لم تعد فكرة الإنجاب حلما يراود المتزوجين حديثا، بل أضحى هؤلاء يتخوفون من إمكانية وقوع الطلاق، بعد أن أصبح هذا الأخير أمرا يجب التكهن باحتمال حدوثه، في ظل قضايا الانفصال العديدة التي تعج بها المحاكم، لذا يفكر الزوجان مليا قبل قرار إنجاب طفل، يمكن أن يكون ضحية لعدم تفاهمهما، وتفاديا لتبعات الطلاق وما ينجر عنه من مصاريف مادية وغيرها. تعرف الظاهرة تصاعدا لا يبشر بالخير، فبعد أن كان إنجاب مولود جديد في سنوات خلت هو الأمر الأهم الذي يبني عليه الزوجان بداية حياتهما، التي يتمنيان أن تدوم، بل يعملان جاهدا من أجل تثبيت المودة والرحمة بينهما، حتى يبنى عش الزوجية ويتحصن جيدا من أي رياح عاتية يمكن أن تعصف به، أما في الوقت الراهن فقد استبعد الكثير من الأزواج فكرة الإنجاب، بل جعلاها آخر أمر يفكران فيه، ولعل أهم سبب ولد هذه الفكرة لدى العديد من المتزوجين حديثا، بل حتى المقبلين على الزواج، هو أن أكثر القضايا التي تعج بها المحاكم هي قضايا الطلاق، فكم من قضية كان أبطالها زوجين أقاما عرسهما وانفصلا في ظرف شهرين أو أقل، وهو ما زاد من مخاوف المتزوجين حديثا من احتمال وقوع الطلاق بينهما، ودخول الأطفال في دوامة وتيهان بين الأم المطلقة التي يمكن أن تتزوج ثانية، والأب الذي سيعيد الزواج حتما، ناهيك عن التداعيات المادية التي تنجر عن الطلاق، والملاحقات المستمرة عند العدالة التي يمكن أن تحدث في حالة عدم دفع الطليق للنفقة. ومن بين الفتيات التي قررت تأجيل فكرة الإنجاب إلى أجل غير مسمى "سلمى" المتزوجة منذ أربعة شهور، تقول إنها وزوجها اتفقا على ضرورة التأني قبل إنجاب طفل حتى يتسنى لهما معرفة نقاط التشابه والاختلاف بينهما، بغية تفادي الوقوع في الطلاق بحضور مخلوق لا ذنب له في المعاناة الاجتماعية التي تنجرُّ عن انفصال الأبوين على حد قولها. أما "فائزة" فتقول أنها تزوجت منذ شهر تقريباً وهي لا تنوي الحمل إلا بعد التأكد من ديمومة حياتها الزوجية، وإلاَّ فإنها ستستمر في تناول حبوب منع الحمل التي دأبت عليها منذ أول يوم دخلت فيه بيت الزوجية. وبالنسبة للجنس الخشن، فإن الأمر يتعلق بالمصاريف المادية المترتبة عن الطلاق، من نفقة الزوجة والتعويض المادي وغيرها من المصاريف التي قال عنها "كمال" أنه في غنى عنها، لذا ظل هو وزوجته السابقة مدة تسعة أشهر وتطلَّقا، بدون إنجاب أولاد لأنهما لم يكونا متفاهمين في أمور كثيرة، لذا قررا عدم الإنجاب باتخاذ إجراءات واقية حتى لا يقع الحمل، وهو ما يحمد الله عليه كثيرا بما أنه تطلق دون أن تتبعه النفقة الواجبة في حال وجود الأطفال. وفي تعليقه على هذه الظاهرة تحدث الأستاذ يوسف حنطابلي وهو مختص في علم الاجتماع عن التفكير الذي كان سائدا في زمن مضى حول معنى الأسرة، حيث كان يرتكز في الأساس على إنجاب الأولاد بغية التوارث والمحافظة على استمرارية النسل، ووجود اسم العائلة، أما في المجتمعات الحديثة ومع التطورات الحاصلة في مجالات التكنولوجيا، فلم تعد هذه الفكرة تعني أي شيء بالنسبة لشباب اليوم، الذي أصبح ينظر إلى الزواج على أنه مشروع مغامرة، لا يمكن التكهن بنجاحها أو فشلها، دون أن يبذل أي جهد في سبيل استمراريته ودوام العِشرة بينهما، لذا يؤخر بعض الأزواج فكرة الإنجاب بسبب المخاوف التي فرضها عليهما المجتمع بسبب ارتفاع نسبة الطلاق بصورة رهيبة، وهو ما جعل هذين الزوجين يفكران في مستقبل الأبناء الذين سيكون مصيرهم الضياع، كما يرى البعض الآخر من الأزواج أن إنجاب الأطفال سيجعل فكرة الاستمرار في الحياة إلى جانب الطرف الآخر أمرا محتما عليه، ومقيدا لحريته بكثرة المسؤوليات المتعلقة بالاهتمام بالأولاد وضرورة توفير مستلزماتهم المادية، لذا يفضل غالبيتهم التريث وأخذ متسع من الوقت والحرية قبل الارتباط الفعلي الذي يفرضه الأولاد حسب تفكيرهم