا ما استطاعت تجاوز الأزمة الراهنة بأخف الأضرار، تكون إفريقيا قد امتلكت نماذج جديدة من الانتقال السلمي للسلطة مثلما حدث في زيمبابوي وجنوب إفريقيا وانغولا بعيد عن العنف والتخريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.