«فنّانو الجنوب يعانون التّهميش والإقصاء» أهتم بجمع التّراثين المادي واللاّمادي وطموح لاحتضان متحف تارقي سبق ل «الشعب» أن تحدّثت عن شغفه الكبير بتراث أجداده المادي واللاّمادي، وولعه بجمع والحفاظ على كل ما له صلة بالعادات والتقاليد التارقية سواء تعلق الأمر بالحياة الأسرية أو بالثقافة أو العادات أو الزراعة والصناعة وتربية الإبل وغيرها من أمور معيشة الرجل التارقي.أحمد مولودي المعروف بعاصمة الاهقار بموهبته الفريدة في العزف على تزمارت أو تغنيمت، أي الناي بالتارقية ورئيس جمعية تاهيست الثقافية، يعود هذه المرة ليفتح موضوع متحف التراث التارقي الذي يحاول جاهدا منذ سنين أن يرى مشروعه النور ويجسّد على الميدان لاسيما وقد جمع لحد الساعة مخزونا هائلا من التحف الأترية والفنية القديمة. كشف الفنان مولودي في تصريح حصري ل «الشعب»، عن تمكنه مؤخرا من إعادة تركيب وتشغيل آلة كان يستعملها الأهالي في السقي بالزاعة منذ القدم، «آلة تانوت بمعنى البستان التي بدأت بها الزارعة في مسقط رأسي أبلسة بدائرة سيلت التي تبعد عن قلب الولاية تمنراست بحوالي140كم»، وقد أدخلها إلى المنطقة يضيف قائلا: «سنة 1800 أحد أجدادي المدعو أكوار أحمد سنة، والذي استنسخ فكرتها من النواحي الشرقية لمنطقة جانت وبالضبط من قرية اقلن، حين كان يرافق الوالي الصالح الشيخ أمود كمستشار، ورجع بتانوت إلى الديار وبدأ باستعمالها في الزراعة بالبساتين الصغيرة وسرعان ما عممت الفكرة وتوسع استعمالها». وعن مشروع إعادة تركيب الآلة وبعثها من جديد، كشف مولودي «أنه استعان بذلك من خلال البحث والتنقيب على ذاكرة شيوخ منطقة ابلسة، وكان أول عرض للتجربة في شهر رمضان الفارط بدار الثقافة بتمنراست». أغوديت والفقارة مشاريع قائمة في انتظار متحف يحفظها وإضافة إلى آلة تانوت، فقد تمكّن مولودي سابقا من إعادة بناء آلة «أغوديت» بمعنى «الدلو»، وهي آلة زراعية أخرى تقوم على أساس دلو وخشبة وحجر وتعمل بطريقة فيزيائية في استتباب التوازن حين استخراج الماء من البئر، كما يبقى مشروع تجسيد «الفقارة» طريقة الري التقليدية القديمة قدم الانسان بالمنطقة، مرهون بانشاء متحف للتراث المادي والامادي التارقي، وهو الحلم الذي يراود مولودي منذ 1995، السنة التي بدأ في جمع كل ما له صلة بحياة التوارق من ألبسة وأفرشة وأواني وأدوات وماكنات وغيرها. لقد تمكنت - يقول مولودي - لحد اليوم من جمع الكثير من التحف الأثرية القديمة والأدوات التقليدية، وكل ما له صلة عن قرب أو بعد بالتراث المادي لمنطقة أبلسة خاصة وتمنراست عامة، هذا في محاولة مني للحفاظ على الكنز الثمين للذاكرة الذي هو اليوم مهدّد بالزوال بسبب العصرنة التي جعلت أهالي المنطقة يتخلون عن الكثير من عاداتهم ومستلزماتهم قديمة الطراز ويستبدلونها بالآلات الكهرو-منزلية والأدوات البلاستيكية وغيرها... ويناشد اليوم هذا الفنان المولع بالثرات السلطات المحلية والوطنية لمساعدته في تحقيق حلمه، وتوفير مقر يحتضن متحف الرجل الأزرق حتى يتسنى له «استرجاع كل ما فقد من عادات وتقاليد أهالي المنطقة والحفاظ عليها من النسيان». اللّباس التّقليدي وتزمارت شغف آخر بثقافة الرّجل التارقي
لا تقتصر هوايات مولودي على جمع التحف القديمة فقط، بل هو معروف جدا بارتدائه للزي التارقي الأصيل والكامل في العديد من المناسبات، وعزفه الجميل والفريد من نوعه على تزمارت أي آلة الناي، كما هو ملم ومهتم كثيرا بالتراث اللامادي من خلال تنشيطه بإذاعة الآهقار المحلية لحصة ثقافية تحمل عنوان «طبلة التاي» (الشاي)، وهي تهتم بالتقاليد والعادات والتراث بمنطقة تمنراست. ومن خلال تأسيسه للجمعية الثقافية تاهيست، التي تعني بالتارقية الراحلة البسيطة الصنع، يستعمل فيها الخشب والجلد فقط وهي خالية من الحديد والزخرفة، وتستعمل في سباق المهاري والتدريبات والترحال والرعي، فقد عكف مولودي على عملية جمع وتدوين الألحان القديمة التي تعزف بتزمارت،إلى جانب القيام ببحوث قيمة بمعية مجموعة من الطلبة الجامعيين حول التراث المادي واللامادي. «إنّه كتاب يلم بالتراث التارقي بالمنطقة والكثير من القصص والحكايات والأمثال والحكم التي جمعتها من عند كبار السن مثقفي المنطقة»، يضيف رئيس جمعية تاهست، مشيرا في ذات السياق «إلى التهميش الكبير الذي يعاني منه فنانو تمنراست والجنوب الكبير». «نحن حاملو تراث عريق وأصيل لا نملك لحد اليوم بطاقة الفنان، ولا نستفيد من أية مزايا كما إننا مقصون من المشاركة في التظاهرات الوطنية، لقد أودعنا ملفاتنا على مستوى مديرية التفافة بالولاية العديد من المرات لكن لا صدى يذكر»، يقول الفنان مولودي باستياء كبير.
